شخصية الرئيس(بين الزعامة والوظيفة)3 ::
الكاتب: د. محمد المهدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 15/09/2006
شخصية الرئيس(بين الزعامة والوظيفة) 1 شخصية الرئيس(بين الزعامة والوظيفة)2
* المعجباني: هذا نمط مختلف في شكله وفى مضمونه, وإن كان لا يختلف في نهاياته, فالأب أو المدير أو الرئيس المعجباني لديه ميول نرجسية عالية فهو شديد الإحساس بذاته وشديد الإعجاب بها وربما يدفعه ذلك للعمل على أن يكون في موضع الصدارة لتتحقق له فرضية أنه الأقوى والأجمل والأجدر والأقدر.
وهو يمشى كالطاووس مهتما جدا بشياكته وأناقته وصحته وصورته لدى الآخرين, ويجرى توحدا بينه وبين زعماء التاريخ ورموزه العظام, وربما يتقمصهم في مشيته أو طريقة كلامه أو بروفيلات صوره وتماثيله أو في عصا يحملها فى يده.
والمعجبانى لا يري ولا يحب إلا نفسه, ويتحدث كثيرا عن ماضيه وعن طفولته وعن نشأته وتطور شخصيته وكفاحه وبطولاته وتضحياته، والمعجباني يهتم كثيرا بتسجيل كل مراحل ولحظات حياته الشخصية (بالصوت والصورة) فهي في رأيه جزء من التاريخ الوطني بل جزء من التاريخ الإنساني العظيم, ويهتم اهتماما خاصا بالاحتفال بعيد ميلاده أو عيد توليه وأعياد انتصاراته (وهى كثيرة) ويعتبرها أياما تاريخية يحبس التاريخ أنفاسه عندها إجلالا وهيبة ورهبة.
والمعجبانى لا يحتمل النقد أبدا لأنه يعتبر نفسه كبير العائلة والأب المقدس والرمز والدلالة, ولذلك يهتم جدا بالتزام طقوس الأدب والاحترام من جانب الرعية والرعايا تجاه شخصه العظيم, وإذا تجرأ الناس على نقده سعى في تأديبهم وربما استصدر قوانين تحرم وتجرم العيب في ذاته (مع أن الأنبياء عليهم السلام لم يمنعوا الناس من نقدهم والاختلاف معهم رغم مكانتهم عند الله وعند الناس).
والمعجبانى يبالغ كثيرا في مظاهر الملك والأبهة والعظمة والسلطنة بدءا من مظهره الشخصي وأناقته وشياكته وطريقة كلامه الدرامية الاستعراضية مرورا بقصوره واستراحاته واحتفالاته ومهرجانات انتصاراته التاريخية.
والمعجباني يسعى دائما للإبهار فيتخذ من القرارات ما يجعل الجميع في حالة دهشة وانبهار, وربما يميل إلى المفاجآت والصدمات والتحولات المسرحية, وكل هذا يجعل المتابعين له يحبسون أنفاسهم دهشة أو إعجابا أو خوفا أو انبهارا, وهذا ما يحتاجه المعجبانى. وهو مولع بالشعارات والكلام الكبير فيصدر منها الكثير, ويجعل لكل فترة شعاراتها وعناوينها الضخمة لأن كل فترة هي بمثابة مرحلة تاريخية أو منعطف تاريخي هام وخطير يقف الخلق جميعا ينظرون إليه وإلى حكمته البالغة. والمعجبانى يسعى لأن يتوحد الوطن بشخصه العظيم (لا أن يتوحد هو به) ويطلق على نفسه أوصافا تاريخية أو دينية تلحقه بالخالدين.
وبما أن المعجباني مشغول بحب نفسه عن حب الآخرين لذلك لا تجد له محبون من رعاياه على الرغم من انبهارهم واستغرابهم وربما تأييدهم, وهم يضيقون به رغم ما يحققه لهم من إنجازات وكأنهم يضيقون بذاته المتمددة التي ضيقت عليهم مساحة وجودهم وضيقت عليهم أنفاسهم, لذلك يغضبون ويتمنون الخلاص منه, وإذا حدث ذلك تنفسوا الصعداء ولم يكلفوا أنفسهم عناء وداعه وكأنهم يعلمون ولعه بالأبهة والمظاهر فيريدون أن يحرمونه من هذه الأشياء في آخر عهده بالدنيا.
* الموظف: والرئيس الموظف هنا يقوم بدور المدير وهو يكون قد وصل إلى هذه المكانة بغير ترتيب أو سعى وإنما لعبت الظروف دورا هاما في وصوله, فلم تكن طموحاته تصل إلى ذلك ولم يكن هو معدا لنفسه للقيام بهذا الدور فلم يكن له في حياته أي اهتمام بالسياسة بل كان يمقتها ويعتبرها من قبيل اللف والدوران والمراوغات, ومع هذا يقبل القيام به كأي موظف يقبل التكليف بعمل في نطاق وظيفته, ولذلك يبدأ متواضعا بعيدا عن أبهة الرياسة والحكم, ويقبل بالأوضاع القائمة ويسعى لثباتها وترسيخها مستفيدا في ذلك من اللوائح والقوانين التي وضعها الأسلاف, إذ ليست لديه رؤى أو أهدافا أو استراتيجيات جديدة, ولذلك يحاول طول الوقت التركيز على الهياكل الوظيفية والإجراءات الشكلية, ويهتم اهتماما وسواسيا ملحا بالإجراءات والضوابط واللوائح التي تضمن الاستقرار والثبات والذي يصل إلى حالة الجمود.
وبما أنه موظف فهو يحافظ على "أكل عيشه" لذلك لا يميل إلى المغامرات أو المخاطرات أو الهزات, فالمهم عنده أن تمر الأيام دون مشكلات, وكل حركة لديه مشكلة تهدد الاستقرار وتعكر الصفو العام, لذلك لا يطيق المطالبون بالحركة والتغيير ويعتبرهم أعداء للاستقرار وأعداء للوطن وأعداء له هو شخصيا لأنهم يكدرون صفوه واستقراره واستمراره, وشعاره دائما "استقرار الاستمرار واستمرار الإستقرار".
والموظف لا يملك رؤى إستراتيجية أو تاريخية أو ثقافية أو حضارية, بل إن هذه الكلمات تضايقه وتؤرقه ويعتبرها تقعرا وتفلسفا من جانب قلة غير واقعية يتحدثون حديثا عاطفيا غير موضوعي, أما هو فلا يتحدث إلا عن الواقع اليومي الذي يعيشه بين مرؤوسيه للحفاظ على لقمة عيشه وعيشهم, فهو يسعى إلى انضباط الأمور بكل الوسائل ويحاول أن يقود السفينة دون أي اهتزازات, ولذلك يفضل القيادة بجانب الشاطئ دائما.
وهو على الرغم من ادعاءاته بالثبات وعدم الخوف وعدم التأثر بالأحداث وطمأنينته السطحية لصواب قراراته وارتياحه المبالغ فيه لحالة الاستقرار السائدة واستهانته بكل ما يحيط به من تحركات وأخطار, إلا أن هذا كله يعكس حالة عميقة من الخوف الداخلي وانعدام الأمان, تلك الحالة التي تدفعه بلا وعى إلى التمسك بالوضع القائم والتمسك بالثبات الجامد والمتجمد لأن الحركة تحمل تهديدات لا يحتملها والجديد بالنسبة له يحمل رعبا لا يطيقه.
والموظف يسلك سلوكا تقليديا عسكريا فيطلب الطاعة المطلقة من مرؤوسيه في حين يخضع هو لمن فوقه. وطموحات الموظف ليست كبيرة فهو يرضى دائما بالأدنى وليست له رؤى بعيدة المدى أو سقفا عاليا يصبو إليه, وليس لديه حلم ولا يملك أصلا القدرة على الحلم بل هو يعيش الواقع اليومي بتفاصيله القريبة, أي أنه يعيش في مستوى الاحتياجات البيولوجية التي وصفها ماسلو وليس لديه اهتماما بالطبقات الأعلى من الاحتياجات في هرم ماسلو الشهير مثل الحب والتقدير الاجتماعي وتحقيق الذات وغيرها, وبالتالي ليس لديه اهتمام بالنواحي الثقافية أو الجمالية أو الحضارية.
ويشعر بالمقت تجاه المثقفين والمفكرين والفنانين, ويعتبرهم أقرب إلى مهرجي السيرك, وينظر إليهم على أنهم واهمون حالمون غير واقعيين لأنهم لا يرون الحقيقة وتستغرقهم الأوهام والأحلام الفارغة, أما هو فيهتم باللحظة الحاضرة ويسعى لتحسين أحوال الناس المعيشية ويحقق (أو يريد أن يحقق نتائج ملموسة على أرض الواقع), وهو يتجنب الدخول في المخاطرات التي يدعوه معارضوه إليها لأنه يدرك مالا يدركوه من تأثير ذلك على تابعيه, فهو يخطط على المستوى التكتيكي القريب من حياة الناس اليومية واحتياجاتهم القريبة قصيرة الأمد.
ويركز على النتائج الملموسة, وهو يسترشد في قراراته بالأرقام والمعلومات والحسابات ولا يخرج عن التعاليم واللوائح والتعليمات, ويختار تابعيه على أساس الكفاءة في التنفيذ وثقته في ولائهم ولا يتوقع منهم تخطيطا أو إبداعا فهو يمقت الإبداع ولا يريد من سكرتاريته إلا الإتباع وتنفيذ الأوامر بدقة, ويستخدم معايير الثواب والعقاب لضبط مرؤوسيه ولتحقيق أهدافه, وهو لا ينظر إليهم باعتبارهم بشرا أكفاء لهم القدرة على الإبداع والإضافة والحذف والتغيير وأنهم موارد وطاقات بشرية يمكن تنميتها وتطويرها ولكن ينظر إليهم على أنهم مجرد أشياء لتنفيذ برامج أو احتياجات أو إجراءات معينة, ولذلك لا يهتم بأشخاصهم أو تاريخهم أو مشاعرهم أو مشكلاتهم ولا يرتبط بأي منهم بصداقة أو علاقة إنسانية بل ينساهم فور انتهائهم من أداء مهامهم, فهم في نظره غير جديرين بالصداقة أو العلاقة الإنسانية, ولذلك تجد علاقاته سطحية ووقتية وفاترة, ولا تجد له تاريخا من البشر, وهو لا يتحدث عن تاريخه الشخصي كحياة إنسانية حافلة بالصداقات والعلاقات والمؤثرات الإنسانية, وإنما إذا تحدث عن تاريخه فإنه يتحدث عنه من خلال المهام التي أتم إنجازها طبقا للأوامر والتعليمات.
والموظف يكره الأحلام والأمنيات ويحتقرها ويحتقر من يتمسك بها ويعتبره ساذجا غريرا غافلا لذلك فهو يسعى لتكريس الأمر الواقع والقبول به, وهو إذ يفعل ذلك يثبط الهمم باسم التعقل ويقيد الحركة باسم التروي ويخنق الأفكار ويقتل الأحلام باسم الموضوعية, ويضحى بالإرادة والكرامة للأقوى باسم الواقعية والحفاظ على الحياة وأكل العيش.
وقد يتسم الموظف ببعض السمات الوسواسية فيصبح مدققا وعنيدا لا يقبل رأيا آخر ولا يتنازل عن شيء مهما صغر ويتمسك بالشكل دون الجوهر, ويعتقد أن الآخرين ليسوا جديرين بالثقة لأنهم لا يقومون بالتنفيذ كما يجب لذلك نراه حريصا على عمل كل شيء بنفسه ومتابعة كل شيء بنفسه حتى لو توقفت الأمور وتعطلت مصالح الناس, وعلى الرغم من عدم تعبيره عن مشاعره العدوانية بشكل صريح إلا أن عناده يكشف عن عدوانيته الكامنة بداخله.
وهو لا يميل إلى التميز أو التجديد بل يحب أن تسير الأمور في مسارات عادية, فهو شخصية عادية, بل ومفرط في عاديته. وأصعب لحظة في حياة الموظف هي خروجه للمعاش, لذلك يحاول بكل الطرق أن يستمر في منصبه لأطول فترة ممكنة وربما للأبد لأن حياته بدون الوظيفة لا تساوى شيئا ولا تطاق, فليس لديه أية اهتمامات أو هوايات أو أي شيء له معنى خارج إطار الوظيفة الرسمية.
* المبدع المشوه: وفى هذا النموذج نجد أن ذات الطفل نشطة وتتمثل في حالة من المرح والدعابة مع ميل إلى الإبداع المشوه فنجده يعلن أفكارا تبدو جديدة أو مبتكرة أو صادمة أو غريبة وكأنها صادرة من فنان أو مفكر بوهميي أو فيلسوف منقطع الصلة بالواقع اليومي, والأخطر من ذلك أن هذه الأفكار والتوجهات الغريبة والشاذة تتحول إلى نظام للحكم وفلسفة للإدارة وإطارا للتفكير ولا يجرؤ أحد على مناقشة هذه الأفكار أو تفنيدها, بل يوجه أصحاب الفكر جهودهم في تفسير وتحليل وتبرير آراء وأقوال وأفكار الزعيم المفكر المبدع المشوه المتناقض.
وهذا النموذج يحير من يراه أو يتابع سلوكياته فهو تارة شديد الوطنية والثورية والتقدمية وتارة أخرى مستسلما ومهادنا وخاضعا, وتارة تراه شديد الاهتمام بمظهره فيلبس ثيابا عسكرية مليئة بالنياشين والأوسمة (كطفل اشترى له أبوه بذلة عسكرية مبالغ في ترصيعها) وتارة أخرى تراه يرتدى لباسا بسيطا ويعيش عيشا بسيطا, أو يجمع بين هذا وذاك في تركيبة غريبة ومتناقضة وأحيانا مضحكة، والمبدع المشوه لا يستطيع أحد توقع قراراته أو ردود أفعاله فكل شيء لديه مفاجئا وغريبا, وهو يشتهر بمغامراته الطفلية الفاشلة والتي ربما يعطيها أبعادا وطنية ويضفى عليها معاني الانتصار العظيم (أو يترك تلك المهمة لمريديه وكتابه ومنظريه).
* شيخ القبيلة: وهو يأخذ مشروعيته من عصبية القبيلة أو العائلة, والعلاقة بينه وبين رعيته تقوم على التسليم بقوة العصبية والجذور العائلية, ولقاءاته بهم يغلب عليها تقبيلهم ليده وكتفه ورأسه ثم تناول العشاء والانصراف مع الدعوات بطول العمر, أو تقديم معروض بهدف الحصول على منحة مالية أو رفع دين أو قطعة أرض صحراوية أو مرعى جبلي. وقد يكون هناك نوع من الشورى لدى الملك أو الأمير (شيخ القبيلة) من خلال جلسات مع رؤساء القبائل أو العشائر ولكنها شورى استئناسية غير ملزمة.
* العسكري(من الشاويش إلى المشير): في العالم العربي ولع بتنصيب العسكريين (الحاليين أو المتقاعدين) في المناصب القيادية والسيادية, فنجد في كثير من المواقع رتبا عسكرية تبدأ من الشاويش وتنتهي بالمشير مرورا بالعقيد والعميد واللواء والفريق, والسبب في ذلك هو كثرة القادة العسكريين في مؤسسات الحكم واعتقادهم بأن الضبط العسكري هو أهم عوامل النجاح في إدارة شئون الناس, هذا إضافة إلى عوامل التحيز وضمان الولاء وجوائز نهاية الخدمة.
والعقلية العسكرية –رغم احترامنا وتقديرنا الشديد لها في موضعها – تتميز بالالتزام الحرفي بتنفيذ التعليمات والمهام دون نقاش, وهى لا ترى الاحتمالات المختلفة والتباينات في السلوك اليومي المدني للناس ولا تحتمل الغموض ولا تدرك أهمية الحوار والاختلاف وتوظيف ذلك للمصلحة العامة فالاختلاف لديها خيانة وطنية والمخالفون أو المعارضون خونة مثيرون للقلاقل والاضطرابات لذلك يبالغون في الضبط والربط والقهر, ويميلون للرؤية الأحادية, وهذا يؤدى إلى مشكلات كثيرة في الحياة المدنية التي تحتاج لرؤى متعددة واحتمال الغموض والخلاف واحترام أصحاب الآراء المعارضة.
والمشكلة تكبر وتعظم إذا كان العسكري على رأس السلطة فهنا تحدث إشكاليات كثيرة سببها أن هذا الشخص قد تربى خلال سنوات طويلة من حياته على أحادية الرأي وأحادية الرؤية وعلى الالتزام بتنفيذ التعليمات, وهاهو الآن يحكم فئات متباينة ويعيش الحياة السياسية (التي لم يتعود عليها ولم يتربى في أحضانها) بغموضها وتناقضاتها وتعددية مستوياتها واحتياجاتها للمرونة والمواءمة, ففرق كبير بين عقلية السياسي وعقلية العسكري وكل منهم ميسر لما خلق له وهو موفق ومطلوب في مكانه ولكن المشكلة تأتى من اختلاط الأدوار وتداخلها.
* المستقطب: وهو الأب المنحاز إلى بعض أولاده دون الآخرين أو المدير المنحاز إلى مجموعة من الموظفين يصطفيهم ويميزهم عن باقي زملائهم وربما يسخرهم للتجسس عليهم ومضايقتهم, أو الرئيس الذي ينتمي إلى طائفة أو جماعة أو حزب فينسى أنه رئيس للجميع ويعمل طول الوقت لخدمة جماعته أو طائفته أو حزبه على حساب مصالح بقية الفئات. وهذا الشخص المستقطب يحدث شرخا في الأسرة أو المؤسسة أو الدولة وينشئ عداوات شديدة في الوسط الذي يعيش فيه. وإذا كان الاستقطاب على أساس سياسي يصبح المعارضون خونة أما إذا كان على أساس ديني فإن المعارضون في هذه الحالة يصبحون كفارا.
* المستغرب: وهو شديد الإعجاب بالنموذج الغربي لذلك يعيش عليه ويربى أولاده عليه ويصبغ كل من حوله بهذه الصبغة ويراها الأنسب للحياة العصرية, ونجده يحول كل مظاهر الحياة في نطاق حكمه بالصبغة الغربية لغة وسلوكا ومعمارا وتخطيطا, ومع هذا ربما يحتفظ بقشرة بسيطة يعلن بها هويته العربية كالزى الوطني (المستورد من الخارج).
* الفيلسوف الحالم: وهو لا يستطيع بهذه المواصفات أن يصل بنفسه إلى أي موقع قيادي ولكن الظروف قد تحمله إلى هذا الموقع بحكم القرابة أو الظروف, وهذا الشخص نجده يتحدث طويلا عن مثاليات ومبادئ ومطلقات منقطعة الصلة عن الواقع, وهو معزول غالبا عن حركة الحياة الطبيعية حيث تعود أن يعيش في برج عادى يرى العالم منه كما يحب أن يراه, ويوافقه المحيطون به على ما يراه خوفا أو طمعا. وضعف الفيلسوف الحالم يستغله بعض المحيطون به فيحركونه كما يريدون مع إيهامه بملكية زمام الحكمة والحكم.
* الوريث: وهو قد ورث الملك أو الرئاسة بفعل القرابة أو العصبية أو الظروف السياسية وليس عن كفاءة وكفاح وتاريخ طبيعي في العمل السياسي, ولذلك يلاحظ تدنيا في أدائه خاصة عند مواجهة الأزمات الكبرى, وهذا ما أكده ابن خلدون من ضعف الجيل الثاني والثالث من الملوك, وربما يكون هذا أحد أسباب التحول في المجتمعات البشرية مع رقيها من النظام الملكي إلى النظام الرئاسي واعتبار النظام الملكي أو التوريث نكوصا بالمجتمع إلى مراحل أكثر بدائية وتخلفا.
والوريث بما أنه ورث السلطة دون جهد فإنه يميل لأن يكون مستهلكا للثروة لا صانعا لها فيميل إلى حياة الترف والدعة خاصة وأنه قد تربى عليها منذ صغره, ولا يحتمل رأيا آخر لأنه عاش طول حياته يعامل كأمير في جو يتسم بالطاعة المطلقة من خادميه والمحيطين به مع تلبية لكل رغباته, ويضاف إلى ذلك غربته واغترابه عن المحكومين الذين لا يعرفهم إلا من صورهم في وسائل الإعلام, ومن باب أولى لم يخالطهم ولم يعش حياتهم, بل هو محاط طول الوقت بطبقة سميكة من الحراس والخدم يعزلونه عن الشعب.
والوريث غالبا ما يحكم بالوكالة بمعنى أنه يعتمد على أفراد آخرين من أصدقائه أو المقربين له ممن يعتقد في قدرتهم على فهم الشعب وإدارة الأمور, وهؤلاء يقومون بمعظم المهام بالنيابة عنه ويملون عليه ما يحقق مصالحهم هم, وبما أنه لا يدرى عن حقيقة القاعدة الشعبية شيئا بحكم ظروف نشأته فهو يسلم لهم إما استسهالا أو عدم معرفة بحقيقة الأمور, وفى كل الأحوال هو يشعر أنه يريد أن يستمتع بما ورثه من عظيم ثروة وأبهة سلطان.
ونظرا لكثرة احتمالات المشكلات الشخصية لدى القادة والحكام الذين يمارسون حكما فرديا وأثر ذلك على شعوبهم بل وعلى العالم كله أحيانا لذلك ظهر اقتراح في الجمعية العالمية للطب النفسي بمتابعة الحالة النفسية للرؤساء والزعماء على مستوى العالم (خاصة المعمرون والمستبدون منهم) حتى لا تحدث كوارث إنسانية بسبب تحكم شخص مضطرب أو مشوه أو مستبد في مصير ملايين البشر. وللحديث بقية........ للمشاركة والتواصل: maganin@maganin.com
اقرأ أيضاً: قادة العالم واضطرابات الشخصية(1) / قادة العالم واضطرابات الشخصية(2) / الشخبطة السياسية / الدلالات النفسية لزواج الأمير تشارلز من عشيقته / سيكولوجية الاستبداد (الأخير) / سيكولوجية التعذيب / شخصية الطاغية / البراجماتيزم... دين أمريكا الجديد.
الكاتب: د. محمد المهدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 15/09/2006
|
|