|
|
|
كتاب عقلاء المجانين4 ::
الكاتب: أبو القاسم بن حبيب النيسابوري
نشرت على الموقع بتاريخ: 03/11/2007
عقلاء المجانين3
أويس القرني
ومن عقلاء المجانين قدس الله سره، وهو أول من نسب إلى الجنون في الإسلام والمعروف من حديثه ما وجدته في كتاب جدي سعيد بن المسيب رحمه الله ورضي عنه قال: نادى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو على المنبر بمنى: يا أهل قرن، فقام مشايخ فقالوا ها نحن يا أمير المؤمنين فقال رضي الله عنه أفي قرن من اسمه اويس؟ فقال شيخ: يا أمير المؤمنين ليس فينا من اسمه أويس إلا مجنون يسكن القفار والرمال لا يألف ولا يؤلف قال رضي الله عنه ذاك الذي أعنيه إذا عدتم إلى قرن فاطلبوه وبلغوه سلامي وقولوا له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرني بك وأمرني أن أقرأ عليك سلامه. قال فعادوا إلى قرن فطلبوه فوجدوه في الرمال فابلغوه سلام عمر رضي عنه وسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عرفني أمير المؤمنين وشهر باسمي، السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وهام على وجهه فلم يوقف له بعد ذلك على أثر دهراً، ثم عاد على أيام علي رضي الله عنه مقاتلاً بين يديه، وقتل مستشهداً في صفين أمامه، فنظروا فإذا عليه نيف وأربعون جراحة وطعنة وضربة ورمية.
قتادة عن الحسن البصري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدخل بشفاعة رجل من أمتي الجنة أكثر من ربيعة ومضر، أما أسمي لكم ذلك الرجل؟ قالوا بلى يا رسول الله قال صلى الله عليه وسلم: ذلك أويس القرني، ثم قال يا عمر إن أدركته فاقرئه مني السلام وقل له حتى يدعو لك واعلم إنه كان به وضح فدعا الله تعالى فرفع عنه ثم دعا الله فرد عليه بعضه. فلما كان في خلافة عمر رضي الله عنه وهو بالموسم قال ليجلس كل رجل منكم إلا من كان من قرن فجلسوا إلا رجلاً فدعاه وقال له تعرف فيكم رجلاً اسمه أويس فقال وما تريد منه فإنه رجل لا يعرف يأوي الخرابات ولا يخالط الناس، فقال أقرئه مني السلام وقل له حتى يلقاني فأبلغه الرجل رسالة عمر رضي الله عنه فقدم عليه فقال له عمر: أنت أويس؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: صدق الله ورسوله، هل كان بك وضح فدعوت الله فرفعه عنك ثم دعوته تعالى فرد عليك بعضه؟ فقال: نعم، من خبرك به فو الله ما اطلع عليه غير الله؟ فقال اخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأمرني أن أسألك حتى تدعو لي، وقال يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر ثم سماك، قال فدعا لعمر ثم قال: حاجتي إليك يا أمير المؤمنين أن تكتمها علي وتأذن لي بالانصراف ففعل، فلم يزل مستخفياً من الناس حتى استشهد يوم نهاوند رحمه الله.
[والمكتوب عن سيدنا أويس القرني في كتب شذرات الذهب وصفوة الصفوة وحلية الأولياء كثير، وبهم بعض الاختلاف ولكن من اختلاف الروايات المذكورة يمكننا أن نُكوِّن فكرة عن هذا الرجل الصالح المستجاب الدعاء، وهو بلا خلاف من خيرة التابعين -رضي الله عنهم أجمعين- فإليكم بعضا من تلك الروايات:
صفة الصفوة - (ج 1 / ص 309) قال علقمة بن مرثد: أويس بن أنيس: وقيل أويس بن الحليس.
عن أسير بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتت عليه أمداد أهل اليمن سألهم: هل فيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم.
قال: من مراد ثم قرن؟ قال: نعم. قال: كان فيك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال نعم قال: لك والدة؟ قال نعم. قال: سمعت رسول الله (يقول: "يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان فيه برص فبرأ منه إلا موضع درهم، وله والدة هو بها بار لو أقسم على الله عز وجل لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل". فاستغفر لي. فاستغفر له.
فقال عمر رضي الله عنه ورحمه الله: أين تريد؟ قال: الكوفة. فقال: ألا أكتب لك إلى عاملها فيستوصي بك قال: لأن أكون في غبر الناس أحب إلي.
قال: فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر فسأله عن أويس: كيف تركته؟ قال: تركته رث الهيئة قليل المتاع. فقال: سمعت رسول الله (يقول: "يأتي عليك أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر لو أقسم على الله عز وجل لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل".
فلما قدم الكوفة أتى أويساً فقال: استغفر لي. فقال: أنت أحدث عهداً بسفر صالح، فاستغفر لي، لقيت عمر؟ قال: نعم. فاستغفر له. ففطن له الناس فانطلق على وجهه. قال أسير: وكسوته برداً فكان إذا رآه إنسان عليه قال: من أين لأويس هذا البرد؟ انفرد بإخراج هذا الحديث مسلم.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يحب من خلقه الأصفياء الأخفياء الأبرياء الشعثة رؤوسهم المغبرة وجوههم، الخمصة بطونهم، الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم، وإن خطبوا المتنعمات لم ينكحوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم، وإن مرضوا لم يعادوا، وإن ماتوا لم يشهدوا".
قالوا: يا رسول الله كيف لنا برجل منهم؟ قال: "ذاك أويس القرني". قالوا: وما أويس القرني؟ قال: "أشهل ذو صهوبة، بعيد ما بين المنكبين معتدل القامة آدم شديد الأدمة ضارب بذقنه إلى صدره، رام ببصره إلى موضع سجوده، واضع يمينه على شماله يتلو القرآن، يبكي على نفسه، ذو طمرين لا يؤبه له متزر بإزار صوف ورداء صوف، مجهول في أهل الأرض، معروف في السماء، لو أقسم على الله لأبر قسمه، ألا وإن تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء، ألا وإنه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد: ادخلوا الجنة، ويقال لأويس قف فاشفع، فيشفعه الله عز وجل في مثل ربيعة ومضر. يا عمر، يا علي إذا أنتما لقيتماه فاطلبا إليه أن يستغفر لكما يغفر الله لكما".
قال: فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يقدران عليه. فلما كان في آخر السنة التي هلك فيها عمر قام على أبي قبيس فنادى بأعلى صوته: يا أهل الحجيج من اليمن أفيكم أويس؟ فقام شيخ كبير طويل اللحية فقال: إنا لا ندري ما أويس؟ ولكن ابن أخ لي يقال له أويس وهو أخمل ذكراً وأقل مالاً وأهون أمراً من أن نرفعه إليك، وإنه ليرعى إبلنا، حقير بين أظهرنا. فعمى عليه عمر كأنه لا يريده وقال: ابن أخيك هذا أبحر منا هو! قال نعم. قال: أين يصاب؟ قال: أراك عرفات. قال: فركب عمر وعلي سراعاً إلى عرفات فإذا هو قائم يصلي إلى شجرة والإبل حوله ترعى.
فشدا خماريهما ثم أقبلا إليه فقالا: السلام عليك ورحمة الله فخفف أويس الصلاة ثم قال: السلام عليكما ورحمة الله. قالا: من الرجل؟ قال: راعي إبل وأجير قوم. قالا: لسنا نسألك عن الرعاية ولا عن الإجارة ما اسمك؟ قال: عبد الله. قالا: قد علمنا أن أهل السموات والأرض كلهم عبيد الله ما اسمك الذي سمتك أمك؟ قال: يا هذان ما تريدان إلي؟ قالا: وصف لنا محمد (أويساً القرني فقد عرفنا الصهوبة (ذو صهوبة : لون أصهب كالأشق، والشهولة: حمرة في سواد العين)، ) وأخبرنا أن تحت منكبك الأيسر لمعة بيضاء فأوضحها لنا، فإن كانت بك فأنت هو. فأوضح منكبه فإذا اللمعة فابتدراه يقبلانه وقالا: نشهد أنك أويس القرني. فاستغفر لنا يغفر الله لك.
قال: ما أخص باستغفاري نفسي ولا أحداً من ولد آدم ولكنه في البر والبحر من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات. يا هذان قد شهر الله لكما حالي وعرفكما أمري فمن أنتما؟ قال علي عليه السلام: أما هذا فعمر أمير المؤمنين، وأما أنا فعلي بن أبي طالب فاستوى أويس قائماً وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، وأنت يا علي بن أبي طالب، فجزاكما الله عن هذه الأمة خيراً. قالا: وأنت فجزاك الله عن نفسك خيراً. فقال له عمر: مكانك يرحمك الله حتى أدخل مكة فآتيك بنفقة من عطائي وفضل كسوة من ثيابي، هذا المكان ميعاد بيني وبينك. قال ميعاد بيني وبينك لا أراك بعد اليوم، فعرفني ما أصنع بالنفقة وما أصنع بالكسوة؟ أما ترى علي إزاراً من صوف ورداء من صوف؟ متى تراني أخرقهما؟ أما ترى أن نعلي مخصوفتان؟ متى تراني أبليهما؟ إني قد أخذت من رعايتي أربعة دراهم متى تراني آكلها؟ يا أمير المؤمنين إن بين يدي ويديك عقبة كؤوداً لا يجاوزها إلا ضامر مخف مهزول فأخفف رحمك الله.
فلما سمع عمر ذلك ضرب بدرته الأرض ثم نادى بأعلى صوته: ألا ليت عمر لم تلده أمه، يا ليتها كانت عاقراً لم تعالج حملها، ألا من يأخذها بما فيها ولها؟ ثم قال: يا أمير المؤمنين خذ أنت ها هنا حتى آخذ أنا ها هنا. فولى عمر ناحية مكة وساق أويس إبله فوافى القوم بإبلهم وخلى عن الرعاية وأقبل على العبادة حتى لحق بالله عز وجل.
عن علقمة بن مرثد قال: انتهى الزهد إلى ثمانية منهم أويس القرني، ظن أهله أنه مجنون فبنوا له بيتاً على باب دارهم، فكانت تأتي عليه السنة والسنون لا يرون له وجهاً، وكان طعامه مما يلتقط من النوى فإذا أمسى باعه لإفطاره فإن أصاب حشفة حبسها لإفطاره.
فلما ولي عمر بن الخطاب قال بالموسم: أيها الناس قوموا. فقاموا. فقال: اجلسوا، إلا من كان من اليمين: فجلسوا فقال: اجلسوا إلا من كان من مراد. فجلسوا. فقال: إلا من كان من قرن. فجلسوا إلا رجلاً، وكان عم أويس القرني. فقال له عمر: أقرني أنت؟ قال: نعم، قال: أتعرف أويساً؟ قال: وما تسأل عن ذلك يا أمير المؤمنين؟ فوالله ما فينا أحمق ولا أجن ولا أحوج منه. فبكى عمر ثم قال: بك لا به، سمعت رسول الله، يقول: "يدخل الجنة بشفاعته مثل ربيعة ومضر".
قال هرم بن حيان: فلما بلغني ذلك قدمت الكوفة فلم يكن لي هم إلا طلبه، حتى سقطت عليه جالساً على شاطئ الفرات نصف النهار، يتوضأ. فعرفته بالنعت الذي نعت لي: فإذا رجل نحيل آدم شديد الأدمة أشعث محلوق الرأس مهيب المنظر، فسلمت عليه فرد علي ونظر إلي، ومددت يدي لأصافحه فأبى أن يصافحني، فقلت: رحمك الله يا أويس وغفر لك، كيف أنت؟ وخنقتني العبرة من حبي إياه ورقتي عليه، لما رأيت من حاله، حتى بكيت وبكى.
قال: وأنت، فحياك الله يا هرم بن حيان، كيف أنت يا أخي؟ من دلك علي؟ قلت: الله. قال: لا إله إلا الله، "سبحان ربنا إن كان وعد ربنا مفعولا" سورة الإسراء، آية 108. فقلت: ومن أين عرفت اسمي واسم أبي وما رأيتك قبل اليوم ولا رأيتني؟ قال: نبأني العليم الخبير، عرفت روحي روحك حين كلمت نفسي نفسك، إن المؤمنين يعرف بعضهم بعضاً ويتحابون بروح الله عز وجل، وإن لم يلتقوا، إن نأت بهم الدار وتفرقت بهم المنازل. صفة الصفوة (ج 1 / ص 311).
قلت: حدثني رحمك الله عن رسول الله، قال: إني لم أدرك رسول الله ، ولم يكن لي معه صحبة بأبي وأمي رسول الله، ولكني قد رأيت رجلاً قد رأوه ولست أحب أن أفتح على نفسي هذا الباب، أن أكون محدثاً أو قاضياً أو مفتياً، في نفسي شغل عن الناس. فقلت: أي أخي اقرأ علي آيات من كتاب الله عز وجل أسمعها منك، وأوصني بوصية أحفظها عنك، فإني أحبك في الله. فأخذ بيدي فقال: أعود بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم قال ربي، وأحق القول قول ربي عز وجل، وأصدق الحديث حديث ربي عز وجل، ثم قرأ: "وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين، ما خلقناهما إلا بالحق" إلى قوله "العزيز الرحيم" سورة الدخان، من الآية رقم 38 إلى الآية 42 فشهق شهقة فنظرت إليه وأنا أحسبه قد غشي عليه. ثم قال: يا هرم بن حيان مات أبوك حيان ويوشك أن تموت أنت فإما إلى الجنة وإما إلى النار، ومات أبوك آدم وماتت أمك حواء يا بن حيان، ومات نوح نبي الله، ومات إبراهيم خليل الله، ومات موسى نجي الله، ومات داود خليفة الرحمن، ومات محمد وعلى جميع الأنبياء، ومات أبو بكر خليفة رسول الله، ومات أخي وصديقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فقلت له: يرحمك الله إن عمر لم يمت. قال: بلى قد نعاه إلي ربي عز وجل، ونعى إلي نفسي، وأنا وأنت في الموتى.
ثم صلى على النبي ودعا بدعوات خفاف ثم قال: هذه وصيتي إياك: كتاب الله وتعي المرسلين ونعي صالح المؤمنين، فعليك بذكر الموت ولا يفارقن قلبك طرفة عين ما بقيت، وأنذر قومك إذا رجعت إليهم وانصح للأمة جميعاً، وإياك أن تفارق الجماعة فتفارق دينك وأنت لا تعلم، فتدخل النار، وادع لي ولنفسك.
ثم قال: اللهم إن هذا زعم أنه يحبني فيك وزارني من أجليك فعرفني وجهه في الجنة وأدخله على دارك، دار السلام، وأحفظه ما دام حياً، وأرضه من الدنيا باليسير، واجعله لما أعطيته من نعمك من الشاكرين واجزه عني خيراً.
ثم قال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، لا أراك بعد اليوم إن شاء الله تعالى رحمك الله فإني أكره الشهرة، والوحدة أحب إلي لأني كثير الغم ما دمت مع هؤلاء الناس، فلا تسأل عني ولا تطلبني، واعلم أنك مني على بال وإن لم أرك وتراني، واذكرني وادع لي فإني سأدعو لك وأذكرك إن شاء الله، فانطلق أنت ها هنا حتى آخذ أنا ههنا.
فحرصت على أن أمشي معه ساعة فأبى علي ففارقته أبكي ويبكي، فجعلت أنظر إليه حتى دخل بعض السكك، ثم سألت بعد ذلك وطلبته فلم أجد أحداً يخبرني عنه بشيء، وما أتت علي جمعة إلا وأراه في منامي مرة أو مرتين. عن أسير بن جابر أن أويساً القرني كان إذا حدث يقع حديثه في قلوبنا موقعاً ما يقع حديث غيره.
عن أسير بن جابر قال: كان محدث بالكوفة يحدثنا، فإذا فرغ من حديثه يقول: تفرقوا. ويبقى رهط فيهم رجل يتكلم بكلام لا أسمع أحد يتكلم بكلام فأحببته. ففقدته، فقلت لأصحابي: هل تعرفون رجلاً كان يجالسنا؟ فقال رجل من القوم: نعم أنا أعرفه وذاك أويس القرني. قلت: وتعرف منزله؟ قال: نعم.
قال: انطلقت معه حتى جئت حجرته خرج إلي فقلتيا أخي ما حبسك عنا؟ قال: العري. وكان أصحابه يسخرون به ويؤذونه. قال: قلت: خذ هذا البرد فالبسه. قال لا تفعل فإنهم يؤذونني إذا رأوه. قال: فلم أزل به حتى لبسه. فخرج عليهم فقالوا: من ترون خدع عن برد هذا. فجاء فوضعه؟ فقال: أترى؟ قال: فأتيت المجلس فقلت: ما تريدون من هذا الرجل؟ قد آذيتموه، الرجل يعرى مرة ويكتسي مرة. فأخذتهم بلساني أخذاً شديداً.
قال: فقضي أن أهل الكوفة وفدوا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فوفد رجل ممن كان يسخر به، فقال عمر: قدم علينا أويس فقلت: أنت أخي لا تفارقني. فانملس مني فأنبئت أنه قدم عليكم الكوفة.
فأقبل ذلك الرجل حتى دخل عليه فقال: سمعت عمر يقول فيك كذا وكذا فاستغفر لي يا أويس. قال لا أفعل حتى تجعل لي عليك ألا تسخر بي فيما بعد، وألا تذكر الذي سمعته عن عمر لأحد. قال أسير: فما لبثنا أن فشا أمره بالكوفة فانملس منهم فذهب.
عمرو بن مرة قال: لما لقي عمر أويساً وظهر عليه هرب فما رئي حتى مات. عن الشعبي قال: مر رجل من مراد على أويس القرني فقال: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت أحمد الله عز وجل. قال: كيف الزمان عليك؟ قال: كيف الزمان على رجل إن أصبح ظن أنه لا يمسي، وإن أمسى ظن أنه لا يصبح؟ فمبشر بالجنة أو مبشر بالنار. يا أخا مراد إن الموت وذكره لم يترك لمؤمن فرحاً، وإن علمه بحقوق الله لم يترك له فضة ولا ذهباً، وإن قيامه لله بالحق لم يترك له صديقاً. عمار بن سيف الضبي قال: لحق رجل بأويس القرني فسمعه يقول: اللهم إني أعتذر إليك اليوم من كل كبد جائعة، فإنه ليس في بيتي من الطعام إلا ما في بطني، وليس في بيتي من شيء من الرياش إلا ما على ظهري. قال: وعلى ظهره خرقة قد تردى بها وقال: فأتاه رجل فقال له: كيف أصبحت؟ أو كيف أمسيت؟ فقال: أصبحت أحب الله، وأمسيت أحمد الله، وما تسأل عن حال رجل إذا هو أصبح ظن ألا يمسي، وإذا أمسى ظن أنه لا يصبح؟ إن الموت وذكره لم يدع لمؤمن فرحاً، وإن حق الله في مال المسلم، لم يدع له من ماله فضة ولا ذهباً، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدع للمؤمن صديقاً، نأمرهم بالمعروف فيشتمون أعراضنا، ويجدون على ذلك أعواناً من الفاسقين، حتى والله لقد رموني بالعظائم، وأيم الله لا أدع أن أقوم لله فيهم بحقه، ثم أخذ الطريق.
عن قيس بن بشر بن عمرو، عن أبيه قال: كسوت أويساً القرني ثوبين، من العري. عن مغيرة قال: إن كان أويس القرني ليتصدق بثيابه حتى يجلس عرياناً لا يجد ما يروح فيه إلى الجمعة. عن أصبغ بن زيد قال: إنما منع أويساً أن يقدم على النبي (بره بأمه). عن أصبغ بن زيد قال: كان أويس القرني إذا أمسى يقول: هذه ليلة السجود فيسجد حتى يصبح، وكان إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والثياب، ثم يقول: اللهم من مات جوعاً فلا تؤاخذني به، ومن مات عرياناً فلا تؤاخذني به.
الحسن بن عمرو، قال: سمعت بشراً يقول: بلغ من عري أويس أنه جلس في قوصرة. النضر بن إسماعيل قال: كان أويس القرني يلتقط الكسر من المزابل فيغسلها ويتصدق ببعضها ويأكل بعضها، ويقول: اللهم إني أبرأ إليك من كبد جائع. قال هرم بن حيان لأويس القرني: أوصني قال: توسد الموت إذا نمت، واجعله نصب عينيك، وإذا قمت فادع الله أن يصلح لك قلبك ونيتك، فلن تعالج شيئاً أشد عليك منهما، بينا قلبك معك ونيتك إذا هو مدبر، وبينا هو مدبر إذا هو مقبل، ولا تنظر في صغر الخطيئة ولكن انظر إلى عظمة من عصيت. أبو عبد الله البناجي قال: زار هرم بن حيان أويساً، فقال له هرم: يا أويس واصلنا بالزيارة. فقال أويس: قد وصلتك بما هو انفع لك من الزيارة واللقاء: الدعاء بظهر الغيب، لأن الزيارة واللقاء قد يعرض فيهما التزين والرياء.
قلت: كان أويس مشغولاً بالعبادة عن الرواية، غير أنه قد أرسل الحديث عن النبي. حميد بن صالح قال: سمعت أويساً القرني يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احفظوني في أصحابي، فإن من أشراط الساعة أن يلعن آخر هذه الأمة أولها، وعند ذلك يقع المقت على الأرض وأهلها، فمن أدرك ذلك فليضع سيفه على عاتقه ثم ليلق ربه عز وجل شهيداً فإن لم يفعل فلا يلومن إلا نفسه ". ذكر وفاة أويس القرني قال المصنف: قد اختلف في وقت موته. عن عبد الله بن سالم قال: غزونا آذربيجان زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعنا أويس القرني. فلما رجعنا مرض علينا فحملناه فلم يستمسك فمات، فنزلنا فإذا قبر محفور وماء مسكوب وكفن وحنوط. فغسلناه وكفناه وصلينا عليه. فقال بعضنا لبعض: لو رجعنا فعلمنا قبره، فرحنا فإذا لا قبر ولا أثر. قال المؤلف: وقد روي أنه عاش بعد ذلك طويلاً.
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين: أفيكم أويس القرني؟ قال: قلنا نعم، وما تريد منه؟ قال إني سمعت رسول الله (يقول: "أويس القرني خير التابعين بإحسان" وعطف دابته فدخل مع أصحاب علي عليه السلام. عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نادى مناد يوم صفين، أفي القوم أويس القرني؟ فوجد في قتلى علي عليه السلام. قال المؤلف: هذا هو الصحيح.
وفي حلية الأولياء: الطبقة الأولى من التابعين فمن الطبقة الأولى من التابعين: أويس بن عامر القرني، سيد العباد، وعلم الأصفياء من الزهاد؛ أويس بن عامر القرني. بشر النبي صلى الله عليه وسلم به، وأوصى به أصحابه.
حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر بن الهيثم، حدثنا أحمد بن الخليل الترجلاني، حدثنا أبو النضر، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن سعيد الجريري، عن أبي نضرة، عن أسير بن جابر، قال: كان محدث بالكوفة يحدثنا فإذا فرغ من حديثه يقول: تفرقوا، ويبقى رهط فيهم رجل يتكلم بكلام لا أسمع أحداً يتكلم بكلامه فأجبته ففقدته، فقلت لأصحابي: هل تعرفون رجلاً كان يجالسنا كذا وكذا؟ فقال رجل من القوم: نعم أنا أعرفه، ذاك أويس القرني، قلت: أفتعرف منزله؟ قال: نعم، فانطلقت معه حتى حجرته فخرج إلي، فقلت: يا أخي ما حبسك عنا؟ قال: العري، قال: وكان أصحابه يسخرون به ويؤذونه، قال: قلت: خذ هذا البرد فالبسه، قال: لا تفعل فإنهم إذاً يؤذونني إذا رأوه، قال: فلم أزل به حتى لبسه فخرج عليهم، فقالوا: من ترون خدع عن برده هذا، فجاء فوضعه، فقال: أترى، قال: فأتيت المجلس فقلت: ما تريدون من هذا الرجل قد آذيتموه، الرجل يعرى مرة ويكتسي مرة، قال: فأخذتهم بلساني أخذاً شديداً.
قال: فقضى أن أهل الكوفة وفدوا إلى عمر بن الخطاب فوجد رجل ممن كان يسخر به، فقال عمر: هل ههنا أحد من القرنيين؟ قال: فجاء ذاك الرجل فقال: أنا، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: "إن رجلاً يأتيكم من اليمن يقال له أويس لا يدع باليمن غير أم له، وقد كان به بياض فدعا الله تعالى فأذهبه عنه إلا مثل موضع الدينار أو الدرهم فمن لقيه منكم فمروه فليستغفر لكم"، قال: فقدم علينا. قال: فقلت: من أين؟ قال: من اليمن، قلت: ما اسمك؟ قال: أويس، قال: فمن تركت باليمن؟ قال: أماً لي أكان بك بياض فدعوت الله فأذهبه عنك؟ قال: نعم، قال: فاستغفر لي، قال: أو يستغفر مثلي لمثلك يا أمير المؤمنين؟
قال: فاستغفر له، قال: قلت: أنت أخي لا تفارقني، قال: فانملس مني وأنبئت أنه قدم عليكم الكوفة، قال: فجعل ذلك الرجل الذي كان يسخر منه يحقره، قال: يقول: ما هذا فينا ولا نعرفه. قال عمر: بلى، إنه رجل كذا كأنه يضع شأنه، قال: فينا رجل يا أمير المؤمنين، يقال له أويس، قال: أدرك ولا أراك تدرك فأقبل ذلك الرجل حتى دخل عليه قبل أن يأتي أهله، فقال له أويس: ما هذه بعادتك فما بدا لك؟ قال: سمعت عمر يقول كذا وكذا فاستغفر لي أويس، قال: لا أفعل حتى تجعل لي عليك أن لا تسخر بي فيما بعد، وأن لا تذكر الذي سمعته من عمر إلى أحد، فاستغفر له، قال أسير: فما لبثنا أن فشا أمره بالكوفة، قال: فدخلت عليه، فقلت: يا أخي ألا أراك العجب ونحن لا نشعر، فقال: ما كان في هذا ما أتبلغ به في الناس، وما يجزى كل عبد إلا بعمله، قال: ثم انملس منهم فذهب.
رواه حماد بن سلمة، عن الجريري نحوه، ورواه زرارة بن أوفى، عن أسير بن جابر. وهذا حديث صحيح أخرجه مسلم في صحيحه، عن أبي خيثمة، عن أبي النضر مختصراً وعن إسحاق بن إبراهيم، عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن زرارة، عن أسير مطولاً.
حدثنا أبو عمرو بن حمدان، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا معاذ بن هشام الدستوائي، أخبرنا أبي، عن قتادة، عن زرارة، عن أسير بن جابر، قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتت عليه أمداد أهل اليمن سألهم هل فيكم أويس بن عامر القرني، فذكر نحو حديث أبي نضرة، عن أسير بطوله. ورواه الضحاك بن مزاحم، عن أبي هريرة بزيادة ألفاظ لو يتابعه عليها أحد، تفرد به مجالد بن يزيد، عن نوفل عنه.
حدثنا أبي، حدثنا حامد بن محمود، حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا الوليد بن إسماعيل الحراني، حدثنا محمد بن إبراهيم بن عبيد، حدثني مجالد بن يزيد، عن نوفل بن عبد الله، عن الضحاك بن مزاحم، عن أبي هريرة، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلقة من أصحابه إذ قال: "ليصلين معكم غداً رجل من أهل الجنة"، قال: أبو هريرة فطمعت أن أكون أنا ذلك الرجل، فغدوت فصليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فأقمت في المسجد حتى انصرف الناس وبقيت وهو، فبينا نحن عنده إذ أقبل رجل أسود متزر بخرقة، مرتد برقعة، فجاء حتى وضع يده في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا نبي الله ادع الله لي، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم له بالشهادة وإنا لنجد منه ريح المسك الأذفر، فقلت: يا رسول الله أهو هو؟؛
قال: "نعم، إنه لمملوك لبني فلان" قلت: أفلا تشتريه فتعتقه يا نبي الله؟ قال: "وأنى لي ذلك، إن كان الله تعالى يريد أن يجعله من ملوك الجنة، يا أبا هريرة إن لأهل الجنة ملوك وسادة، وإن هذا الأسود أصبح من ملوك الجنة وسادتهم، يا أبا هريرة إن الله تعالى يحب من خلقه الأصفياء الأخفياء الأبرياء الشعثة رؤوسهم، المغبرة وجوههم، الخمصة (البطن مقعرة الشكل من النحافة) بطونهم إلا من كسب الحلال، الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم، وإن خطبوا المتنعمات لم ينكحوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يدعوا، وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم، وإن مرضوا لم يعاودوا، وإن ماتوا لم يشهدوا"، قالوا: يا رسول الله كيف لنا برجل منهم؟ قال: "ذاك أويس القرني"، قالوا: وما أويس القرني؟ قال: "أشهل ذو صهوبة، بعيد ما بين المنكبين، معتدل القامة، آدم شديد الأدمة، ضارب بذقنه إلى صدره، رام بذقنه إلى موضع سجوده، واضع يمينه على شماله، يتلو القرآن يبكي على نفسه، ذو طمرين لا يؤبه له، منزر بإزاز صوف، ورداء صوف، مجهول في أهل الأرض، معروف في أهل السماء، لو أقسم على الله لأبر قسمه، ألا وإن تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء، ألا وإنه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد ادخلوا الجنة، ويقال لأويس: قف فاشفع فيشفع الله عز وجل في مثل عدد ربيعة ومضر، يا عمر ويا علي إذا أنتما لقيتماه فاطلبا إليه أن يستغفر لكما يغفر الله تعالى لكما"،
قال: فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يقدران عليه فلما كان في آخر السنة التي هلك فيها عمر في ذلك العام قام على أبي قبيس فنادى بأعلى صوته، يا أهل الحجيج من أهل اليمن؛ أفيكم أويس من مراد؟ فقام شيخ كبير طويل اللحية، فقال: إنا لا ندري ما أويس؟ ولكن ابن أخ لي يقال له أويس وهو أخمل ذكراً، وأقل مالاً، وأهون أمراً من أن نرفعه إليك، وإنه ليرعى إبلنا، حقير بين أظهرنا، فعمى عليه عمر كأنه لا يريده، قال: أين ابن أخيك هذا أبحر منا هو؟ قال: نعم، قال: وأين يصاب؟ قال: بأراك عرفات، قال: فركب عمر وعلي سراعاً إلى عرفات فإذا هو قائم يصلي إلى شجرة والإبل حوله ترعى، فشدا حماريهما ثم أقبلا إليه، فقالا: السلام عليكم ورحمة الله، فخفف أويس الصلاة ثم قال: السلام عليكما ورحمة الله وبركاته، قالا: من الرجل؟ قال: راعي إبل وأجير قوم، قالا: لسنا نسألك عن الرعاية ولا الإجارة؛
ما اسمك؟ قال: عبد الله، قالا: قد علمنا أن أهل السماوات والأرض كلهم عبيد الله فما اسمك الذي سمتك أمك؟ قال: يا هذان ما تريدان إلى قالا: وصف لنا محمد صلى الله عليه وسلم أويساً القرني فقد عرفنا الصهوبة والشهولة؛ وأخبرنا أن تحت منكبك الأيسر لمعة بيضاء فأوضحها لنا؛ فإن كان بك فأنت هو. فأوضح منكبه فإذا اللمعة فابتدراه يقبلانه، قالا: نشهد أنك أويس القرني؛ فاستغفر لنا يغفر الله لك، قال: ما أخص باستغفاري نفسي ولا أحداً من ولد آدم؛ ولكنه من في البر والبحر؛ في المؤمنين والمؤمنات؛ والمسلمين والمسلمات؛ يا هذان قد أشهر الله لكما حالي وعرفكما أمري فمن أنتما، قال علي رضي الله عنه: أما هذا فعمر أمير المؤمنين، وأما أنا فعلي بن أبي طالب، فاستوى أويس قائماً وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته؛ وأنت يا ابن أبي طالب فجزاكما الله من هذه الأمة خيراً، قال: وأنت جزاك الله من نفسك خيراً، فقال له عمر: مكانك يرحمك الله حتى أدخل مكة فآتيك بنفقة من عطائي، وفضل كسوة من ثيابي هذا المكان ميعاد بيني وبينك،
قال: يا أمير المؤمنين لا ميعاد بيني وبينك لا أراك بعد اليوم تعرفني، وما أصنع بالنفقة؟ ما أصنع بالكسوة؟ أما ترى علي إزارا من صوف، ورداء من صوف، متى تراني أخرقهما، أما ترى نعلي مخصوفتان متى تراني أبليهما؟ أما تراني إني قد أخذت من رعايتي أربعة دراهم متى تراني آكلها؟ يا أمير المؤمنين إن بين يدي ويدك عقبة كؤؤداً لا يجاوزها إلا ضامر مخف مهزول، فأخف يرحمك الله. فلما سمع عمر ذلك من كلامه ضرب بدرته الأرض ثم نادى بأعلى صوته: ألا ليت أن أم عمر لم تلده يا ليتها كانت عاقراً لم تعالج حملها، ألا من يأخذها بما فيها؟ ثم قال: يا أمير المؤمنين خذ أنت ههنا حتى آخذ أنا ههنا، فولى عمر ناحية مكة وساق أويس إبله فوافى القوم إبلهم وخلى عن الرعاية وأقبل على العبادة حتى لحق بالله عز وجل.
لا أراك بعد اليوم تعرفني، وما أصنع بالنفقة؟ ما أصنع بالكسوة؟ أما ترى علي إزارا من صوف، ورداء من صوف، متى تراني أخرقهما، أما ترى نعلي مخصوفتان متى تراني أبليهما؟ أما تراني إني قد أخذت من رعايتي أربعة دراهم متى تراني آكلها؟ يا أمير المؤمنين إن بين يدي ويدك عقبة كؤؤداً لا يجاوزها إلا ضامر مخف مهزول، فأخف يرحمك الله. فلما سمع عمر ذلك من كلامه ضرب بدرته الأرض ثم نادى بأعلى صوته: ألا ليت أن أم عمر لم تلده يا ليتها كانت عاقراً لم تعالج حملها، ألا من يأخذها بما فيها؟ ثم قال: يا أمير المؤمنين خذ أنت ههنا حتى آخذ أنا ههنا، فولى عمر ناحية مكة وساق أويس إبله فوافى القوم إبلهم وخلى عن الرعاية وأقبل على العبادة حتى لحق بالله عز وجل.
فهذا ما أتانا عن أويس خير التابعين. قال سلمة بن شبيب: كتبنا غير حديث في قصة أويس ما كتبنا أتم منه.
حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا محمد بن جرير، حدثنا محمد بن حميد، حدثنا زافر بن سليمان، عن شريك، عن دابر، عن الشعبي قال: مر رجل من مراد على أويس القرني، فقال: كيف أصبحت، قال: أصبحت أحمد الله، قال: كيف الزمان عليك، قال: كيف الزمان على رجل لو أصبح ظن أن لا يمسي، وإن أمسى ظن أن لا يصبح، فمنشر بالجنة، أو مبشر بالنار. يا أخا مراد إن الموت وذكره لم يدع لمؤمن فرحاً، وإن علمه بحقوق الله لم يترك له في ماله فضة ولا ذهباً، وإن قيامه بالحق لم يترك له صديقاً.
حدثنا أبو بكر بن مالك، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني زكريا بن يحيى بن رحمويه، حدثنا الهيثم بن عدي، حدثنا عبد الله بن عمرو بن مرة، عن أبيه، عن عبد الله بن سلمة، قال: غزونا أذربيجان زمن عمر بن الخطاب ومعنا أويس القرني، فلما رجعنا مرض علينا يعني أويس فحملناه، فلم يستمسك فمات فنزلنا فإذا قبر محفور، وماء مسكوب، وكفن وحنوط، فغسلناه وكفناه وصلينا عليه ودفناه، فقال بعضنا لبعض: لو رجعنا فعلمنا قبره، فرجعنا فإذا لا قبور ولا أثر.
حدثنا أبو بكر بن مالك، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي وعبيد الله بن عمر، قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا عبد الله بن الأشعت ابن سوار، عن محارب بن دثار، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أمتي من لا يستطيع أن يأتي مسجده أو مصلاه من العري، يحجزه إيمانه أن يسأل الناس، منهم أويس القرني وفرات بن حيان.
حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن مغيرة، قال: وكان أويس القرني ليتصدق بثيابه حتى يجلس عرياناً لا يجد ما يروح فيه أي إلى الجمعة.
حدثنا أبو بكر بن مالك، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، وعبيد الله بن عمر، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان، عن قيس بن بشير ابن عمرو، عن أبيه قال: كسوت أويساً القرني ثوبين من العري.
حدثنا عبد الله بن محمد بن العباس بن أيوب، حدثنا يحيى بن محمد ابن السكن، حدثنا يحيى بن كثير أبو غسان، حدثنا الهيثم بن جرموز، عن حمدان، عن سليمان التيمي، عن أسلم العجلي، عن الضحاك الجرمي، عن هرم بن حيان العبدي، قال: قدمت فلم يكن لي هم إلا أويس أسأل عنه، فدفعت إليه بشاطئ الفرات يتوضأ ويغسل ثوبه، فعرفته بالنعت فإذا رجل آدم محلوق الرأس، كث اللحية، مهيب المنظر.
فسلمت عليه ومددت إليه يدي لأصافحه فأبى أن يصافحني؛ فخنقتني العبرة لما رأيت من حاله، فقلت: السلام عليك يا أويس كيف أنت يا أخي؟ وأنت فحياك الله يا هرم بن حيان من دلك علي؟ قلت: الله عز وجل، قال: سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً. قلت: يرحمك الله من أين عرفت اسمي واسم أبي؟ فوالله ما رأيتك قط ولا رأيتني. قال: عرفت روحي روحك حيث كلمت نفسي؛ لأن الأرواح لها أنفس كأنفس الأجساد، وإن المؤمنين يتعارفون بروح الله عز وجل وإن نأت بهم الدار وتفرقت بهم المنازل.
قال: قلت: حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لأحفظه عنك، قال: إني لم أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن لي معه صحبة، وقد رأيت رجالاً رأوه وقد بلغني عن حديثه كبعض ما يبلغكم ولست أحب أن أفتح هذا الباب على نفسي، لا أحب أن أكون قاضياً أو مفتياً، في نفسي شغل، قال: قلت: فاتل آيات من كتاب الله عز وجل أسمعهن منك، فادع الله لي بدعوات وأوصني بوصية، قال: فأخذ بيدي وجعل يمشي على شاطئ الفرات. ثم قال: قال ربي وأحق القول قول ربي عز وجل، وأصدق الحديث حديث ربي عز وجل، وأحسن الكلام كلام ربي: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: "إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين".
قال: ثم شهق شهقة فأنا أحسبه قد غشي عليه، ثم قرأ: "يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً ولا هم ينصرون إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم". ثم نظر إلي فقال: يا هرم بن حيان مات أبوك ويوشك أن تموت، ومات أبو حيان، وإما إلى الجنة وإما إلى النار، ومات آدم وماتت حواء يا ابن حيان، ومات إبراهيم خليل الرحمن يا ابن حيان، ومات موسى نجي الرحمن يا ابن حيان، ومات محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين يا ابن حيان، ومات أبو بكر خليفة المسلمين، ومات أخي وصديقي وصفيي عمر، واعمراه، واعمراه، قال: وذلك في آخر خلافة عمر، قال: قلت: يرحمك الله إن عمر لم يمت، قال: بلى إن ربي عز وجل قد نعاه لي، وقد علمت ما قلت وأنا وأنت غداً في الموتى، ثم دعا بدعوات خفاف ثم قال: هذه وصيتي لك يا ابن حيان كتاب الله عز وجل ونعي الصالحين من المؤمنين والصالحين من المسلمين، ونعيت لك نفسي فعليك بذكر الموت، فإن استطعت أن لا يفارق قلبك طرفة عين فافعل، وأنذر قومك إذا رجعت إليهم.
واكدح لنفسك وإياك أن تفارق الجماعة فتفارق دينك وأنت لا تشعر فتموت فتدخل النار يوم القيامة، ثم قال: اللهم إن هذا يزعم أنه يحبني فيك، وزارني من أجلك فأدخله علي زائراً في الجنة دار السلام، وأرضه من الدنيا باليسير، وما أعطيته من شيء في الدنيا في يسير وعافية واجعله لما تعطيه من العمل من الشاكرين أستودعك الله يا هرم بن حيان والسلام عليك لا أراك بعد اليوم تطلبني ولا تسأل عني، أذكرك وأدعو لك إن شاء الله نطلق ههنا، حتى أنطلق ههنا، فطلبت أن أمشي معه ساعة فأبي علي وفارقني يبكي وأبكي، ثم دخل في بعض السكك فكم طلبته بعد ذلك وسألت عنه فما وجدت أحداً يخبرني عنه بشيء.
رواه يوسف بن عطية الصفار، عن سليمان التيمي مثله، وقال الضحاك الجرمي، عن هرم. ورواه سيف بن هارون البرجمي، عن منصور بن مسلم، عن شيخ من بني حرام، قال: سمعت هرم بن حيان العبدي، يقول: خرجت من البصرة في طلب أويس القرني فقدمت الكوفة فذكر نحوه. ورواه أبو عصمة، عن هرم نحوه. حدثنا أبو أحمد الغضريفي، حدثنا أحمد بن موسى بن العباس، حدثنا إسماعيل بن سعيد الكسائي، حدثنا عبد الصمد بن حسان، حدثنا أبو الصباح، عن أبي عصمة وكان جاراً لهرم بن حيان هو وآخر من عبد القيس حدثاني أنهما سمعا هرم بن حيان، عن أويس القرني، قال: قلت: حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث أحفظه عنك، فبكى وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: إني لم أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن لي معه صحبة، ولكن قد رأيت من رأى النبي صلى الله عليه وسلم عمر وغيره رضوان الله تعالى عليهم فذكر نحوه.
حدثنا أبو بكر بن مالك، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا علي بن حكيم، أخبرنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين: أفيكم أويس القرني؟ قال: قلنا: نعم، وما تريده منه؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أويس القرني خير التابعين بإحسان"، وعطف دابته مع أصحاب علي رضي الله تعالى عنهم.
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثنا محمد بن يحيى، حدثني أحمد بن معاوية بن الهذيل، حدثنا محمد بن أبان العنبري، حدثنا عمرو شيخ كوفي عن أبي سنان، قال: سمعت حميد بن صالح، يقول: سمعت أويساً القرني يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "احفظوني في أصحابي فإن من أشراط الساعة أن يلعن آخر هذه الأمة أولها، وعند ذلك يقع المقت على الأرض وأهلها، فمن أدرك ذلك فليضع سيفه في عاتقه ثم ليلقى ربه تعالى شهيداً، فإن لم يفعل فلا يلومن إلا نفسه".
حدثنا أبو بكر بن مالك، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أحمد بن إبراهيم، حدثنا إبراهيم بن عياش، حدثنا ضمرة، عن أصبغ بن زيد. قال: إنما منع أويساً أن يقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بره بأمه.
حدثنا أبو بكر بن محمد بن أحمد، حدثنا الحسن بن محمد، حدثنا عبيد الله بن عبد الكريم، حدثنا سعيد بن أسد بن موسى، عن ضمرة بن ربيعة، عن أصبغ بن زيد، قال: كان أويس القرني إذا أمسى يقول: هذه ليلة الركوع، فيركع حتى يصبح. وكان يقول إذا أمسى: هذه ليلة السجود، فيسجد حتى يصبح. وكان إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والثياب ثم يقول: اللهم من مات جوعاً فلا تؤاخذني به، ومن مات عرياناً فلا تؤاخذني به]. ومازال الحديث مستمراً..............
الكاتب: أبو القاسم بن حبيب النيسابوري
نشرت على الموقع بتاريخ: 03/11/2007
|
|
|
|
|
|
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com
|
حقوق الطبع محفوظة لموقع مجانين.كوم ©
|
|