بعد سقوط الاتحاد السوفياتي نشرتُ مقالة بعنوان "سقوط النظريات"، وقد ذهبت مع الريح، وكانت تشير إلى أن التطبيق يلد النظرية والنظرية تقتل ذاتها وموضوعها إذا توهمت بتطبيق فحواها. وفي تعليقه على الرئيس المنتخب قال الرئيس الأمريكي يصفه "بأنه براغماتي وليس آيديولوجي"، أي أنه عملي ويقرن النجاح بالنتائج الربحية والمحصلة النفعية من العمل أو المشروع والبرنامج والتفاعل مع الآخر، فهو لا يملك نظرية للتطبيق وإنما إرادة عملية ذات قدرة على ولادة رؤاها ومعاييرها السلوكية الواضحة الفاعلة في الحياة.
وبانتخابه تأكد انتصار البراغماتية وضرورتها لحياة القرن الحادي والعشرين، الذي يشير وبقوة إدراكية ساطعة بأن الآيديولوجيات قد انتهت، وأن جميع الأنظمة الآيديولوجية ستنتهي مهما حاولت وتوهمت وتطاولت على إرادة هذا القرن العملي، المتفاعل بواقعية ذات نتائج ربحية ومردودات اقتصادية ابتكارية بحتة.
وبانتخاب رئيس براغماتي فإن الإنسان العادي في المجتمع المتقدم قد احتاج لربع قرن لوعي حقيقة سقوط النظريات، أما في المجتمعات المتأخرة فإن ذلك ربما يتطلب قرنا بكامله، فما يجري في المجتمعات المتأخرة هو صراع نظريات وآيديولوجيات ما أنزل الله بها من سلطان.
فالواقع المحتدم سواء في العراق وسوريا واليمن وليبيا ولبنان وحتى مصر والسعودية، إنما هو صراع فنائي ما بين النظريات والآيديولوجيات التي لا يعنيها الربح والحياة المعاصرة، بقدر ما تريد فرض إرادتها على الواقع الذي تمحقه وتفني ما فيه. وبسبب هذه التوجهات الخارجة عن إرادة العصر البراغماتية، فإن البلدان التي تتحقق فيها هذه الصراعات الفنائية تعاني من الخسائر الفادحة على جميع المستويات البشرية والعمرانية والإقتصادية، ويشيع فيها صوت الموت وخطابات النظريات والآيديولوجيات المحقونة بالكلمات البغضاوية المتعفنة في أقبية الكراهية والعدوان المطلق على الآخر.
ولهذا فإن وعي قوانين العصر والتفاعل معها بإدراك واقعي هو الذي يصنع الحياة الأفضل، أما التقوقع في النظريات والآيديولوجيات فإنه يتسبب بتداعيات خطيرة. وكانت الصين سباقة في هذا الوعي، فطوعت النظريات والآيديولوجيات وجعلتها تتغير وفقا لمعطيات الواقع وتفاعلاته المتجددة، مما أكسبها مهارات عملية ابتكارية تعجز عنها العديد من المجتمعات المأسورة بالنظريات والآيديولوجيات العقيمة. وعليه فإن المجتمعات المتأخرة لا يمكنها التقدم إن لم تغادر خنادق النظريات وصناديق الآيديولوجيات الظلماء وترى الواقع بعيون العصر وأنواره المتوهجة.
فهل سنتحرر من أصفاد الآيديولوجيات العفنة ونتعلم العملية والربحية الوطنية والإنسانية؟!!
واقرأ أيضاً:
العرب بين الذئاب والرعاة!! / غابت الثقافة وانتحر المثقف!! / الأخلاق الديمقراطية!! / الثقافة المعمارية!!