إغلاق
 

Bookmark and Share

إدمان الفتوحات العاطفية (4) ::

الكاتب: أ.د محمد المهدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 06/05/2007

إدمان الفتوحات العاطفية (3)

             

تعدد الزوجات بين الضرورة والضرر

لما كان الميل للتعدد ميلا فطريا خاصة لدى الذكور كم أسلفنا سواء رضي البعض أو لم يرض (وعلى المتضررة أو الخائفة أن تجعل العصمة في يديها) ولما كان عدد الذكور أقل من عدد الإناث في كثير من المجتمعات (البعض يشكك في هذا الأمر, والشاطر يروح يعد الرجالة والستات), ولما كان الذكور أكثر عرضة للوفاة بسبب الحروب والحوادث وغيرها, لذلك جاء تعدد الزوجات (وهو مشروع في الإسلام واليهودية ومحرم في المسيحية) كحل يستوعب هذه الظروف بشكل واضح ومسئول ومنظم لكي يحمي الأفراد والمجتمع من تسرب الميول العاطفية أو الجنسية في مسارات سرية أو منحرفة أو منفلتة, وعلى الرغم من بعض الضرر الذي يقع على الزوجة الأولى كالغيرة والغضب (وهذه مشاعر إنسانية مؤلمة لا جدال فيها) إلا أنه في مجمله حل واقعي لتلك الحالات التي تحتاج التعدد لظروف نفسية أو اجتماعية.

وكأي تشريع فقد وضعت ضوابط لهذا التعدد حتى تحمي طرفي العلاقة من الضرر الذي يقع (قدر الإمكان
) فاشترطت العدل بين الزوجات, واشترطت مراعاة المشاعر والحقوق وتوافر عناصر السكن والمودة والرحمة (وهى شروط أساسية للزواج المفرد والمتعدد على حد سواء). وهو مخرج صحي خاصة حين تكون الزوجة عقيما أو مريضة أو لا تستطيع القيام بواجبات الزوجية ويريد زوجها الاحتفاظ بها وفاءا وإخلاصا ورعاية, ويريد الحصول على حقوقه الإنسانية المشروعة بطريقة سوية مسئولة.

 

والجمعيات النسائية أو مجموعات الضغط التي تحارب التعدد تعرف (أو ربما لا تعرف) أن البديل لذلك هو العلاقات المتعددة غير المشروعة مع ما يصاحبها من تشوهات نفسية واجتماعية تضر بالطرفين وتكسر جدران الثقة بين كل الأطراف وتخلق حالة من التلوث الأخلاقي (والتلوث الجيني وما يصاحبه من جرجرة في المحاكم وبهدلة على الفضائيات ومطالبه بفحص الحمض النووي لإثبات النسب أو نفيه), وهم حين يفعلون ذلك إنما ينظرون إلى الأمر من جانب واحد وهو جانب الضرر الذي يقع على الزوجة الأولى من جراء الزواج الثاني (وهو ضرر حقيقي فعلا وقد لا تحتمله بعض الزوجات حتى ممن يقبلن بمشروعيته, وقد رفض الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتزوج سيدنا علىّ رضي الله عنه على السيدة فاطمة بنت النبي وذلك لمعرفته بعدم قدرتها على تحمل هذا الأمر, فليس كل النساء سواء في هذا الأمر) ولا يضعون بقية العوامل والآثار في حسبانهم أو ربما هم مدفوعون بنماذج سيئة في التعدد لرجال يمارسونه بشكل حيواني ويسيئون استخدام تشريع سماوي لتحقيق مصالحهم الشخصية وللتعبير عن نزواتهم الطائشة.

 

وفى بعض الحالات كانت الزوجة الثانية أشبه بالمحفز الكيميائي في المعادلات الكيميائية حيث كانت تؤدى إلى إيقاظ مشاعر وأحاسيس الزوجة الأولى وكسر حالة الفتور والملل التي اعترت الحياة الزوجية, ولا يتوقف الأمر عند الناحية العاطفية أو الجنسية وإنما يمتد للناحية البيولوجية فنجد أن الزوجة الأولى وقد كانت عقيما ربما تنجب بعد زواج زوجها, وكأن هذا الزواج قد غير من تركيبتها البيولوجية والنفسية وأعاد تنظيم هورموناتها وفتح انسدادات أنابيبها ونشط عمليات التبويض لديها فنجدها تحمل وتلد, والمثال التاريخي على ذلك قصة سارة زوج سيدنا إبراهيم التي كانت عقيما فزوجته هاجر لكي ينجب منها وحين أنجبت هاجر  سيدنا إسماعيل أنجبت سارة سيدنا إسحاق, والأمثلة الموازية في الحياة اليومية كثيرة.

 

والتعدد هو أحد الحلول العملية لمواجهة مشكلة العنوسة التي تزداد توحشا وضراوة في المجتمعات الحديثة وأيضا لحل مشكلة كثير من المطلقات والأرامل. إذن فمسألة تعدد الزوجات هي حل عملي وواقعي لكثير من المشاكل النفسية والاجتماعية بشروط وضوابط محددة بعيد عن المداهنات السياسية والاجتماعية وبعيدا عن النظرة الفئوية المختزلة والتي لا ترى من الأمر إلا بعض جوانبه.

 

وبعض الزوجات مع هذا لا يفضلن التعدد المشروع لأزواجهن, ويقبلن العلاقات غير المشروعة لهم (على اعتبار أنها أخف الضررين في نظرهن) وتفسير هذا أن الزوجة في حالة العلاقات غير المشروعة لزوجها تشعر أنها الأفضل فهو خائن وهى مخلصة, وهى الزوجة الشرعية وعشيقته خائنة, وهى تظهر معه في المجتمعات وعشيقته لا تقابله إلا في الظلام, وهى تملك أن تهدد زوجها وتضع السيف على رقبته بإفشاء سر علاقاته, وأحيانا تستغل ذلك لإخضاعه لإرادتها, كل هذا يجعل الزوجة تفضل هذا الموقف على زيجة ثانية لزوجها خاصة إذا كانت العلاقة بينهما تخلو من الحب والتعاطف والتفهم, أو هي علاقة صراع تريد أن تكسبه هي في النهاية (ولسان حال الزوجة في هذه الحالة يردد المثل الشعبي الذي سمعته من أمها وجدتها: "ميت رفيقه ولا لزيقه").

 

وقد ذكرنا تعدد الزوجات هنا لكي نفرقه عن تعددية العلاقات المنفلتة التي تحدثنا عنها فيما سبق لنفرق بين القانون والفوضى في العلاقات البشرية, فليس كل تعدد مذموم أو حالة مرضية أو انحراف اجتماعي.

 

هل هناك حل ؟؟

غالبا لا يأتي صاحب العلاقات المتعددة للعلاج ولا يسأل عن حل حيث يكون غارقا لأذنيه في نشوة المغامرات والغزوات والفتوحات العاطفية أو الجنسية, وإذا أتى فيكون ذلك بعد صدمة شديدة أو اكتوائه بنار الفقر أو موت عزيز عليه, هنا ربما تحدث لديه صحوة ضمير قد تكون مؤقتة أو دائمة, ولكن الأغلب أن يأتي الطرف الآخر في العلاقة الزوجية أو العلاقة العاطفية يشكو انفلات شريكه وتعددية علاقاته بلا سبب واضح .وفيما يلي بعض المقترحات للعلاج إن كان ثمة رغبة حقيقية فيه.

 

1- التسامي (التعلق بمعالي الأمور): كأن يكون للإنسان هدف سام يسعى لتحقيقه, وهذا الهدف له معنى عميق وممتد, ويعود تحقيقه بالخير على عدد كبير من البشر ويتجاوز الاحتياجات الأنانية الشخصية النرجسية إلى احتياجات أوسع وأرقى, كأن يسعى الإنسان لطلب العلم والتفاني فيه, أو يسعى للإصلاح الديني أو الاجتماعي أو السياسي, ويسخر الكثير من وقته وجهده لهذه الأمور.

 

2 – وجود وسائل إشباع متعددة: كأن يكون له هوايات ممتعة ونشاطات مفيدة تستغرق الوقت والجهد وتعطى عائدا لذيذا في ذات الوقت, والاندماج في شبكة علاقات اجتماعية أو نشاط ثقافي أو رياضي محبوب. كل هذه الأشياء تشكل وسائل إشباع حقيقية حتى لا يكون مصدر الإشباع الوحيد للنفس هو العلاقات أو المغامرات العاطفية أو الجنسية.

 

3- محاولات التغيير الإيجابي في نمط الحياة: بحيث لا تصبح الحياة راكدة ومملة فتندفع النفس بحثا عن مغامرات طائشة لكسر حاجز الملل, فالإنسان يمتلك القدرة (أو يجب أن يمتلكها) على تغيير نمط حياته بشكل إيجابي من وقت لآخر من خلال السفر والتجارب الحياتية البناءة والدخول في مجالات جديدة للمعرفة والحركة الإصلاحية في المجتمع وتنويع الاهتمامات والنشاطات.

 

4 – تقوية العلاقة بالله : بحيث يكون الله هو المحبوب الأول والأهم, لأن في النفس البشرية خط رئيسي للحب مخصص لحب الله سبحانه وتعالى, وهذا الخط غاية في القوة والعمق, فإذا وضع الإنسان عليه محبوب آخر فإنه يتورط في علاقات غاية في الشدة يفقد فيها صوابه ويفقد سيطرته على أمور حياته لأن تعلقه بالمحبوب البديل يكون طاغيا ينسيه كل شيء (لأنه استقبله على الخط الرئيسي للحب), وبما أن العلائق الأخرى من البشر أو الأشياء ليست ثابتة أو مستقرة أو دائمة لذلك نجد من يتعلق بها على مستوى خط الحب الرئيسي يعيش حياة مليئة بالقلق والاضطراب, ولا يكون لديه مخرج إلا بالعودة بهذا الخط الرئيسي لحب الله سبحانه وتعالى (الذي لا يحول ولا يزول) والانشغال به عمن سواه بمختلف أنواع العبادات والتأملات والسبحات الروحية التي تملأ النفس راحة ورضا وسكينة وطمأنينة.

 

5 – إعلاء قيم الوفاء والإخلاص لشريك الحياة: تلك القيم التي ضعف الاهتمام بها وقل احترامها وتقديرها بحيث أصبحت وكأنها من التراث القديم (موضة قديمه يعنى).

 

6 – الخوف من القصاص: فالخيانة على أي مستوى دين يستوجب القصاص في أي وقت وبأشكال مختلفة, فليتذكر من يعدد علاقاته بالخيانة أنه يوقع على فواتير وشيكات تستلزم السداد من أهل بيته وخاصته في أي وقت, فهو ليس أفضل من بقية البشر. وفى التراث الديني والشعبي الأصيل الكثير من النصوص والقصص الدالة على هذا المعنى (دقة بدقة ولو زدت لزاد السقّا).

 

7 – الحرص على ترسيم الحدود في العلاقات الإنسانية: تلك الحدود التي تفصل بين الجنسين في العلاقات, وتفرق بين الزمالة والقرابة والصداقة والحب والزواج, لأن غموض تلك الحدود واختلاطها وتداخلها يؤدى إلى خلط كبير في العلاقات ربما تميل إليه النفس الضعيفة وتتمسك به وتجعله مبررا لتعدد العلاقات تحت أسماء وادعاءات بريئة أو براقة تكتوي هي بنارها حين تدور الدوائر وتصبح هي ضحية لها (لما زوجك يخونك مع صاحبتك وصاحبته أبقى خلّى أفكارك التحررية تنفعك).

 

8 – إرادة الخلاص: ولمن ابتلى بالرغبة العارمة في العلاقات المتعددة نتيجة للأسباب التي ذكرناها قبلا, وقد حصلت له البصير بآثارها ويريد الخلاص من هذا الإدمان العاطفي أو الجنسي المدمر لاستقراره واستقرار شريكه واستقرار أسرته, فعليه بالتحلي بما نسميه "إرادة الخلاص", وذلك بأن يعترف أن لديه مشكلة ويظل يبذل جهدا خالصا ويقاوم رغباته بكل الوسائل الممكنة حتى يتخلص من أسرها, ولا ييأس أبدا مهما عاوده الضعف من فترة لأخرى, فهكذا النفس البشرية قد تقرر شيئا عظيما ولكنها تفتر وتسقط في بعض اللحظات ولا مناص من الإصرار على الخروج من أسر شهواتها الكثيرة والمتعددة والمهلكة.
 

وإرادة الخلاص تقوى كثيرا حين يكون هناك معنى للتضحية بالملذات ويكون هناك عائدا أخلاقيا  أو روحيا يفخر به الإنسان ويستشعر لذته التي ربما يأتي وقت من الأوقات وتفوق لذة الانغماس في الشهوات العاطفية أو الجسدية.

 

9 – الصحبة الطيبة: والتي تفتح آفاقا واسعة ومتعددة نحو معالي الأمور ومعاني الأشياء في سموها وارتقائها, وتعطى الدعم والسند للسعي نحو الأهداف العليا والغايات العظيمة بعيدا عن سفا سف الأمور ومحقراتها. وهذه الصحبة تمثل رقابة خارجية تضاف إلى الرقابة الداخلية الوليدة والتي ربما تكون ضعيفة في المراحل الأولى من الرغبة في التغيير والتحول.

 

10 – الاهتمام بالمستويات الأعلى من الاحتياجات والدوافع الإنسانية: فقد حدد عالم النفس الشهير ماسلو الاحتياجات الإنسانية في صورة هرم ذو مدرجات متصاعدة ووضع في قادته الاحتياجات البيولوجية (الطعام والشراب والجنس) يعلوها الاحتياج للأمن يعلوه الاحتياج للحب يعلوه الاحتياج للتقدير الاجتماعي, يعلوه الاحتياج لتحقيق الذات يعلوه الاحتياج للتواصل الروحي. وحين ينغمس الإنسان في قاعدة الهرم ويغرق في تفاصيل احتياجاته البيولوجية فإنه ينشغل عن احتياجاته الأرقى والأعلى وبالتالي يهبط معنى ومستوى وجوده الإنساني مهما ارتشف من تلك الاحتياجات الأدنى.


واقرأ أيضًا:
المس واللبس والسحر في العيادة النفسية / التفكير العلمي في مقابل التفكير الخرافي والأسطوري / هل الجن موجود؟ هل السحر؟ / السحر وكيفية كشفه؟ / السحر والشياطين وقول الأطباء النفسيين  / السحر والحسد والشياطين، وأمة المساكين / السحر والابتلاء والإيمان: وقائع عجز أمة / سحر!!!!...... يا رجل! اتق الله...!! / سحر!!!!...... يا رجل! اتق الله...!! مشاركة / خلطة القلق والاكتئاب ومسرح الجن! / الجن الأحمر والزار: التفارق والغيبة والتملك / الممسوس والملبوس: نحن والجن والأمراض / حقيقة الجن والرقى الشرعية / الجن المخفي التفارق وادعاء العلم بالغيب  / الجن المخفي وادعاء العلم بالغيب: مشاركة  / خطيبتي والجن !! : التفكير الخرافي / المصريون والعفاريت(1)  / المصريون والعفاريت(2) / المصريون والعفاريت(3) / العفاريت بريئة من دماء بني مزار  / نحو مجتمع يدعم المعرفة في زمن الضغوط / المصريون والجن(2)



الكاتب: أ.د محمد المهدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 06/05/2007