القرن الحادي والعشرين يحمل في طياته تحولات جذرية في آليات ومعنى الدولة وأنظمة الحكم، وما يجري في هذا العالم يؤكد الانتقالات النوعية المطلوبة. ويبدو أن الصين قد سبقت الدنيا في وعيها لمقتضيات هذا القرن، فأطلقت نظامها السياسي اللاديمقراطي اللااشتراكي اللارأسمالي، وإنما خلاصتها والمولود من أرحامها جميعا. وما يعزز هذا التوجه السلوكي العالمي ما يحصل في الإنتخابات الأولية لأقوى دولة، التي مالت فيها الاتجاهات نحو رجل أعمال من الأثرياء الذين يديرون شركة كبرى في العالم.
وهذا يعني أن إرادة البشرية قد وصلت إلى مرحلة إدراك أن الدولة عبارة عن مؤسسة أو شركة بحاجة لرجل أعمال يتدبر شؤونها، وما عاد هناك ما نسميه ساسة، فالسياسة عبارة عن قدرات ومهارات سلوكية لإدارة شؤون البلاد والعباد، وهذا يعني أنها في هذا القرن صارت من واجبات رجال الأعمال وحسب.
قبل عقود قال لي أحد التجار في سوق الشورجة أن فلان الفلاني قد بدأ بتجارة المفرد ومن ثم الجملة، وبعد سنوات قرر العمل بالسياسة، وعندما سأله صاحبنا عن هذه الانتقالة، أجابه بأن السياسة أربح تجارة!!
وفي بعض البلدان النفطية تحوّل أصحاب الكراسي إلى أثرياء بين ليلة وضحاها فتوهموا التجارة والسياسة معا، برغم افتقارهم لخبرات إدارة الأعمال والتعاملات التجارية، وبذلك أصبحوا ضحايا وصيدا سمينا في شباك رجال الأعمال المحترفين.
ومن هنا فأن المطلوب من المجتمعات التي لا تزال في متاهات الضلال والأوهام، أن تسترد وعيها وتدرك حاضرها فبل أن يضيع منها كل شيئ وبسرعة مذهلة جدا. فعليها أن تولي أمرها لمن يفكر بتحقيق الربح المادي اللازم لإسعادها، وأن تمنع المغامرين والسذجة من اعتلاء سدة السلطة بذرائع سياسية وحزبية وغيرها من التصورات والتفاعلات الخسرانية، فمجتمعات الدنيا اليوم تدرك بأن القرن الحادي والعشرين يختلف تماما عن أي القرون، ولا بد من إنجاز التغيرات المطلوبة للمواكبة والتقدم والرقاء.
فالمنهج المعاصر منهج ربحية وإنتاجية وفرص عمل وقدرة على الاستثمار الاقتصادي والتطور الابتكاري على جميع المستويات، ذلك أن سرعة التطورات ذات تعجيل فائق وامتدادٍ خارق، وطاقة التبدلات ذات اتجاهات ومعطيات أصيلة ومتنوعة في وقت لا يوفر للأدمغة والنفوس الفرصة الكافية للتوافق والتفاعل الإدراكي الرشيد. وعليه فإن المجتمعات الأقوى هي التي تتحرر من قيود القرون السابقة، وتستوعب معطيات القرن الحادي والعشرين، وتمسك بلجام الحصان المعاصر السريع الانطلاق نحو أهدافٍ مطلقة!!
واقرأ أيضاً:
فين الديمقراطية يا عرب؟!! / فرسان العروبة يتوالدون!! / تفاءلوا وتفاعلوا!! / النفس الأمّارة بالسوء!!