في مدينتنا كان الصباح معطرا بعبق "لا إله إلا الله..."
فالمآذن تصدح عند الفجر بالآذان والمدائح النبوية والتراتيل الشجية، فيستيقظ الناس يرتشفون طاقات روحانية وقدرات إيمانية، تمنحهم الهدوء والسكينة، والشعور بالأمان والسلام. وكانت الأطيار تتناجى وتصدح بترانيمها العذبة وهي تتهادى على ضفاف الأنهار، والنوارس تتماوج مع إيقاع الرياح وهدير المياه التي تطعمها بنعيمها الوفير.
وتسدل الأسحار جدائل نورها على أكتاف الساعين في دروب الحياة، وتغذيهم بشهد الألفة والمحبة، وتذكّرهم بمهدهم الإنساني وانتمائهم الإيماني وكونهم الرحماني. وتنبلج في أعماقهم أضواء الابتداءات، وترتفع رايات النهايات، وتتوثب الخطوات لتجد مكانها المتناغم مع زمانها العفيف، المحلى بأطياب السلوك اللطيف، الذي يعزز الرحمة ويجعل الإيمان حرفة.
الصبح يتنفس في مدينتنا ويستحضر الضياء، فتبسط الشمس أشعتها العسلية لتغمر وجه النهار، وتمنح البسمة العذبة للصباح المشعشع بالأحلام والأمنيات والتطلعات المشرقة، كالأنوار المتضاحكة فوق الأشهاد. ويرتعد النيام، وتسري في عروقهم طاقات الكينونة وإرادات الصيرورة الجديدة، التي تحدوهم لمشوار مكلل بالعطاء الجزيل، والتفاعل الأصيل، والأمل الجميل.
وتبدو المدينة وكأنها زهرة تفتحت، وبثت عطرها، وجذبت الناظرين إليها، ليأنسوا بضوعها وبهائها وحسن مقامها، وفيض وجودها الرقراق الدفاق المُعيل.
وينبثق المكنون ويورق ويتألق، بعد أن ارتوى من سلاّف "لا إله إلا الله.."، عنوان الوحدانية، وكنه الرحمانية، وأيقونة الإنسانية وجوهرها، الذي يدعونا للسعي الخالص نحو واهبنا نعمة الحياة والقدرة على الجد والاجتهاد، والتحليق في مدارات الوعي والإدراك الكوني الخلاق.
"لا إله إلا الله..." نداء كوني يتردد في دنيا الأحياء، وتبثه المآذن، وتترنم بصداه الموجودات، وتختزنه الأحياء طاقة عُظمى لإنجازات كبرى، تترجم رسالة المخلوقات الجارية بقدراتها الإيمانية لبناء صرح كينونتها، وشواهد مرورها وامتدادات وعيها، ومسارات سعيها، وهي تتناجى بأبجديات الصلاح والفلاح، لتنطق الكلمة الطيبة الهادية العاصمة من مفردات الخبيث.
"لا إله إلا الله..." أول ما نطق بها البشر، وسار على هديها الرسل والأنبياء، وتنزّلت من محرابها الرسالات، فهي جوهر المبتدأ والمنتهى، ومعدن التنامي في مدارات انتشر!!
"لا إله إلا الله..." عنوان وجودنا، وبرهان السعادة البشرية، فأين نحن من سحرها وقيمومتها السرمد؟!!
واقرأ أيضاً:
شعوبٌ تقرأ وأخرى تزرأ!! / حديث الانفجارات!! / الإذعان!! / وقل ربِّ