دائما ما كنا نتساءل عن مصدر كل تلك الشرور التي أصبحنا نراها ونتنفسها كل يوم في كل مكان في العالم. لم يعد الشر هو هذا العالم السفلي الخفي الذي يلفه الظلام، بل أصبح هذا الشر المهذب الذي يجرى على ألسنة الساسة والواعظ.
شر أملس كجلد أفعى شر يجعلك تتعاطف معه وتصدقه فهو أكثر براءة من أي خير... أصبحت كل الآثام ترتكب باسم أعلاء كلمة الخير والحق والعدل، وجه جميل يحمل في طياته شرا قبيحا مزعجا.
اختفى هذا الشرير ذي المظهر البشع ليحل مكانه هذا السيد المهذب الذي يريق الدماء بأعصاب باردة يقتل ويدمر ويذل وينهب بمبرراته المهذبة وصوته الخفيض أصبح الخير تائها وسط هذا الشر المتسلل الماكر.
لم يعد الشر معلنا كما كان بالأمس بل أصبح أكثر حداثة وعصرية
وقد شرح فرويد أسباب مظاهر تفاقم العنف والخداع واللا إنسانية المتزامنة مع الحرب. ويقيم التحليل النفسي رابطًا بين وجود بشر متحضِّرين ومجتمعات مُحكمة التنظيم، والعدول عن أشكال أكثر "بدائية" من الرضا الغريزي. فكلُّ فرد مرغم على الامتثال لمبادئ أخلاقية تكبح جماح رغباته الغريزية "يحيا نفسيًّا فوق قدراته الطبيعية".
من هذا المنطلق، تُسبَّبُ الحربُ بتلاشي أشكال العدول والقمع، هذه التي يرتكز عليها تقدم الحضارة وترتهن بها إنجازاتُها المستقبلية، وكأننا نشهد "اندثار المكتسبات الأخلاقية بلمح البصر، فلا يبقى لنا إلا التصرفات النفسية الأكثر بدائية وقدمًا والأكثر وحشية".
وهكذا يرى فرويد أن الشر غريزة إنسانية وأن قدرة الإنسان على كبحه أنما تتأتى من امتثاله للقوانين التي تهذب من هذه الغرائز الوحشية.
والآن ألستم معي أن إنساننا المعاصر صار أكثر مكرا ووحشيه من أي شيطان وأنه بات من الظلم أن نعقد تلك المقارنة غير المتكافئة بين حيل الشيطان ومكر إنساننا المعاصر.
واقرأ أيضًا:
اللقب إنسان / التفاصيل الصغيرة / أنشودة الألم