|
|
|
المرحلة الأوديبية(2) ::
الكاتب: أ.د عبد الرحمن إبراهيم
نشرت على الموقع بتاريخ: 10/11/2007
المرحلة الأوديبية(1)
المرحلة الأوديبية عند الصبية
"يا دكتور.. انه ابني أحبه أكثر من نفسي.. ولكن أكاد أفقد صوابي فهو يستقبلني برفسة أو لكمة أو شتيمة رغم صغر سنه.. أحياناً يكون حنوناً ودوداً وفجأة لا أعلم لماذا يغدو عدوانياً شرساً...".
لندرس الآن المرحلة الموازية من التطور عند الصبي، كذلك سأقدمها بنموذج تخطيطي ومبسط. لقد رأينا أن على البنت أن تنقل تعلقها مع أمه إلى أبيها، أما الصبي فإن تعلقه البدئي مع أمه وهذا يبقى صحيحاً خلال المرحلة الأوديبية. فالصبي لا يتعرض لهذا التحول للموضوع الذي يحبه مثل البنت، وبدلاً من ذلك فإن على الصبي أن يحول تمثله مع أمه إلى تمثله مع أبيه كما عليه أن يحوّل دوره في العلاقة مع المرأة من دور يحصل فيه على لذته بطريقة منفعلة بشكل أساس إلى دور يحصل فيه على اللذة من خلال علاقة فاعلة مع المرأة. فهو يستمد اللذة في حياته المبكرة من أشياء تمارس له مثل تحميمه وإطعامه وتقبيله. وعليه أن ينتقل إلى حالة حيث تكون الأدوار فيها أكثر توازناً لذلك عليه أن يتخلى عن أمه كموضوع لتلبية رغباته وأن يحول اهتمامه إلى نساء أخريات حيث ينتقل الطفل خلال المرحلة الأوديبية من علاقة تملكية مع أمه إلى علاقة تنافسية مع أبيه.
تماماً مثل البنت، فمن السهل أن ندرك هذا عندما نراقب ونستمع إلى أحاديث الأطفال، فبينما يحب الطفل ويعجب بابيه كذلك يعبر عن عواطفه من طبيعة مختلفة جداً عندما يودع أباه فرحاً كل صباح ويتطلع بلهفة إلى بقائه مع أمه في المنزل وحيداً. وعندما يعود الأب يمكن للوالد أن يرحب بأبيه بطريقة متناقضة Ambivalent ، فأحياناً يرحب به بضربة حادة على معدته أو رفسة على ساقه ومن المحتمل أن يعانقه وأن يرحب به بمنزله. فهناك تناقض Ambivalence في علاقته مع أبيه وعندما يدرك الابن رغبته في تملك أمه كلياً يدرك عندها أنه منافس له وانه ليس مجرد منافس فحسب بل هو ذلك الإنسان الذي لا يستطيع الابن أن ينافسه بنجاح. لذلك تمتلكه رغبة عارمة في أن يكبر ويصبح أقوى من أبيه وأن يمتلك كل شيء يمتلكه والده ولكنه سرعان ما يدرك أن هذا ليس واقعياً.
ليس من السهل على الصبي أن يتعامل مع هذه المشكلة على عكس البنت حيث كانت تحب أباها وبنفس الوقت تقوي توحدها مع أمه. أما الصبي فإنه يمر بفترة مخيفة أكثر. إن الأطفال يعتقدون أن أهاليهم يعرفون كل شيء يفكرون به. لذلك فعندما يتمنى الصبي أن يذهب أباه ليبقى وحيداً مع أمه يظن الصبي. (وهو مقتنع بذلك) أن أباه يعرف ما يدور بذهن ابنه وهذا ما يخيفه لأن أباه سوف ينتقم.
يمكن أن يكون لديه مستويات مختلفة من الخوف من أبيه. هذه المخاوف تُوجد الفكرة المخيفة من أن أباه سيخصيه. إن هذا يعتبر هراءً بالنسبة إلى الراشد. فالآباء لا يفعلون أشياء كهذه بأطفالهم حتى أنهم لا يهددونهم بالخصاء. إذن لماذا يمتلك الصبي مثل هذا الخوف؟. إن هذا الخوف قائم جزئياً على إدراكه الحالي وملاحظته للاختلاف بينه وبين البنات. إن ملاحظة الصبي للأعضاء التناسلية عند البنت دليل قاطع على إمكانية حدوث الخصاء. لقد قلت سابقاً أن الأطفال يعتقدون أن بنية كل شخص تشبه بنيتهم ولكن عندما يلاحظ الصبية البنات ويدركوا أنهن لا يملكن قضيباً عندها يخافون من انه يمكن أن يحدث لهم الخصاء.
أن قضيبهم الآن مصدر للإحساسات باللذة والتمتع متضمناً التخيلات بأن يصبح قوياً مثل أبيه. هذه التخيلات هي مصدر قلق كبير عند الطفل، فالخوف من أن يعلم الأب ما يدور بذهن الطفل من أفكار وأن يعاقبه على ذلك. إن الجزء الجسدي هو ذلك الذي يزعج لأنه سيعاقب بسبب أفكار الصبي. إن الخوف من الخصاء يجعل الصبي يمر عبر هذه المرحلة بصخب أكبر من مرور البنت بهذه المرحلة. لأن هذا الخوف يضعه تحت ضغط كبير ليعدل طبيعة الرغبات الأوديبية وأن يتخلى عنها بالمقارنة مع البنت. إن أسوأ شيء هو أن البنت تستطيع أن تتخيل ما سيحدث لها نتيجة رغباتها الأوديبية ألا وهو أن أمها لن تحبها أبداً. ورغم أن هذا التوقع بحد ذاته سيء بالنسبة للفتاة لكنه لا يولد نفس الدرجة من الخوف الذي يعانيه الصبي من العقاب الجسدي ومن الخصاء، لذلك فإن المرحلة الأوديبية تنتهي عند الصبية بشكل فجائي نسبة لنهايتها عند الفتيات.
كما لاحظنا فيما عرضت سابقاً، معظم الصبية يظهرون الآثار الناتجة عن هذه المرحلة من الصراع في السنوات اللاحقة لذلك سيخافون من البنات ويتجنبون أي علاقة معهم. فإذا ما عملت مع مجموعة من الأطفال بعمر السادسة ستعرف عندها انه من الصعوبة عليهم أن يمسكوا بأيدي بعضهم البض ليشكلوا دائرة. فالصبية لا يريدون حتى أن يلامسوا أيدي البنات. فهم يتصرفون وكأن شيئاً ما يخيفهم من البنات. شيئاً ما يذكرهم بالخطر الذي يتخيلوا أنهم تجاوزوه.
هذا هو العمر الذي يهتم فيه الطفل الصغير بإظهار نماذج سلوكية مفرطة الذكورة Supermasculine. فالصبي يحب أن يصبح شرطياً أو رائد فضاء أو جندياً. فهذه مجرد أدوار ذكرية تحميه من أخطار أي شيء يهدد ذكورته. إن هذه الفترة تشعر الطفل أنه لا يمكنه أن يهزم أباه لذلك يقرر أن ينضم إليه وأن ينتقل إلى المرحلة التي يريد منها أن يشبه والده. فهو لم يقم باستدخال فكرة الذكورة فحسب بل ضخمها أيضاً. كذلك قام باستدخال نماذج سلوكية معينة استوحاها من والده.
إن هناك سلسلة من المحرمات التي ستشكل أناه الأعلى ولكن هذه المحرمات لها صفة طفلية كحال الطفلة تماماً فمثلاً من ضمن الأشياء التي يعتقدها الصبي في ذلك الوقت أنه يجب عليه أن يحصل على كثير من اللذة أو المتعة من الالتصاق بأمه. وعندما يكبر هذا الصبي، إذا أراد أن تكون له القدرة على النضوج بعلاقته مع المرأة عندها عليه أن يعدل من هذا الموقف الطفولي. لذلك لا يوجد هناك بناء ثابت للانا الأعلى في هذه المرحلة. ولكن يوجد نوع من التنظيم لبعض الميول الأساسية مما يصنع الشخصية ببعض سماتها.
إن الصبية يجتازون هذه المرحلة الأوديبية عبر طرق مختلفة كما تفعل البنات. فكثير من الرجال لا يستطيعون أن يتخلصوا من خوفهم من النساء حيث يتوقفون عند السادسة أو السابعة من العمر طوال حياتهم وينقصوا من قدر المرأة ويحاولوا دائماً أن يخيفونها. كذلك نجد رجالاً آخرين يطلبون دائماً تأكيد أنفسهم بواسطة ذكورتهم وهذا يعتبر من بقايا القلق الذي ولد أثناء المرحلة الأوديبية لذلك يُقصرون ولا يهتمون إلا بالأشياء التي يعتبرونها تحمل معنى الرجولة. فلا يشعرون بأي متعة بالموسيقا أو بالشعر وعندما يصبحون آباء سيغضبون خائفين من فكرة إعطاء الطفل أحياناً زجاجة الحليب أو عندما يسوقون عربة الطفل. لأن هذه الأفعال ستقلل من رجولته.
كذلك هناك اضطرابات أخرى ذات درجات أشد وأقل والتي تكون نتيجة الحلول المختلفة للمرحلة الأوديبية، فمثلاً لنفترض أن هناك أباً يسحق ابنه الصغير ويضعه دوماً بمرتبة اقل منه، يغيظه ويستخف به، عندها سيشعر الطفل بنقص كامل. إنه لا يستطيع أبداً أن ينافس والده أو أن يربح ضد أب كهذا لذلك سيتنازل عن أمله في أن يصبح شبيهاً بوالده وبالتالي أن يحصل على إنسانة مثل والدته. إن مثل هذا الصبي سيرقد وينسحب ويتقهقر في تطوره.
مقرراً أن الشيء الذي يوفر له الأمن هو أن يخضع لوالده ويحاول أن يبهجه. ذلك أن التنافس مع والده خطيراً جداً. لذلك عندما يكبر سيكون شخصاً خاضعاً منفعلاً ومن الممكن أن يكون جنوسياً بشكل صريح أو مُقنع ذلك لأنه يجد أن مشاركة الرجال أكثر أماناً من مشاركة النساء. وهذا حكماً ليس المحدد الوحيد للسلوك الجنوسي فهناك عوامل لا تحصى تساهم في الوصول إلى مثل النتيجة (الجنوسه). فهذه النتيجة قد تحدث أحياناً ما قبل المرحلة الأوديبية. بالإضافة إلى الإحساس الضعيف بالهوية الجنسية، وتعلق قوي مفرط للفرد بجسده، وأذيات جسدية مختلفة تعتبر عوامل قليلة تؤدي إلى الجنوسية في مراحل المراهقة. ليس الأب المستبد والمهدد للطفل هو فقط الذي يؤدي لجنوسية عند الطفل بل الأب الضعيف يفشل في أن يقدم للطفل نموذجاً للسلوك الذكري وهذا يؤدي إلى نتيجة مشابهة. نسمي هذه النماذج بالحلول السلبية للصراعات الأوديبية التي تؤدي بالصبي إلى التهرب من أي مشاعر تنافسية مع الرجال وبالمقابل يبحثون عن الحب والاستحسان من الرجال عن طريق خضوعهم لهم وبنفس الوقت لا يستطيعون أن يحبوا النساء عادة.
وهناك أيضاً رجال يظهرون تعلقاً إيجابياً غير متحلل Unresolved بأحد الوالدين. فنحن نعرف رجالاً غير متزوجين (ج أعزب) عمرهم 40 - 50 سنة يعيشون مع أمهاتهم ويكون الأب ميتاً أو على الأقل غير هام في بنية العائلة حيث تبقى الأم هي الموضوع الأساس للحب بالنسبة لهؤلاء الرجال. وهناك رجال آخرون يقسمون النساء بسبب اتصالاتهم المتناقضة مع أمهاتهم إلى صنفين: التصنيف الأول يضم البنات الجميلات والشبيهات بأمهاتهم وأخواتهم بشكل أو بآخر ولكن لا يمكن إقامة أي علاقة زوجية جنسية معهن فهن بالنسبة لهذا النوع من الرجال محرمات والاقتراب منهن يعتبر انتهاكاً للمحارم.
أما التصنيف الثاني فيشمل البنات المختلفات عن نساء عائلاتهم من حيث الثقافة والأصل العرقي Ethnic Background والمستوى الاجتماعي والاقتصادي ومن حيث الشكل أيضاً، فهؤلاء النساء أكثر أماناً، حيث يعني الأمان في هذه الحالة عدم انتهاك المحارم لذلك يمكن إقامة علاقة زوجية وجنسية معهن بالرغم من انه يمكن لهذه العلاقة أن لا تترافق بمشاعر المحبة أو الحنان. وهذه الظاهرة ليست غريبة عند المراهقين لكنها ظاهرة عابرة أثناء النضج، إن معظم الناس يتجاوزون هذه المرحلة ويطورون علاقات زوجية وجنسية مترافقة مع محبة. لكن بعض الرجال لا يحققون ذلك أبداً حيث يشعرون بحب وعواطف نحو زوجاتهم أو حتى عشيقاتهم ولكنهم لا يمارسون الجنس إلا مع أخريات.
وأنوه إلى أن خلل الوظيفة الجنسية Sexual Dysfunction عند الرجال والنساء قائم جزئياً على الصراعات الغير محلولة من هذه المرحلة من التطور. ولست هنا بصدد الخوض في كل أسواء الوظيفة الجنسية ويكفي أن أقول أن معظم هذه المشكلات الجنسية التي يصادفها الطبيب لها علاقة جزئياً مع صعوبات في حل الصراعات الأوديبية ولذلك يهتم أطباء النفس بهذه المرحة من التطور. كذلك هناك الأعراض النفاسية Neurotic Symptoms والتي لها آثار هامة على الفعاليات المستقبلية. وأوضح هذه الأعراض هي الكوابيس Nightmares الرهابات Phobias .
إن الأعراض النفاسية والذهانية عند الراشدين خصصت لها كتاباً مستقلاً باسم فكرة وجيزة عن الأعراض النفسية ولكنني سأناقش الآن بعض الكلمات فقط حول ما كان يدعى في جداول التصانيف السابقة بالاضطرابات ذات العرض في الطفولة Symptom Disorders Or Childhood وأصبحت تصنف ضمن مجموعات مختلفة في التصانيف المعاصرة تحت اسم الاضطرابات السلوكية والانفعالية التي تبدأ عادة في الطفولة والمراهقة Behavioral and emotional disorders with onset usually occurring in childhood and adolescence بالبند المخصص للاضطرابات الانفعالية ذات البدء النوعي في الطفولة Emotions disorders with onset spesific to childhood كما ورد في المراجعة العاشرة للتصنيف الدولي للاضطرابات النفسية والسلوكية (ICD-10) عام 1994 لمنظمة الصحة العالمية، وصنف تحت اسم اضطرابات أخرى في سن الرضاعة أو الطفولة أو المراهقة Other Disorders of Infancy, Childhood, or Adolescence وفق جمعية أطباء النفس الأمريكية في جدولها التشخيصي والإحصائي الرابع المعدل DSM-IV-TRعام 2000 ولست هنا بصدد شرح هذه التصانيف فقد أفردت كتاباً مستقلاً باسم فكرة وجيزة عن تصانيف الاضطرابات النفسية والعقلية (تحت الطبع).
الصراع والأعراض - الكوابيس والرهابات
"يا دكتور.. ابني رائع ولكن حين موعد نومه يبدأ بالشتائم والسلوك العنادي وحتى يمكن أن يضربني، لا أدري لماذا يخاف ويختلف سلوكه قبيل النوم.". إذا عدنا إلى ارتكاسات الأطفال المتوقعة خلال المرحلة الأوديبية من الحياة سنلاحظ انه من الطبيعي أن يظهر لدى الأطفال أعراضا معينة خلال هذه الفترة، فمثلاً كثير من اضطرابات النوم حيث يجد الأطفال صعوبة في الذهاب للنوم وعندما ينامون يستيقظون بكوابيس مزعجة. لماذا يخاف الأطفال من الذهاب إلى النوم؟ يخافون لأن فرانكشتين مختبئ في الخزانة أو لأن دراكولا سيأتي عبر النافذة. إن هذه المخاوف تبدو للراشدين وهمية ولكنها متوقعة تماماً خلال هذا العمر وذلك بسبب حالة الأنا الغير ناضجة.
إن هذه المرحلة هي التي يطور فيها الطفل رهابات عابرة Transient Phobias لذلك فهم يخافون الكلاب، الأرانب، النمور أو الوحوش... الخ. إن هذه المخاوف شائعة تزول بذاتها خلال بضع سنوات.
والآن لنعد إلى الصبي الصغير الذي يعيش علاقة متناقضة مع أبيه فهو يتمنى أن يذهب والده أو حتى يموت ولكنه يخاف أيضاً من أن والده يعرف ما يفكر به ابنه، وبنفس الوقت يحب أباه ويستمتع معه ويتمنى أن يصبح مثله. إن ذلك مأزق مريع بالنسبة للصبي، كيف يستطيع الطفل أن يستمر ولديه مثل هذه الشاعر القوية المتناقضة؟ إن إحدى الطرق التي يستطيع بها الأطفال في هذا العمر أن يعالجوا هذه المشاعر هي تشكيل الرهاب ذلك الخوف ذو القيمة التكيفية Adaptive Value بالنسبة لهم، فهم يأخذون ذلك الصراع الذي يعانون منه من خلال علاقتهم مع أهاليهم ليسقطوه على موضوع خارجي وهكذا يتخلصون من ذلك التناقض (الحب والخوف من نفس الشخص) وهكذا فإن الطفل يظهر فجأة خوفاً من أن كلباً سيعضه بالرغم مع انه لم يسبق له أن تعرض لتجربة سيئة مع الكلاب. أو انه يصبح غير قادر على الذهاب للنوم لأن النمر أو الدب سوف يأتي لغرفته ولا جدوى من تأكيدك له بأنه لا يوجد أي نمر أو دب في الجوار. وهكذا فإن الخوف قد انتقل من الأب إلى موضوع يمكن تجنبه بسهولة اكبر.
إن الطفل الذي لديه رغبات عدوانية نحو والده ويخاف لأن الأب سينتقم من ابنه بسبب تلك الرغبات عندها سينتقل كل هذا الصراع للغوريلا مثلاً. فالطفل لا يحتمل أن يعيش بنفس المنزل مع إنسان يخاف منه ومن الأسهل عليه أن يتجنب حديقة الحيوانات على سبيل المثال من أن يتجنب أباه. وهكذا يعالج صراعه بتشكيل أعراضاً معينة. إن هذه الأعراض عند معظم الأطفال ستزول مع الوقت، حيث تختفي عند نضج الطفل وعندما يصبح مرتاحاً مع مشاعره الخاصة. ولكن هذه المخاوف تستمر عند بعض الناس على مدى الحياة ولكنها لا تؤثر بشكل جدي على فعالية هؤلاء الناس. فكثير من الرهابات يمكن أن تتواجد دون أن يكون هناك تأثير على التكيف.
فإذا ما كان لدى الرجل أو المرأة خوف من الارتفاعات فلا يؤثر ذلك على حياتهم أبداً حيث يمكن أن يتجنبوا السكن في الطوابق العليا من الأبنية الطابقية وتجنب الطائرات وقيادة السيارة في الجبال... الخ، عندها تكون فعالياتهم ناجحة تماماً. عندما تستمر بعض هذه المخاوف حتى سن الرشد، عندها تتشكل سمات الشخصية تفقد اتصالها مع الصراعات التي ولدت تلك المخاوف وهذا ما يؤدي إلى بناء شخصية رهابية أو متحاشية Phobic Or Avoidant Personality تلك الشخصية المقيدة بمخاوف غير واقعية على مدى الحياة والتي تلجأ إلى التحاشي كطريقة للتعامل مع هذه المخاوف.
إن هذه الرهابات عند الأطفال تزعج الأهل كثيراً وأطباء الأطفال هم الأكثر تعرضاً لاستفسارات الأهل فكثيراً ما يعرض عليهم طفل يُظهر فجأة خوفاً شديداً ويطالب الأهل أن يعرفوا إذا كان باستطاعتهم أن يقوموا بأي شيء من اجل ذلك. والجواب غالباً لا. إلا في حال تأثرت فعالية الطفل بها عندها يجب أن يبدأ بعلاج الطفل، فمثلاً الطفل الذي يخاف من الكلاب عندها يمكن للأهل أن يشتروا كلباً أو يذهبون مع الطفل إلى الريف أو حديقة الحيوانات حتى يتجاوز ابنهم هذا الخوف. ولكن إذا لم ينتهي هذا الخوف بل بدأ ينتشر أي إذا بدأ الطفل بتجنب الخروج من المنزل أو عدم الذهاب إلى المدرسة أو إلى منازل إلى أصدقائه لأنه يمكن أن يشاهد كلباً هناك، عندها تتأثر فعاليته الحاضرة وتطوره المستقبلي. فإذا ما حددت حركته وحرية فعاليته عندها يجب أن نفكر بأن نقوم بعمل لنساعد الطفل لكي يفهم ويتجاوز هذا الخوف. ولكن لا يوجد أي داعي للتدخل عند حدوث الرهاب المؤقت والكوابيس المؤقتة لأنها تحدث كنتيجة لمحاولات الطفل أن يعالج صراعاته الأوديبية.
المبادرة ضد الشعور بالذنب
سيخلق عند معظم الأطفال بدء من هذه الصراعات الحادثة في هذه الفترة من الحياة تغيرات كبيرة. إن أهم تغير هو تغير الأنا الأعلى Superego والانا المثالي Ideal Ego وهذا يعني أن هناك تحول من الصراعات الناشئة من رغبات الطفل المتعارضة مع العالم الخارجي إلى صراعات تدعى بالصراعات النفسية الداخلية Intrapsychic Conflict ، فرغبات الطفل المرفوضة ستعارض من قبل وسيط داخلي (الأنا الأعلى) وأن الشعور بالذنب الناشئ كنتيجة عدم موافقة الأنا الأعلى على تصرف سيصبح الحالة الخطيرة الأخيرة. وفي مصطلحات Erikson فإن الطفل سيطور أما مبادرة الشعور المتفاقم بالذنب بسبب الرغبات والحوافز الداخلية.
ماذا يحدث لهذه الصراعات الطفولية Childhood Conflict؟ إن معظم الناس لا يتذكرون كثيراً عن هذه الفترة من حياتهم وذلك بسبب آلية دفاعية تدعى بالكبت Repression والتي تبقى ذكريات مشاعرنا والتجارب التي صادفتنا في الطفولة المبكرة بعيدة عن الوعي في حالة لا شعورية وسوف نرى آثار تلك التجارب ومشتقاتها على حياة الفرد المستقبلية، فنحن لا نلاحظ تلك التجارب مباشرة إلا عند الأطفال. إن معظم السنوات الخمس أو الست الأولى من الحياة لا نعرف عنها شيئاً إلا نادراً لأنها غير متوفرة كذكريات شعورية.
إن تذكر معظم الناس لطفولتهم يبدأ من مرحلة المدرسة عدا بضع ذكريات قليلة ولهذا فإن ما تحدثت عنه يبدو غريباً لمعظم الناس حتى يلاحظوا ذلك عند أطفالهم أو عند المرضى الذين يعالجون. كما أن هناك آخرون عرفوا هذه المرحلة لأنهم خضعوا للعلاج أو التحليل النفسي، ونحن نحتاج أن نعرف المحتويات الغريبة الغامضة في عقل الطفل ولا شعوره وذلك إذا ما أردنا أن نفهم نماذج الفعاليات المضطربة والتي نصادفها كأطباء وكذلك أن نعرف أكثر عن الفعاليات الطبيعية Normal Functioning عند الأطفال.
واقرأ أيضاً: ميليس في قفص التحليل النفسي(3) لغة الجسد عند ديتلف ميليس الاضطرابات النفسية عند ديتلف ميليس(4) فكرة عن التحليل النفسي للفيتشية 2 اضطـراب الشـخصية المتجنبـة
* نشرت على الشبكة العربية للعلوم النفسية
الكاتب: أ.د عبد الرحمن إبراهيم
نشرت على الموقع بتاريخ: 10/11/2007
|
|
|
|
|
|
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com
|
حقوق الطبع محفوظة لموقع مجانين.كوم ©
|
|