الفصل الثاني عشر
حكمة الفصل: "كان الخليفة عبد الملك بن مروان إذا دخل عليه رجل من أفق من الآفاق قال: أعفني من أربع وقل ما شئت: لا تكذبني، فإن الكذوب لا رأي له. ولا تجبني إلا عما أسألك، فإنني فيما لم أسألك عنه في شغل، ولا تطرني (أي لا تمدحني)، فإني أعلم بنفسي منك. ولا تحملني على الرعية فإني إلى الرفق بهم أحوج".
إذا كان كسب إعجاب كل الناس قد أصبح شيئا تحتاج له فإن أمامك عملا كبيرا يجب عليك القيام به. يجب أن تبدأ ذلك بإدراكك أن نيل إعجاب الآخرين شيء مرغوب فيه ولكنه غير ضروري. كل منا يستمتع بالمديح والثنـاء والتشجيع. والمثل البولوني يقول: "الثناء كالملفوف طيب الطعم، لكنه ينفخ".
من يا ترى يستطيع التخلي عن ذلك المدح؟، في الحقيقة ليس هناك ما يدعو لأن تتخلى عنه، ولكن تذكر جيدا أن الإعجاب مِن قِبَل الآخرين قد يكون ضارا بحد ذاته؛ فيُقال "أن المديح يزيد الشخص الطيب طيبة، والخسيس خسة"، وكيل المديح قد يكون شيئا سارا ومرغوبا فيه، حتى وإن كان كاذبا، ولذا يُقال: "زيادة الثناء بغير استحقاق تملق واستجداء، وحجب الثناء مع استحقاق حسد وافتراء"، لكن السعي وراء كسب إعجاب كل من تتعامل معه يعتبر نقطة ضعف نفسية فيك إذا شعرت أنك تحتاجه وتسعى إليه، وليس مجرد أنك تُسَر من سماعه. وقد جعل الله عز وجل السعي وراء المدح بما ليس في الشخص -من مزايا- من صفات أهل النار: "لا تَحْسَبنَّ الذين يَفرَحون بِما أتَوْا ويُحِبُّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِمَا لمْ يَفْعلوا فَلا تَحسَبنَّهُم بِمَفازةٍ مِنَ العَذابْ، ولَهُم عذابٌ أليم" ( سورة آل عمران، آية 88).
والقصة التالية تعطينا مثالا على الذين يُحبون جذب الأضواء حول أنفسهم، ليس بما يقومون بعمله بل بأعمال يقوم بها غيرهم، فإذا كانت أعمالنا بعيدة عن الإخلاص وصدق النية في عملها لنيل رضا الله عز وجل فهي مذمومة، وأكثر منها ذما هي الرغبة في الحصول على المدح والثناء بسرقة جهود الآخرين ونسبها إلى أنفسنا!.
الذين يُحِبون أن يُحمَدوا بما لم يفعلوا
روي أن رجلا من أبناء الصاغة بالهند كانت له يد في صناعة الصياغة، وكان أوحد أهل زمانه في مجال صنعته، فساء حاله وافتقر بعد غناه؛ فكره الإقامة في بلده فانتقل إلى بلد آخر فسأل عن سوق الصاغة فوجد ورشة لمعلم المملكة، وتحت يده صناع كثيرون يعملون الأشغال الذهبية للأشخاص المهمين بالمملكة ومنهم الملك وأسرته، ولهذا المعلم ثروة كبيرة من أموال وجواهر وعقار وأطيان وخدم وعربات وغير ذلك من مظاهر الغنى والرفاهية، فوصل الصائغ الغريب إلى أن أصبح أحد الصناع الذين يعملون في ورشة معلم المملكة، وأقام يعمل عنده مدة، وكلما فرغ النهار دفع له درهمين من فضة، بينما أجرة من هو في مهارته لا تقل عن عشرة دراهم!!؛ فالمعلم يأكل على هذا الصائغ الغريب عن المملكة ثمانية دراهم في كل يوم على الأقل!، وهذا الحرفي الغريب يأخذ الدرهمين ولا يطالب بأي زيادة لوضعه كغريب، ولسوء الأحوال في بلده الأصلي!!!.
واتفق أن الملك طلب المعلم وناوله فردة سوار من ذهب مرصعة بفصوص في غاية الحسن قد عملت في غير بلاده، كانت في يد إحدى جواريه فانكسرت؛ فقال له "أصلحها" فأخذها المعلم وقد صعب عليه أمر إصلاحها!، وقد أراها للصناع الذين عنده وعند غيره فما قال له أحد إنه يقدر على إصلاحها؛ فازداد المعلم لذلك غما، ومضت مدة وهي عنده لا يعلم ما يصنع في أمر إصلاحها، وفي نفس الوقت اشتد الملك على إحضارها وقال: "هذا المعلم نال من جهتنا هذه النعمة العظيمة ولا يحسن أن يلحم سواراً مكسوراً؟!!!". فلما رأى الصائغ الغريب شدة ما نال المعلم قال في نفسه: "هذا وقت المروءة؛ سأقوم بإصلاحها ولا أؤاخذه ببخله عليً وعدم إنصافه في أجري، ولعله يُحسِن إلىّ بعد ذلك"؛ فوضع يده في درج المعلم وأخذها في وقت كان المعلم فيه بعيدا عن الورشة وقام بفك جواهرها وسبكها ثم صاغها كما كانت ونظم عليها جواهرها فعادت أحسن مما كانت فلما رآها المعلم فرح فرحا شديداً، ثم مضى بها إلى الملك فلما رآها الملك استحسنها، وادعى المعلم أنها صنعته فأحسن إليه الملك وخلع عليه خلعة سنية فجاء وجلس مكانه سعيداً مسروراً، وبقي الصائغ الغريب يرجو مكافأته عما عامله به، فما التفت إليه المعلم، وعند نهاية النهار ما زاده على الدرهمين شيئا!!!.
وما مضت إلا أيام قلائل وإذا الملك قد اختار أن يعمل زوجين أساور على تلك الصورة التي قام بتنفيذها الصائغ الغريب فطلب المعلم ورسم له كل ما يحتاج إليه، وأكد عليه في تحسين الصنعة وسرعة العمل فجاء إلى الصانع وأخبره بما قال الملك فامتثل مرسومه ولم يزل منتصبا إلى أن عمل الزوجين وهو لا يزيده شيئا عن الدرهمين في كل يوم ولا يشكره ولا يعده بخير، ولا يتجمل معه فرأى المصلحة أن ينقش على زوج منها أبياتا يشرح فيها حاله ليقف عليها الملك فنقش في باطن إحداهما هذه الأبيات نقشا خفيفا يقول:
مصائب الدهر كُفِّي، إن لم تَكُفِّي فعُفِّي، خرجت أطلب رزقي، وجدت رزقي تُوفِّى
فلا برزقي أحظى، ولا بصنعة كفي، كم من جاهل في الثُريَا، وعالمٍ مُتَخفِّي
وعزم الصانع على أنه إن ظهرت الأبيات للمعلم شرح له ما عنده، وإن غم عليه ولم يرها كان سبب توصله إلى الملك ثم لفهما في قطن وناولهما للمعلم فرأى ظاهرهما ولم ير باطنهما لجهله بالصنعة؛ فأخذهما المعلم ومضى بهما فرحا إلى الملك وقدمهما إليه فلم يشك الملك في أنهما صنعته، فخلع عليه وشكره.
ثم جاء المعلم فجلس مكانه ولم يلتفت إلى الصائغ الغريب!، وما زاده في آخر النهار شيئا على الدرهمين!، فلما كان اليوم الثاني خلا خاطر الملك فاستحضر الجارية التي عُمِل لها السواران الذهب فحضرت وهما في يدها، فأخذهما ليعيد نظره فيهما وفي حسن صنعتهما فقرأ الأبيات فتعجب، وقال هذا شرح حال صانعهما، والمعلم يكذب، فغضب عند ذلك وأمر بإحضار المعلم، فلما حضر قال له من عمل هذين السوارين
قال: أنا أيها الملك
قال: فما سبب نقش هذه الأبيات
قال: لم يكن عليهما أبيات
قال: كذبت ثم أراه النقش
وقال: إن لم تصدقني الحق لأضربن عنقك
فأصدقه الحق؛ فأمر الملك بإحضار الصانع فلما حضر سأله عن حاله،
فحكى له قصته وما جرى له مع المعلم!!، فرسم الملك بعزل المعلم وأن تُسلب نعمته وتعطى للصانع، وأن يكون عوضا عنه في الخدمة ثم خلع عليه خلعة سنية وصار مقدما سعيدا؛ فلما نال هذه الدرجة وتمكن عند الملك؛ تلطف به حتى رضي عن المعلم الأول وصارا شريكين ومكثا على ذلك إلى آخر العمر.
هذه القصة توضح لنا أنانية بعض الناس وسوء استغلالهم للآخرين!، كمن توقعهم ظروف الحياة في أزمات مادية أو تحوجهم الضرورة إلى الوقوع في براثن هؤلاء المستغلين!!، والمستغل يسعد بحصاد ما يزرعه الآخرين، ولا يجد المستغل في نفسه غضاضة من ذلك السلوك السيئ، بل قد يبرر لنفسه هذا السلوك بشتى المبررات، فقد يبرره بأنه قوي والأشخاص الذين يستغلهم ضعفاء، أو أنه ذكي والأشخاص الذين يستغلهم أغبياء، وهذا التفكير النرجسي والذي أشرت إليه في بعض الفصول السابقة من هذا الكتاب هو الذي أدى إلى حدوث أول جريمة قتل بين بني البشر على سطح الأرض، عندما سوغت نفس قابيل قتل أخيه هابيل فقتله، وكان في ذلك من الظالمين، ولكن هل من الصواب أن نستسلم لظلم الظالمين؟! أم نعمل على دفع هذا الظلم ورده عن أنفسنا؟!، بالطبع علينا أن ندفع الظلم إذا وقع علينا، وأن نسترد حقنا إذا سلبه ظالم منا، ولو كان هذا الحق هو المدح والثناء على قيامنا وإنجازنا لعمل ما، ولقد امتدح الله تعالى المدافعين عن حقوقهم، والدافعين للظلم عن أنفسهم فقال عز من قائل: "والذين إذا أصَابَهُمُ البَغْيُ هُم يَنتَصِرون" سورة الشورى، من الآية 39.
إذا كنت تريد إعجاب الآخرين، فأنت ببساطة سعيد عندما يمتدحك الآخرون، أما إذا كنت تحتاج إعجاب كل الناس بك، فقد تصاب بصدمات نفسية عنيفة إذا لم تحصل على إعجابهم، ويعتبر ذلك مؤشرا لقرب المشاكل النفسية!؛ فالشعور بالحاجة إلى كسب إعجاب كل من تعرف يعني التنازل عن جزء من شخصيتك لأولئك الذين يجب أن تحصل على تأييدهم، وإذا لم تحصل على ذلك أصابك الكمد والحزن (حتى ولو بدرجة بسيطة)؛ فالحاجة المسرفة إلى كسب إعجاب الآخرين، كالقول: بأن (رأي فلان في شخصيتي أهم من رأيي أنا في نفسي!).
ربما أضعت لحظات ثمينة من حياتك في محاولات لكسب إعجاب الآخرين أو في التفكير في عدم كسبك لإعجاب بعض الناس الذين تعاملت معهم، بل قد يتنازل هذا النوع من الأشخاص عن توكيد ذاتهم أمام بعض الناس كي يحصلوا على مديح هؤلاء الناس!!، فقد تضطر إلى مدح شخص يستحق الذم حتى يمدحك ذلك الشخص فيما بعد!!، ومن طريف أقوال أفلاطون: "من مدحك بما ليس فيك وهو راض عنك، ذمك بما ليس فيك وهو ساخط عليك!!".
في هذه الحالة، نقول لمن يسعى للحصول على رضا أخيار الناس وأشرارهم: إنك تحمل قيمتك الذاتية الطيبة بين يديك لتقدمها للآخرين، ودع الأمر متروكاً لحرية المحيطين بك، فقد يرد الآخرون تلك القيمة إليك ويذكرونك بالخير، أو قد لا يعيرون ما تفعله من خير أي اهتمام!!.
إن المحاولة لكسب إعجاب كل الناس وفي كل الأوقات عادة مرضية!؛ لأن تحقيقها مستحيل، فإذا كنت تحس بهذه الحاجة فأنت مرشح لحياة مزرية مليئة بالإحباط؛ وستكون النتيجة لمحاولة كسب إعجاب كل الناس بك هي كونك شخص بدون هوية!!؛ ومن ثم سوف يؤول بك الحال إلى إنكار ذاتك!.
إن الحاجة لنيل إعجاب كل الناس أمر يجب التخلص منه بدون أي تساؤل، يجب أن تنتزعه من حياتك إذا أردت أن تكون واثقا من نفسك، لأن هذه الحاجة تعني نهاية عالمك النفسي دون أن تحصل على أي شيء آخر في مقابل ذلك!، ومن المستحيل أن تقضي أيام حياتك دون أن تتعرض للكثير من إنكار أو رفض بعض الناس لك أو لتصرفاتك!، إنها إحدى الطرق التي يتم ممارستها في الحياة الإنسانية، إنها إحدى الضرائب التي تدفعها لكونك حي بين الأحياء، وباختصار فإن رفض بعض الناس لك أو لتصرفاتك شيء لا يمكن التخلص منه.
دعنا نتأمل حالة رجل في منتصف العمر مصاب بهذا الداء، لقد كان مهتما بالآراء والأشياء المثيرة للجدل، كالتفاوض السلمي مع أعداء الأمة المغتصبين لأجزاء من أراضيها، والتفكك السياسي والنزاعات الطائفية والحدودية بين أبناء الأمة الواحدة!، والاحتلال العسكري والاستيطاني لبعض أقطار الأمة، وارتفاع الضرائب والجمارك المفروضة على الناس في بعض الأقطار (رغم ارتفاع ميزانية تلك الأقطار وغناها، والتي ينتشر بها رغم ذلك الفقر والفقراء!!)، والانتخابات، وهل لدى الأمة النضج السياسي الذي يؤهل المواطنين لاختيار الأفضل بالنسبة لهم بصورة ديمقراطية!!، وكرة القدم وما ينفق عليها من مليارات بدون تحقيق نتائج دولية مُرضية!، والارتفاع المذهل في أسعار السلع الأساسية!، ومشكلة انهيار التعليم!، وانتشار الدروس الخصوصية بشكل وبائي في بعض المجتمعات، والبطالة بين خريجي الجامعات!!...إلخ .
وكذلك هجرة العقول النيرة من خيرة شباب الأمة للبلاد الغنية المتقدمة، وانتشار الفساد الإداري في جميع الإدارات والمصالح الحكومية بل والوزارات، وإن كان بدرجات متفاوتة، وانتشار الأمية بين أبناء الأمة، وقضايا التلوث البيئي، والنفايات الذرية ودفنها في أراضي بعض أقطار أمتنا، واستخدام المبيدات الممنوعة دوليا!، وجلب البذور والتقاوي المُعالجة وراثيا في زراعة أراضينا قبل التأكد من خلوها من التأثيرات الضارة على صحة البشر على المدى البعيد!، وما قد يتبع كل ذلك من انتشار الأمراض الخطيرة والخبيثة في بلادنا، مع ضعف الرعاية الصحية الأساسية في كثير من أقطار الأمة؛ وما شابه ذلك من المواضيع الساخنة والمُثارة أكثر في الجلسات الخاصة وأحيانا في القنوات الفضائية غير الحكومية.
في كل مرة يدخل الرجل في محادثة حول أي من هذه المواضيع ويخالفه أحد في الرأي يجن جنونه، فالرجل يضيع الكثير من وقته الثمين محاولا جعل الآخرين يوافقون على آرائه!!، ومن القصص التي رواها، ما حدث بينه وبين والد زوجته بينما كانوا يتحدثون حول موضوع معين، عندما لاحظ عدم موافقة والد زوجته على ما يقول؛ فأعاد صياغة الجملة مع التغيير في مضمونها لكي تصبح قريبة من الرأي الآخر!!، وبالتالي يحصل على موافقة حماه على ما يقول!!.
تكررت العملية في كل موضوع ومع أي شخص يدخل في نقاش معه. كان يخشى أن تكون أفكاره مخالفة لأفكار الآخرين، لذا فهو يعيش في هذا العالم بدون شخصية، يغير في رأيه واعتقاداته في أي لحظة لكي تكون مشابهة لآراء الآخرين؛ وذلك من أجل أن يكسب حبهم له أو يحصل على مصلحة زائلة!!، ذلك كله على مستوى الفرد أما على مستوى الأمة، فأعتقد أن الطامة الكبرى -والواقعة والزلزلة والآزفة- بل قل ما تريد من هذه التعبيرات القوية المرعبة- تقع عندما تكون الغالبية العظمى للفئة المستنيرة لأبناء الأمة من سياسيين وإعلاميين وفنانين وأدباء ورجال دين وعلماء متخصصين وقادة عسكريين وأمنيين وأطباء وصيادلة ومهندسين ومحامين وقضاة ومثقفين وأساتذة جامعات على شاكلة هذا الرجل الباحث عن الإعجاب والمدح والثناء من الآخرين بأي ثمن!!، وسواء أكان هذا الثناء صدقا أم كذبا!،عن حق أم عن باطل!!، يستحقه أم لا يستحقه!!!.
فإذا كنت تعتقد أنك في حاجة إلى المدح والتمجيد -ولذلك وباستمرار ترسل العديد من الإشارات المختلفة لكسب ذلك المدح- فلن يعاملك الآخرون بطريقة مستقيمة!!، وفي نفس الوقت لن تستطيع تحديد ما تفكر به!، أو ما تريده في أي لحظة من لحظات حياتك!!؛ فأنت قد ضحيت بشخصيتك من أجل تحقيق شيء مستحيل!!.
وأعتقد تمام الاعتقاد أن المأزق التاريخي الذي تعيشه معظم أقطار أمتنا منذ حوالي مائتي سنة أو أكثر له علاقة بهذا الجزء من شخصياتنا على وجه العموم، وشخصيات صناع القرار في أقطار أمتنا على وجه الخصوص، والتي تجعل معظمنا كأشخاص نكره من يواجهنا بعيوبنا، بل نفرح بمن يخدعنا!!، ويزين لنا أعمالنا، ويمدحنا بما ليس فينا، وقد نتهم من يلفت نظرنا إلى عيوبنا بأنه منفلت اللسان أو عدواني أو إرهابي أو حاقد أو متطرف أو أصولي أو ضع ما تريد من صيغ الذم والسب!!. ونتناسى كأمة وسط أن الله سبحانه وتعالى قد أمرنا أن نأمر بالمعروف، وأن ننهى عن المنكر، وأن نتواصى بالحق!، وهل من المعروف أن تمدح قائدا أو رئيسا بما ليس فيه؟!، وهل من الحق أن تُغمِط عبقريا أو مبدعا حقه المادي أو المعنوي من المدح والثناء؟؟!، لأنه ليس من عائلتك أو من قبيلتك؟؟!، أو ليس من بلدك التي تعيشا فيها معا؟!، وأليس من المنكر أن تمدح ظالما متغطرسا في وجهه؟؟، بل تزين له الظلم والتعدي على الآخرين؟!!؛ لتنال منفعة زائلة أنت في تمام الغنى عنها؟!!.
ورحم الله العالم الجليل الذي لم يقف للحاكم عند دخول هذا الحاكم على هذا العالم، والعالم يُدرِّس لطلابه ممددا باسطاً لرجليه على استقامتهما أمامه، ولم يفكر هذا العالم في أن ينهض إظهاراً للتودد والاحترام لهذا الحاكم، بل لم يضم قدميه إظهارا لتبجيل هذا الحاكم!!؛ فكان رد فعل الحاكم هو أن أرسل إليه بعض المال توددا وتقربا من هذا العالم!!، فانظر معي كيف كان الرد البسيط الحاسم، المؤكد لذات هذا العالم الجليل القدر، العزيز النفس على هذا الحاكم رافضا لعطيته، غير مبال بمدحه أو ذمه!، قائلاً لرسول هذا الحاكم: "من يمد قدميه لا يمد يديه"!!.
ربما كان من الصعب عليك تحمل التوبيخ، وتعتقد أن موافقة الآخرين وبالتالي نيل إعجابهم أسهل بكثير من التوبيخ ولكن قيامك بذلك يعني اعتبارك أن رأي الآخرين في شخصيتك أهم بكثير من تقييمك أنت لها، وهذا شيء خطير قد يواجه البعض صعوبة في التخلص منه، ولكن الأمر ليس مستحيلا!؛ ولكي تتخلص من الوقوع في دوامة اللهث وراء كسب إعجاب كل الناس والذي تقوم به؛ فتُعطي لآرائهم الأهمية على حساب نفسك، عليك أن تتفحص العوامل التي تدفع بالناس إلى تلك الحاجة، لذا سوف نتعرض بطريقة مختصرة للحوادث التي تساعد على نمو الحاجة لنيل إعجاب كل من تتعامل معهم.
ماذا يسبق الحاجة المسرفة لطلب الإعجاب والمدح من الآخرين؟؟!
الحاجة إلى نيل إعجاب كل الناس تبدأ من الافتراض الآتي (لا تثق بنفسك، أسأل فلان حتى تتأكد من ذلك؟!)؛ والمجتمع بطريقة غير مقصودة يدفع بهذه الصيغة ونموها لدى أفراده.
منح الإعجاب للآخرين قد يُستعمل لحملهم على القيام بأشياء لا يريدونها، ولكن هل تقبل بأن تكون قيمتك الشخصية مرهونة بإعجاب الغير بك؟!، فإن لم تحصل على ذلك فأنت لا شيء؟!، وكلما زادت حاجتك لإعجاب الغير بك كلما أصبحت فريسة سهلة يستغلها الآخرون فيما يتناسب مع رغباتهم.
ويتبع >>>>>>>>>>> الثبات على سرقة المديح والثناء