"مَن قال أنا عالم فهو جاهل"!!
"وقل ربِّ زدني علما" طه:114
"وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" الإسراء:85
من يتمعن في الحياة ويتبحر بالعلوم والمعرفة يتوصل إلى حقيقة كبيرة مفادها، إننا لا نعرف إلا القليل القليل، ومهما توهمنا بالمعرفة والعلم فإن قدراتنا متضائلة أمام قدرة مبدع الأكوان، وما نعرفه لا يساوي قطرة من محيطات ما نجهله. نحن مخلوقات ضعيفة تتوهم أشياء كثيرة، ولا قدرة لنا ولا قوة على التفاعل مع المطلق البعيد، فنتمحور حول نظريات وتصورات متنوعة، بل وأوهام مهيمنة على وجودنا الدنيوي.
فما نعرفه قليل جدا بالمقارنة إلى ما لا نعرفه ولا ندركه. فحواسنا محدودة في قدراتها على السمع والبصر والإحساس، ونحن مقيّدون بحاجاتنا وضيق أفقنا الإدراكي. وما أرانا إلا نعيش في وهم المعرفة والإدراك. فلسنا ندري وندّعي ندري. ولسنا نفهم ونجزم بالفهم والخبرة وامتلاك الحقائق ومفردات الوعي، والعلم بمكنونات الأحداث والتطورات.
نحن أصغر من أن نعرف وأقصر من أن ندرك، وليس عندنا إلا وعي بسيط وفهم قليل، ورأي ضئيل وفكر قاصر. فالعلم بعيد والفهم حديد. وما علينا إلا أن نتفاعل مع مرتكزات ضعفنا وقصورنا، ونتواصل مع بعضنا من أجل الحصول على بعض الفهم والرأي والإدراك.
إن الذي يريد أن يعلم عليه أن يتعلم ويتفاعل مع العقول المتعلمة، ويخاطبها ويعقل ما يدور في أفلاكها، ويتحاور ويتبادل الرأي والأفكار حتى يصل إلى فهم معقول، ورأي مسؤول وإلا سيعبث بالمجهول.
إن مصيبة البشرية تتلخص بهذا الشعور الزائف بالمعرفة والقدرة على الفهم، ويحسب البعض فيها أن العلم ينتهي عنده، وهو المصيب دائما. وبسبب الجهل المكيد يتوهم الكثيرون بأنهم يحتكرون الحقيقة المطلقة، وينسفون ما عند غيرهم ويحسبونه شرا.
إن هذا الإدّعاء هو الجهل ووهم المعرفة. فالتفاعلات الجاهلة في المجتمعات تخلق الشقاء، وتنمي الأحقاد والبغضاء، وتقضي على المحبة والإخاء بين الناس بمختلف ألوانهم ومشاربهم وعقائدهم.
"ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس له نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد" ق:16.
هذا الإنسان الذي لا يستخدم عقله في معظم الأحيان ويلجأ إلى نفسه المنفعلة، التي تسخّر العقل وتستعبده وتوظفه لكي يعبّر عن رغباتها ونزعاتها المختلفة، والتي في حقيقتها نزعات ضارة.
ومن الملاحظات التي تثير الإعجاب، وتؤكد محدودية العلم البشري، أن علماءنا الأجلاء عندما يعطون رأيا في موضوع ما، يقولون في نهاية حديثهم والله أعلم.
وفي التفاعلات العلمية على مختلف مستويات المعرفة العالمية، تجد العلماء الأقحاح في غاية التواضع والاعتراف بأنهم يعلمون القليل، وفوق علمهم عِلم فياض لا يمكنهم الوصول إليه، وكأنهم يقولون ألله أعلم. فمن عَلِمَ تواضع واستكان إلى الرحمة والخشوع، ومَن جهل تكابر واستبد وأفرط وفرّط في كل شيء.
فالطغيان في الحياة جهل
والإستبداد جهل
وقتل النفس البشرية جهل
والسيئات من إنتاج الجهلاء، الذين يحسبون أنهم يعلمون، وينكرون قول الله تعالى: "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون..." الزمر:9
إن عدم التعقل، والإمعان بالجهل وحسبانه معرفة ووعي، يتسبب في الويلات الإجتماعية والمآسي البشرية. ولو أننا نثابر على المعرفة والعلم لتحولنا إلى وجود متطور، ومجتمع راقٍ يكون مثالا للتفاعل الاجتماعي الطيب في الأرض. وبعضهم يرمي بما نحن فيه على الآخرين ويبرؤونا من أخطائنا، وهذا موقف إسقاطي وتبريري غير مقبول، لأنه يغيّب سؤالا كبيرا عنوانه وماذا فعلنا نحن من أجل خيرنا وقوتنا.
لقد إستثمرنا بالجهل والأمية ومارسنا سياسة التجهيل الديني، وأمعنا بالمذهبيات والطائفيات، ولا نرغب أن نكون أمة واحدة.
"إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فعبدون" الأنبياء:92
وما منا من يتعقل ويدوس على ما يندس من نداءات القوة السيئة الكامنة فيه. فهيا إلى العلم والعمل بمبادئ الدين الحنيف، والابتعاد عن القول الذي لا يعرف فعلا، بل يُحسب أنه الفعل وكفى. كنا نقول ما نفعل وأصبحنا نقول ما لا نفعل، وأمست أفعالنا أقوالا، بل أن أفعالنا في أكثر الأحيان تكون مناقضة تماما لأقوالنا. فحي على خير العمل، وعلى نهج العلم، وتبا للجهل وما فعل.
و"إنّ الجمالَ جمالُ العلم والأدب"!!
واقرأ أيضاً:
حديث الانفجارات!! / الإذعان!! / إصْباحٌ ومصْباحٌ!! / سقوط الإمبراطوريات!!