شخصية الرئيس(بين الزعامة والوظيفة)2 ::
الكاتب: د. محمد المهدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 06/07/2006
شخصية الرئيس(بين الزعامة والوظيفة) 1
أنماط من الشخصيات الرئاسية سوف نستعرض نماذج من الشخصيات الرئاسية لنرى كيف أثرت وتؤثر فينا, وقد يكون في بعضها تشابها في بعض الملامح مع شخصيات عامة أو خاصة حقيقية في الماضي أو في الحاضر, وهذا ليس مقصودا فلسنا بصدد الحديث عن أشخاص بعينهم مهما كانت أهميتهم, وإنما نتحدث عن ملامح نفسية لنماذج فيها جوانب إيجابية وأخرى سلبية بهدف الوصول إلى رؤية موضوعية متوازنة تجاه أمر يؤثر في حياتنا اليومية جميعا بشكل مباشر أو غير مباشر, وأنبه القارئ أنه سيغلب علينا الحديث عن المستويات الأعلى للسلطة الأبوية بهدف رؤية النموذج في أوضح صوره ولكن نرجو ألا نغفل عن بقية مستويات السلطة الممثلة في الأب (أو الأم) وفى مدير المدرسة وإمام المسجد وكاهن الكنيسة ومدير المؤسسة ورئيس مجلس إدارة الشركة والوزير.... الخ, وذلك حتى لا تختزل رؤيتنا للإصلاح في مستوى دون آخر:
* الزعيم الملهم: وهو شخصية تتمتع بكاريزما شخصية عالية وجاذبية جماهيرية طاغية, وقد جاء هذا الزعيم في ظروف تاريخية أو سياسية أو اجتماعية خاصة جعلته يستقبل على أنه المنقذ والمخلص والبطل الأسطوري, واستطاع هو أن يتجاوب مع الأحلام والأمنيات والطموحات الشعبية وبذلك أصبح بطلا شعبيا تعامل معه الناس على أنه ملهم يتوجه نحو الصواب دائما ولديه بوصلة خفية وسحرية تهديه الرشد, فهو محق في كل ما يراه ويقرره ويفعله.
وهذا الزعيم يخدمه ويهيئ لبروزه مجيئه في لحظات ضعف وانكسار ثم قدرته على تحقيق بعض الانتصارات المبهرة للعامة, ومن هنا ينشأ الاعتقاد في تفرده وإلهامه وتنشأ الرغبة لدى الجماهير الساذجة والمستلبة والسلبية والاعتمادية في إتباعه والانقياد لكل ما يراه, وإضفاء كل صفات البطولة والقدرة الخارقة عليه, وهم يفعلون ذلك بدافع خفي واحتياج نفسي لديهم وهو أن يعفو أنفسهم من مسئوليات التفكير وبذل الجهد والحيرة والقلق والفعل ويلقون بكل شيء على أكتاف بطل أسطوري ملهم وقادر يعرف ماذا يفعل ومتى وأين يفعل.
وغالبا ما يقع الزعيم الملهم في الفخ خاصة وأن سماته الشخصية تكون أقرب للنمط البارانوي (المتعالي – المستبد) فتتضخم ذاته أكثر وأكثر ويحكم قبضته على عجلة القيادة ويتخلص من كل من يعارض توجهه أو توجه رعيته (خاصة أنه شكّاك ضمن طبيعته البارانوية), ويتواصل تضخم الذات لدى الزعيم الملهم حتى تبتلع الوطن بأكمله ويصبح هو والوطن شيئا واحدا, بل قد تتجاوز الذات حدود الوطن الضيق فتحاول التمدد خارج هذه الحدود في آفاق أوسع من خلال محاولات (أو مغامرات) التوسع تحت أي دعوى وشيئا فشيئا يصبح الزعيم نموذجا للبطولة لدى كل المقهورين والمظلومين في العالم ويصبح أبا روحيا لكل الساعين إلى التحرر.
والزعيم الملهم غالبا ما يتصف بالطلعة المهيبة وارتفاع القامة وقوة البنيان ولمعة العينين وعمق النظرة وحسن الملبس, فهو يمثل صورة البطل التي يرى فيها البسطاء أنفسهم، وهو قادر على مخاطبة الجماهير بصوته الجهوري العميق ونبرته الحماسية التي توقظ بداخلهم الإحساس بالكرامة واحترام الذات وتنتشلهم من حالة اليأس والانبطاح والاستذلال والخوف من الأعداء.
والخطاب الجماهيري الحماسي من ضرورات وجود الزعيم الملهم خاصة وسط جماهير تزيد فيها نسبة الأمية وتعلى من قيمة الكلمة المسموعة وتشكل اللغة أحد أهم دعائم وجودها التاريخي، وصمت الزعيم لا يقل بلاغة وتأثيرا عن كلامه بل يزيده سحرا وغموضا لذيذا لدى الجماهير، وهو يبدى حبا عاما للجماهير التي رفعته وترفعه على أعناقها ومع ذلك فهو غير قادر على حب أحد من الناس بشكل شخصي وذلك بسبب تشككه في ولاء من حوله وتوقعه الغدر والخيانة في أي لحظة ومن أي إنسان, ولذلك تجده كثيرا ما يتخلص من المحيطين به أو يستبعدهم عند أي بادرة شك في ولائهم (حتى ولو كانوا من أقرب الناس إليه أو ممن ساعدوه على ارتقاء السلطة).
وتعرفه حين يتكلم فيأخذ وضع العظمة والكبرياء وتصدر منه الكلمات وكأنها كلمات مأثورة أو حكم خالدة بتناقلها الرواة عبر الأزمان, وربما يوحى هو لتابعيه أو يتطوعون هم دون إيحاء بكتابة أقواله وآراءه على الكتب المدرسية والكراسات وعلى الجدران والصفحات الرئيسية في الصحف والمجلات, وتبدأ نشرات الأخبار بأقواله وأفعاله وتحركاته, وتملأ صوره وتماثيله الشوارع والميادين والبيوت والقلوب.
والزعيم بما له من فعل السحر في الجماهير وإيقاظ مشاعر الكرامة الوطنية عندهم ورفع صورة الذات لديهم وإنقاذهم من الهزيمة النفسية التي يعيشونها أو عاشوها في مراحل الانكسار فإنه ربما يأخذهم بعيدا عن أرض الواقع فتنتابهم نشوة الانتصار ولا يلتفتون إلى ما يجرى على أرض الواقع, ويزيد من خطورة هذا الموقف شعورهم الطاغي بأن الزعيم أسطورة لا تهزم وأنه قادر على تحقيق كل شيء لهم بقوته الذاتية وبكلمات سحرية منه, وإذا حاول الزعيم في لحظة صدق تمر به أن يعيد الجماهير إلى رشدها فإن الجماهير ترفض ذلك وربما تعلن غضبها وتؤثر الاستمرار في الحلم اللذيذ على العودة إلى الواقع المؤلم, ويجد الزعيم نفسه مضطرا لمجاراة الجماهير في حلمها اللذيذ وهذا يؤكد ما يقال من أن شخصية الزعيم تأسر الجماهير ثم ما تلبث أن تصبح هي أسيرة للجماهير.
ولا بد من توافر سمات خلقية للزعيم مثل الشجاعة والإخلاص والحب الشديد للوطن والإيمان العميق بقدراته الشخصية وقدرات وطنه وقدرات شعبه وحبه الأصيل لكل هؤلاء, وأن يكون نظيف اليد واللسان, متواضعا في شموخ وكبرياء, حالما يتجاوز حلمه قيود الواقع المعاش, ولديه إحساس مرهف بالجماهير التي تحبه, وهو حريص على الاستجابة لتلك المشاعر والتفاعل معها طول الوقت, وهو إذ يفعل ذلك يفعله بصدق في الأغلب حيث أنه منتميا إلى أهله وناسه وفخورا بذلك الانتماء وخاصة للبسطاء منهم, ولذلك نجده متسقا مع معتقداتهم وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم وصورة البطل عندهم، ويسعى لإرساء العدل الاجتماعي لصالح الفئات المعدومة.
والزعيم قادر بحكم كاريزميته وصفاته وكلماته على انتشال الجماهير من مشاعر التخاذل والهزيمة واليأس والانبهار بالعدو والتشكيك في القدرات الذاتية, ثم تحريك الساكن والكامن من طاقاتهم وشعورهم الإيجابي بذاتهم وكرامتهم واستعلائهم، وفى هذه الظروف تفقد الجماهير قدرتها على التفكير النقدي الموضوعي العقلاني وتسلم نفسها للأماني والأحلام فتبتعد شيئا فشيئا (هي والزعيم) عن الواقع.
وفى قمة لحظات انتفاخ الذات (الشخصية للزعيم والوطنية للجماهير) وتمددها وفى قمة الانبهار والاستلاب والسحر لدى التابعين النائمين المخدوعين السذج يحدث الانهيار عند أول اختبار حقيقي على أرض الواقع وهنا تهتز الأرض من تحت أقدام الجميع (الزعيم الملهم والجماهير الساذجة المخدوعة المستلبة) وربما يبحثون عن تفسير أو تبرير يعطيهم مزيدا من الوقت والحلم ولكن إن آجلا أو عاجلا يختفي الزعيم الملهم (بالموت أو بغيره) فيخرج أبناءه أو رعاياه اليتامى يبكونه ويبكون يتمهم وضياعهم, وما أن يفيقوا حتى يبحثوا عن أب جديد وزعيم جديد يقودهم في دورة (أو دورات) جديدة من القيادة والانقياد. وللحديث بقية........ للمشاركة والتواصل: maganin@maganin.com
اقرأ أيضاً: قادة العالم واضطرابات الشخصية(1) / قادة العالم واضطرابات الشخصية(2) / الشخبطة السياسية / الدلالات النفسية لزواج الأمير تشارلز من عشيقته / سيكولوجية الاستبداد (الأخير) / سيكولوجية التعذيب / شخصية الطاغية / البراجماتيزم... دين أمريكا الجديد.
الكاتب: د. محمد المهدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 06/07/2006
|
|