|
|
|
أمراض السلطة(2) ::
الكاتب: د. محمد المهدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 25/11/2006
أمراض السلطة(1)
حاولت البشرية على مر العصور ومن خلال تجاربها المريرة والمؤلمة أن تتجنب أمراض السلطة ومساوئها، وقد نجحت إلى حد معقول في ذلك حين اتجهت إلى أنظمة الاستقرار وإلى سلطة الإدارة وإلى السلطة المنطقية، ولذلك فالأمراض التي سنذكرها ستكون بالطبع لصيقة بالنظم غير المنطقية وبسلطة السلطة وسلطة الإدارة والسلطة الأبوية والسلطة الفرعونية وأنظمة الطفرة: * الهاجس الأمني: أي سلطة يشغلها الجانب الأمني، ولكن يزداد هذا الانشغال حتى يصل إلى أقصى درجاته لدى السلطة غير المنطقية ولدى السلطة الفرعونية ولدى سلطة السلطة، والسبب في ذلك هو أن هذه الأنواع من السلطة تشعر في دخيلة نفسها أنها اغتصبت شيئا هاما من الجماهير لذلك فهي تتوجس خيفة من هذه الجماهير ولا تصدق مظاهر ولائها لأنها تعلم يقينا أنها مظاهر كاذبة وأن الجماهير تتمنى اللحظة التي تزول فيها السلطة سواء بأيديها أو بأيدي القدر، ولذلك تأخذ السلطة احتياطات أمنية كثيرة ومبالغ فيها تتناسب مع قدر خوفها من الجماهير وعدم ثقتها بها أو احتقارها لها، فالسلطة التي تحتقر الجماهير تبالغ كثيرا في الحلول الأمنية والاحتياطات الأمنية فهي ترى في هذه الجماهير بوادر الخداع والغدر كما أنها ترى هذه الجماهير غير جديرة بالحوار السياسي أو الثقافي وإنما هي تستحق التأديب بعصا غليظة متمثلة في بطش الجهاز الأمني لأي نبضة تبدر من هذه الجماهير، فهذه السلطة ترى في الجماهير أكبر عدو يتربص بها ولذلك تعد العدة لمقاومته وقهره ولا تدع له فرصة يفيق فيها أو يستعيد عافيته أو وعيه.
وإذا حدث وخرج أحد من هذه الجماهير عن النص المسموح به فإن السلطة تواجهه بكل قسوة (حتى لو أدى ذلك إلى تشوه صورتها في الخارج أو اتهامها بأنها ضد حقوق الإنسان) لأن ذلك يعطي العبرة للآخرين فلا يحاولون تهديد السلطة بعد ذلك، لأنهم يعرفون وسائل العذاب الرهيبة التي تملكها السلطة لكل من يخرج عن الإطار المرسوم، والسلطة في هذه الحالة تسعد ربما بنشر حوادث التعذيب وانتهاك الشرف للمعارضين وذلك لبث الرعب في قلوب الباقين فيلزمون الصمت للأبد.
أما الأثر الخارجي لهذه الممارسات فتعرف السلطة كيف تخفف من حدته ببعض التنازلات أو الرشاوى السياسية.ومن علامات اشتداد الهاجس الأمني كثرة عدد المنتمين للأجهزة الأمنية وكبر حجم الإنفاق على الجهاز الأمني من مرتبات ومعدات وأجهزة تنصت ومراقبة وتعذيب، وتجنيد عملاء سريين في كل مكان ينقلون لها كل شيء يدور بين الناس خاصة في أماكن التجمعات .وجهاز الشرطة حين يستعين بهؤلاء العملاء السريين والعلنيين يصبح عليه دفع فاتورة لهم لضمان استمرار تدفق المعلومات وضمان الولاء، والفاتورة تتمثل في تعيين هؤلاء العملاء في أماكن وظيفية مهمة، وشيئا فشيئا يحدث تغلغل سرطاني لهؤلاء العملاء بما يحملونه من صفات سيئة تساعد على تنامي الفساد بشكل كبير.
والسلطة في هذه الأنظمة كثيرا ما تقوم تقوم بعمليات استباقية هدفها إجهاض أي محاولة حقيقية أو متخيلة لتجمع الجماهير الغاضبة أو المطالبة بحقها أو المتمردة على ظلمها، فتلجأ في سبيل ذلك إلى إصدار القوانين التي تحول دون تكون كتلة جماهيرية تكون قادرة في الحاضر أو المستقبل على تحريك الجماهير الأوسع ضدها أو تكون نواة لتجمعات خطرة من وجهة نظر السلطة، وتحظر التجمعات والمسيرات وتستخدم قوانين الطوارئ والأحكام العرفية التي تسمح بالحركة السريعة للسيطرة على أي بادرة تجمع أو تظاهر.
وقد يتم تقسيم الميادين أو الشوارع بحواجز حديدية للحيلولة دون تكون كتل كبيرة من الناس، وربما يتم تقسيم المدن والأحياء بناءا على هذه الاعتبارات الأمنية. فالسلطة تعرف جيدا سيكولوجية الجماهير وتعرف أنها ربما يطول سكوتها وخضوعها ولكنها حين تنتفض تجرف في طريقها كل شيء، فالجماهير في حالة ثورتها وانتفاضتها تصبح كيانا غير عاقل لا يستطيع أحد التحكم فيه أو كبح جماحه، فالجماهير حين تستشعر الظلم أو الطغيان أو إهدار الكرامة قد تسكت لبعض الوقت ولكنها عند نقطة معينة تسمى النقطة الحرجة تنفجر انفجارا مفاجئا (أو يبدو مفاجئا) فتتحول هي الأخرى إلى طغيان مقابل قد يدمر السلطة ويمتد أثره التدميري لأبعد من السلطة.
فالغضب الجماهيري يكون مثل الطوفان لا يعرف أحد أين سيتوقف ومتى، فبركان الغضب يسعى نحو التدمير والتغيير ولا يوجد ميزان حساس في هذه الظروف يوائم بين قدر التدمير للأبنية السلطوية القائمة والمرفوضة وبين قدر التغيير المطلوب، ويزداد الخطر أكثر حين يكون انفجار الجماهير بغير قيادة، أي انفجار عشوائي منفلت يحدث تحت تأثير ضغط وقهر فاقا الاحتمال فانفجرت براكين الغضب دون ترتيب سابق ودون هدف محدد غير الانتقام ممن قهرها أو سحقها أو خدعها.
وهناك أمثلة كثيرة لانتفاضات الجماهير حدثت بصور مفاجئة وأحدثت تغييرات جذرية، وقد قفزت هذه الانتفاضات فوق حواجز أمنية أسطورية مثل ما حدث في إيران وفي ألمانيا الشرقية ورومانيا وبولندا وغيرها. وعلى الرغم من وجود الخوف لدى الناس كأفراد إلا أنهم في حالة تجمعهم في مسيرات أو مظاهرات يقل هذا الخوف ويصل أحيانا إلى درجة التلاشي كما يزداد الإحساس بالظلم والإحساس بالكرامة المنتهكة فتنطلق الكتلة الجماهيرية لا تعبأ بأي محاذير أو حسابات فمجموع الأفراد في هذه الحالة يكونون في حالة استلاب وقابلية شديدة للإيحاء والاستثارة فإذا ظهرت قيادة لها تأثير كاريزمي في هذه اللحظات الحرجة فإنها تأخذ الجماهير إلى حيث تريد بشرط أن يكون ذلك في اتجاه التغيير والانتقام اللذان خرجت من أجلهما الجماهير.
وللسلطة أساليب متنوعة أخرى في منع تكون أي تجمع حزبي أو جماهيري مؤثر، ومن هذا قيامها بزرع عملاء داخل أي تجمع محتمل وتكون وظيفة هؤلاء الرصد لأي نبضة حركة وفي ذات الوقت ربما يقومون بعملية تفجير للتجمع من الداخل وذلك بإثارة الخلافات أو إحداث تيارات في اتجاهات متشتتة. والمهم لدي السلطة دائما هو عدم تكون ما يسمى بالكتلة الجماهيرية الحرجة تلك الكتلة القادرة على إزاحة النظام أو الضغط عليه ضغطا شديدا.
وكلما ازدادت الطبيعة البارانوية (الشك وسوء الظن والتعالي) لدى رمز أو رموز السلطة كلما تضخم الهاجس الأمني وتسرطنت وسائل التجسس والقمع لأنها في هذه الحالة تمثل حالة من إسقاط المشاعر العدائية لدى الشخصية البارانوية المتحكمة في السلطة والمحركة لها.
* تزييف الوعي: فالسلطة غير المنطقية أو غير الشرعية أو المستبدة لا تستطيع الاستمرار لفترات طويلة إلا إذا قامت بعمليات تزييف للوعي الجماهيري فهي تريد أن تشكل هذا الوعي لكي يقبل منظومة السلطة وتوجهاتها ومصالحها دون الحاجة إلى الإفراط في استخدام القمع الأمني الذي ربما يكلفها ثمنا سياسيا أو اجتماعيا كبيرا، لذلك تشكل أجهزة الدعاية والإعلام والإعلان لدى السلطة الجناح الآخر لبقائها (بجانب الجناح الأمني)، فتقوم هذه الأجهزة بالمبالغة في إظهار إنجازات السلطة وتبرير أفعالها وتحويل هزائمها إلى انتصارات تاريخية كما تقوم بإضفاء صفات البطولة والحكمة والتضحية على رموز السلطة وتضع صورهم وتماثيلهم في كل مكان (وهو ما يسمى في علم النفس: الإعلان بالغمر أو الإعلان بالتكرار والإلحاح) فحيثما ذهبت يطالعك وجه القائد أو الزعيم أو تطالعك أقواله وإنجازاته وتوجيهاته.
وتنجح عمليات تزييف الوعي أكثر في المجتمعات ضعيفة الثقافة التي لا تملك عقلية نقدية تزن بها الأمور، تلك المجتمعات القابلة للإيحاء والاستهواء والتنويم والتغييب، تلك المجتمعات العاطفية التي يسهل تحريك مشاعرها في الاتجاه الذي تريده الأدوات الإعلامية للسلطة. غير أن هذا التزييف يتراكم فيحجب الحقيقة عن السلطة وعن الجماهير ثم يجد الناس أنفسهم في حالة من الاضطراب والتناقض وتكرار الكوارث والهزائم على الرغم من الوعود والبيانات الوردية المتفائلة، وهنا يقترب الخطر حين تكتشف الجماهير أنها تعرضت لحالة من الخداع المنظم خاصة وهي تعيش حياة تعسة كل يوم تكذب كل ما تبثه الآلة الإعلامية الجبارة، عندئذ تشعر الجماهير بالغضب لسببين:
الأول هو خداعها واللعب بها والثاني هو شقاءها الذي تعيشه في كل لحظة، عندئذ تحدث الانتفاضة أو يحدث الانفجار طالبا بالثأر ممن خدعوا وزيفوا وأفقروا. وهناك إرهاصات لفشل عمليات تزييف الوعي منها لا مبالاة الجماهير بما تقوله أجهزة إعلام السلطة أو التندر وإطلاق النكات عليها أو الانصراف عنها والبحث عن مصادر أخرى لمعرفة الحقيقة خاصة فى أوقات الأزمات.
* الإدعاء: فصاحب السلطة شيئا فشيئا يفقد تلقائيته ويتورط في سلوك ادعائي غير طبيعي وبعيدا عن الصدق والأصالة ولذلك يفقد تعاطف الناس معه وإحساسهم به، وتزيد صفة الإدعاء كلما زادت الأطماع في استمرار السلطة أو توريثها لأن صاحب السلطة هنا يريد أن يشكل وعي وتفكير الجموع في اتجاه مصالحه الخاصة فيلبس قناعا يراه مناسبا لتحقيق هذا الهدف. ولذلك كلما رأيت الشخص يبالغ في ادعائه تعرف تلقائيا أنه يريد تحقيق مصالح خاصة باستخدام مبادئ أو شعارات عامة.
* العزلة: فكلما ابتعدت السلطة عن الشرعية والعدل وكلما طال التشبث بها زادت العزلة لأن صاحب السلطة يشعر في أعماقه بما يدور في أعماق الجماهير من رغبة في الانقضاض عليه لذلك يزيد باستمرار من احتياطات الأمن والسلامة خاصة إذا تكررت محاولات الاغتيال، ومن هنا تبدأ العزلة، وهي ليست فقط عزلة جسدية بمعنى وجود حواجز متعددة تحول بين الجماهير وصاحب السلطة ولكن أيضا عزلة شعورية بمعنى وجود هوة بين مشاعر وأفكار واحتياجات الطرفين، وهذه الهوة تزداد يوما بعد يوم حتى تصل إلى الحالة الحرجة التي يفقد فيها كل طرف إحساسه بالآخر وهنا تحدث حالة من الغربة والإغتراب بين الجماهير والسلطة.
* تضخم دافعي التملك والخلود: إن دافعي التملك والخلود من أقوى الدوافع في النفس البشرية، وقد عرف إبليس هذه الحقيقة مبكرا وحاول الاستفادة منها عندما أراد أن يغوي آدم فقال له مغريا إياه بالأكل من الشجرة المحرمة: "هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى" (طه 20 )، "وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين" (الأعراف 20 ).
وفعلا نجح الإغواء لآدم من هذا الطريق على الرغم من التحذير الإلهي له "ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين" (البقرة 35)، وعلى الرغم من إتاحة فرص التنعم المتعددة في الجنة، وهذا يدل على قوة هذين الدافعين وعمقهما في النفس البشرية، وعلى أنهما نقطتي ضعف يسهل الإغواء عن طريقهما. ويبدو أن هذين الدافعين يكونان متضخمين في نفس الشخص الساعي للسلطة أو المتشبث بها فهو لا يشبع من التملك ودائما يسعى إلى الخلود في الدنيا وينكر في أعماقه فكرة الموت.
وكلما ا تسعت دائرة نفوذه وانتشرت صوره وتماثيله في كل مكان كلما انزلق إلى الإعتقاد بفكرة خلوده، ولو أصابه المرض أو أدركته الشيخوخة وأيقن بفكرة موته فإنه يتمسك بملكه ويتعلق بخلوده من خلال أبنائه فيحرص على توريثهم كل ما استطاع أن يتملكه فهم امتداد لذاته، وهذه هي سيكولوجية الأنظمة التي تقوم على فكرة التوريث حفاظا على بقاء الملك وخلود الذكر. وقد وقع في هذا صحابي مثل معاوية رضي الله عنه حين حارب عليا رضي الله عنه من أجل الخلافة وحين حرص بعد ذلك على توريث ابنه يزيد رغم ماكان يعرفه عنه من سلوك ينافي احتياجات هذا المقام.
ومن سنن الله في الكون أن كل من يتعلق بالملك أو الخلود يزول منه لأن الملك لله وحده والخلود له وحده، وحين سعى آدم نحو الملك الذي لا يبلى والخلود ابتلاه الله بالحرمان من الجنة بل والحرمان مما يستره من الملابس "فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما" (الأعراف 22)، وهذا يحدث مع كل من تخدعه ذاته أو يخدعه شياطين الإنس أو شياطين الجن بفكرة الخلود أو الملك الذي لا يبلى حيث يبتلى بضياع الملك ويبتلى بالطرد من الجنة التي عاش فيها وظن أنها لا تزول.
* الرعب الدفين مما بعد السلطة ومحاولة استبعاد ذلك الاحتمال: فصاحب السلطة يرتعد خوفا كلما مر بخاطره لحظة فقدانه لسلطاته وخروجه من دائرة التحكم والسيطرة وما يصاحب ذلك من فقد اهتمام الناس وتزلفهم له ومن المزايا الهائلة التي كانت تتيحها السلطة، يضاف إلى ذلك شماتة أعدائه أو محاولات الانتقام من جانب أناس كثيرون ظلمهم وقهرهم، أو محاولات الحساب له على ما ضيع وأهدر وسلب في فترة وجوده بالسلطة، لذلك يصعب على الكثيرين من أصحاب السلطة ترك سلطتهم طواعية وذلك لما يعرفونه من عواقب ما بعد السلطة خاصة إذا كانت هذه السلطة غير شرعية أو غير منطقية أو مستبدة.
أما في النظم الديمقراطية فلا يوجد مثل هذا الرعب حيث يعرف صاحب السلطة مقدما حدود سلطته زمنا ومساحة ويعرف حتمية خروجه من السلطة طبقا للدستور (الذي لا يتغير لبقائه في السلطة حين يريد) وتتم محاسبته أولا بأول فيخرج من السلطة بالطرق السلمية المعتادة لينعم بحياته الشخصية والعائلية بعيدا عن أعباء السلطة وقيودها وهو يشعر أنه خدم بلده في الفترة التي قضاها في السلطة ومن حقه الآن أن يخلو إلى نفسه أو إلى أسرته أو يمارس أعمالا خيرية أو ثقافية، وهكذا تمر الأمور بسلام دون شماتة أو انتقام.
* تضخم الذات: يسعى إلى امتلاك السلطة والتشبث بها نوعان من الشخصيات هما الشخصية البارانوية والشخصية النرجسية وكلاهما لديه مشكلة مع ذاته، فالشخص البارانوي يشعر بالدونية وباحتقار الآخرين له ومحاولاتهم اضطهاده وسحقه وتدميره (هكذا يعتقد) لذلك فهو لا يثق بأحد ويتوقع السوء من أقرب الناس إليه ويشعر في بدايات حياته بالظلم والاضطهاد وينظر إلى الناس بعين الشك ويسئ الظن بهم ويتوقع منهم الإيذاء والتآمر ضده، ويفسر أقوالهم وأفعالهم على محمل سيء ويأخذ حذره منهم ويبالغ في ذلك، ونراه مفتوح العينين مستنفر القوى طول الوقت لأنه يتصور أن الخطر يحوطه من كل مكان، لذلك يسعى لامتلاك أدوات القوة ويسعى بكل ما يملك نحو السلطة عساها تحميه من غدر الناس وتعطيه القوة والسيطرة والاستعلاء على هؤلاء الأوغاد المتآمرين (الناس– كل الناس).
لذلك فصاحب هذه الشخصية لا يضيع وقتا في أشياء جانبية تعطله عن هدفه. وهو لا يعرف قانون الحب وإنما يعرف التسلط والسيطرة للحفاظ على ذاته التي يقلق من تلاشيها أو سحقها لذلك فالوصول إلى السلطة يعتبر بمثابة دعم للذات وهو طول الوقت يحاول أن يزيد ويقوي من سلطاته لأن ذلك يدعم ذاته الهشة المهتزة، وفي مرحلة معينة تمتزج الذات بالسلطة فيصبحان شيئا واحدا لذلك تصبح السلطة بالنسبة له مسألة حياه أو موت وليست شيئا يمكن الاستغناء عنه في وقت من الأوقات، وهذه هي اللحظة الفاصلة أو المرحلة الفاصلة التي يتحول عندها صاحب السلطة إلى مستبد أبدي ويصل إلى نقطة اللاعودة ولا يتخلى عن السلطة طواعية مهما كانت الأمور لأنه توحد معها وأصبحت جزءا من نسيجه النفسي، وربما يكون هذا وراء تحديد فترات السلطة في الدول الديمقراطية حتى لا يصل الشخص المعرض لذلك إلى تلك الحالة المرضية.
أما الشخص النرجسي فهو يشعر شعورا مبالغا فيه بذاته ويتصور أنه متفرد وأنه شيء خاص جدا وأنه محور الكون وأن لديه ملكات لا يملكها غيره وأنه جدير بكل الحب والاحترام والتقدير، لذلك يحاول أن يضع نفسه حيث يراها فنراه يهتم بصحته ومظهره وشياكته بشكل واضح ويبذل جهدا كبيرا للوصول إلى مستوى النجومية والتألق فلديه ذات متضخمة من البداية ويشعر أن الجماهير التي يحكمها محظوظة بحكمه إياها وكلما اتسعت سلطته طولا وعرضا وزمنا كلما تضخمت ذاته أكثر وأكثر حتى يصعب عليه في مرحلة من المراحل أن يرى بجواره أحد فهو الملهم والعظيم والقادر والحكيم، وتتعقد الأمور حين يعمل من حوله من المتزلفبين والمنتفعين على النفخ في هذه الذات لتتضخم أكثر وأكثر حتى تمحو ما حولها ويشعر صاحب السلطة بامتلاكه لكل شئ وبتوحد الوطن مع ذاته، وهذه هي نقطة اللا عودة التي يصعب عليه عندها ترك السلطة طواعية لأنه ابتلع الوطن في ذاته المتضخمة.
وفي الحالتين نلاحظ حالة من التوحد بين ذات صاحب السلطة وبين الوطن على اختلاف دوافع التوحد ومبرراته، وهذا موقف في غاية الخطورة لأنه يضع الجميع في ورطة فقد أصبح الوطن في هذه الحالة رهينة في شخصية الحاكم وتصبح عملية الفصل غاية في الخطورة (مثل عملية فصل التوأمين المتصلين) لأنها تحمل في طياتها احتمالات تدميرية ربما تودي بالحاكم والوطن أو تكبدهما خسائر فادحة تستمر لسنوات طويلة.
ومن هنا نفهم مغزى عزل سيدنا عمر رضي الله عنه لسيدنا خالد بن الوليد وهو في قمة انتصاراته وعظمة فتوحاته المذهلة، فكأن عمر خشي على خالد من الفتنة (تضخم الذات) وخشي على المسلمين من الاعتقاد بأن النصر يأتي به خالد، وعمر رضي الله عنه صاحب رسالة تهمه القيم أكثر مما تهمه الفتوحات لذلك لم يتردد في عزل خالد بن الوليد قبل أن يدخل في مرحلة الخطر كما ذكرنا على الرغم من أنه صحابي جليل وسيف الله المسلول.
ويبدو أن سيدنا عمر رضي الله عنه كان يقظا لهذا الأمر في نفسه وفي غيره، فحين ولي أمر المسلمين وقف فيهم وقال: "قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن وجدتم في خيرا فأعينوني وإن وجدتم غير ذلك فقوموني"، وكان دائم اللوم والتقليل لنفسه وكأنه يلجمها ويحميها من الزهو أو التضخم. فإذا كان سيدنا عمر يفعل ذلك مع نفسه ومع سيدنا خالد رضوان الله عليهما رغم ما يتمتعان به من نضج شخصي وصلاح وورع فمن باب أولى يصبح هذا الأمر أكثر ضرورة لشخصيات تقترب من السلطة وتسعى إليها وهي تحمل في داخلها سمات بارانوية أو سمات نرجسية (منتشرة كثيرا في مستويات السلطة المختلفة) قابلة للإنحراف في أي مرحلة.
* التلوث السيكوباتي والفساد: كما قلنا من قبل فإن الشخصية البارانوية والشخصية النرجسية هما أكثر شخصيتين يسعيان نحو السلطة ويتواجدان فيها ويتشبثان بها، والسلطة بالنسبة لهما احتياج شخصي لتدعيم الذات وتضخيمها لذلك نراهما في طريق سعيهما للسلطة ينتهكان الكثير من القيم أو الأعراف أو القوانين تحت زعم "الغاية تبرر الوسيلة" أو تحت وهم أنها ضرورات مرحلية يتم فيها التجاوز عن بعض المحظورات، وحين تصل هذه الشخصيات إلى السلطة وتذوق طعمها وتتوحد معها تتأكد أنه لا وجود لها بدون السلطة لذلك تستمر في محاولات الاستبداد بالسلطة والتشبث بها وهذا يستدعي ممارسة سلوكيات سيكوباتية للتحايل والالتفاف والتلفيق والخداع والكذب، وتصبح هذه الأشياء من ضرورات الاستمرار في اغتصاب السلطة.
وهكذا يحدث التلوث السيكوباتي لشخصية صاحب السلطة وينتشر هذا التلوث في كافة جوانب المجتمع في صورة فساد عام، والفساد هنا ضرورة بقاء حتى يحدث تناغم بين المنظومة السلطوية والمنظومة العامة (لأن المنظومة العامة لو بقيت نقية في حالة فساد وتلوث المنظومة السلطوية فإنها سرعان ما تلفظها)، وكل هذا يحدث طبقا للمعايير السيكوباتية التي تهتم بالمبالغة في إعلان عكس ذلك فنجد مبالغة في الحديث عن الشفافية والطهارة والمبالغة في الحديث عن المثاليات الأخلاقية والمبالغة في الطقوس والمظاهر الدينية الخالية من روحانيات الدين، في الوقت الذي يستشري فيه الفساد ويتوحش.
* إدمان السلطة: يحدث الإدمان نتيجة الشعور بعائد التعاطي من نشوة وانبساط ويحدث أيضا نتيجة ارتباطات شرطية تثبت السلوك الإدماني وتدعمه، ولا شك أن السلطة تعطي نشوه ويحدث معها ارتباطات شرطية مدعمه وذلك بما تعطيه لصاحبها من مكانة وتميز وما تضفي عليه من هالة وما تهيؤه له ولأسرته من هيبة وما تتيح له من خضوع الناس واستعدادهم لخدمته والتفاني في تلبية ما يريد.
هذا الوضع حين يستمر طويلا يؤدي إلى حالة من إدمان السلطة، وكما هو الحال في صعوبة علاج إدمان المخدرات أو إدمان التدخين أو إدمان أي شيء فإن علاج إدمان السلطة يكون غاية في الصعوبة وقد يصل إلى درجة الاستحالة، فالسلطة شهوة من أقوى شهوات النفس في حياة الإنسان وخاصة حين يتجاوز الإنسان مرحلة الشباب (التي تكون فيها الشهوة الجنسية هي أقوى الشهوات)، ولذلك كان بعض المعترضين على نظرية فرويد في الغرائز يقولون بأن الغريزة الجنسية ليست هي الغريزة الوحيدة المحركة للسلوك في كل مراحل العمر، حتى وإن كان ذلك صحيحا في المراحل المبكرة من العمر إلا أنه في مراحل تالية كثيرا ما تتفوق عليها غرائز أخرى مثل غريزة جمع المال أو غريزة السلطة، ونحن نرى رجالا كثيرين لا يهتمون كثيرا بالموضوعات الجنسية خاصة في المراحل المتأخرة من عمرهم ولكنهم يهيمون عشقا ويضعفون أمام إغراءات السلطة أو المال.
* العزلة وافتقاد الحياة الطبيعية:فصاحب السلطة يعيش حياة تحوطها المحاذير والقيود، فعلى الرغم من تمتعه بسلطات واسعة تبهر من يراه من بعيد إلا أنه محاط بآلاف المحاذير فهو غير قادر أن يعيش حياة تلقائية عفوية مثل بقية الناس وغير قادر على التجول في الشوارع وارتياد المحلات والشواطئ والمنتزهات العامة، وكل تعاملاته مع الناس تحدث من وراء ستار لذلك فهي تعاملات غير صادقة وغير أصيلة وغير حقيقية، فكل المحيطين به يظهرون له الولاء والطاعة ليس بدافع من حب حقيقي وإنما بدافع من خوف حقيقي من سطوته، لذلك فهو محروم من المشاعر الطبيعية التي يتعامل بها البشر مع بعضهم.
لذلك فالاستمرار في السلطة لفترات طويلة يؤثر بالسلب في شخصية صاحب السلطة حيث يبعده عن حقيقة الحياة وطبيعتها وعن حقيقة الناس ومشاعرهم ويفرض عليه وجودا كاذبا خادعا فهو لا يرى الحياة إلا من خلال تقارير تعكس وجهة نظر من كتبوها ولا يرى من الناس إلا أقنعة لبسوها رغبا ورهبا، ولا يبقى له من معرفة بالحياة الحقيقية إلا ذكرياته عنها قبل أن يجلس على كرسي السلطة وكلما تقادم به العهد في السلطة خفتت هذه الذكريات فلا يبقى بينه وبين الحياة الحقيقية أي ارتباط. وهذا أحد الأسباب الذي جعل الدول الديمقراطية تحول دون أبدية السلطة حفاظا على السلامة النفسية لصاحب السلطة وحفاظا على صحة العلاقة بينه وبين شعبه.
* سكرة السلطة: وهي تعني ذهول صاحب السلطة عن الواقع المحيط به (باستثناء ما يهدد السلطة) وعن العواقب الدنيوية والأخروية لأفعاله، وعن احتمال زوال السلطة، وربما يضطرب لديه الإحساس بالزمان والمكان نظرا للظروف التي تعطيه إحساسا بإمكانية كل شيء (على الأقل في إطار احتياجاته الشخصية)، فصاحب السلطة يعيش حالة خاصة من الوعي تؤثر كثيرا في إدراكه وفي قراراته.
* الإغراء بالقدرة: فالسلطة قدرة قد تبدو لصاحبها هائلة وغير نهائية، وهذا يغريه بتفعيل هذه القدرة المتاحة واستخدامها في تحقيق ما يريد دون النظر لكثير من المعايير المعتادة لدى عموم الناس، والمثل الشعبي يصور هذا الموقف الذي تتحول فبيه القوة إلى قانون بقوله: "القوي عايب"، فعند مرحلة معينة من الشعور بالقدرة والسيطرة يشعر صاحب السلطة بأنه هو القانون والدستور وكل شيء، فإذا وقفت إحدى مواد الدستور حائلا بينه وبين إحدى رغباته أو احتياجاته فلا مانع أبدا من تغيير هذه المادة أو حتى تغيير الدستور أو تعطيله أو إلغائه وعمل دستور جديد يحقق له ما يريد مع إعطاء قناع قانوني زائف لكل هذا كاستفتاء الجماهير على الدستور الجديد وتزييف إرادتهم خلال عملية الاستفتاء، وسوف يجد صاحب السلطة من حوله ومن تحته من هم جاهزون لعمل كل ما يريد فهم أيضا عبّاد للسلطة ولأصحابها.
* العناد: وهو شعور مركب يتكون من الغرور والكبر واحتقار الآخرين والرغبة في السيطرة المطلقة واغتصاب إرادة الآخرين بحجة أن الشخص المعاند هو الأعلم والأحكام والأقدر، وأن الآخرين جهلاء وقصّر . والعناد يحمل قدرا كبيرا من العدوان لأنه يبعث برسالة للرعية بأنها ليست ذات وزن حتى يستجيب لها صاحب السلطة، وبأنه ليس في حاجة إلى إرضائها أو استرضائها فهو متحكم فيها بقوته وسطوته وليس برضاها أو قبولها.
* التأله: وهو قمة تضخم الذات لدى صاحب السلطة إلى الدرجة التي لا يستطيع معها رؤية أي ذات أخرى بما فيها الذات الإلهية، وقد أعلنها فرعون صراحة حين قال "ما علمت لكم من إله غيري"، وقد يعلنها أصحاب سلطة آخرون بأشكال ولغات مختلفة تتفاوت درجتها حسب حالة تضخم الذات التي وصلوا إليها وانكماش ذوات الجماهير التي تحتهم .والتأله يؤدي إلى التجبر والاستعلاء والطغيان والاستبداد بلا حدود، والمتأله لا يكسره شيء إلا الموت يخطفه وهو في قمة انتفاخه وزهوه. * الجمود: وهوسمة للنظام الذي يفتقد الأمان فيلجأ إلى تثبيت الأوضاع وتجميدها لأن الحركة عنده تعني تهديد الاستقرار، وشعار هذا النظام: "استقرار الإستمرار واستمرار الإستقرار". * الإحتراق (الإفلاس): ويحدث حين تطول مدة الحكم حيث تسري حالة من الملل والفتور حياة السلطة وصاحبها نتيجة للروتين والتكرار الطويل الممل، وقد يحاول صاحب السلطة إيهام الآخرين بأن ثمة تجديد يطرحه من وقت لآخر من خلال بعض الإجراءات الهامشية السطحية، أو بعض الإعلانات التي توحي أو تعد من وقت لآخر ببداية مرحلة جديدة أو تبني فكرا جديدا، ولكن يكتشف الجميع بعد وقت قصير أن الأمور كما هي وأنه لم يعد هناك غير الفتور والملل اللانهائيين. * الشيخوخة: قد تشيخ السلطة فتصبح غير قادرة على استيعاب منظومات الحياة الحديثة أو تصبح غير قادرة على مواكبة الأحداث كما ينبغي، لذلك تتمسك بالأنماط القديمة والشعارات القديمة، وتصبح حركتها بطيئة وبليدة واستجاباتها باهتة شاحبة، ولا تستطيع مواكبة حركة الزمن أو التفاعل مع احتياجات الجماهير المتجددة، وتسعى إلى تكبيل حركة المجتمع وضبط إيقاعه بما يتناسب مع الإيقاع البطئ لصاحب السلطة. * عبادة الأبناء: حين يكتشف صاحب السلطة أن أبديته مستحيلة يلجأ مباشرة إلى السعي نحو الأبدية عن طريق توريث الأبناء الذين هم امتداد طبيعي لذاته التي عاش يعبدها ويسخر كل شيء من أجلها، لذلك يتشبث بتوريث أحد الأبناء والذين يصبحون بالنسبة له حبل نجاة من الفناء والانتهاء، ولذلك يعبدهم كامتداد لعبادته لذاته ويضحي في سبيلهم بمصالح الوطن والرعية.
الوقاية والعلاج: مثل أي مرض معروف تحتاج أمراض السلطة لإجراءات وقائية وعلاجية تحول دون حدوثها وتخفف من آثارها على صاحب السلطة وعلى الرعية، ونذكر من هذه الإجراءات ما يلي: 1- شرعية السلطة: بمعنى أن تكون منتخبة انتخابا حقيقيا بواسطة جموع الناس، فهذا يعطيها ولاء واحتراما لمصالحهم، واعترافا بإرادتهم. 2- مدة السلطة : كلما طالت مدة السلطة كلما استفحلت أمراضها حتى تصل إلى مرحلة اللاعودة عند نقطة معينة، ولذلك حرصت الدول الديمقراطية المتقدمة –كما قلنا- على تحديد فترتين للرئاسة ولا يجوز التمديد أو الاستمرار أكثر من ذلك مهما كانت عبقرية الرئيس وإنجازاته. 3- مساحة السلطة: فكلما ازدادت مساحة سلطة الفرد أو كانت تلك السلطة مطلقة كلما كانت احتمالات أمراض السلطة عالية لأن السلطات الواسعة أو السلطة المطلقة تغري صاحبها بالاستبداد والطغيان مهما كانت بداياته طيبة ومتواضعة 4- ما بعد السلطة: بمعنى أن يكون هناك تصورا واضحا لحياة كريمة بعد السلطة ينعم فيها صاحب السلطة بحياة هادئة وجميلة، بحيث يخرج من السلطة شاكرا مشكورا راضيا مرضيا لكي ينعم بحياة شخصية وعائلية هادئة بعد أن أدى لوطنه حقه بشرف وإخلاص. أما إذا كان هذا المفهوم غامضا فإن صاحب السلطة يتشبث بها خوفا من الضياع أو المحاسبة أو الانتقام أو التشفي أو الانتقام ، ولا يترك السلطة حينئذ إلا بالموت. 5- المحاسبة: بحيث يتم محاسبة صاحب السلطة أولا بأول عن أفعاله وتصرفاته حتى لا تتضخم أخطاؤه ويصل إلى نقطة اللاعودة فيضطر لأن يأخذ الوطن رهينة يحمي بها حياته وحياة أسرته.
مراجع الدراسة: * برتراند راسل. السلطة والفرد. ترجمة لطفيه عاشور، مكتبة الأسرة 2001 ، الهيئة المصرية العامة للكتاب. * جوستاف لوبون. سيكولوجية الجماهير. ترجمة هشام صالح 1991 ، دار الساقي، بيروت * جون كينيث. تشريح السلطة. ترجمة عباس حكيم، الطبعة الثانية 1994، دمشق * سالم القمودي. سيكولوجية السلطة . الطبعة الأولى 1999، مكتبة مدبولي، القاهره * نيقولو مكيافيلي. الأمير. تعريب وتقديم خليل حنا تادرس 2006 الطبعة الأولى، مكتبة النافذة، القاهره.
للمشاركة والتواصل: maganin@maganin.com
اقرأ أيضاً: شخصية الرئيس(بين الزعامة والوظيفة)4 / زنا المحارم / سيكولوجية الشيعة وإمكانات التعايش2 / الشائعات في عصر المعلومات / عمارة يعقوبيان.. بصقة على الذات / طريق يشوع: من غزة إلى بيروت / التراكمات في الحياة الزوجية(2) / سيكولوجية الغش في الامتحانات / لماذا غابت البهجة عن حياتنا؟ / قانون منع التمييز العنصري / قراءة للحوار غير اللفظي في لقاء جمال مبارك / كيف تعاملين زوجك / أسباب فشل الحياة الزوجية / الجانب الأخلاقى فى شخصية المسلم المعاصر / الزوج المسافر(4) / الشخبطة السياسية / فن اختيار شريك الحياة (5) / ضرب الزوجات للأزواج(العنف العكسي)
الكاتب: د. محمد المهدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 25/11/2006
|
|
|
|
|
|
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com
|
حقوق الطبع محفوظة لموقع مجانين.كوم ©
|
|