"ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها"
"إن النفس لأمّارة بالسوء..."
ماهي هذه النفس؟
وما هي صفاتها؟
وما هو دورها في حياتنا وتفاعلاتنا اليومية، وما هو السوء الذي تأمر به؟
النفس الأمارة بالسوء أحط درجات النفس وأكثرها إنفلاتا ووحشية، وتعبيرا عن الأنانية واللذة والإمعان في الذاتية المقيتة بلا حدود.
نفس إذا تحررت من رادعها ومراقبها جعلت البشر كالوحش الجائع في الغاب.
وقد جاءت الأديان والعقائد السامية لتهذيبها وردعها، ومنحها بعض المفردات الإيجابية في النظر والتفكير، وإخراجها من ظلامها والوصول بها إلى مسارح النور والأمل والحياة الحرة، ذات القيمة الإنسانية بعيدا عن أمّارات الويلات واليأس والفناء. النفس الأمارة بالسوء ذات منحى لذائذي إدماني، وفعلها يتكرر ويترسخ ويجعل من صاحبه مدمنا يصعب علاجه وإعادته إلى سواء السبيل، لأن عليه أن يمتلك دافعا وإرادة وقوة في أعماقه تؤهله للإمساك عن رغبات هذه النفس ولجمها. ولكل فرد بشري لذة يدمن عليها وتحثه نفسه السيئة للقيام بها.
هذه النفس هي التي تجعل البشر يستسيغ قتل أخيه، فهي نفس دموية مشبعة بالبغضاء والحقد والكراهية، وتنفث السموم المقيتة في كل مكان تحل فيه، وتقضي على البشر الذي تملّكت إرادته وسخّرت عقله لتبرير جرائمها وشرورها وأعمالها السيئة. وهي تسوّغ قتل الذات التي تحويها عندما لا تستطيع التعبير عن سوئها وترجمة شرورها.
نفس تريد أن تتعذب وتتألم وتنثر مشاعر الحزن والحقد والكراهية بين الناس وترغب بالعذاب، وتتلذذ بقهر الذات ومعاناة الآخرين من حولها.
نفس سوداوية ظلامية لا تحقق الحياة بل تصنع المآسي، وتدين بالحقد والبغضاء والقتل وسفك الدماء.
النفس الأمّارة بالسوء مخبوءة في أعماق البشر، وتحرك الضغائن وتوقد المشاعر السلبية ذات النتائج الضارة بالخير والمحبة والرجاء. والغريب في هذه النفس أن لديها طاقة فائقة على الجذب والتكاثر، لأنها ترضي إندفاع الرغبات المكبوتة وتحقق شعورا لذائذيا غريبا في الأعماق.
هذا الشعور يدعو إلى تكرار المآثم والمظالم والارتقاء إلى حالة الإدمان المتواصل. ففي عرف النفس الأمارة بالسوء، أن كل شيئ من حقها ويعود لها، وكل لذة لذتها، وما في الأرض لا بد أن يكون في حوزتها. وهذا توجه عدواني مروّع يقرر وفقا لعقيدة السوء التي تقر بأن الحياة يجب أن تتحول إلى بركان ألم وأنهار دموع، ومجازر بشرية متوحشة بالقتل والظلم والحقد والكراهية. فأصحاب هذه النفوس يحتسون خمر السوء، ويتحركون على ضوء ما يقرره في رؤوسهم من فقدان الحكمة والروية والصواب، ويرمي بهم وبمن حولهم إلى أتون الدمار السقري.
والإذعان للنفس الأمارة بالسوء، إضطراب سلوكي، بحاجة إلى وقفة تأمل ودراسة وتشخيص، لوضع الحلول الناجعة التي تمنع البشرية من السقوط ضحية لأهوائها ومقرراتها العمياء. ومما يحزن حقا، أن البشرية تتلذذ بعطاءاتها وإنجازاتها وتندفع نحو طريقها وجحورها المظلمة بقوة وشراسة لا تمنعها قدرات العقل والضمير الصالح، وبسببها تمضي في فواجع متواصلة وتصنع وسائل فتك مخيفة، وتتحقق المجازر الفظيعة حتى لتصرخ النجوم وتئن الأرض من أهوال السوء التي يقترفها البشر على ظهرها، فتستغيث إلى خالق الأكوان وتستنجد بطاقات الصيرورة والبقاء التي تدير دفة المسيرة الكونية.
الأرض تعاني من شرور النفس الأمارة بالسوء والبشر يدفع ثمنا كبيرا بسببها. وقد عانى الرسل والأنبياء من نيرانها وجورها وأصابهم منها أشد العناء.
النفس الأمّارة بالسوء كثيرا ما تتحكم فينا وتقودنا بعنفوان وشراسة إلى حيث تريد، وهي تلبس العديد من الملابس وترتدي الأزياء الملونة، التي تشيع في أعماقنا قوة الاندفاع إلى حيث التحقيق الأكيد لمراميها الغريزية السوداء.
فهل سنخرج من سجن النفس الأمارة بالسوء، وهل سنرتقي إلى مدارات أخرى، تتحقق فيها إنسانيتنا ودورنا السامي في الحياة؟!
و"فاز من سلم من شر نفسه"
أمّارة السوء التي تسعى
تعادينا كأنها أفعى
بسياطها روح العلى تشقى
وشرورها للخير كم تنعى
والناس لا تدري لها أصلا
من جهلها لسِماتها ترعى
واقرأ أيضاً:
فرسان العروبة يتوالدون!! / تفاءلوا وتفاعلوا!! / مؤسسة الدولة!! / رمضان والقرآن!!