لا ديمقراطية تتحقق إن لم تترافق مع وعي براكماتيكي، فالديمقراطية عقيدة مصلحية، تعني أن طاقات المجتمع بمؤسساته المتنوعة عليها أن توظف لتحقيق مصالحه، والحفاظ على أمنه وحقوقه وتأمين سعادته. والديمقراطية بهذا المعنى لا يمكنها أن تنجز أهدافها وتترجم معانيها الجوهرية، بمعزل عن تسخير الأفكار للعمل وحلّ المشاكل، وتحليل التحديات وابتكار الأصلح لمواجهتها، ومعرفة ما سينجم عنها من تطورات وتداعيات، ووضع الأجوبة الواضحة العملية لمعالجتها.
وفي مجتمعاتنا تنتفي آليات التفاعل العملي الفكري اللازمة لتجسيد إرادة الديمقراطية، ولهذا انحرفت وتعثرت، وأصبحت تعادي جوهرها وموضوعها، حتى اختلطت المفاهيم وتشوهت الرؤى، وتفاعلت مع ما هو سلبي ومدمر للمكان ومعطيات الزمان. ولا يمكن القول بوجود ديمقراطية، من غير العمل بمهارات براكماتية قادرة على تحقيق مصالح المجتمع وتأمين السلامة الوطنية، فما ينقص الأنظمة السياسية المتوهمة بالديمقراطية، أنها أغفلت المصالح الوطنية المشتركة، وعجزت عن ترجمة الأفكار الديمقراطية إلى صيغ عمل، ومشاريع وطنية ذات قيمة إيجابية. وبسبب هذا الفشل تحولت أوعية الديمقراطية إلى مستنقعات، تترعرع فيها الآفات والعظايا وتتصارع الضواري والسوابغ بغابية عالية، وقدرات تدميرية مروعة.
إن العودة إلى الراية الوطنية، وما يرتبط بها من مصالح وأفكار إيجابية، لهو المنقذ من ضلال الديمقراطية وانحرافاتها المدمرة، لكل موجود مهما توهم بغير ذلك وعتى. وعليه لكي نحقق ديمقراطية صحيحة، لا بد لنا أن نكون براكماتيكيين واضحين، قادرين على وضع الأفكار في خدمة المصالح الوطنية وحسب.
واقرأ أيضاً:
كيف نقرأ التأريخ؟!! / حرية التعبير عن الغَيّ!! / المضادات البشرية؟!! / بَشَرْ؟!!