إغلاق
 

Bookmark and Share

سيكولوجية الخصوصية الزوجية ::

الكاتب: د.أحمد الموجي
نشرت على الموقع بتاريخ: 11/11/2006

مما لا شك به أن لكل منا أسراره وخصوصياته ودواخله، التي أحيانا يحتفظ بها الإنسان ما بين نفسه وبين بارئها، وأحيانا أخرى تسقط هذه الأسرار سهوا من الإنسان في غياهب المجهول بنعمة النسيان، أو أن يقوم الإنسان نفسه بإسقاطها من حافظة ذكرياته إلى سلة المهملات في نفسه لأن هذه الأسرار تؤلم نفسه، بما نعرفه بعملية الكبت (Repression)، وعندئذ تكون الأسرار لا يعلم بها إلا الله، لأن صاحبها لم يعد يذكرها سواء نسيها أو كبتها!!.

إذن نحن نتفق أن لكل نفس أسرارها، منها ما يخجل منه ضمير الإنسان فيكبته لأنه إما لا يتوافق مع الأنا (Ego) أو الأنا الأعلى (Superego)، ويلقي به في لاشعوره (Unconscious) ويكافح في نسيانه، وقد ينجح فعلا وينساه، وقد يكون المكبوت أقوى من قدرة الإنسان على الكبت، فيطفو المكبوت على السطح ويعبر عن نفسه في منام أو حلم يقظة أو ذلة لسان.

ولكل إنسان وجها يحاول إخفاءه عن أعين الآخرين، لأنه إما يخجل منه أو يخشى منه على شيء ما أو يخشى من شيء ما عليه. فإذا ما حاولت ظروف أو أحداث أن تظهر ذلك الوجه، فان الإنسان يهب متوحشا في وجه هذه الظروف والأحداث، كي لا تفضح ما يحاول هو أن يداري. وإذا استشعر الإنسان أن شخصا ما يحاول التفتيش عن ذلك الوجه الذي يحاول هو إخفاءه، ويقتفي أثره كي يثبت وجوده في ذلك الإنسان، فان الإنسان يتملكه الشك من هذا الشخص ويعتبره فضوليا خطرا على وجوده، وبعملية إسقاط (Projection)، يسقط هذا الإحساس عليه فيشك به أو قد يصل الأمر إلى أن يكره الإنسان ذلك الشخص.

فما بالك إذا كان هذا الشخص الذي يفتش بخصوصيات الآخر هو زوجه أو زوجته!!. سيكون إحساس الشك والكراهية أقوى, وذلك أن هناك أشياء ثمينة بينهما، وعلى قدر ثمنها يأتي مقدار الشك والكراهية، كما أن هناك اتصال بين وجود الزوجين ماديا ومعنويا وأن مساحة الخجل التي تفصل بينهما تكاد تكون معدومة. لذا فان الزوج عندما يستشعر أن زوجه يفتش في أسراره محاولا إبداء الوجه الذي يحاول هو إخفاءه، يكون حجم الانفعال أكبر وحجم التبرم أكبر وأكبر، لأن هناك شيء ثمين يخاف عليه الإنسان وهو العلاقة ذاتها.

وعندما ينفعل أحدهم فانه يؤكد شكوك الآخر الذي كان يفتش عن دليل ولسان حال نفسه (الذي يفتش) وقتئذ أن زوجي ما دام انفعل وأظهر التوتر، إذن هو فعلا يخفي عليا شيئا، فتغرس شكوك جديدة لدي الزوج الباحث في خصوصيات الآخر، ويزداد انفعال الآخر........ وهكذا فهي دائرة مغلقة قد تنتهي إلى ما نسميه الغيرة المرضية (Pathological Jealousy) وهو اضطراب ذهاني من النوع الخطير، قد تستحيل معه المعاشرة الزوجية وينفصل الزوجان!!.

والغيرة المرضية تصيب الأزواج أكثر من الزوجات، ويكون هناك سبب لاشعوري بعدم اقتناع زوجته به وإشباعه إياها جنسيا أو معنويا، وقد يكون هذا الإحساس ناتج عن نقص الكفاءة الجنسية أو الإصابة بمرض مقعد، فيشعر الإنسان بالذنب على ما قد وصل إليه من حقارة في عين زوجته وأنها لم تعد تحبه، وبطريقة الإسقاط مع التبرير(Rationalization) أيضا يسقط هذا الإحساس عليها فيشعر أنها لم تعد تحبه لأنها ترتبط وتحب شخصا آخر، ويصدق الشخص عقيدته الخاطئة، فيقتفي أثرها ويفتش في أشيائها عن شيء يثبت به خيانتها للعالم، ويثبت به لنفسه أنه لم يجن جنونه وما يزال كفئا بأية امرأة غير خائنة.

إن سؤال يتكرر بكل الجلسات النفسية التي تجمع الزوجين، أسأل الزوج الذي يفتش بخصوصيات الآخر (أرقام الهاتف المحمول،البريد الالكتروني،المذكرات الخاصة)، أقول له:هل تشك بزوجتك، فان قال نعم، تأكدت أنه مريض بالغيرة المرضية وعاملته معاملة الذهانيين..، أما إن قال لا، أتأكد أنه لم يصل بعد إلى حد المرض ولكن لديه استعداد له، وهنا أستطرد الحوار معه كأي شخص طبيعي لكنه غيور، فأقول له: بماذا تفسر تفتيشك في متعلقاتها؟؟. يرد الزوج بأنه حب استطلاع، ويحاول المزاح ويضيف إنها زيادة اطمئنان على شخص أحبه..

فأرد عليه: أما إذا كانت حب استطلاع، فهو أسلوب طفولي ينبع من اللامبالاة بحقوق الآخرين وحرياتهم، لأنك أنت أنت وهي هي ولستما شخص واحد، وهناك حد فاصل بينكما، وان حاولت إزالة هذا الحد فستندمجان وتصبحان شخصا واحدا، وهذا ما لا يمكن أبدا، إذ أنكما طينتان ونفسيتان مختلفتان فسيولوجيا ونفسيا، والأصل في الزواج هو السكن والمودة والرحمة وليس الاندماج.

وأما إذا كانت زيادة اطمئنان على شخص تحبه، فهو أيضا إحساس خاطئ، لأنك عندئذ تتهم زوجتك أنها ما تزال طفلة بحاجة إلى عين الملاحظة، لكي لا يحل بها أذى من شيء تجهله أو لا تقدر أن تتصرف به، وهذا اتهام بعدم اكتمال نضجها وأنوثتها.

وفي نفس الجلسة أستدير إلى الزوجة، أقول لها: ما شعورك عندما تشعرين بزوجك يفتش بخصوصياتك؟؟، قالت أشعر بشعورين في نفس ذات الوقت، إما أنه لا يستحقني فعلا ويخشى أن أبحث عن غيره، وعندها تهاجمني الوساوس والأفكار، أولا تتهمني بأنني تسرعت في اختياره شريكا لحياتي، ثانيا تقول لي نفسي ولما لا؟؟ ويكون شك بشك!!، ولما لا أبحث عن آخر يستحقني ويثق بتصرفاتي؟.

أما الشعور الآخر فهو أنني مذنبة بحقه فعلا بدون قصد، فينتابني الوسواس أيضا فأستعرض حياتي معه لكي أبحث عن الذنب الذي اقترفته بحقه فلا أجد أي ذنب، وعندها أشعر أنا بالظلم وأنني غير سعيدة في حياتي، وتقفز فكرة الطلاق إلى ذهني، ولولا أنني أتناساها.......

فأستدير اليهما معا: أيها الغبيان، أحدكما يأخذه حب الاستطلاع فيفتش وراء الآخر، والآخر يشعر أنه مظلوم وغير سعيد، وماذا عاد بينكما؟؟؟...... أي زواج و سكن هذا؟؟ وأية مودة ورحمة؟؟؟

واقرأ أيضاً
الجديد في مرض الزهايمر النواحي النفسية والعصبية للاضطرابات الجنسية (3) / الهاتف المحمول والقتل البطيء(4) /  فلسفة الصمت والثرثرة  



الكاتب: د.أحمد الموجي
نشرت على الموقع بتاريخ: 11/11/2006