الأفكارُ تتعفن، والأحوالُ تتبدل، والعلاقة ما بين التعفن والتبدل ذات تداعيات وتواصلات متشابكة، ذلك أنّ التبدلَ إنْ لمْ يتحققْ فإنّ التعفن يتأكد!!
فالحياة جريان دائب، وتدفق متواكب، وصيرورات متوالدة، وتفاعلات متعاضدة، وقدرات منسابة ومتصاعدة، فلا سكون وقنوط وتقوقع واندحار، فالحياة في الحركة. وما ركد من الموجودات يتفسخ ويتعفن ويبعث الروائح الكريهة ويصنع الحالات القبيحة، ويدفع إلى متواليات كسيحة. وهذا قانون دائب ودستور متعاقب لا يأوي إليه سائب، ومَن لا يوافقه هو الخائب الغائب؟
والأفكار عليها أن تكون متجارية معه وتدور في مداراته وتمتلك الطاقات التي تأخذ بها إلى الأعلى والأسرع، وإلا فإنها تتخامل وتُصرَع. وما من فكرةٍ إلا تطوّرت وتواشجت لكي تبقى وتمارس الحياة وتعاصر وتكون في مكانها وزمانها، وقدرتها على العطاء المتجدد المتوافق مع إيقاع واقعها الذي تعيشه، وتمارس فيه دورها التفاعلي والتواصلي المُعبّر عن ثراء جوهرها وطاقات ذاتها.
والأفكار التي تخندّقت وانغلقت وتحنّطت، أُصيبت بداء الاستنقاع والتعفن المرير، الذي تسبب لها بسلبيات متفاقمة ذات خسران عظيم، وعلى مرّ التأريخ هناك أفكار لقيت حتفها وانتفى وجودها، لأنها تمترست في ذاتها وأبت أن تتواصل مع مكانها وزمانها، ومنها أفكار العديد من الأحزاب والحركات التي انتهت في القرن العشرين، بل أن أديانا مرّت في الأرض وانقرضت لفقدان قدرة التواصل والتجدد.
وما يجري في الواقع الذي نعيشه في مجتمعاتنا، أن الأفكار المتعفنة صار لها دور سيادي وسلطوي وإمتلكت المصادر الكفيلة بترجمتها وتحقيق مراميها وغاياتها السيئة النتنة، وبذلك أسست لواقع خسراني بهتاني يزدحم بالضلال والخطايا والآثام.
ولن تتمكن هذه الأفكار الموميائية المتحنطة في صناديق الأجداث، أن تقدم خيرا وتصنع معروفا وترتقي بالواقع الذي تتفاعل فيه، لأنها تحسب الأمواتَ أحياءً والأحياءَ أمواتا، وبهذا المنطوق السلوكي فأنها ستقضي على الحياة وما فيها.
ومن ضرورات الحياة الحرة الكريمة أن تعيد النظر بمرتكزاتها الفكرية، وتتخلص من أتراسها السميكة المتقوقعة فيها، والتي تظنها ستحميها، وتتناسى أن سنابك الزمن وجحافل التأريخ ستدوسها وتسحقها وتمزجها بالتراب.
فهل من قدرة على الخروج من عفونة الرؤوس؟!!
واقرأ أيضاً:
دَيْزيّاتْ!! (2) / التجهيل الوطني!! / النفس العدمية!! / قراءة سلوكية لعام جديد!!