أي جزّؤه أجزاءً، وجعلوه عضة عضة فتفرقوا فيه، فيؤمنون بجزء وينكرون غيره. وكل قطعة عضَة.
القرآن فيه مبادئ، وهي أفكار جوهرية أصيلة، وقيم ومعايير إنسانية صالحة للحياة الصحيحة الطيبة. ويحتوي من كل شيءٍ مَثل، ويقدم التفاعلات الإنسانية بأساليب متنوعة ذات قدرة على الفهم والتمثل والاقتداء.
وآياتُ كل سورة لا يمكن فصلها عن كاملها، وكل سورة تكون ضمن القرآن بمعانيه ومبادئه ومنطلقات رسالته، لأن القرآن حالة متكاملة متماسكة مرهونة بالوحدانية الكونية والإرادة الخلقية الواضحة والمعاني المشتركة للوجود بأسره. فالقرآن ينطق بلسان الكون المطلق، المُحْكم الذي يجري بحسبان قادر قدير، ومدبّر عليم حكيم، وفيه قِوى متوازنة متداخلة متعاضدة تحافظ على عماراته الدوّارة وتنافراته الكرّارة.
وكتاب بهذا التدبّر والتمثل والثراء والاحتواء والإحكام، لا يصح أن يُجتزأ منه الآيات والعبارات، وتداولها مقطوعة عن البدن أو الكيان القرآني الذي تتوطنه، فكل عبارة وكلمة إنما دلالاتها تتحقق في فضائها القرآني الأكبر والأشمل، ولا يمكنها أن تكون مبتورة، ومأخوذة إلى حيث يُراد لها الأخذ.
وهذه مشكلة كبيرة تواجه المسلمين منذ قرون، إذ يتم بتر الآيات عن سياقها القرآني ومفهومها الإيماني وفضائها الكوني الحي، فيبدأ التلفظ بها على أنها تعني ما تعنيه وفقا لنوازع ودوافع النفوس ومشارب الأهواء البشرية، مما يدفع إلى السقوط في تفاعلات سلبية، وتحقيق التراكمات التدميرية للذات والموضوع.
وهذا ما يبدو واضحا في عصرنا المُدمى والمثخن الجراح، بسبب الاجتزاءات والتأويلات المنحرفة والتفسيرات النائية عن جوهر السورة التي بُترت منها الآية أو العبارة. فالقرآن كيان فكري معرفي متكامل مترابط بإحكام، والانحراف يتحقق عندما يقع الاجتزاء. ولهذا فإن المطلوب إمتلاك المعرفة القرآنية التامة، لكي يصيب النظر بالمجتزءات من الآيات والعبارات.
أما أن يسود فقه الاجتزاء ومناهجه، فهذا هو البلاء المبين، الذي يصبح فيه القرآن حمّالا للأوجه وحسب، فالاجتزاء يقتل روح القرآن ويُذهِب بالمبادئ والقيم والرؤى القرآنية الصالحة للحياة. وهؤلاء "الذين جعلوا القرآن عضين" 15:91
"فوربك لنسألنهم أجمعين عمّا كانوا يعملون" 15:92
فهل سنتدبر ونتفكر ونتبصر لنكون أمة ذات دين وسلوك قويم؟!!
واقرأ أيضاً:
رمضان والقرآن!! / رمضان والتقوى!! / إقطع ظهر الفتن بالقرآن!! / الخروج من فضاء العولمة!!