الواقع البشري يؤكد أن التديّن يتناسب طرديا مع الفساد، والعكس غير صحيح، بمعنى كلما زاد التديّن زاد الفساد، ووصل إلى ذروته ومنتهاه، لأنه محميّ بالتأويلات اللازمة لتبريره وتسويغه، بل وتحويله إلى طقس ديني وربما دين. هذه العلاقة واضحة في مسيرة الأديان كافة، وتأريخها يزدحم بالأمثلة والممارسات التي حققت أفظع درجات الفساد والإفساد في المجتمعات، التي تعبت أجيالها من القهر باسم الدين فثارت عليه وحجرته في زوايا الأماكن التعبدية وحسب.
ويبدو أن مجتمعاتنا تمر بذات المراحل التي عانت منها المجتمعات الغربية في عصور الحكم بأمر الكنيسة المتنفذة المستبدة التي لا يعلو على رأيها رأي أو قرار، وحالما تزايد عدد المتدينين والحاكمين باسم الدين، حتى تربع الفساد على عرش الحياة وتسيّدت الرذائل واندحرت الفضائل، وصارت الشياطين هي الرحمان الرحيم!!
فما يجري في مجتمعاتنا التي تمكنت فيها الأحزاب المتدينة، أو المدعية بأنها تمثل دين، يؤكد هذا الترابط العضوي ما بين الفساد والإفساد والكراسي المتديّنة، التي تحسب أنها صاحبة الحق المطلق، وأن ما تقوم به إنما هو تنفيذ لأمر ربها وترجمة لأفكار دينها، وهي التي صار هواها دينها المزعوم، ومشروعها المرسوم.
الفساد سلوك منحرف يسيء به المرء إستخدام أي مسؤولية تقع على عاتقه، والتدين من المفروض أن يكون معبرا عن السلوك القويم الصالح، الذي يرضي رب المتدين ويساهم في بناء المحبة والألفة الإنسانية والوطنية بين الناس. فكيف تتواءم المتناقضات في وعاء سلوكي واحد؟!
هل أن الفاسدين يجتزؤن من كتبهم ما يبرر فسادهم، ويجعله وسيلة للتقرب إلى ربهم، وقوة لتعزيز إيمانهم وتمسكهم بما يؤمنون به ويعتقدونه؟
هل أن الفاسدين يحسبون ما يدر عليهم الفساد من الغنائم إنما هو رزق من ربهم الكريم عليهم، والذي خصهم بميزة الاحتكار وأخذ الأموال، والإثراء الفاحش السريع، المؤزر بالنهب والسلب واغتصاب حقوق الآخرين؟
إن المتدينين لا يقومون بعمل إلا وفقا لتبريرات وتنظيرات واضحة متكررة من صلب دينهم الذي يتدينون به، مهما كان نوع ذلك الدين، لأن جميع الأديان يمكن أن تؤخذ باتجاهين، فهي سيف ذو حدين، وآلية يمكن تسويغها لتبرير أي عمل سيء، بل أن الأديان يمكنها أن تكون ذات قدرة على تسويغ المنكرات وتمرير الموبقات، وما أكثر المدّعين بالقدرة على الإفتاء المشين.
وتلك محنة كبرى يعاني منها أي دين، بل إنها تشمل أي معتقد ونظرية وحزب وتجمع فئوي وغيره من السلوكيات البشرية الجمعية، التي فيها الغايات تبرر الوسائل اللازمة للوصول إليها!!
وما دينهم إلا النفس الأمّارة بالسوء والفحشاء والمنكر البغيض، وما التدين السياسي إلا تجارة وقناع للفاسدين والآثمين وأعداء رب العالمين!!
واقرأ أيضاً:
الوعي الآثاري!! / الفساد جريمة ضد الإنسانية!! / مَن سرق العرب؟!! / القرار صائب والتنفيذ خائب!!
التعليق: الدين من أهم أدوات الضبط الاجتماعي خاصة في المجتمعات التي توجد بها نسبة كبيرة من الجهل والتخلف والظلم وافتقاد الثقة بين أفراد المجتمع،
تخيل عدم وجود دين في المجتمعات في ظل الأوضاع الحاليَّة ماذا سوف يحدث سوف ينهار المجتمع بالكامل لعدم وجود أداة ضبط به خاصة وأن المجتمعات الجاهلة مجتمعات عنيفة بطبعها وترنو إلى استخدام العنف في حل الصرعات بين أفرادها.
في ظل عدم وجود أدوات لضبط المجتمع كمثل أن يكون القانون فاسدا ووجود نسبة كبيرة للفساد في المجتمع فمن أجل ضبط المجتمع وعدم خروجه إلى حالة الفوضى يجب أن يوجد أداة لضبطه لها قبول عند جميع الأفراد في المجتمع وهي الدين.
إذا لضبط المجتمعات المتخلفة أمامك حلان:
(1) وجود قوة قاهرة فوق المجتمع
(2) أو استخدام الدين.