|
|
|
عالم عربي جديد يتشكل ::
الكاتب: د.أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 16/01/2007
في
أخر ظهور لي على قناة الجزيرة منذ عدة أيام دار الحديث عن الحرية، وكنت دائماً
منشغلا بهذه القيمة والمهمة الكبيرة، والتي لا أرى مستقبلاً لنا في مصر، ولا العالم
العربي والإسلامي كله إلا مع وجود الحد الأدنى الذي نفتقده منها!!
سؤال الحرية عندنا ما زال يدور حول المبدأ، وكلما فتحنا نقاشاًً حولها،
أو حاولنا ممارستها، أو أساء بها البعض بادر حراس التخلف والتسلط إلى حديثهم المكرر
الممل عن الضوابط والمحددات، وعن حماية الثوابت، وخطورة سوء الاستخدام للحرية،
ويبدو مضحكاً أن يتحدث أحد عن الآثار الجانبية للدواء قبل أو دون أن يتحدث عن
فوائده أو آثاره العلاجية، هل يعنى كلامي هنا أن المجتمع العربي مريض؟
والإجابة نعم، مجتمعاتنا ـمثل أي مجتمعاتـ
لديها عيوبها وأمراضها، ومن أهم أمراض المجتمع العربي غياب الحرية، وهو ما تناوله
بالتفصيل تقرير التنمية الإنسانية الذي لخص القائمون عليه أمهات المشاكل العربية في
عيوب أو مساحات ثلاث: غياب المعرفة، وانعدام أو اضطراب الحرية، واختلال وضع المرأة
في العالم العربي!!
والذين لا يعجبهم التقرير لأنه غربي الهوى، أو متشائم ويجلد الذات، فإن نظرة في
كتاب أكثر شيوعاً ستعطي نفس الدلالة عن أوضاع الحرية في عالمنا، هل يفاجئك إذا قلت
لك أنني بهذا الكتاب الشائع أعني: "القرآن
الكريم"؟!
هذا الكتاب المهم والمقدس عند المسلمين يقرر الحرية في أكثر من موضع، وبداية من
تفاصيل الممارسات، وانتهاءً بالحق الأكبر، والحرية الأهم في أن يؤمن الإنسان أصلا
أو يكفر،..... قرر القرآن حرية الإنسان في أن
يكون كما يريد، ويختار كما يشتهى، ولكن يبدو أن كثيراً من المسلمين المعاصرين عندهم
رأي آخر، أو ممارسة مناقضة لهذا الأصل المقدس!!
مساحات جديدة
مساحة أخرى في الخريطة العربية جديرة بتسليط الضوء، وهي هذه الاختراقات
الجديدة الجارية في خرائط الحرية الغائبة. مفتاح أغلب
هذه الاختراقات هو التكنولوجيا الجديدة في الاتصالات، هذه التكنولوجيا فاجأت العرب
الذين ما زالوا يناقشون الحرية من حيث المبدأ، والمفاجأة التي وصلت إلى مستوى
الصدمة تعني أن الناس التي ما زالت تسمع أسئلة وإجابات قديمة عن ضوابط الحرية،
وثوابت الثقافة والمجتمع، تمارس في الوقت ذاته أقصى درجات الحرية بلا أية قيود ولا
ضوابط ولا معالم ولا ثوابت، وحتى دون نقاش للاستخدام الجيد أو السيئ للحرية، وهذه
الممارسات جميعاً إنما تجري في مساحة الاتصالات التي فتحتها التقنيات الجديدة.
المدونات
كثيراً ما كنا نسأل ونتساءل ونقلق حول من يساهم في تشكيل الرأي العام، وميول الناس
وأذواقهم، وبخاصة الشباب، والآن صار واضحاً أنهم بأنفسهم صاروا يتبادلون الرأي
والأفكار والخبرات منفتحين على مصادر لا نهائية من المعلومات، وشبكة هائلة من البشر
حول العالم كله!!
ويساعدهم امتلاك التقنية، ومهارات الأدوات والأجهزة والبرامج في أن يكونوا إسراع
نفاذاً، وأوسع انتشارا وتأثيرا من الأجيال الأكبر، والتي تبدو أقل امتلاكا للأدوات،
وأقل تواصلا مع منطق التقنيات الجديدة, وإمكانيات البرامج المستحدثة كل يوم!!
وفي العالم العربي يبدو البحث عن مساحات جديدة مرتبطا بالتضييق على
المساحات الطبيعية للحوار والتعبير، بل والتمرد!!
والمدونات كظاهرة صاعدة في مصر والعالم العربي تبدو نموذجا مثاليا على
هذا، أكثر من ثلاثة ألاف مدوِّنَةٍ ومُدوِّن في مصر أغلبهم يتناول الأحاديث
والقضايا الممنوعة في الفضاءات الاجتماعية والثقافية التقليدية فيما يتعلق بالدوائر
الثلاث الشهيرة: الدين، والجنس، والسياسة.
والإنترنت "فائق السرعة"
الذي أصبح متاحاً للجميع في كل شبر في مصر، وفي القرية كما المدينة، للصغار
والكبار، صار مثل شبكة الطرق السريعة المتشبعة التي تنقل الأخبار والتعليقات،
والنكات، وحتى القصص والحكايات بلغة لم تكن متداولة على نطاق عام، من ناحية الصدق،
وأحياناً من ناحية الكلمات المكشوفة أي التي يعتبرها الكثيرون خادشة للحياء!!
الظاهرة تتنامى بسرعة رهيبة، وتؤتي ثماراً لم تكن متوقعة ليس آخرها فتح ملف التعذيب
في أقسام الشرطة، والذي انتهى الأمر في بعض وقائعه بملاحقة الضباط القائمين عليه،
ومحاكمتهم وسجنهم لأول مرة رُبما في التاريخ المعاصر!!
وتدريجياً يجد المدونون أنفسهم جهة تحقيق ونشر وكشف وملاحقة، وأصبح الجمهور يجد
فيهم أملاً جديداً بعد أن فهم فاعلية الأداة والمساحة الجديدة المسماة بالمدونات.
المساحات تتشابك
منذ أن أصبح البعض في العالم العربي يدرك القواعد الجديدة للعبة، والتقنيات الجديدة
للاستخدام، صرنا نرى تدريجياً عملية هامة تتمثل في إعادة اكتشاف التقنيات التي ظل
الشباب العربي يلهو بها أو يستخدمها فقط في التسلية، فالفضائيات تحولت إلى منابر
لإذاعة تقارير سريعة، أو صور خاطفة قام بتصورها أفراد عاديون، وفهم الجمهور
تدريجياً أنه يمكن أن يكون مشاركاً في صناعة الحدث عبر كاميرا المحمول، أو تسجيل
صوتي يلتقطه، أو حتى مشهد درامي يؤلفه بعض المراهقين تهكماً أو هجوماً على ممارسة
سياسية أو اجتماعية.
الصحافة الورقية التقليدية وجدت نفسها في مأزق، وتحرك بعضها لينقل نصاً عن
المدونات، وتلتقط الخيوط بعض الفضائيات، والمشاهدة تناسب وتنتقل من محمول إلى
محمول، أو من محمول إلى الانترنت، ومنه إلى الفضائيات، أو إلى الصحافة التقليدية،
ومنها وإليها هناك الناس وتتداخل المساحات وتتشابك، وتزداد مساحة إبداع المواطن
الذي كان بالأمس متفرجاً فصار محرراً أو باحثاً أو مخبراً صحفياً له رأي، ولديه
كاميرا خاصة، وشاشة عرض يحملها حيثما ذهب، فيلتقط ويبث ما يريد دون قيود ولا رقابة!!
..... هل نقول شكراً للتكنولوجيا.
تحديات أساسية
لكن الظاهرة لا تقتصر فقط على السياسة والثقافة اليومية، بل تطرقت إلى مساحات
اللعب، وعادات التسلية، فهناك صفحة أسبوعية في أوسع الجرائد الأسبوعية المستقلة
انتشاراً في القاهرة، صفحة للمحمول واشتباكه مع حياة الناس، وصفحة أخرى عن الألعاب
الإليكترونية، أنواعها وأفكارها، وكل جديد فيها.
وفي أزقة الضاحية الجنوبية في بيروت حيث تقطنُ أغلبيةٌ تدين بالولاء لحزب الله،
يجلس شبان صغار السن وراء شاشات الحاسب لإدخال التعديلات التي يرونها مبدعة وضرورية
لتجعل بعض هذه الألعاب الاليكترونية مناسبة -من
وجهة نظرهم- لثقافتنا وتقاليدنا!!
هنا نحن بصدد تسليم بأن الألعاب الالكترونية هي أيضاً مساحة هامة، ووسيط
شائع، ومصدر ثقافة عبر التسلية والترويح، وإنه من الأفضل التعامل مع هذه الحقيقة،
وإعادة تكييفها وتشكيلها بدلاً من رفضها، أو الظن بإمكانية مقاطعتها أو الدعوة لذلك!!
لكن كما تتنامى الآمال تظن وتزداد التحديات:
هل ستخلق هذه المساحات الجديدة، واللاعبون الجدد واقعاً ينافس القديم أو يزيحه؟!
هل التقنيات الجديدة ومستخدموها قادرون على بناء روافع حركية، أو تيارات واقعة تنقل
جهودهم من مساحات الكشف والتوثيق والإعلان إلى مساحات التشغيل والتشبيك، والمشاركة
الأوسع، ومن ثم التغيير في مفردات الواقع!!
هل هناك فرصة لتواصل عابر للأقطار، والأقاليم الجغرافية يتم من خلاله تبادل أعمق
للخبرات، وتوسيع أشمل لمجالات الإبداع في المزج والتفاعل بين العالم الافتراضي،
وتضاريس الواقع الذي ما زال يناقش الحرية من حيث المبدأ، بينما تمارس قطاعات
مليونية منه حرية غير مسبوقة، ولا حدود لها؟!
إلى أي مدى يمكن لقوى التسلط، وحراس الضوابط، ومرضى الخوف من الحرية، والمترددين
بشأنها أن يعوقوا هذه التطورات؟!
وإلى أي مدى ستبتلع الأنظمة العربية -وهي
مشهورة بقدرات عالية على التكيُّف- هذه
التغيرات بحيث تصبح مجرد أجزاء محدودة الفاعلية في خريطة تعيد إنتاج ذاتها دون
تغيير حقيقي؟!
وإلى أي مدى سيتمكن اللاعبون الجدد من الإبداع أكثر، ومن الإنجاز أسرع
في سباق يبدو أنه سيتنامى؟!
وإلى أين تأخذنا هذه التكنولوجيا الجديدة، والدنيا الجديدة؟!
اقرأ
أيضا:
إدمان الجنس /
كاريزما الإمام الشهيد: مقدمات قراءة نفسية /
الشذوذ الجنسي انحراف أم تنوع /
ثقافة الفضيحة /
دافوس ببساطة /
مصر مريضة: محتاجة كونسلتو
/
عمرو خالد: على خطى الحبيب /
في الحياة الزوجية.. هكذا يخطئ الرجال /
نحو حركة اجتماعية جديدة /
أحمد زكي.. كادر مختلف /
لماذا يخون الرجال؟! /
هل الخيانة الزوجية مرض نفسي أو اجتماعي ؟!! /
قراءة في كتاب: سيكولوجية الشائعات /
خائنات
الديجيتال /
مصر ولادة
وأولادنا متفرجون ومتفجرون /
الجنس
في حياة الفتاة العربية! /
رمضان:
ملاذ الأرواح /
كيف تدفع
عصابة بوش الثمن فادحًا؟! /
الذوق
العام
الاستعمار،
والقابلية له : هل يعيد التاريخ نفسه ؟!!
/
صور أبو غريب..
رؤية نفسية /
البركة أم
اللعنة ؟! الدين ومجتمع المعرفة /
سيكولوجية الفتاه العربية /
في
الجنس وغيره أخطر مما يسمي /
هكذا
صنع الله.... مثقف خارج الحظيرة /
إبحار الأجيال وتعاقب الأمواج البناءة /
الجهاد المدني.. الطريق إلى فعل مختلف
الكاتب: د.أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 16/01/2007
|
|
|
|
|
|
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com
|
حقوق الطبع محفوظة لموقع مجانين.كوم ©
|
|