القرآن الكريم كتاب سماوي فيه مطلق الأفكار والحِكم، وهو سرمدي الأبعاد والإتجاهات وأبدي المحتوى والآيات، فيه أمهات الرؤى والتصورات، ومن علم اليقين ودرر الأكوان والسماوات. كتاب أنزله الله تعالى بواسطة جبريل على النبي الكريم في ثلاثة وعشرين سنة، كانت السماء خلالها في تخاطب حيّ وفعّال مع العالمين. كتاب من خالق الأكوان والإنسان، العارف بكل شيء، والذي يقول للشيء كن فيكون.
فالقرآن والكتب السماوية الأخرى توافدت إلى الخلق من خالقهم، لأن الإنسان ظلوم جهول، يظلم نفسه وغيره لقلة علمه وتوهمه بالدراية وهو في عميق بهتانه وجهله. ومن الحكمة أن يلجأ الناس إلى القرآن في وقت الملمات والخطوب، لمعرفة الأسباب والمخارج، وليتنوّروا ويزدادوا علما فيسيروا في طريق الصلاح والأمان.
يقول الإمام علي بن أبي طالب: "إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن". هذا القرآن فيه معرفة شمولية لنوازع النفس البشرية وخباياها ورغباتها، وكيف تحقق السلوك اللازم للوصول إلى مراداتها وغاياتها.
في القرآن القواعد والأصول الأساسية التي ينطلق منها السلوك البشري فوق الأرض، وكيف تتفاقم المشكلات وتتوالد الأزمات والحروب. هذا القرآن "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور" (سورة غافر: الآية 19)
لكن الأنسان عندما يبتعد عن القرآن، وينغمس في مستنقعات النفس الأمّارة بالسوء، يتحول إلى مخلوق أشِرْ لا يعرف إلا أطماع نفس مطلوقة منفلتة، لا تدرك إلا ما ترغب ولاتفهم غيره، فتقتل الأبرياء وتسفك الدماء وتطيش في ميادين الشر والدمار، وإن تولّت ظلمت، وإن تسيّدت أثِمت وزرعت المظالم في أرضها المحكومة بسلطان نارها الحامية.
وفي هذا المعترك الإثمي، والانفعالي المتأجج، تندحر الذات الإنسانية وتتسيّد الذات الحيوانية، وينكر البشر أصل إنتمائه وغاية وجوده، فيبدو مفترسا متوحشا بهيأةٍ آدمية، فتتحقق الويلات الكبرى والتداعيات المريرية السقرية.
يقول الأمام علي بن إبي طالب في رسالته إلى والي مصر "لا تكن عليهم سبعا ضاربا فالناس صنفان إما أخ في الدين أو نظير لك في الخلق"
وفي هذا تعبير رائع عن الإدراك القرآني الفائق، الذي يمكن صياغته بكلمات بليغة تدل على جواهر الأفكار القرآنية، فهنا تظهر شمولية التصنيف الواعي المطلق للبشرية، فلا فرعيات ولاجزئيات، إنها أساسيتان ثابتتان واضحتان مثل وضوح الشمس في رابعة النهار، أخ في الدين ونظير في الخلق، ويمكنك تقديد الصنفين الأساسيين إلى ما شئت من الأجزاء والفروع، ولكن عليك أن تتأمل الفكرة الأساسية المستوحاة من العلم القرآني والإدراك الكوني المطلق، والمبنية على وحدانية الخلق والدين.
وليتأمل كل منا الناس من حوله فسيجد أنهم إما أخوة بالدين أو نظراء بالخلق، فلماذا يجنح الأنسان إلى مقاتلة أخيه وتدمير الأخوة والوئام والمحبة؟
ترى ألا يكفينا في هذا الشهر المبارك أن نتأمل هذه الآية ونستخلص منها سلوكا قرآنيا يحببنا إلى الله ويقربنا من جنات عدنه؟!
"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" (الحجرات 13)
يا أخي في الدين ونظيري في الخلق، إنها التقوى وحسب؟!!
واقرأ أيضاً:
النفس الأمّارة بالسوء!! / رمضان والقرآن!! / رمضان والتقوى!! / هل جعلوا القرآن عضين؟!!