الصحف والمواقع العربية تكاد تخلو من المقالات التي تتناول العمارة وفنونها ودورها في الحياة وتأثيراتها على السلوك. ومن الواضح أن الجهل المعماري هو السائد في مجتمعاتنا، بل أنها تعاني من أمية معمارية فائقة، وهذا التجاهل المروع يساهم في سلوكيات الخراب والدمار الحضاري العاصفة في أرجاء العديد من البلدان العربية.
ذلك أن للعمارة دورها التعليمي ومؤثراتها السلوكية على المجتمعات البشرية، بما توفره من بيئة تفاعلية وانعكاسات جمالية ذات قيمة إنسانية ونفحات حضارية، تعزز قيمة الإنسان وتحفز فيه طاقات الإبداع والإنتماء لأرضه ووطنه، وتتوطن أعماقه وترسم خارطة ذطرياته ومنطلقاته الحياتية.
وبسبب خواء الثقافة المعمارية في مجتمعاتنا فإن السعي الدائب يكون نحو الخراب وبناء ما يزعج العين ويؤذي الذوق العام، ويشارك في تأهيل الناس للتفاعلات السلبية والعدوانية والتخريبية، فالسائد أن في مجتمعات تتمتع بأمية عمرانية، يكون النشاط الأكبر تخريبي وتدميري إمحاقي، لعدم تحقق التواصل والتواشج الحياتي ما بين الفرد ومحيطه، لفقدانه لقدرات الجذب وعجزه عن إشاعة روح المحبة والإنتماء إليه، فتضيع الألفة والتسامح والاعتزاز بالعمران وما يؤسسه من مؤثرات إيجابية.
فالعمران الجميل البهيج يدفع بالناس إلى الوصول إلى درجات انتمائية عالية، ويفتق فيهم روح التفاعلات الإنسانية السامية المتناسبة مع الجمال العمراني الذي يغمرهم، ويشجعهم على التفاعل المتناسب معه والمعبر عن أفكاره ومنطلقاته الجمالية. لقد أغفلت مجتمعاتنا الثقافة العمرانية، وتناستها الحكومات المتعاقبة، بل إن بعضها قد وفر أسباب عدائها ومناهضتها، حتى غابت التصاميم الجميلة والعمارات الشاهقة ذات الإبداعات الفنية والبيئية الصالحة لبناء المجتمع، وأكثر التصاميم، إن وُجدت، تكون مستوردة.
ويشذ عن ذلك عدد من دول الخليج وخصوصا دبي التي تتجلى فيها روائع التصاميم العمرانية، وجماليات الأبراج الشاهقة المتكاتفة التي تمنح الناس شعورا بالقوة والعزة والكرامة والمعاصرة والقدرة على صناعة الحياة الأفضل. وبغياب الوعي العمراني العربي، وانتفاء الثقافة العمرانية في المجتمع، فإن المنطقة تمارس سلوكيات الخراب والدماء ومعاداة الجمال والقوة، وتناهض التطلع نحو آفاق ذات منطلقات تسامحية جمالية إنسانية سامية، وتغرق في دماء ذاتها وموضوعها، ولكي تتعافى عليها أن تعطي دورا مهما للثقافة العمرانية وتنشرها في الأجيال التي عليها أن تعاصر وتكون.
فهل سنتثقف عمرانيا لكي نعمّر بلداننا؟!!
واقرأ أيضاً:
غابت الثقافة وانتحر المثقف!! / الأخلاق الديمقراطية!! / الانتصار البراغماتي!! / الصراع العقائدي!!