لماذا نصوم شهر رمضان ولماذا أنزل فيه القرآن؟!!!
شهر رمضان شهر الهدى والفرقان، شهر الرحمة والمحبة والغفران، فيه ليلة خير من ألف شهر، وفيه تغلق أبواب النار وتفتح أبواب الجنة، وتوضع الشياطين في الأصفاد، وفيه تمارين روحية وسلوكية يترجمها المؤمن بفعله وقوله.
شهر تتفاعل معه أمة بكاملها في أرجاء الأرض كلها، فلا تخلو بقعة من نسائمه وبعض طباعه وأخلاقه.
رمضان شهرنا الكريم وعرفات الذات التي تقف عارية أمام بارئها تبحث عن الارتقاء والشروق والنقاء، والتطهّر من أدران الأيام وسموم الأبدان والهيام الرغبوي الذي يتملك الإنسان.
ترى لماذا رمضان؟
"وخلقنا الإنسان ونعرف ما توسوس له نفسه ونحن إليه أقرب من حبل الوريد".
إدراك الخالق سبحانه لمخلوقه ومعرفته بحاجاته، وتوفيره الوسائل الكفيلة بالحفاظ عليه وديمومة نوعه وإعطائه القواعد والأصول، التي على ضوئها يمكنه أن يحقق غايات خلقه ورسالات سعيه الأرضي، هذا الإدراك الشامل الدقيق يقتضي أن يكون للمخلوق وقفة أمام ذاته وخالقه يراجع فيها أيامه وتفاعلاته الأرضية قبل أن تأزف لحظة الرحيل.
أي أن الخالق قد وفر لمخلوقه الأدوات والمهارات، ومنحه العقل والسمع والبصر والحواس اللازمة لتحقيق ما يراه من خلال المفردات المتراكمة في الأرض.
والخالق العظيم الذي يقول "ونفس وما سواها ألهمها فجورها وتقواها" يدرك أن المخلوق سيكون في حالة شد ما بين القوتين النفسيتين الفاعلتين في أعماقه، ولهذا أعد له الوسائل الكفيلة بالإرتقاء إلى حالة التقوى والخلاص من حالة الفجور.
ويبدو أن الإنسان بحاجة إلى شهر كل سنة يقف فيه أمام الذات الفردية، لكي يتخلص من السلبيات وينمي الإيجابيات في أعماقه، كالفلاح الذي يشذب الزرع من الأدغال والأعشاب التي تؤذيه وتريد التنامي على حسابه. فالأعماق البشرية ينمو فيها العديد من الأدغال بسبب التفاعلات اليومية للإنسان، وهذه الأدغال بحاجة إلى قلع وتطهير لكي تنمو أثمار الأعماق الطيبة، ويؤتي الزرع جنيه المفيد للفرد والمجتمع، فما يفيد الفرد يفيد المجتمع وما يضره يضر مجتمعه.
ويبدو أن أحد عشر شهرا من كل سنة تتسبب في تنامي أدغال كثيرة في أعماقنا، مما يستوجب علينا أن نكون فلاحين ماهرين، وأصحاب قدرات روحية وإيمانية لإزالتها، وتوفير الفضاءات الصحيحة لتنامي أثمار الخير والمحبة والرحمة والإحسان فينا.
المؤمن بحاجة إلى شهر كامل كل عام لتطهير أعماقه وفلاحتها وبذرها ببذور رحمانية جديدة. وكيف يكون ذلك؟
"شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، هدى للناس..."
التطهير يكون بالهدى، بالدليل الذي هو القرآن.
"تبيانا لكل شيئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين"
وكيف يطهر الهدى الأعماق من أدغال الشرور وبذور إبليس؟
القرآن دليلنا ومرجعنا وسراجنا في ظلمات الدروب.
فهل نفقه بالقرآن؟
وهل نفهم ما نقرأه من القرآن؟
وهل نتفكر بما نقرأ؟
وهل نحن نعرف معاني الكلمات القرآنية ودلالات الآيات؟
تساؤلات بحاجة إلى النظر فيها وتأملها بصفاء وعمق ويقظة. فالمطلع على أحوالنا يرى بوضوح أن المسافة بيننا وبين القرآن قد إتسعت.
وأن الأمية القرآنية التي نعيشها قد تفاقمت حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه من سفك دماء المسلمين لبعضهم البعض. ولو كان الفاعل (المسلم) يعرف شيئا من القرآن لما تجرأ على ذلك أبدا، ولخشي الرحمان فيما يقول ويفعل ويفكر.
إن التفسير الأكثر قدرة على الإجابة على ما نحن عليه هو الأمية القرآنية، التي تسببت بشيوع التجهيل الديني والتخندق الطائفي والتحزبية والفئوية وثقافات الكراسي والبهتان.
نعم إنها الأمية القرآنية التي تستحوذ علينا، وتفتت وحدتنا وتحوّلنا إلى فرق وجماعات وكأننا لا نقرأ كتابا واحدا.
فأين نحن من القرآن؟
وما هي المسافة بيننا وبين القرآن؟
وهل نحن تقرأ القرآن وتفقه القرآن؟
أم تستمع القرآن ولا تدري ما تسمع ويصعب عليها أن تقرأ؟
كم منا يقرأ القرآن؟
وكم منا يستطيع أن يفهم ما يقرأ؟
فهل نحن في بعد عن القرآن؟!
هذه ملاحظات مؤلمة علينا أن نواجهها ونقف إزاءها بشجاعة وصبر وإقرار بالواقعة المريرة التي نحن عليها. فمصيبتنا أننا نحسب أنفسنا نعرف القرآن لأننا نتكلم العربية وهذا ليس صحيحا على الإطلاق.
هذا إحساس ساهم في تجهيلنا والانقضاض على لغتنا ومحاربتها من قبلنا، وأصابنا بضعف مروع في مخزوننا اللغوي، فترانا لا نعرف من معاني الكلمات العربية إلا القليل. ولذلك فأعماقنا قد ازدحمت بالأدغال والأشواك وبذور الأشرار، وصارت مساحة النباتات الطيبة في تربة أعماقنا ضيقة ومصابة بالكثير من الأمراض، التي تسببت بها هذه الأدغال المتنامية والتي تُسقى من روافد النفس الأمارة بالسوء.
وعليه فإننا في هذا الشهر الذي تحتاجه أعماقنا لا بد أن نتعلم الفلاحة الماهرة ونتأمل أرض الأعماق ونحاول أن نستصلحها وننقذها من الملوحة والبور والفساد، وأن نسقيها بزلال الرحمة والمحبة والخير.
ويكون ذلك بالوقوف الصريح أمامها وإجراء المسح الشامل لها، وبعد ذلك نرويها بالفيض القرآني الذي لا يتحقق إلا بالقراءة الواعية، وليس الحرفية أو الصوتية كما نقرأ الفارسية أو الهندية، القراءة المتفكرة التي تحقق الوعي المعرفي بالمقروء.
فهل تساءلنا لماذا يرتل القرآن ترتيلا؟
القرآن يرتل لكي يعطي للسامع برهة للتفكر بالمعاني والدلالات، فقراءة القرآن ليست خشوعا فحسب أو قنوطا عن الإدراك والفهم، إنها استزادة واعية وإضافات ذات تأثيرات نفسية وروحية وسلوكية على من يؤمن بها ويفهما. وهكذا فإن إقران رمضان بالقرآن يعطي المهارات الروحية والنفسية ذات القيمة الإيمانية، التي تحقق حياة فردية واجتماعية متوازنة ومستقرة وذات أبعاد إنسانية سامية.
فهيا للتفكر بالقرآن ومعرفة ما نقرأه ونسمعه منه، القرآن الذي يشفي القلوب من أمراض الرغبات والنفوس من النزعات السيئة، ويصنع عالما إيمانيا تتدفق فيه الرحمة والأخوة والإحسان والألفة والصفاء.
فاصنعوا قلوبا رحمانية بوعي الآيات القرآنية.
ونرجو من العارفين بالقرآن أن يعلموننا كيف نقرأ القرآن، فنحن لا نعرف كيف نقرأ ولو كنا كذلك ما حصل الذي حصل عندنا.
فأخذوا هذه الدعوة مأخذ جد وتبصروا بسلوك الناس من حولكم وهم يقولون لكم أنهم يقرؤون القرآن ويصومون شهر رمضان؟؟!!
واقرأ أيضاً:
تفاءلوا وتفاعلوا!! / مؤسسة الدولة!! / النفس الأمّارة بالسوء!! / رمضان والتقوى!!