|
|
|
النساء؟ أم سمات تكثرُ النساء!؟ ::
الكاتب: د.وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 27/09/2004
من
المشتهر بين الناس في مجتمعاتنا أن النساء مقارنة بالرجال أكثر لجوءًا للسحرة
والمشعوذين، ولعل أي زيارة لواحدٍ أو واحدة من من يدعون الاتصال بعالم الغيب
(وهم مع الأسف في كل حي وكل شارع)،
سيجدُ بالفعل أن عدد الموجودات من النساء أكثر من عدد الموجودين من الرجال، بل إن
أكثر الرجال الموجودين غالبا ما يكونون قد حضروا بصحبة زوجاتهن إما دعما أو خوفا
عليهن أو غيرة من مولانا!، خاصة إذا لم يكن
مولانا المبروك يتخفى وراء ادعاء أن كل ما يفعله إنما هو بالقرآن الكريم.
والحقيقة أن ظاهرة اللجوء إلى السحرة والمشعوذين هي ظاهرةٌ مستفحلة بشكل كبير في
مجتمعاتنا، ففي مصر وحدها يوجد دجال لكل 240 مصريا ومصرية
(وذلك دون حساب من تم تصدريهم إلى الأقطار
الخليجية)، وقد ورد في تقرير المركز القومي
للبحوث – سبتمبر 2003 أن في مصر وحدها 350 ألف
على الأقل يعملون في محال العلاج بالجن ويطلق كل منهم على نفسه لقب معالج أو شيخ
حتى حديث السن منهم، وهناك دراسات تمت في المغرب العربي ودراسات في مناطق شتى من
العالم الإسلامي تظهر تقريبا نفس النسب.
ومعرفتنا باستفحال ظاهرة اللجوء (خاصة من قبل
النساء) إلى المعالج الشعبي إلى هذا الحد،
لابد أن تدفع أولاً إلى استقصاء صدق الظاهرة علميا، وثانيا
إلى محاولة إيجاد التفسير الذي يبين لنا لماذا تلجأ المرأة أكثر من الرجل لمثل هذه
المسالك المرفوضة شرعا مهما تستر المرتزقون منها خلف ادعاءات سرعان ما تبطل بالبحث
الجاد والتأمل المخلص الحريص على مصلحة أمة المسلمين.
أولاً هل الملاحظة صحيحة علميا؟
بينت بعض الدراسات الاجتماعية التي أجراها المتخصصون بعلم الاجتماع صدق تلك
الملاحظات، فقد صدرت عن المركز القومي للبحوث الجنائية الاجتماعية بمصر دراسة أكدت
أن نصف المصريات يعتقدن في السحر والخرافات، وأن للجان تأثيرًا على مجريات حياتهن،
كما أكدت نفس الدراسة أيضا على أن النساء "يتفوقن"
كثيرا على الرجال في هذا الأمر، ويصل عدد المترددات على السحرة
والمشعوذين من النساء ضعف عدد الرجال، كما بينت دراسة أخرى أيضا أن 55% من
المترددات على السحرة من المتعلمات، و24% يقرأن ويكتبن، و30% من الأميات..
وكانت نفس النسب تقريبا تنطبق على الرجال، وقد أكدت هذه الدراسة أيضًا أن النساء هن
الأكثر اعتقادا في السحر والشعوذة والأكثر ترددا على الدجالين، وأضافت الدراسة أن
51% من المترددات متزوجات، وهو ما يوضح المشاكل الزوجية، و2.1% من العوانس الراغبات
في الزواج..، وبالطبع تجد من تسعى إلى الدجال
لأنها تأخرت في الحمل، ومن تحاول ربط قلب زوجها كي لا يتزوج عليها إلى آخر ذلك.
إذن فصحيحٌ أن النساء أكثر لجوءًا كما تبين
الدراسات في منطقتنا العربية، وهناك من الدراسات الغربية بعض الإشارات إلى كون
المرأة أكثر قابلية للإيحاء، وهناك في نفس الوقت ما يعارض تلك الإشارات، ويرى
الاستعداد لتقبل الخرافة، وزيادة القابلية للإيحاء أمرًا يشترك فيه الرجال والنساء،
المهم أن كلامنا يختص بالنساء، ولذلك سنحاول استطلاع التفسيرات المطروحة لذلك.
ثانيا لماذا النساء؟
من المعروف أن المرأةَ خاصةً في مجتمعاتنا أكثر ميلا لتصديق الخرافة من الرجل وأكثر
تصديقا للشائعات، وهي بالتالي تصدق بسهولة أن الدجال يستطيع حل مشاكلها وتجد في
السحر وسيلة سهلة ومريحة لحل الأزمات التي تتعرض لها وتميل للبوح بما يؤرقها بصورة
أكبر من الرجل وهو ما يسهل مهمة الساحر، وأسباب ذلك عديدة، لعل أهمها تفشي الأمية
وانعدام الثقافة إضافة إلى شيوع الاعتقاد في الخرافات والأساطير الشعبية الوهمية عن
الجان وقدرته على إحداث ما يأمرهُ به الشيخ، وبالإضافة إلى ما يمثله ذلك من هروب من
الواقع، فإن كون وضع المرأة الاجتماعي أضعف من الرجل يمنحُ المشعوذ أو الساحر
الفرصة ليخضعها لسيطرته فتستجيب لطلباته إرضاء للجان.
إلا أنني أجدُ أن كل ما قدمته الدراسات والفرضيات عن الأسباب التي تجعل المرأة
العربية تتصرف بهذا الشكل غير كافية أو بالأحرى غير منصفة للمرأة العربية؟
ففضلا عن كل ما سبق ذكره فإننا نرى أن السبب الجوهري لهذه الظاهرة إنما يتمثل في
قصور عملية التكوين والإعداد للمرأة في مجتمعاتنا، والمقصود هنا هو قصورنا في تكوين
شعور الفتاة أو المرأة بأنها عنصر فاعل في الأحداث من حولها، فهي تُرَبَّى وتُعلَّم
على أنها كائن ناقص، ورحم الله شيخنا محمد الغزالي عندما أزال اللبس المتعلق بحديث
ناقصات عقل ودين، فالمرأة إذا أعدت الإعداد السليم وكُوِّنت نفسيا بشكل يشعرها
بفاعليتها كإنسان، بحيثُ نعلمها أنها تستطيع من خلال مهاراتها وقدراتها وسلوكياتها
أن تؤثر فيما حولها من أحداث فإن استعدادها لتقبل الخرافة ولجوءها للبحث عن الحلول
السحرية سيكونُ أقل بكل تأكيد، وهذا هو ما ينبغي العمل من أجله.
النساء أم سماتٌ تكثر في النساء؟
ثم أن هناك نقطة مهمة وهي أن اللجوء للسحرة والمشعوذين ليس قاصرا في مجتمعاتنا ولا
في غيرها على النساء، فصحيح أنهن أغلبية، لكنهن الأغلبية التي نستطيع أن نتلمس لها
العذر أكثر مما نستطيع في حالة الرجال، ثم أن سؤالاً يبرز هنا، وهو سؤال لم أجد
دراسة تحاول البحث عن إجابة له: أليس المفترض أن غالبية النساء اللواتي يفعلن ذلك
إنما يأخذن الإذن من وليهن زوجا كان أو أبا، أي أن الرجل يشارك المرأة في المسئولية
عن التصديق بفائدة اللجوء إلى الشعوذة، إذن ستبقى لنا نسبة لا ندري كم تساوي من
النساء اللواتي يلجأن إلى المشعوذ دون إذن الزوج أو الأب، وهن من سيتحملن المسئولية
وحدهن.
ويمكننا أن نرى رجالا ونساء يشتركن في تصديق الخرافة إذا قرأنا ما تقود إليه
الروابط التالية من على موقعنا
مجانين:
خطيبتي والجن !!
/ بين
الرقاة - مس قرين؟؟! أم وسواس قهري؟؟!!! /
السحر وكيفية
كشفه ؟ /
السحر والشياطين
وقول الأطباء النفسيين /
السحر والحسد
والشياطين ، وأمة المساكين
الأمراض النفسية
كلها بسبب المس والتلبس بالجن /
الجن المخفي:
التفارق وادعاء العلم بالغيب /
يا دكتور "
أنا ملبوسة المس واللبس والسحر في العيادة النفسية
والذي يبدو هو أن الأمر يرجع أصلا إلى نوعيةٍ معينة
من سمات الشخصية، وهي سمة القابلية للإيحاء والاستعداد لتصديق الخرافة، وكذلك سمة
الشعور بعدم القدرة الشخصية على التعامل أو التأثير في الأحداث أو مجريات الأمور
بحيث يشعر الإنسان بأنه مفعول به دائما وأن التحكم في حياته يتم بواسطة قوى أخرى
سواء انتمت تلك القوى إلى عالم الغيب أو إلى عالم الشهادة، هذه السمات الشخصية هي
التي تميز من يلجئون إلى السحرة والمشعوذين أكثر من غيرهم بكثير، والأهم من ذلك هو
أن هؤلاء هم الأكثر احتمالية أيضًا للتأثر بما يقوله أو يفعله الشيخ، فتحدث لهم
نوبات انشقاقية أو اختلاجية Dissociative(هستيرية)
وتفسر بأن الجن ظهر عليهم إلى آخر ذلك من خزعبلات، وهؤلاء أيضًا هم الفئة التي
يتكونُ منها معظم المريدين والمقيمين حول الشيخ أو الساحر كما يمثلون وسائل دعاية
متحركة بالنسبة له. وبهذا يكونُ السؤال هو هل هذه السمات
أكثر في الرجال أم في النساء في مجتمعاتنا؟
فإذا تأملنا الطريقة التي تعد وتكون بها المرأة العربية فإننا سنجدُ أن مجتمعاتنا
هي التي تعزز تلك السمات في المرأة تكوينا وتعزيزا، فإذا أضفنا ذلك إلى الوضعية
الظالمة للمرأة في مجتمعاتنا والظروف الاجتماعية التي تجعلها تدور حول كعبة الرجل
الشارد أحيانا والعاجز عن التواصل معها في معظم الأحيان، فإننا سنفهم أن المسئول عن
تفشي هذه الظاهرة بين النساء هو الطريقة التي تتم تربيتهن بها، وبذلك نصل إلى أن
المطلوب هو تغيير تلك الطريقة.
مطلوب أن نسمح للفتاة بأن تعيش كيانها الإنساني كاملا، وليس دورها الأنثوي فقط،
فالدور الأنثوي جزءٌ من الإنساني، مثله مثل الدور الذكوري، وليس هناك عاقل واحدٌ
يرضى أن تفرضَ على المرأة اعتمادية كاملة على الرجل في كل حياتها، فقد يكون دور
الأم والزوجة هو من أهم وأحب الأدوار إلى المرأة لكنه يجبُ ألا يكونَ كل شيء، أو
بالأحرى يجب ألا تعدَّ وتكونَ بحيثُ تستطيع فقط القيام بهذين الدورين دون غيرهما،
فمن الممكن إذن أن تطلب هي الاكتفاء بالدور الأنثوي، لكن يجبُ ألا نفرض نحن عليها
ذلك، ويجبُ أن تعد لكل الأدوار، وأنا أقول هذا الكلام وفي ذهني ما هو حادثٌ
وسيتفاقم في السنوات القادمة، حيث سنجد إناثا لم يتعلمن غير الدور الأنثوي، بينما
هن لا يجدن الذكر متاحا أو سهلا في الحلال!
بكلمات أخرى أرى أننا يجبُ أن نخفف ضغوط التشظي الاجتماعي
الحالي على المرأة، إضافة إلى أهمية توعيتها وتعريفها بأمور دينها وأحكامه،
وفي نفس الوقت نعلمها كيف تمارس أنشطة اجتماعية تعطيها الإيمان بأنها قادرة على
التأثير في الأحداث بفعل تفعله يختلف عن الدور الأنثوي التقليدي، أي أننا نقلل من
شعورها بالعجز الدائم عن إيجاد حلول لما يواجهها من مشكلات، فشعورها بالعجز عن أن
تكونَ فاعلة هو أكثر أسباب لجوئها لصاحب القدرة المتخيل متمثلا فيمن يتصل بعالم
الجن غير محدودي القدرة، وهذا الشعور أيضًا هو أكثر ما يجعلها عرضة للخداع.
| | |