".. فأما الزَّبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض..." 13:17
البشرية نهر يتدفق من عيون الأزل ويجري بإضطراب نحو بحار ومحيطات الأبد، ولا يمكن لأحد أن يتعرف على بداياته ونهاياته، لكنه يبقى يجري ويجري يإحكام وفقا لضوابط الجذب والدوران. وما يجري يلقي على جوانيه أو جرفه ما خلفه الجريان وفعله بالموجودات السابحة فيه. وعلى مر العصور يلفظ النهر ما هو غثيث وضار وغير صالح للحياة ولا يتفق وإرادة الجريان، ويتركه على الجرف حتى يجف ويموت وتتخلص الحياة منه.
وما يُلفَظ في مسيرة الحياة البشرية قد يطغى على صورتها الحقيقية خصوصا في زمن العولمة، الذي تُسلط الأضواء فيه على الصغائر من الأمور وتُقدمها على أنها الحياة. ففي الإعلام حادثة هنا وأخرى هناك في بقاع الدنيا قد تأخذ صورة كبيرة ويتم اختصار الحياة فيها وربطها بها، وهذا إنحراف وتشويه وعدم إنصاف للحياة.
فالقانون الجوهري أنّ ما يُلقى على جرف الحياة يُسخّر لإفناء ذاته وموضوعه، ولهذا تجد الموجودات الغثيثة الغاشمة تتدافع وتتصارع حتى تقضي على نفسها، وتتطهر الأرض من سوئها وبهتانها ولو إمتد بها الوقت. وما يحصل في الواقع العربي والعالمي، ما هو إلا نوع من إرادة البقاء الأرقى والأصلح والأقوى، فهذه الحالات المحقونة بأفكار غثيثة وضلالات نتنة، تنهال على بعضها وتسعى لإفناء وجودها، وفي هذا خدمة لإرادة ما ينفع الناس. فالموجودات الباقية هي التي تنفع أما ما يضر فتتيسر للقضاء عليه قدرات لا تُحصى، وأكثرها متوطنة فيه وتأخذه إلى متاهات الفناء الحتمي.
ولهذا فإن القراءة اليائسة للواقع تجانب الحقيقة ولا تعرفها، ذلك أن الأرض ترعى طيبا، والحياة تريد طيبا، وأنها لتتخلص من الخبيث بوسائلها التي تبتكرها، والتي تتناسب وحالة الخبيث القائمة على ترابها. وعليه فإن ما يجري اليوم من صراعات الخبائث وتماحق الضار والغثيث، إنما سيؤسس لحياة أقوى وأجمل، وبهذا تجد المجتمعات البشرية بعد أن تمر بمحنة الحروب قد ارتقت وتطورت، وبلغت أوجا جديدا غير مسبوق وإنه لغثيث سيزول وطيب سيؤول ويطول!!
واقرأ أيضاً:
غاب الدنيا!! / القِوى بين الربط والتحدي!! / زويل : إرادة أمةٍ تهزم ويل!! / الدمامل لا تتحاور!!