كما هو معروف فإن اكتشاف البنسلين من قبل العالم (فلمنك) قد أحدث ثورة علاجية، تنامت وتطورت في محاربة الجراثيم، التي تهاجم البدن وتصيبه بالالتهابات التي تقضي عليه. وقد وصفت هذه العلاجات بالمضادات الحيوية، وهي سموم تنتجها أنواع من البكتريا للقضاء على أنواع أخرى، أي أنها إفرازات أو منتجات جرثومية يتم توظيفها لقتل الجراثيم الضارة بالجسم. وهي نوع من آليات الصراع من أجل البقاء، والحفاظ على التوازن ما بين المخلوقات المجهرية.
واليوم يتم التلاعب بالموروثات الجينية لإنتاج مايكروبات مؤهلة لإبادة الميكروبات الضارة، أي أن الجسم البشري سيتسلح بالجراثيم القادرة على حراسته من هجمات الجراثيم الضارة والفتاكة بوجوده، فالجراثيم تقتل الجراثيم.
وفي عالم البشر يمكن وبسهولة متوارثة تحويل البشر إلى عدو البشر، وقوة لقتله وإبادته، ولا يحتاج إنتاج البشر الفتاك بالبشر إلا لبضعة محاولات مكررة تعيد تنظيم وبرمجة دماغه، كما يتم برمجة أي جهاز كومبيوتر وفي وقت قياسي، حيث تجده قد تحول إلى طاقة عدوانية ذات قدرات انتحارية وتدميرية فائقة.
فما عادت الحاجة قائمة لجيوش نظامية ومواجهات تقليدية للقضاء على أي عدو مهما كان صنفه، ذلك أن من الممكن تحويل مفردات وعناصر الهدف إلى قوة مدمرة له ، فتنجز نصرا بخسائر قليلة جدا، لأن الهدف سيقاتل نفسه، ويحقق تمزقا إتلافيا، وتسري فيه طاقات انقراضية، وتنمو استعدادات للتبعية وتنفيذ إرادة الذي يستهدفه، لأن عناصر الهدف قد تحولت إلى شظايا متطايرة تبحث عن موضع تتحصن فيه من ذاتها وموضوعها، فتكون أسهل صيد وأرخص أداة للوصول إلى أروع الإنجازات والانتصارات.
وما يحصل من تفاعلات، كأنها ترجمة رائعة لهذه الفكرة، وتنفيذ مخلص خلاق لآلياتها ومفرداتها، التي تتوالد وتهيمن على نبض الوجود، وتطعمه مرارة الهزائم والخيبات والتداعيات المفعمة بالتناحرات الخلاقة، التي تختزن طاقات انشطارية فتاكة. ذلك باختصار وتركيز ما يدور في أروقة بعض المجتمعات، التي تجرثمت فيها النفوس والأفكار والعقائد والأرواح، وتبعثر السلوك وتفاقمت الأزمات، وفقا لهذا الاضطراب المصنّع في مختبرات إبادة الشعوب وافتراس الحضارات.
وفي زمن يختلط فيه الحابل بالنابل، تكون الحكمة نوعا من الهذيان، والتعقل فعلا جبانا، وصوت الحق كفرا وبهتانا، فطبول الويلات تقرعها التداعيات، ونداءات الوعيد تطلقها الصراعات، بعد أن تحوّل الشر إلى دين، وفعل الخير مشين، والدين يفترس جوهر الدين، والناس في أنين، والأرض سابغة تلتهم الواعدين!!
فهل ستُدرَك اللعبة، وتُرفَع رايات المحبة، أم أنها كربة تلد كربة؟!!
واقرأ أيضاً:
انبعاج وارتجاج!! / كيف نقرأ التأريخ؟!! / حرية التعبير عن الغَيّ!! / الديمقراطية والبراكماتية!!