هذا المزيج من الأسى والحزن هو ما قد انتابني وأنا أقرأ هذه القصة القصيرة للصحفي هيثم خيري ربما لأنها تتكلم على هذا العالم الذي نجهله ويجهله كل منا، عالم المسنين المؤلم حيث الوحدة بعد رحيل الأحباء الواحد تلو الآخر والحجرات الباردة وقسوة الأبناء، إنها مجرد حجرة صغيرة تلك التي يحيا فيها الجد في بيت ابنه.
بصيص الضوء لا يدخل إلى حجرته سوى صباحات الجمعة، حيث تفتح زوجة ابنه نوافذ الحجرات كلها، بما في ذلك الحجرة الجوانية التي تشبه القبو. هي حجرة صغيرة للغاية، متواضعة الأثاث، تطل على حجرة واسعة ليس فيها أحد. لا حس ولا خبر. بالكاد، حين يصيخ الجد السمع، يستمع إلى تلفزيون الأحفاد وهو يوش على قنوات لا يعرفها، المهم أن الضوء لا يزوره سوى صباحات الجمعة!
فقط يوم الجمعة، تعاوده الرغبة في التشبث بالحياة. يود لو يقوم من قعدته، التي دامت سنتين لم يبرح فيها بيت ابنه، ويترجل ذاهبًا ناحية القهوة. يود لو يجد أصدقاءه –خميس وفرج وسيد وعامر– مجتمعين في القهوة بانتظاره، مع أنه يعرف أنه دفنهم جميعًا بيده.
ذهب مرة واحدة إلى القهوة بعدما دفن فرج بأيام قليلة. ظل يرغي قليلاً مع القهوجي. غير أن الأخير لم يُعِرْه اهتمامًا، وانصرف لتلبية طلبات الزبائن.
لا نعرف على وجه الدقة كم مضى من الوقت حتى رحل الجد...... فقط رحل الجد. تغيَّرت محطة القرآن الكريم إلى كل محطات الدنيا. فُتحت النافذةُ على مصراعيها، لتسكب الشمسُ ضوءها فوق سرير خاوٍ، وصوتُ السيارات والناس يأتي من البعيد يملأ فراغ الحجرة. وكأن الحياة كنت تنتظر أن يغيب عنها خريف عمر الجد لتسكب كل نضارتها وبهائها على حجرته الباردة، مسكين الجد لم يحظى بدفء أشعة الشمس الذي كان يتوق إليه كل صباح، لم تمنحه الدنيا في أواخر أيامه سوى حجرة باردة وقلوب قاسية وذكريات بعيدة تأتيه عن أحباب كانت تجمعهم به الحياة يوما ما.
واقرأ أيضًا:
التفاصيل الصغيرة / مصدر كل الشرور / أنشودة الألم