الذي نسميه صراعا، عنفا، تطرفا، انحرافا أو غير ذلك من المسميات التي تسوّغ الانقضاض عليه، إنما هو تعبير سلوكي عن منظومات عقائدية متعفنة في وعي البشر، وممتلكة للاوعيه ومداركه وأحاسيسه وما يراه ويسمعه ويدور حوله. فالتقاعل مع هذه الحالات كنتيجة لن تصل إلى حل وإنما إلى مضاعفات، لأنها معالجة لعَرضٍ لا لمرضٍ، كالمريض الذي يعاني من الزحار الأميبي وطبيبه يعالج الحالة بمضادات الإسهال، ويغفل استهداف الأميبا بالأدوية القاتلة لها.
فالمريض سيبقى يعاني من الزحار الأميبي، ومن مضاعفات الأميبا الناشطة في جهازه الهضمي، فتزداد عددا وشراسة وأعراض المريض تتضاعف بخطورة. فالذي يجري في المجتمعات الحامية الوطيس أنها تحولت إلى سوح مفتوحة لصراع العقائد والتصورات والآيديولوجيات والنظريات، والصراع المحتدم يزداد تأججا لوجود العديد من القوى المستثمرة والمستفيدة، والتي توفر السلاح والعتاد والأموال والدعم الإعلامي واللوجستي، وادّعاء غير ذلك إنما للتضليل والخداع وتمرير قواعد اللعبة، وتنمية الصراعات وتحقيق الربح الأعظم منها.
ومن هنا فإن المنطقة لن تهدأ، إن لم تصل إلى مستوى الحوارات الإنسانية الديمقراطية المعاصرة التي تحجم عن التقاتل، وتتعلم مهارات التحاجج والتفاعل المعرفي السليم الصالح لمجتمع ووطن يؤمن به الجميع، ومَن لا يريد أن يكون في وعاء واحد بأفكاره ومعتقداته مع الآخرين، فإن الزمن سيدوسه بسنابكه والحياة ستلفظه على جرفها الخاوي.
فالوجود البشري الأرضي المعاصر تفاعلي متبادل وبإرادة إمتزاجية واعية ذات قدرات تطورية تجددية متوالدة، تفرضها قوانين الدوران وسلطة الجذب، وما ينعكس في الأرض من أفكار الأكوان ومنطلقاتها المتحققة في أرجاء كون فسيح. وما يجري في الواقع المشتعل لن يساهم إلا بزيادة الالتهاب والأجيج، لأنه كالبنزين الذي ينسكب فوق النار التي أكلت حطبها، ومضت تبحث عن حطب أو أي طري سرقت ماءه وأهلته للإحتراق.
وما دامت الأجيال متوحلة بعقائدها البائدة ومُستعبدة بها، فإنها لن تنجز ما ينفع الحياة ويصنع الوجود الإنساني الأفضل، وإنما ستبقى في دوامة الإتلاف والخسران والضياع. ولا بد من تحديد السلوك الإجرامي المؤدلج وفرض سلطة القانون وإرادته عليه، والانطلاق في مشاريع وبرامج الانفتاح العقلي التنويري والتفاعل التحاوري التحاججي مع الآيديولوجيات والرؤى والتصورات، للوصول إلى آليات ومهارات إنجاز الصالح الوطني الإنساني المشترك.
فقعقة السلاح لا تقضي على الأفكار والآيديولوجيات، وتلك حقيقة تواصلت فوق التراب!!
واقرأ أيضاً:
الأخلاق الديمقراطية!! / الانتصار البراغماتي!! / الثقافة المعمارية!! / مَن استقوى بغيره يشقى بخيره!!