الشعوب سوائل تأخذ شكل الوعاء الذي توضع فيه، وأوعية الشعوب أنظمتها السياسة، ولا يمكن إلقاء اللوم على أي شعب مهما كان، وإنما اللوم كله يقع على نظامه السياسي. فالذين في السلطة هم المسؤولون عما يصيب الشعب وما يمر به من العناء والويلات والتداعيات.
وهذا قانون واضح وصريح وفاعل في جميع المجتمعات والشعوب. فلو أن النظام السياسي الصيني غير ما هو عليه، لما كان الشعب الصيني على ما هو عليه اليوم، وكذلك الهندي والياباني والمالبزي والأندونيسي والأمريكي والأوربي. فالنظام السياسي هو الذي يحدد حالة الشعب ويرسم خارطة مسيرته ويقرر مصيره.
الشعب الألماني في زمن النظام النازي غيره في زمن نظامه الحالي، والشعب الفرنسي غيره قبل وبعد ديغول، والإيطالي غيره قبل وبعد موسوليني، وتركيا غيرها قبل وبعد أتاتورك ومن ثم أردوغان، ومصر غيرها قبل وبعد جمال عبد الناصر، وقس على ذلك العديد من الحالات في المنطقة العربية والعالم.
وما يحصل في الواقع العربي سببه الجوهري والأساسي يكمن في النظام السياسي لا غير، فالأنظمة السياسية العربية تتفاوت في درجات فشلها وعجزها وتبعيتها وضعفها وقوتها، وتشترك جميعها وبلا إستثناء في اعتبار الكرسي هو الوطن وحسب، ولهذا فإنها تضع الشعب في وعاء الكرسي وتجلس عليه، ولا تسمح لفرد أن يحيص أو يفيص.
فالمجتمعات العربية مقبوض على مصيرها ومحشورة في وعاء الكرسي الذي يرمي بها إلى حيث يشاء، ويطعمها ويرغمها أنى يشاء، ومهما تم الإدعاء بالديمقراطية وغيرها من الهذيانات التخريفات التخديرية التنويمية، فإن الواقع المرير يشير إلى أن الشعب موضوع في قارورة الكرسي.
والمجتمعات الحية هي التي فازت بأنظمة سياسية ذات قيمة حضارية وإرادة حياتية وإلهامية، ولم تأتي أنظمتها من الفراغ وإنما أسهمت فيها عطاءات المفكرين والفلاسفة والأدباء والشعراء والعارفين بالأمور، وتفاعلوا بجدية واجتهاد حتى أوجدوا الأنظمة التي يرونها تستوعب مسيرات أجيال، وقد حصل هذا في فرنسا وأمريكا يوم تأسيس نظام حكمهما من قبل جهابذة الفكر والمعرفة، الذين حظيت بهم الدول الناشئة فوضعوا أسس رقائها وتقدمها وتناميها.
وبما أن الأنظمة السياسية العربية تقصي العقول وتعادي الفكر، وتتخذ من الكرسي عرسا ومحرابا وعقيدة، فإن الشعب العربي سيمضي منسكبا في أوعية مثقوبة، وفي أنظمة بلا روية ورؤية ورسالة، وقدرة على قراءة أبجديات الصيرورة والرقاء الحضاري المعاصر، وستظل المجتمعات مفجوعة بأنظمتها السياسية وتدور في حلقة مفرغة من التداعيات، وهي تبحث عن نظام يستوعبها ويأخذ بيدها إلى حيث الحياة الحرة والكريمة العزيزة.
وإلى أن يتهيأ للعرب عقول ذات قدرات حضارية متوافقة مع جوهرهم الإنساني والمعرفي، فإن ناعور المآسي والويلات سيبقى يدور بذات التعجيل المرّوع الأليم. فهل ستنعم الأقدار على العرب بعقول أصيلة متنوعة في زمن واعدٍ فريد؟!!
واقرأ أيضاً:
التحالف العربي العربي!! / العرب عدو العرب!! / أقتل العرب بما يريدون؟!! / المعارف بين الحفظ والتوظيف والتحريف؟!!