حشرة
تعيش في مستعمرات ذات تنظيم اجتماعي راق، في أعشاش تبنيها وفق تصاميم معمارية
فريدة، هي الأعجب في عالم الحيوان، قد تمتد تحت سطح التربة إلى عمق يزيد عن خمسة
أمتار، أو تعلو في الهواء إلى ارتفاع يتراوح من مترين إلى ستة أمتار وقد يزيد عن 12
مترا، حتى إنه ليسمى، بحق، ناطحات السحاب في عالم الحشرات.
يوجد منها أكثر من 2700 نوع تنتشر في جميع أنحاء العالم، إلا أن معظم أنواعها تعيش
في المناطق الحارة خاصة المناطق المدارية، منها حوالي 15 نوعا تعتبر من الآفات ذات
الأضرار الاقتصادية الهامة في إفريقيا وآسيا واستراليا وأمريكا.
تقدر أعداد أفراد الأرضة التي تعمر كوكب الأرض بحوالي 12000 تريليون حشرة، يزيد
مجموع كتلتها عن عشرة أضعاف كتلة البشر (أكثر من 6 بلايين نسمة)، وتستهلك سنويا من
الأخشاب والمواد السليولوزية ما يزيد عن سبعة بلايين طن، لو تركت لتراكمت على سطح
الأرض وعرقلت سير الحياة فيها.
أهمية اقتصادية وبيئية
لها قدرة هائلة على تحويل البقايا النباتية السليولوزية إلى كتلة حيوية لا يضاهيها
فيها أي كائن حي آخر، وتزيد عن قدرة البقر التحويلية للمواد السليولوزية بنسبة
تتراوح من 67% إلى 400% حسب النوع، مما يجعلها توفر مادة غذائية جيدة للمفترسات
التي تتغذى عليها من الثدييات والطيور والحشرات والعناكب والزواحف والبرمائيات.
يقدر العلماء أن الأرضة مسئولة عن إفراز من 20% إلى 40% من إجمالي غاز الميثان الذي
يتم إفرازه طبيعيا على كوكب الأرض. والميثان هو أحد أهم الغازات الطبيعية التي
تحافظ على درجة حرارة سطح الأرض لتناسب الحياة.
تقوم بدور هام في المحافظة على اتزان النظام البيئي وقدرته الإنتاجية، خصوصا في
المناطق القاحلة، حيث تقوم بتحويل البقايا السليولوزية إلى عناصرها الأولى فتستكمل
بذلك تفاعلات الشبكة الغذائية، إلى جانب قيامها بتهوية التربة وتفكيكها وزيادة
محتواها العضوي وتحسين خصوبتها، وبذلك تؤدي الوظائف التي تقوم بها الفطرات وديدان
الأرض معا في المناطق الرطبة.
أعشاش تحت التربة وأعشاش هوائية تعيش مستعمرات معظم أنواع الأرضة في أعشاش تحفرها
تحت سطح التربة تمتد إلى أعماق قد تزيد عن خمسة أمتار وتتحرك من هذه الأعشاش
الأرضية إلى مناطق تغذيتها عبر سراديب أنبوبية تصنعها من الوحل لتقيها من الظروف
البيئية غير الملائمة حيث تحميها من الجفاف وتوفر لها الرطوبة النسبية اللازمة
لحياتها (97% تقريبا)، وتقيها من الضوء ومن شر الأعداء الطبيعية التي تفترسها
وتتغذى عليها.
وتتغذى هذه الأنواع على المواد السليولوزية في البقايا النباتية كما تتغذى بعض
أنواعها على النباتات الخضرالحية، أو على روث الحيوانات وفضلاتها، أو على التربة.
وتحتاج إلى وجود مصدر دائم للرطوبة لكي تعيش، ولذلك فإنها تغير مكان العش، إذا
أصبحت الظروف البيئية المحيطة غير ملائمة لمعيشتها. وحجم المستعمرة في هذه الأنواع
الأرضية كبير، وقد يصل إلى عشرة ملايين فرد في المستعمرة الكاملة النمو. وبعض
الأنواع تكوَّن مستعمرات صغيرة متعددة، تضم كل مستعمرة منها عدة آلاف من الأفراد.
ويمكن لبعض الأنواع أن تتوسع فتبنى لها أعشاشا هوائية فوق سطح الأرض إذا احتاج
الأمر ذلك، وتوافرت الرطوبة المناسبة. وتضم هذه المجموعة أشد الأنواع ضررا باقتصاد
الإنسان.
وهناك أرضة الأخشاب الجافة، التي تتغذى على السليولوز الموجود في الأخشاب
ومنتجاتها، فلا تحتاج إلى توافر رطوبة عالية في مناطق معيشتها، ويمكنها الحياة على
كمية الرطوبة المحدودة الموجودة في الأخشاب. وتعيش في مستعمرات قليلة الأعداد داخل
الأخشاب ولا تحتاج إلى الاتصال مع التربة. ويتراوح حجم المستعمرة الواحدة من عدة
مئات إلى ألف فرد. وأضرارها الاقتصادية محدودة جدا.
أسرة واحدة تعيش في مستعمرات
الملك والملكة هما المسئولان عن إنتاج جميع أفراد المستعمرة، بعد تركهما للمستعمرة
الأم التي رُبِّيا فيها، وكانا يعيشان فيها قبلا، واستقرارهما في مكان جديد مناسب،
وفقدهما لأجنحتهما، وممارسة نشاطهما في إنتاج أفراد المستعمرة الجديدة. وفي بعض
الأنواع يتضخم حجم بطن الملكة، وتستقر في مكانها دون حركة، حتى ليصل طوله إلى ستة
سنتيمترات أو يزيد، وتبدأ في وضع البيض بعد أن يقوم الملك بإخصابها. ويتراوح عدد
البيض الذي تضعه الملكة يوميا في بعض الأنواع من 2000 إلى 3000 بيضة بينما يصل معدل
وضع البيض في أنواع أخرى إلى 100 بيضة في الدقيقة الواحدة. وفي بعض الأنواع يتزاوج
الملك مع الملكة مرة أخرى في الربيع التالي، وبذلك ينتهي عمله في المستعمرة، بينما
في أنواع أخرى يبقى الملك ويتكرر تزاوجه مع الملكة على فترات. وقد تستمر الملكة في
وضع البيض لفترة تمتد إلى عشر سنوات في بعض الأنواع، بينما تعمر في أنواع أخرى حتى
25 عاما، وفي بعض الأنواع قد تعمر الملكة حتى 50 أو 60 عاما. والبيض أبيض مصفر
اللون يفقس خلال 15 إلى 60 يوما.
وينتج عن المجموعة الأولى من البيض الذي تضعه الملكة في بداية تكوينها للمستعمرة
عدد من الحوريات الصغيرة التي يقوم الزوجان الملكيان برعايتها وتنظيفها وتغذيتها
بإفراز غذائي تفرزانه من الفم أو من فتحة الإست. وتنمو هذه الحوريات لتكوّن النواة
الأولى من الشغالات التي تتولى القيام بجميع المهام في المستعمرة من حيث رعاية
البيض حتى يفقس والعناية بالحوريات الناتجة وتربيتها وتغذيتها وتغذية الزوجين
الملكيين وترميم العش وإصلاحه إلى غير ذلك من المهام. وتتفرغ الملكة لوضع البيض.
وفي الأنواع التي يتكرر فيها إخصاب الملك للملكة يعمر الملك أطول من الشغالات ولكنه
لا يعمر مثل الملكة ويموت ويحل محله ملك آخر من أبنائها وهكذا يقوم بإخصابها ملك
بعد ملك من ذريتها. ومن ذلك يتضح أن جميع أفراد المستعمرة عبارة عن أسرة واحدة
تتكون من عدد كبير من الأجيال من الأبناء والأحفاد.
الطبقة العاملة أو الشغالات
وتشكل الطبقة العاملة أو الشغالات معظم الأفراد في المستعمرة، وهى ذكور وإناث
عقيمة، لينة الجسم لونها أبيض قشدي أو أبيض رمادي، الرأس مستدير بني مصفر اللون،
وطول الجسم من سبعة إلى عشرة ملليمترات، عديمة الأجنحة، عمياء لا ترى حيث لا حاجة
لها بالعيون وهى تعيش في ظلام دامس. وتقوم الشغالات بجميع الأعمال المطلوبة
للمستعمرة من الحصول على الغذاء، وتغذية جميع أفراد المستعمرة بما في ذلك الأفراد
الملكية المنتجة للبيض والجنود والشغالات اليافعة التي مازالت في طور النمو، وحفر
الأخشاب وعمل السراديب الأنبوبية من الوحل لكي تتحرك خلالها إلى مصادر غذائها،
وتستكمل الأرضة الشغالة نموها خلال عام، وتعمر من ثلاثة إلى خمسة أعوام. وتقوم
الشغالات بتحريك أعشاش المستعمرة ونقلها إلى أعلى أو إلى أسفل في التربة حتى تصل
إلى حيث يتوافر لها الظروف البيئية المناسبة من درجة حرارة ورطوبة.
جنود الأرضة تدافع عن مملكتها
وهى أفراد ذكور وإناث عقيمة بلا أجنحة، عُمْى لا تبصر. وتتميز بوجود طبقة كيتينية
رقيقة بيضاء قشدية أو بنية فاتحة، ووظيفتها الأساسية حماية المستعمرة من الأعداء
الغزاة، كما أنها تقوم بالبحث والاستدلال على وجود مصادر جديدة للغذاء. ولها شكل
خاص يميزها عن باقي أفراد المستعمرة، ولذلك فهي تستخدم وسيلة لتصنيف النوع. ولا
تستطيع الجنود أن تتغذى بنفسها، وإنما تعتمد على الشغالات في إطعامها. وتقوم الجنود
بالدفاع عن المستعمرة، وحمل أي كائنات تغزوها وقتلها أو إلقائها خارج المستعمرة.
ويرافق الجنود الشغالات عند عملها بجوار فتحات المستعمرة. وفي بعض الأنواع يقوم
الجنود بإطلاق سائل كاوي سام أو لزج من خلال أنبوبة تبرز من رؤوسها على الأعداء
تقتلها أو تشل حركتها. وهو سائل له من القوة ما يسبب تآكل المعادن والصخور، والنفاذ
من خلال مواد البناء والخرسانة غير الجيدة. وتعمر الجنود من عام حتى خمسة أعوام.
ويمكن توزيع الأرضة في أربع مجموعات من حيث نوع التغذية فيها: آكلات الأخشاب، آكلات
التربة، آكلات الفضلات والبقايا (روث الحيوان)، والحاصدات التي تتغذى على الحشائش
والأعشاب الخضر الحية.
وبوجه عام تتغذى الأرضة كلها على المواد السليولوزية والمنتجات المحتوية على
السليولوز وتتكامل في أداء هذا العمل مع المجترات الثديية مثل الأبقار والمواشي.
وعلى الرغم من أن شغالات الأرضة ذات أجسام لينة إلا أن فكوكها المنشارية الصلبة
تقطع نسيج الأخشاب بكفاءة تامة حيث تقضم منه قطعا صغيرة متتالية، ولذلك فإن الأرضة
كثيرا ما تصيب المنازل والأكواخ الخشبية في المناطق الريفية وتدمرها، كما تتغذى على
كل ما هو مصنوع من السليولوز النباتي، سواء أكان ذلك أرضيات أم حوائط خشبية أم
شبابيك أم أبواب، إلى جانب الستائر وورق الحائط وأنواع البلاستيك السليولوزي
واللوحات الفنية المستخدمة لديكور المنازل على الحوائط، والسجاجيد وكل ما هو مصنوع
من الألياف النباتية، والكتب والملابس والأثاث المنزلي الخشبي وكابلات الكهرباء
وحتى المطاط.
الاتصال بين أفراد المستعمرة
يتواصل أفراد المستعمرة أساسا عن طريق إفرازات كيماوية خاصة ذات طبيعة هرمونية
حشرية تسمى الفيرومونات. ويكون لكل مستعمرة رائحة خاصة تميز أفرادها عن أفراد
المستعمرات الأخرى. وبالتالي يمكن تمييز أي فرد دخيل على المستعمرة بسهولة والتخلص
منه. ويتم إفراز فيرومون تحذيري قوي يدفع الجنود إلى الهجوم المباشر على الأفراد
الدخيلة الغازية. وعندما تكتشف إحدى الشغالات مصدرا جديدا للغذاء فإنها تقوم بإفراز
أثر كيماوي على طول مسارها إليه لتتبعه الشغالات الأخريات ويصلن إليه.
والصوت أيضا هو أحد وسائل الاتصال بين أفراد المستعمرة، حيث تقوم الشغالات والجنود
بالطرق برؤوسها على جدران المستعمرة، لتصدر عنها ذبذبات صوتية معينة تنتج عنها
اهتزازات يحس بها جميع أفراد المستعمرة، وتحمل إليها رسائل معينة. وتفيد عملية
تبادل الطعام بين أفراد المستعمرة في أن يتعرف كل منها على الآخرين.
هندسة معمارية فريدة
هناك أنواع من الأرضة، التي تعيش في قارتي إفريقيا واستراليا، تقوم ببناء أعشاش
هوائية تعلو فوق سطح التربة في نظام معماري فريد وتشكل أحد المعالم الطبيعية
الرئيسة في البيئة، وقد يصل ارتفاع بعضها إلى 40 قدما (2ر12 مترا)، وقد يصل محيط
العش إلى أكثر من ثلاثين مترا. وهى من العلامات المميزة في إفريقيا الاستوائية،
ويمكن أن تعتبر بحق «ناطحات السحاب في عالم الحشرات». وقد تشغل في مجموعها مساحة
كبيرة من سطح الأرض في المنطقة. وتقوم الأرضة بإنشائها عادة في الأماكن ذات التربة
الرطبة جيدة الصرف.
آفة اقتصادية
يعتبر الكثيرون الأرضة من الآفات التي تهدد مصالح الإنسان، وتسبب له خسارة اقتصادية
كبيرة بقضائها على الإنشاءات الخشبية وإتلافها للمنتجات المصنعة من المواد
السليولوزية. وفي الحقيقة أن 98% من أنواع الأرضة مفيد للنظام البيئي ولا يمكن
الاستغناء عن دورها الذي تقوم به في الحياة. وتعتبر الأرضة في المناطق الجافة وشبه
الجافة، خصوصا في إفريقيا واستراليا، من الكائنات الحية الهامة التي تنافس الماشية
على نباتات المراعي الجافة والغضة الحية على السواء. وقد قضت الأرضة على إحدى أهم
القطع الحربية البحرية في أسطول نابليون إمبراطور فرنسا واضطرتهم إلى تخريدها (تكهينها).
وتشكل الأرضة آفة اقتصادية هامة للأخشاب ومنتجاتها والمنشآت الخشبية بوجه عام من
منازل ومزارع. وتتعرض المناطق الريفية بشكل كبير إلى الإصابة بالأرضة التي عادة لا
يكتشف وجودها إلا بعد أن تكون قد أصابت المنشآت وقضت عليها نظرا لطبيعة تغذيتها على
الأخشاب من الداخل إلى الخارج حيث تُبْقِى دائما على الطبقة السطحية فلا يكاد يظهر
الضرر حتى تسقط وتتكسر. ويتضح ذلك جليا من وصف القرآن الكريم لفعل الأرضة عندما
أكلت دابة الأرض (وهى الأرضة) عصا سليمان عليه السلام من الداخل فجوفتها وظلت
محتفظة بمظهرها الخارجي السليم حتى إذا عجزت عن حمل جسمه تهاوت وخر عليه السلام إلى
الأرض فعلمت الجن بوفاته عندئذ فقط.
وتعاني المناطق الريفية في المملكة العربية السعودية من الآثار التدميرية للأرضة
على المنازل والمزارع والمنشآت الخشبية بشكل عام وحتى بعض المناطق في مدينة الرياض
ظهرت فيها إصابات بالأرضة.
نقلا عن مراسلات:
thepeace@yahoogroups.com