إغلاق
 

Bookmark and Share

حتى لا نقع في الفخ... المعركة التي نخوض ::

الكاتب: عمرو مجدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 03/04/2006

حتى لا نقع في الفخ... المعركة التي نخوض

يحزنني
كثيراً كمنتسبين للحركة الإسلامية - أن نتشبث بالاختلاف حول أفكارٍ من العبث الاختلاف حولها في القرن الحادي والعشرين، وننسى موضوعات أكبر وأهم يجب أن تكون شاغلنا الأكبر.. فيضيع المجهود، وتتبثعر القضية!

بين يديّ الذهنية السلفية، أو ما يصح تصنيفه بـ "الاتجاه الوهّابي" كفكر يوجد العديد من التخليط والخلط، وممارسة أبشع أنواع إغلاق باب الاجتهاد ووثنية عبادة الطقوس والنصوص وهو مصطلح الأستاذ فهمي هويدي حفظه الله - .. بحسن نية أو بسوء نية .. وكأن باب الاجتهاد فتح مرة واحدة فقط في التاريخ أيام "السلف" رحمهم الله ورضي عنهم، ثم أغلق على من بعدهم!

ولا يُدرك هؤلاء مع استثناءات قليلة بدأت تكثر في الآونة الأخيرة أن السلف أنفسهم هم أول من قرروا القاعدة الفقهية أن "الأحكام تختلف باختلاف الزمان والمكان والظروف".

وهو ما أدركه أحد أكبر السلف رضوان الله عليهم، وهو عُمر بن الخطاب رضي الله عنه، حينما ألغى حد السرقة وعطله في عام المجاعة، وألغى زكاة المؤلفة قلوبهم وقال لهم اليوم أعزنا الله ولا حاجة لنا بإعطائكم.

رجلُ فذ العقلية، نابغ الفكر، مثل عمر رضي الله عنه، استطاع أن يتجاوز صلابة الجمجمة، لكي يُعمل ما بداخلها من مادة بيضاء وسمراء .. ويُعمل عقله واجتهاده في نصٍ يكاد يكون صريحاً لا إعمال للعقل فيه.. لكنه أدرك بسعة أفقه، والتربية النبوية التي ترباها، أن للنصوص أهدافاً تريد تحقيقها، وأن للشريعة الإسلامية مقاصد كلية تهدف إلى إنجازها ..

لست هنا في إطار الخوض في معارك نقطة الصفر، التي يلوكها البعض، بدءاً بحكم الموسيقى والنقاب انتهاءًا بحكم خوض الانتخابات السياسية، أو اللعبة السياسية بمجملها.

لكني هنا أخاطب في الأساس أبناء الصحوة الإسلامية وهي أكبر بكثير جداً من الحركات الإسلامية والذين هم في أغلبيتهم الكاسحة من ذوي الأفكار المعتدلة المتسقة مع صحيح الدين.. وإن شابها الكثير من الخلط.

لمحة من جذور المشكلة

علينا أولاً أن نستدعي المشهد التاريخي لسقوط دولة الخلافة الإسلامية، أيام الدولة العثمانيةالرجل المريض والتي بدأ سقوطها وتفككها بالفعل منذ أوائل القرن الماضي، وإن سقطت في العقد الثالث منه.

إن سقوطاً مروعاً مثل هذا لم يأتِ من فراغ، بعد سنوات من التخلف والقهر وإغلاق باب إعمال العقل والاجتهاد في شتى المجالات، حيث يصف المؤرخون ما صار إليه حال الملتزمين في ذلك الوقت بين صنفين من المغالين في توجهاتهم، التصوف والتأسلف.

حين بدا أنّ نفراً من الناس – بسوء فهمٍ للتصوف – فهمهوه أنه ركوعٌ وسجودُ وأذكار تتلى في المسجد وحلقات الذكر، وانقطاعٌ عن الدنيا والناس.. فمازادوا الأمة إلا تخلفاً وانحطاطاً .. وفريق آخر قطع منافذ النور عن عقول الناس!! بأحكامٍ مغالية، رافضة لكل ما هو آتٍ من الغرب حتى وإن كان مفيداً .. متقوقعاً على ذاته، رافضاً لأي تجديدٍ أو إعمالٍ لعقله!

في وسط هذا وذاك، جاء الإمام المجدد محمد عبده عليه رحمة الله .. وبعده تلميذه النجيب رشيد رضا، كي يؤسسا لما يمكن اعتباره أول محاولة قوية لتصحيح مسار الفكر في الأمة الإسلامية، بعد اختلال دام عدة قرون .. وآل بها إلى زوال مجدها وسقوط خلافتها.

وهو ما أدى إلى مهاجمتهما – حتى الآن – في كتابات الذهنية السلفية، باعتبارهم بادرة  "للتغريب" .. وفهم "مميع " للدين، أو ما شاء البعض تسميتهم !

لكن لم يستطع الإمامان – محمد عبده ورشيد الرضا – الانتشار بأفكارهما أفقياً، وإنما قام بذلك الشاب الهُمام المعطاء الذي جاء معاصراً لأفكارهم – الإمام حسن البنا عليه رضوان الله – واستطاع حل المعادلة والانتقال بتلك الأفكار المتعمقة، لكي يتوسع بها أفقياً بين الناس...

ولأن دعوة الإمام حسن البنا رحمه الله كانت هي في مجملها عودة للدين الحنيف بسماحته وقوته وسمته وجوهره، فسرعان ما التف الناس حوله.. وثابوا إلى رشدهم.. حيث يقدر بعض المؤرخين عدد المنتمين للإخوان المسلمين في الأربعينات بـ 2 مليون بين 10 مليون هم مواطنو مصر آن ذاك!

لعل من الدلائل على أن حسن البنا في جوهر دعوته كان امتداداً لصحوة الشيخ رشيد رضا أن جملة هامة من أساسيات دعوة الإخوان المسلمين، وهي "نتعاون فيما اتفقنا فيه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه" .. كانت جملة للإمام رشيد رضا أصلاً .. وليست لحسن البنا كما يعتقد البعض.

وسط المجتمع.. ماذا نقول للناس؟!

علينا كأبناء للصحوة الإسلامية الرشيدة أثناء تحركنا لإنماء الوعي الديني لدى الناس أن نحرص أيضا على تكسير أصنامٍ أخرى، غير أصنام الشهوات والملذات.. أصنام وقيود وضعت على العقل الإسلامي فحجبته عن الناس، وحجبت الناس عنه.

علينا أن نحرص على إفهام الناس فقه الاختلاف – قد لا أكون مقتنعاً بحلة الموسيقى لكني لا يحق لي الإنكار على من يستخدمها كوسيلة عصرية في ترويجه لبضاعته الإسلامية، ناهيك عن أن يكون محترفاً لتلك المهنة راغباً في إصدار مشروعٍ إسلامي خاص بها.

إذا جاز تعميم المثال السابق، وإذا استطاع القارئ الكريم أن يفهم المُراد من ذلك، فقد فهم المُراد من المقال بجملته، إذ أن ما نعانيه للغاية كأبناء للحركة الإسلامية، أننا نهتم جداً بإنماء الوازع الديني لدى الناس، دون أن نضع حدوداً أو نرسم خطوطاً عريضة للفكر المعتدل الذي نمثله.. ولأن السمت الظاهر يبدو جذاباً في مظهره، فإن الملتزم يندفع في الأفكار قبل الأشكال.. متعمقاً في إقناع ذاته بالعديد من الأفكار المعلبّة مسبقاً كجاهلية المجتمع، وحرمة كل ما هو محل للخلاف، من باب سد الذرائع والبُعد عن الشبهات!! ووجوب محاربة كل فكر – حتى وإن كان إسلامياً – إن لم يتفق مع فكري .. لا محاورته !!

يجب أن يعي أبناء الحركة الإسلامية، أننا في مرحلة الانفتاح على المجتمع يجب أن نحسن عرض بضاعتنا الحقيقية، نحن هنا لا ننمي الوازع الديني لدى المجتمع، بقدر ما نعرفهم بأفكارنا المعتدلة .. ثم يقبلوا هم عليها بأنفسهم، في خضم الجوّ العام المساعد على الالتزام الذي تم خلقه بنواة من المجتمع المسلم المحافظ على قدر كبير من جوهر الدين ومظهره معاً.

أمور ينبغي أن تحسم
وإذا كان ذلك هو الفقه الذي أتخيله لطبيعة المرحلة، وقبلها لطبيعة الفكرة الذي نحمله أصلاً، فإن ثمة أمور أخرى يجب أيضاً أن نعيها ونحسمها داخل الحركة الإسلامية.. كأمثلة لذلك.. نذكر التالي:
- حكى بعض الإخوة أنهم كانوا بصدد تنظيم معرض للكتب والأشرطة في إحدى الكليات، فكان أن انقسموا فريقين حول قضية الأناشيد التي يمكن تشغيلها في الكاسيت في المعرض، هل تكون بموسيقى أم لا تكون.. حيث عارض بعض الإخوة – من داخل الحركة التي توصف بالأكثر اعتدالا – تشغيل أي أغاني إسلامية أو أناشيد بموسيقى!!
ولا يهمنا هنا كيف انتهى الموقف، لكن نذكره كمثال فقط لحالة التردد اللامحسومة حول أمور من شديد العبث الجدال بشأنها.

- تحكي أختٌُ أخرى أن الأخوات في الجامعة احتجن لمساعدة الإخوة بصدد أمرٍ ما أو عملٍ ما، فذهبت هذه الأخت للحديث إلى أحد الإخوة المتصادف وجودهم في الكلية، لتطلب منه المساعدة وتوضح له الأمر.. فما كان من هذا الأخ – هداه الله – إلا أن نظر إليها بتقزز ورفض الحديث معها، ثم كتب ورقة "اتق الله ولا تتحدثي للإخوة مرة أخرى ... الخ الخ" .. وأعطاها إياها!!
وهو تصرف يعكس حالة من الخلط الفكري العجيب، واللبس المريب.. ففي حين يُربي هؤلاء داخل الحركة الإسلامية الأكثر اعتدالاً.

- لعل من الطريف أيضاً ذكر إحدى المواقف يحكيها إبراهيم الهضيبي – حفيد المستشار الهضيبي رحمه الله – حين سقط قلم أمامه من بعض البنات، فانحنى بسرعة لكي يجلبه ويعطيه لهن، فعندما رفع رأسه اكتشف أنهن من الأخوات في الجامعة معه، فما كان منهن إلا أن أدرن ظهورن له .. وانصرفا! فقام هو بقذف القلم بعيداً !!

ومثل هذا الأمر منتشر بشدة، وهو ما أصفه بـ حالة من "التنشنة" بين الإخوة والأخوات، بل والأدهى والأمّر أنك قد تجد هذا الأخ يتعامل بسلاسة – كما ينبغي – مع البنات في مجتمعه الذي يتواجد فيه، لكن حين يتعلق الأمر بالأخوات فإنه كلاهما يشعر أن ثمة أمر خطأ أو ( عيب ) عندما يتحدث أحدهما إلى الآخر في أمرٍ ما .. بغض النظر عن مدى الاضطرار لهذا التحدث.

الإسلام حينما يشرّع
، فإنه يضع الخطوط العريضة، ويرسم الخطوط العامة التي يمكن للإنسان التحرك في إطارها.. هو لا يقول مثلا للمرأة ارتدي إيشارب أو طرحة .. لكنه فقط يأمرهنّ بالحجاب، الساتر الكامل، الغير شفاف أو ضيق أو مبهرج... فإذا توافرت هذه المواصفات في الطرحة أو في الإيشارب أو حتى في الطاقية، فهي تدخل في إطار الحجاب الذي أمر به الإسلام.
كذلك الأمر في حدود علاقة الجنسين، هو لا يقول لا تتحدث أو لا تعمل مع الجنس الآخر، ولا حتى يقول لك لا تبتسم أو لا تضحك وأنت تحدث الجنس الآخر! وإنما يأمر أن تكون العلاقة في الإطار المنوط بالضوابط من الحجاب وعدم إطالة النظر أو الخضوع بالقول ..

وليس معنى الخضوع بالقول الضحك أو التبسم – بنفس فهم مثال الحجاب – وكذلك ليس معنى عدم إطالة النظر أن تضع عينيك في الأرض أو تدير ظهرك لمحدثك – أو محدثتك – وأنت تتحدث مع الجنس الآخر كما يفعل البعض بدون قصد غالبا!!

إنما المعنى المطلوب ألا تركز بصرك على الشخص الآخر .. تركيزاً ينتقل إلى التحديق منه إلى الإبصار الذي تدرك به الموجودات الكائنة حولك.. وتعيها وتتستقبل لهجة الجسد مع الكلام.
علينا أن نحسم أمورنا تلك – وأسقط تلك الأمثلة على كل خللٍ نلاقيه في تعاملاتنا – على مستوانا العقلي، وقناعاتنا الشخصية، كي تصبح أفعالاً على أرض الواقع .. نخاطب بها الناس.. ونخاطب بها أنفسنا.. لا أن يكون الإسلام الذي نبشر به منفصم ومنفصل تماماً عن الإسلام الذي نطبقه نعتنقعه مختلطاً بقناعات مزيفة، خلقتها بيئة غير جيدة أو ظروف معينة حتمها الواقع.

وكل ذلك حتى لا نقع في الفخ .. فخ الازدواجية
 

بقلم: عمرو مجدي



الكاتب: عمرو مجدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 03/04/2006