|
|
|
التخيل Imagining ::
الكاتب: د.فؤاد محمد فريح
نشرت على الموقع بتاريخ: 24/11/2007
التخيل من العمليات أو القدرات المعرفية الراقية والتي ينفرد بها الإنسان عن سائر الكائنات الأخرى حيث يستمد من هذه القدرة قوة وأحلاما وأهدافا فمن التخيل والإبداع صنع الإنسان كل مبتكراته وإنجازاته. والتخيل هو قدرتك على تصور الأشياء والأدوات تصورًا مرئيًا في مخيلتك.
إذن فعملية التخيل هي قدرة الإنسان على رؤية وتشكيل الصور والرموز العقلية للموضوعات والأشياء والإحساس بها بعد اختفاء المثير الخارجي، كذلك فإن التخيل عملية عقلية لاسترجاع صور حسية مختلفة وأحداث من الحياة الماضية وتضمينها وتشكيلها لصور ورسوم وأحداث جديدة.
ولقد أشار الفلاسفة قديما إلى أهمية التخيل فقد ذهب أفلاطون إلى أن التخيل هو وظيفة العقل والجسد، أما أرسطو فقد أكد على أن التخيل هو حركة ناشئة عن الإحساس وأنه فعالية دينامية، كذلك أوضح الرازي أن التخيل هو الظن والاستدلال على الشيء بالشيء.
أما ابن سينا فقد قسم القوى المدركة عند الإنسان إلى خمس قوى وهي: القوة الخيالية والقوة الوهمية والتي تدرك المعاني والمراد بالمعاني ما لا يستدعي وجوده جسداً، على العكس من الصور التي لابد لوجودها من جسد. أما الثالثة فهي القوة التي تسمى في الحيوانات متخيلة وفي الإنسان مفكرة. ولذلك يقدر الإنسان على أن يتخيل فرساً يطير وشخصاً رأسه رأس إنسان وبدنه بدن فرس إلى غير ذلك من التركيبات. ثم هناك القوة الحافظة وهي التي تحفظ صور المحسوسات وأخيرا القوة الذاكرة وهي التي تحفظ المعاني المنطبعة في القوة الوهمية.
تمكن ابن سينا من طرح نموذجه التالي (المتميز بثنائية قوى الاستقبال – الحفظ المقترنة عبر القوة المتخيلة) عن الحواس الباطنة وفيه: (1) الحس المشترك يستقبل الصور المحسوسة من الأحاسيس الخارجية بينما تقوم القوة المصورة أو الخيال بحفظ هذه الصور و(2) القوة الوهمية تستقبل المعاني التي تقوم القوة الذاكرة بحفظها. وأخيرا تقوم القوة المتخيلة بتركيب وتقسيم الصور المحسوسة ومعانيها مع بعضها البعض.
ويبدو أن ابن سينا كان يرى نشاط القوة المتخيلة على أنه نشاط عشوائي وغير موجه بذاته، وربما حتى دون وعي. وبقدر كون القوة المتخيلة فعالة بالفطرة، فلا يبدو أنها تتوقف عن النشاط (العمل) ولهذا نجد وظائفها تستمر بصورة الأحلام عند نوم الحيوان. ولهذا ففي حالة الوعي، يكون لكل من القوة الوهمية أو العقل سلطة التحكم بوظائف القوة المتخيلة وفي حالة تحكم الأخير (أي العقل) فأنها لا تعمل بوصفها قوة متخيلة بل كقوة مفكرة. ولهذا بينما توجد قوة متخيلة واحدة فقط في أي روح حاسة، سواء أكانت حيوانية أم بشرية، إلا أن هذه القوة المفردة، في حالة الروح الإنسانية لديها مظهرين أو صورتين مختلفتين اعتمادا على كيفية النظر إليها من حيث جهة التحكم بها يعني تحكم العقل أم القوة الوهمية.
مهما يكن الأمر فإن أهمية وفائدة التخيل تنبع من عدة اعتبارات هي :
1- إن الفرد حينما يبدأ التخيل لا يعتمد على إدراكاته الحسية بل انه يعتمد أيضا على استخدام الرموز في مواجهة مواقف الحياة.
2- إن التخيل كان جزءًا مهما عند العرب خصوصا في الشعر وفي مجالسهم فقلد كان الخيال يذهب بهم بعيدا إلى مشارق ارض ومغاربها وهو جالسون في خيمهم في الصحراء.
3- اهتم علماء العرب والعلماء الغربيون بالتخيل فقد أوضح "ابن سينا" أن ما يميز التخيل هو إعادة الصور الحسية بعد غياب التنبيهات، أما "الفارابي" فقد أكد على أن التخيل قوة تحفظ رسوم المحسوسات بعد غياب المنبهات الحسية. أما "هيوم" فقد أشار إلى أن التخيل يساعد على تكوين صورة للموضوع تكون غير موجودة في الواقع وأنه وسيلة بين الإحساس والتفكير.
4- تعلم المهارات تخيل قيامك بالفعل وأنت تقوم بمهارة ما تود اكتسابها، فإن ذلك يثير نفس العضلات والأعصاب وخلايا المخ في جسدك، وبالتالي يمكنك تعلم أو تحسين أية مهارات بأن تتخيل نفسك تفعلها بالمثل عندما تقوم بها في الواقع.
5- تغيير الذات بسهولة وهذه تعتبر من أعظم فوائد التخيل. فقد توصل العلماء إلى مبدأين مهمين: المبدأ الأول: أننا قبل فعل أي شيء ينبغي أن يشكل عقلنا صورة ذهنية لما نبغي أن نفعله مثال: قبل أن تسير في الغرفة يتخيل عقلك أنك تسير فيها بالفعل.
المبدأ الثاني: أنه بمرور الوقت تصبح معظم المواقف والتصرفات تلقائية طبقًا للصورة التي ثبتت في أذهاننا.
هذان المبدآن يفسران لنا السر وراء فشل أغلب الناس في تغيير عاداتهم السيئة, ألا وهو استمرار صورة هذه العادة السيئة في مخيلته, فيتصرف وفقًا لهذه الصورة. فالذي اعتاد التدخين هناك صورة في مخيلته أنه بعد الأكل يشرب السيجارة, والذي اعتاد الغضب عند حدوث تصرف معين يتصرف كل مرة نفس التصرف ويغضب، لأن هناك صورة في مخيلته تدفعه إلى ذلك. والذي نريد أن نصل إليه أنك لا تستطيع تغيير سلوكياتك السيئة حتى تغير أولاً الصورة اللاشعورية التي في مخيلتك والاستمرار في التصرف طبقًا لهذه الصورة الذهنية. ويمكنك استخدام قدرة التخيل كنوع من المصارعة الذهنية لتغيير صورة رد الفعل تلقائيًا غير المرغوب فيه إلى رد فعل إيجابي وسلوك مستحب.
مثال: إذا كنت مثلاً تعاني من الإحباط إذا زاد عليك ضغط العمل، وتريد أن تكون سعيدًا وواثقًا من نفسك أنك ستنهي جميع أعمالك في ساعات الضغط, فأكثر من تخيل هذه الصورة الجديدة حتى تثبت في الذهن وتتلاشى الصورة القديمة .
وظيفة التخيل
تتجلى وظيفة التخيل بما يأتي: - يعد التخيل عونا للذاكرة، فالإنسان الذي يمتلك قدرة على التخيل البصري والسمعي تكون له قدرة عالية على التذكر بسهولة. - التخيل يخدم الإبداع وحل المشكلات في استخدامات العقل، فالمهندس يصعب عليه رسم هندسي على ورق ما لم يتخيله قبل أن يضعه على صعيد الواقع. - يعد التخيل أساس لكثير من الفنون كالرسم والشعر والأدب والنحت وكافة الفنون، فالقصص مثلا ما هي إلا تشكيلات من حوادث عديدة وقعت وان خيال القاص هو الذي يوحدها ويجعلها منظمة ذو مغزى وقصد معين. - يعد التخيل وظيفة مهمة في توافق الفرد adjustment، فالتوافق الفعال غير ممكن دائما لذا يلجأ الفرد إلى التعويض بالحد الطبيعي عن طريق التخيل ويسد ما يحتاج إليه.
أنواع التخيل
يمكن تقسيم التخيل من حيث كونه فعالية عقلية إلى نوعين رئيسيين هما التخيل الاستحضاري أو الاسترجاعي ويتمثل في استرجاع الصور الشكلية واللونية كطعم الشيء مثلا أو ملمسه. والنوع الآخر هو التخيل الإنشائي ويتمثل في ربط الصور ببعضها مع بعض بحيث يستحدث مركبات عقلية جديدة.
كذلك يمكن تصنيف التخيل من حيث مستوى التقييد إلى صنفين أيضا تخيل مقيد وهو الذي يسيره الفرد من جانبه نحو هدف معين كظاهرة التصميم والاختراع لدى الفنانين. وتخيل حر حيث يجول العقل هنا وهناك دون غاية معينة وغير مقصودة وغير مقيدة ويظهر في الأحلام والأوهام ويزداد التخيل الحر في حالات النوم عند الأطفال.
كذلك يمكن تصنيف التخيل من حيث هدفه إلى نوعين هما تخيل إبداعي ويكون من تأليف صوري في تراكيب جديدة ، وتخيل تفسيري حيث يترجم الإنسان ما يقرأ أو يسمع من وصف إلى خيال بواسطة الصور العقلية.
التخيل كما يراه بعض علماء النفس
أولا: مدرسة التحليل النفسي
أكد فرويد على أن التخيل ينشأ من صراع نفسي بين المستويات الغريزية من غرائز جنسية وعدوانية من جهة وضوابط المجتمع ومطالبه من جهة أخرى.
وأن التخيل تعبير عن ميكانزم دفاعي يسمى "الإعلاء" حيث يعبر الفرد عن طريق هذا الميكانزم عن طاقاته الجنسية العدوانية في صورة يقبلها المجتمع، كما أكد "يونك"على إن التخيل يعد مصدرا أساسيا للإبداع وان هناك أهمية كبيرة للصور التخيلية في التفكير الإبداعي.
ثانيا: نظرية الصور ذات المواقف المعينة
أوضحت "سارين" أن التخيل تقليد للحياة الحقيقية بواسطة التشابهات وذلك لأن الصورة الحقيقية إنما هي أشياء وحوادث وأفراد يشهدون هذه الأشياء وهذه الحوادث في مواقف معينة، فالطفل الذي يرى دمية فقط يتخيلها أنها تبتسم فهذه الصورة مختلفة، كما نجد أن التخيل يتغير بتغير الزمان والمكان من المواقف المحددة.
ثالثا: المنظور المعرفي
لم يقتصر الاهتمام بالتخيل على وفق هذا المنظور على الصعيد النظري فحسب وإنما تصدى إلى التجريب والاختبار، الفرد هو نسيج من "العقل والمادة" يتفاعل أحدهما مع الآخر، فالوظائف النفسية تحدث في حيز العقل كما أن التخيل يعد أحد القدرات العقلية، وأن شخصية الفرد تتأثر بالتخيل لأن الفرد بإمكانه أن يطلق التخيل لمديات بعيدة في المستقبل، وأن هناك علاقة بين الإبداع والتخيل وأن تلك العلاقة تعتمد على نوع الأسلوب المعرفي المسيطر على الفرد، فضلا عن وظيفة التخيل الأساسية كعملية كيميائية تتفاعل فيها القوة الفكرية والانفعالية وتسهم في تنشيط التنبيه والطاقة وخلق العمل الإبداعي.
واقرأ أيضاً: الاضطرابات الفصامية
الكاتب: د.فؤاد محمد فريح
نشرت على الموقع بتاريخ: 24/11/2007
|
|
|
|
|
|
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com
|
حقوق الطبع محفوظة لموقع مجانين.كوم ©
|
|