كل فكرة تعصف في الكيان البشري تجذب إليها أفكارا مشابهة، وتصنع لها متراسا من الحواجز تدافع من خلفه عن جمهرة الأفكار المتفاعلة معها والمتصلدة، كأنها رصاص مصهور صُبّ في قوالب معينة لكي يبقى دون تغيير.
هذه الأفكار عندما تتكاثف وتتفاعل تتحول إلى قوة كامنة في أعماق البشر تسوقهم إلى حيث تريد من غير إدراك منهم أو وعي حاضر عندهم.
الأفكار تتكاتف في لا وعي البشر وتتمكن من عقله وروحه ونفسه وأفعاله، فتسخره لغاياتها وتوجهاتها وما ترغب فيه لتأكيد دورها في الحياة.
فالفكرة- أية فكرة- عندما تجد لها مكانا في رأس البشر فإنها تسخره لتحقيقها وتدفعه إلى أن يبذل كل شيء من أجل أن تكون. والفكرة أنانية جدا ولا يهمها الشخص الذي امتلكته، لأنها تعتبره أداة لها ولتحقيق دورها تحت الشمس، وهي قادرة على أن تحل في رأس آخر غيره وتسخره لغاياتها.
والبشر يوفر الظروف الملائمة لإحلال الفكرة فيه، وعندما تحل الفكرة في الرأس البشري فأنها تتطور وتجذب إليها العديد من الأفكار المساندة والمستوحاة من تأريخ ذلك الشخص وتجربته في الحياة. أي أنها تستجلب حشدا من الأفكار التي تقف لتحارب معها ولتكون جيشا مأمورا بها، فيصبح الفرد البشري مرهونا بإرادتها وعزمها وقوتها واندفاعها. فالشخص المكتئب الحزين يستجلب كل فكرة حزينة مرت في حياته، ويأخذ بتكديس الأفكار الحزينة وضغطها حتى لتراه قد حسب الحياة لا تستحق البقاء مما يدفع به للإجهاز على نفسه وقتلها.
والفرد البشري الشرير الذي تعصف في رأسه فكرة شريرة، فأنها ستجذب إليها كل فكرة توحي بالشر وتشجع عليه وتصهرها في كيانه وتصنع منه أداة فاعلة لتحقيق الشر. وعندما نعود إلى التفاؤل والأفكار الجيدة المبشّرة بالخير والنجاح وتحقيق المُراد، فالفكرة المتفائلة عندما تبلغ مقامها في الرأس البشري فأنها ستجذب إليها كل أفكار النجاح والتطور، وتجعل منه قوة فعالة لتحقيق النجاح والتطور. ومن هنا فالبشر الذي يفكر بحزن ويأس، يستحضر أفكار الحزن واليأس والشك ولا يحقق ما هو مفيد في الحياة.
والبشر الذي يفكر بالتفاؤل والإصرار والتقدم والإيمان بأنه سيكون وينجز شيئا ما في الحياة، سيجذب كل الأفكار ذات العلاقة بالصيرورة وروح النجاح وتحقيق ما يريد ويكون حتما بها. وهكذا فأن التفاؤل بالخير يحقق خيرا وفيرا، والتفاؤل بالشر يصنع شرا مستطيرا. ومثلما يكون الداخل البشري فأنه يصنع ظاهره، وكما تكون أفكاره العاصفة في كيانه فأنه حتما يكون.
إن العلاقة ما بين أعماق الذات البشرية والمحيط الخارجي علاقة متبادلة ومتفاعلة، وربما فيها تأثير الذات على المحيط أكبر من تأثير المحيط على الذات، لأن البشر سينتقي من محيطه ما يتفق وما فيه ويجهل ما لا يتفق معه من الرؤى والأفكار والتصورات، فيبتعد عنها وربما يمقتها ويرميها بأوصاف سلبية.
إن في أعماق الذات البشرية فكرة أساسية واحدة تستحضر إليها الأفكار الثانوية، وتصنع طابورا يقاتل من أجل أن تكون الفكرة رغم كل ما يجري حولها، لأنها ستلتقط أدواتها وتنمّي مهاراتها التي تساهم في صيرورتها وتحققها في الحياة، وكأنها لا ترى ما يعيقها ويمنعها من الظهور.
ومن هذا المنظور يتوجب علينا أن نعيد النظر في أنفسنا ونتفحص الأفكار الكامنة فينا، والتي تؤثر في سلوكنا وترسم محيطنا الذي نعيش فيه، وتحقق فينا مصيبة الانتقاء في الرؤية والنظر وكأنها "فلتر" إدراكي خادع ومُضلل. فما يدور حولنا هو من نتاج الأفكار الكامنة فينا، والتي تريد أن تكون في بيئتنا ليتحقق التواؤم ما بين الذات والموضوع. ولكي نكون لا بد من صهر رصاص الأفكار السوداوية في أعماقنا، بنار التفاؤل والأمل والإيمان على أن الحياة تكون مثلما نريد.
وأن الأفكار الخيِّرة الطاهرة البيضاء التي تعيش في أعماقنا، هي التي سنراها حية من حولنا، فإذا كانت أفكارنا سوداء فكل شيء من حولنا سيكون أسودا معتما. فانزل اللهم السكينة والأمل في قلوبنا واجعلنا في عز التفاؤل والإصرار على الحياة الأفضل، وعلى أن نكون كجوهر ما فينا من القيم ومعايير الإنسانية السامية السمحاء.
و"تفاءلوا بالخير تجدوه"
و"التفاؤل من الله، أما التشاؤم فيولد في دماغ الإنسان"!!
"وتفاءلْ وتفاعلْ عازماً... وتعلّمْ كيفَ تسعى غانما
لا تكنْ فيها يؤوسا خائبا... واجْعَلِ الأيامَ فعلا جازما"!!
واقرأ أيضاً:
رمضان هل نعرف الله؟!! / فين الديمقراطية يا عرب؟!! / فرسان العروبة يتوالدون!! / مؤسسة الدولة!!