يوجد مثل عربي جميل، هو دعوة مهذبة لنوع تآمري طيب من التفكير، هذا المثل يقول: "لأمرٍ ما باعتْ المرأةُ سِمْسِمًا مقشورًا بسِمْسِمٍ غيرِ مقشورْ" سألت والدي عن أصله وفصله فحكى لي ما يلي: "..مرّ رجل على امرأة في السوق، وقد فرشت أمامها فرشة عليها سمسم مقشور، فمر كلبٌ فلعق في السمسم، فانزعجت المرأة وكتمت في نفسها، حتى جاءها شارٍ يعرض بضاعته من السمسم غير المقشور، فعرضت عليه أن يشتري سمسمها المقشور، بسمسمه غير المقشور، كيلا بكيل، وبعد دهشة لم تطل، فرح الرجل بالصفقة وأتمَّها بسرعة وانصرف"، وكان مُشاهد من المارة قد شاهد كل ما جرى، فقال قولته الشهيرة "..لأمرٍ مَا باعتْ المرأةُ سِمْسِمًا مقشورًا بسِمْسِمٍ غير مقشور، كيلا بكيل"، فصارت مثلا . أتذكر هذا المثل، كلما قرأت خبرا ليس له عندي تفسير جاهز، خبر فيه رائحة "المساعدات" أو "المنح" أو "الديون الميسرة"، وأقول في نفسي: لأمْرٍ ما تمت هذه الصفقة، ثم أدعو: يارب سترك.
آخر خبر من هذا النوع كانت تلك "البقششة" التي ستبقشش بها الشركة الأمريكية مخترعة العقار الجديد ضد فيروس س (المزعوم بلا مرض) على المصريين الغلابة وهي تخصم لهم 99% من ثمن العقار، أي والله!!!.
وصلتني تفاصيل من صديق ليس طبيبا، لكنه تابع القضية لتعرية سماسرة الدواء الأجنبي على حساب الدواء المصري المعادل له، وأن هؤلاء السماسرة زاد نشاطهم بعد الثورتين وكان المفروض أن يقل أو يختفي (ثورة بقى!!) فما هي الحكاية بالضبط؟
استفدت من جهده المخلص وهو يتحسر على اقتصادنا، وهو يرصد بالأرقام كيف تلعب فيه مافيا الدواء المستورد فاقتطفت منه ما يدعم موقفي الأصلي في هذه القضية في بعده الطبي والإنساني فضلا عن ما قام بتعريته لهذه اللصوصية الصريحة، وقد جاء في بحثه ما يلي:
أعلن الدكتور عادل عدوي، وزير الصحة والسكان، الأربعاء، نجاح مفاوضات توفير الجيل الجديد من علاج «فيروس سي»، التي تم مؤخرا اكتشافها وتسجيلها عالميا، في مصر بسعر ٣٠٠ دولار للعلبة في الشهر، (ألف مبروك، لا تسارع من فضلك بالضرب في سبعة)، وقال الوزير إن ثمن العلبة، في الولايات المتحدة الأمريكية، ٢٨ ألف دولار شهريا، لتصبح تكلفة العلاج التي قد تمتد لتصل إلى ٦ أشهر في بعض الحالات ١٣ ألف جنيه مصري، فقط لاغير، بدلا من ١٦٨ ألف دولار"، وعلمت أيضا من جهد هذا الصديق أن التوصل لهذا الاتفاق يأتي في إطار توفير كل أنواع العلاج المتاحة لمرضى الفيروس، لمواجهة المرض بكل الإمكانات المتاحة. (ألف شكر!!).
يا حرام يا شركة، وتيجي على نفسك قوي كده ليه؟ هل ستدفعين هذا البقشيش للمصريين الذين يرزحون تحت وطأة الفقر والمرض من باب الصدقة الجارية والأجر والثواب على الله، أم هل ستوفرينه، من مهايا موظفينك من أجل خاطر عيون الترويج للديمقراطية في مصر المحروسة، أم يا ترى سوف تقللين من مكافآت علمائك الجالسين في مكاتبهم، أعني معاملهم!! يعالجون أمراضا "معملية" ليس لها أعراض أو مضاعفات إلا إذا واكبت خللا آخر في الكبد، لعله هو السبب الأصلي والكامل في عجز وظائفها (هذا احتمال علمي قوي).
الخصم 99%،!! ألف ألف شكر تصورت أن الشركة لو أعطت "المتهمين" بهذا المرض بعد حصولهم على البراءة من تهمة المضاعفات" لو أعطتهم حقهم ناشف ولو "ربع هذا المبلغ" لقضوا على جميع الفيروسات الأخرى بالمرة، ليس في مصر فقط، ولكن في كل دول الربيع!!
حضرني مثل آخر عامّي مصري جدا هذه المرة يقول: "إذا كان المِتْكلم مجنون يبقى المِسْتمع عاقل".
تعقيب ختامي مختصر (مكرر بعضه)
1. لا يوجد "مرض معملي" صِرْف عبر التاريخ، وإنما يقاس المرض بالأعراض، والمضاعفات، والإعاقة.
2. تاريخ عقار الإنترفيون (المحلي والمستورد) ليس بعيدا عن مستوى الشبهات، وما وصلني كدت أترجمه إلى أنه معركة شخصية بين الإنترفيرون والفيروس (لصالح السماسرة والشركات) وليست بين "الصحة والمرض"!!
3. المفروض أن نعالج مضاعفات الكبد إن وجدت، علماً بأن العلاقة السببية لمضاعفات الكبد مع وجود فيروس "سي" لم تثبت نهائيا، بشكل حصري!!
4. لا يوجد دواء لنفس المرض، يختلف فيه استجابة المريض الأمريكي عن المريض المصري بالذات، هذا وحده خطيئة علمية مضحكة، المرض مرض، والفيروس هو هو، إذ لا يوجد فيروس مصري وفيروس أمريكي ولا مؤاخذه، إلا إذا كان قد صدر مرسوم أمريكي يحرم هذه الفيروسات بالذات من حمل جنسية مزدوجة.
5. لا يوجد مبرر علمي يجعل مصر دون بلاد العالم هي الأكثر إصابة بهذا المرض، وبالتالي الأكثر استهلاكا لأدويته المزعومة
6. إن مجرد تخفيض السعر إلى واحد بالمئة يدل على أن التسع وتسعين في المائة كانوا سرقة (شرعية)، فهامش الربح المعقول معروف على مستوى العالم وفي كل البضائع من "حلة الزفاف" إلى "فوانيس رمضان" إلى "الأدوية"، والحجة التي تقدمها الشركات أنهم صرفوا كذا مليار على الأبحاث حجة خادعة تعرف حقيقتها مافيا الأدوية في الكونجرس الأمريكي، وبعض هؤلاء العلماء.
7. أنا لست مختصا، أنا آسف، لكن عدد من يحملون هذا الفيروس من مرضاي هو بلا حصر، وهم مصابون بما يسمى "رُهَابْ" الإصابة بهذا المرض حسب ما يشاع عنه، مع أن وظائف أكبادهم سليمة عبر عشرات السنين.
8. إن حرمان قطاع كبير من العمال المصريين من السفر للعمل في الخارج لأكل العيش تحت زعم الإصابة بهذا الفيروس هو جريمة أخرى نحن مشاركون فيها نتيجة لتضخيم خطر هذا المرض المزعوم، وتخصيصه -تقريبا -للعمال المصريين الشرفاء المكافحين!!
نقلا عن موقع أ.د يحيى الرخاوي
السبت: 26-4-2014
اقرأ أيضا:
صحوة التيار الديني وانحسار التيار الأخلاقي / عن الأمّيـة والثقافة الإعلامية الكلامية الاستقطابية / التطرف في الموقف شرف .. والتعصب جمود