الديمقراطية ذات مرتكزات أخلاقية سلوكية صعبة، لا توجد عند العديد من المجتمعات التي لا تتمكن من إقامة نظام حكم ديمقراطي في بلدانها. ومجتمعاتنا أبعد ما تكون عن الأخلاق الديمقراطية!! فما جرى في أمريكا - على سبيل المثال - لا يمكنه أن يتحقق في بلداننا في القرن الحادي والعشرين على الإطلاق.
فوعينا الجمعي، لا يمكنه أن يستوعب ديناميكيات الانتقال السلمي للسلطة، والاعتراف بالهزيمة والعمل الوطني مع الخصم أو المنافس الديمقراطي، ففي العرف السائد لابد للحاكم القادم أن يبيد الحاكم السابق ويمحق كل ما يمت بصلة إليه، كما يفعل الأسد في الغاب عندما يستحوذ على عرين أسد آخر، فيقتل جميع نسله ويحفز لبواته لمزاقعته وتأكيد جيناته.
ومعظم الناس قد تابعت الانتخابات الأنريكية، وشاهدت حدة ومرارة التفاعلات والمناظرات فيها، وعندما أزفت ساعة الحسم وفاز الذي فاز، أقر المهزوم بهزيمته، وبالاعتراف بفوز خصمه وتهنئته والوعد بالعمل معه من أجل الوطن، وكذلك جميع الذين عارضوه ووقفوا ضده بل وأنكروه، وهذا لا يمكنه أن يحصل عندنا، لأن الخاسر سيشكك بالانتخابات، وسيساهم في شق صفوف الناس، ولهذا فعقب الانتخابات في مجتمعاتنا - إلا فيما ندر - تتحقق تداعيات مروعة.
والأمثلة عديدة ومتكررة، سواء في العراق أو اليمن وغيرها من البلدان التي تدّعي الديمقراطية ادّعاءً. وهذه السلوكيات أخلاق ومرتكزات ديمقراطية تصل إليها الشعوب بالممارسة والوعي والثقافة الوطنية الجامعة، وتحقق بها قوتها وعزتها وكرامتها ومجدها الحضاري والإنساني. فالسلوك الديمقراطي يمتلك مفردات صعبة وقاسية، لكنها ملزمة وأساسية لبناء المجتمع الصالح للحياة والتقدم والرفاه، ويتطلب إرادات إنسانية فاعلة وقادرة على التعبير عن آليات السلوك والأخلاق الديمقراطية المطلوبة للنجاح والاقتدار.
ففي العرف الديمقراطي، الرأي رأي، والموقف موقف، ومتى ما امتلك الشرعية الديمقراطية فيمكن التعبير عنه وفقا للأصول والمناهج الديمقراطية المعمول بها بموجب الدستور والقوانين الناجمة عنه. أي أن الفوز الديمقراطي لا يمنح الصلاحيات المطلقة، وإنما الفرصة للعمل على تجسيد الرؤى والتطلعات للشخص الذي تم إنتخابه، وتفويضه ليكون ممثلا للناس أو البلاد.
ولذلك فإن المجتمعات الديمقراطية تحافظ على قيم وأخلاق الديمقراطية، وترضى بها مهما كانت صعبة ومريرة، وتعبّر عن رأيها فيها بحرية وجرأة، وتعمل بجد وإجتهاد لتغيرها وفقا للأصول الديمقراطية المعمول بها. ومتى ما نضجت المجتمعات أخلاقيا وسلوكيا، فأنها عند ذاك يمكنها أن تدّعي الديمقراطية، ويكون فيها مَن فاز وسلم المسؤولية لغيره باحترام وتقدير ووطنية صالحة للجميع.
فهل سنمتلك أخلاقا ديمقراطية لنبني حياتنا المعاصرة؟!!
واقرأ أيضاً:
الثقافة القانونية!! / العرب بين الذئاب والرعاة!! / غابت الثقافة وانتحر المثقف!! / الانتصار البراغماتي!!