إغلاق
 

Bookmark and Share

اضطراب الشخصية الهيستريائية والنرجسية ::

الكاتب: ا.د.عبد الرحمن إبراهيم
نشرت على الموقع بتاريخ: 02/01/2008


إن السمة الرئيسة في اضطراب الشخصية النرجسية Narcissistic Personality Disorder هي نمط من العظمة (في الخيال أو في السلوك) والحاجة للإعجاب والحساسية المفرطة لتقييم الآخرين وفقدان التوحد العاطفي Empathy يسود حياة المصابين به، ويبدأ هذا الاضطراب في أوائل مرحلة البلوغ ويتواجد في مختلف البيئات، إن هذا الاضطراب شائع في وقتنا الحاضر أكثر من الماضي ويعزى ذلك إلى الاهتمام السريري المعاصر بهذا الاضطراب.

ملاحظات سريرية
وصف مفهوم النرجسية الأول من قبلFreud حين كتب عن نفاس Schraeber. وأصبح مفهوم الشخصية النرجسية شائعاً بشكل واسع في الأدب الطبي النفسي بعد ظهور كتاب Otto Kernberg بعنوان الحالات الحدية والنرجسية المرضية عام 1975. استحوذت الشخصية النرجسية على كثير من الاهتمام، ليس في أدب الطب النفسي فحسب بل على اهتمام المؤلفات الشعبية العامة أيضاً ومثالاً على ذلك نجد أن Tom Wolf قد صنف عقد السبعينات بعقد الأنا (The Me Decade). وبسبب جهود كل من كل من Heinz Kohut و Otto Kernberg.


كَثُرَ الاهتمام باضطراب النرجسية.. ويعتقد Kohut أنه يمكن تشخيص اضطراب الشخصية النرجسية فقط حين نلاحظ علاقة الأنقال Transference المتطورة عفوياً في التحليل التجريبي، فهو يفرق اضطراب الشخصية النرجسية عن الحالات الحدية. في حين نجد أن وصف (Kernberg) للشخصية النرجسية يتوافق عموماً مع تصنيف الجمعية الأمريكية (DSM-IV-TR) ومفاده أن المنظومة الدفاعية للمرضى النرجسيين مشابهة تماماً لتلك الموجودة عند ذوي الشخصيات الحدية. في حين تفترض Margret Mahler وجود متتالية من ثلاثة أطوار للتطور الطفلي تتجه جوهرياً إلى إحراز الطفل لإحساس الانفصال عن الأم.

الانطواء المطلقAbsolute Autism (وهي ما يعبر عنها بفترة وليام جيمس في أمريكا والتي تتصف بالحيوية وكثرة الحركة والغمغمة والفوضى)، ويشمل فترة الشهر الأول بعد الولادة ويتميز بفعالة منعكسات الحفاظ على الحياة، وتكون الاستجابات مجردة بشكل كامل من التمثيل العقلي، وأثناء هذه الفترة ينظم الطفل نظرته "الكاليدوسكوبية"
(1) للعالم من حوله وفقاً لثنائية (جيد-سيء) البدائية للمفاهيم وفقاً لمبدأ اللذة الذي يعتبر أن كل شيء ينقصها جيد، وكل شيء يفشل في إنقاصها أو يزيدها سيء.
التكافل Symbiosis وهو المرحلة الثانية التي تمتد من الشهر الثاني حتى السادس بعد الولادة، وخلال هذا الطور فإن ثنائية الإدراك (جيد-سيء) عند الطفل تخضع للتنظيم في العلاقة مع الأم أو مع من ينوب عنها
عملية الانفصال ـ تنمية الفردية Separation Individuation Process إحساس الطفل بالانفصال عن العالم من حوله، وتقسم إلى أربعة أطوار:
التمايز Differentiation
التدرب Practicing
إعادة التقرب Rapprochement
الترسيخConsolidation

وبشكل عام: يملك أصحاب الشخصية النرجسية إحساساً بالعظمة عن مدى أهميتها وفرديتها فيرون أنفسهم بغاية الأهمية عباقرة ويميلون ليكونوا في علاقاتهم مع الآخرين متعجرفين متعالين متكبرين، وعندما يتحدثون ينشغلون دائماً بتحقيقاتهم الشخصية ولا يحبون أن يقاطعهم أحد، وعندهم حاجة كبيرة لجذب الانتباه المستمر والإعجاب، وإحساسهم بالاستحقاق يقودهم إلى توقع أفعال معينة من الآخرين يقومون بها تجاههم دون أن يكون لهم مسؤوليات مقابلة، وقد يغضبون غضباً كبيراً عندما لا يحصلون على توقعاتهم، وهذا الشعور بالاستحقاق يقودهم إلى انتقاد الآخرين من أجل أهدافهم الشخصية دون الاهتمام بحاجات الآخرين وحقوقهم، وعندما يمرضون يطلبون خدمات الأساتذة الكبار في اختصاصات الطب، وفقط أحسن الداخليين والجراحين يمكن لهم أن يعتنوا بشخص هام كهذا، وعندما يقبلون في المشفى ينظرون إلى المقيمين بازدراءٍ متعالٍ، ولا يريدون النقاش إلا مع رئيس القسم.. ومن الأمثلة الأدبية بيتروفيتش لوتسين الثري المتقدم للزواج من شقيقة راسكو لينيكوف في رواية الجريمة والعقاب للكاتب Fyodor Dostoyevsky وكذلك السيدة رامسي في كتاب إلى المنارة للكاتبة Virginia Woolf.

وأما معالجة هذا الاضطراب فتضم
المعالجة النفسية الفردية الموجهة دينمياً أو التحليل النفسي هي المعالجات المستطيلة لمرضى هذا الاضطراب.
كما تستطب معالجة المريض في هذا الاضطراب في المشفى حين يبدي اكتئاباً شديداً أو مرضاً نفاسياً أوذهانيا.ً
وينصح عالميا بالمعالجة الجماعية (على الرغم من أن الشخصيات النرجسية غالباً ما تتجنب ذلك).
هناك توجه في العقدين المنصرمين لمشاركة العلاجات السابقة مع العلاج المعرفي السلوكي مترافقا مع العلاج التنفسي.
 
اضطراب الشخصية الهستريائية
أما السمة الرئيسة في اضطراب الشخصية الهستريائيةHistrionic Personality Disorder هي نمط من الانفعالية الزائدة والمغالية إلى درجة الإفراط مع طلب انتباه الآخرين يسود حياة المصابين به، يبدأ هذا الاضطراب في بداية البلوغ ويتظاهر في سياق العديد من التصرفات، ينشد الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب باستمرار الطمأنة والاستحسان والإطراء من الآخرين ويبدون منزعجين في المواقف التي لا يكونون فيها محور الاهتمام ويتسمون بإظهار تبدلات سريعة وسطحية في التعبير عن انفعالاتهم ويتصف سلوكهم بأنه ارتكاسي زائد معبر عنه بحدة وانفعالية، وتؤدي المثيرات الخفيفة إلى إثارة انفعالية.

ويعبر المصابون بها الاضطراب عن انفعالاتهم بشكلٍ مبالغ فيه وغير ملائم للموقف، فعلى سبيل المثال:"يبدو المصاب حزيناً أو غاضباً أو مسروراً جداً مما يبرره الموقف"، ويميل المصابون إلى أن يكونوا أنانيين ولا يتحملون، أو قليلو التحمل للإحباط الذي يصيبهم نتيجة الإشباع المتأخر لرغباتهم وتهدف أفعالهم إلى كسب الإرضاء الفوري

ويتمتع المصابون إلى حدٍ ما بالجاذبية والإغواء إلى درجة أنهم يبدون متألقين ويتصرفون بشكلٍ غير مناسب، ويتركز اهتمامهم إلى حدٍ كبيرٍ على جاذبيتهم الجسدية إضافة إلى ذلك فإن أسـلوب كلامهم يميل إلى أن يكون تعبيرياً مفتقراً إلى التفاصيل، فعلى سبيل المثال قد يصف الشـخص عطلته أنها رائعة خيالية دون القدرة على أن يكون أكثر تحديداً..

وهذا الاضطراب شائع بشكل واضح وأكثر ما يشخّص عند الإناث ويعود سبب ذلك جزئياً إلى الجنس الأنثوي وصفاته ويتسم المصابون بهذا الاضطراب بالحيوية والتمثيلية ويحاولون دوماً جذب الانتباه إليهم ويميلون للمبالغة في علاقاتهم مع الآخرين فغالباً ما يلعبون دور الضحية أو الأميرة مثلاً دون وجود وعي لذلك، إنهم توّاقون إلى البدع والإثارة وسرعان ما يشعرون بالملل من الحياة الروتينية العادية..

يدرك الآخرون أن هؤلاء المصابين يتمتعون بجاذبية سطحية ولكن ينقصهم الصدق ويستطيعون تأسيس صداقات بسرعة ولكن ما أن تبنى العلاقة حتى نجد تصرفاتهم متمركزة حول لذاتهم ودون مراعاة لحقوق الآخرين..

إنهم بحاجة دائمة إلى الطمأنينة بسبب شعورهم بالضعف والاعتمادية كما أن أفعالهم غير ملائمة وقد يساء تفسيرها من قبل الآخرين ويحاولون في علاقاتهم السيطرة على الجنس الآخر أو الشروع في علاقة اعتمادية معه،وكثيراً ما تراهم يحلقون في خيال رومانسي خصب

إن الطبيعة الحقيقية لعلاقاتهم الجنسية متنوعة، فبعض هذه العلاقات غير شرعي وبعضها الآخر بسيط وساذج من دون استجابة جنسية ويظهر واضحاً أن الباقين عاديون في تكيفهم الجنسي

يبدي هؤلاء الأشخاص عادة اهتماماً قليلاً، التحصيل الفكري والتفكير التحليلي الدقيق ومع ذلك فهم غالباً مبدعون وذوو خيالٍ خصب،ويتصف المصابون بهذا الاضطراب بأنهم حساسون يتأثرون بسرعة وسهولة بالآخرين أو البدع، قابلون للإيحاء ويثقون بالآخرين ثقة زائدة ويبدون استجابة مبدئية إيجابية لأي شكل من أشكال السلطة القوية، حيث يظنون أن هذه السلطة ستقدم لهم حلاً سحرياً لمشكلاتهم وهكذا فهم يتبنون قناعاتهم بحزم وسرعة، كما أن محاكمتهم العقلية للأمور ليست متأصلة أو راسخة ، فغالباً ما يتصرفون تبعاً لإحساساتهم الباطنية Hunches.

وكثيراً ما يشتكي المصابون بهذا الاضطراب من مشكلات صحية (مثل الضعف أو الصداع) أو من مشاعر ذاتية من تبدد الشخصية، وقد يعاني هؤلاء من أعراض ذهانية عابرة خلال فترات الشدات الزائدة ولكن مدة وشدة هذه الأعراض عموماً لا تكفي لتبرير تشخيصاً إضافياً.

والمريض غالباً ما يلعب دور اللامبالاة بالمرض La belleindiffernce فالمرأة المصابة بهذا الاضطراب تبدو مغناجة، والرجل المصاب بهذا الاضطراب يلعب دور الرجل المغوي للنساء (دون جوان Dun Juan). وتميل الشخصية الهستريائية لأن تكون محافظة على المظهر، ومحددة من تبيان مشاعرها، فإن الشخصية الهستريائية (الاستعراضية) سريعة الاعتناق لأفكار جديدة، وغير مثبتة الارتكاسات العاطفية المندفعة من الناحية الاجتماعية، وصاحب هذه الشخصية غالباً يكون معتمداً على الآخرين، يبحث عن الحب والاهتمام، وإن تعاطف الآخرين معه يعتبر بالنسبة إليه كمديحٍ رقيقٍ، إعجاب مفتوح أو عبارة صريحة، وإذا فشل هذا الاقتراب الموصي بالصداقة أو الاستلطاف هناك ارتكاس أقل لطفاً كانفجار غاضب أو ثورة غضب.

يجلب السلوك الدرامي والهستريائي الانتباه، وقد لا ينتبه الملاحظ في البدء لهذه الصفات الاستعراضية لهذا النوع من السلوك. وإن الدموع والنحيب تجلب التعاطف، ولكن قد يرى الطبيب أن المشاعر تبدو سطحية وتفتقر للعمق الخلاّق، وهذه المزاجات المتقلبة تتغير كأمطار نيسان، فتراه في لحظة شديد الاكتئاب والأسى، وفي لحظة أخرى تسمع ضحكات تدوي مجلجلة، كما لو أنه لا توجد أية مشكلة في العالم، وإن مزاج الهمودي لا يتغير بهذا الشكل السـريع، ولا يستجيب بهذه الجاهـزية لمكالمـة هاتفيـة أو لدعم أو تشجيع من الطبيب، فمريض الشـخصية الهسـتريائية يميـل لأن يبالغ في شكواه الجسمية، ويصفها بشكل فائق، فصداعاته شديدة، وأعصـابه محطّمة، ولا يوجد أمل من أجل المستقبل، وسينهي حياته..

ولكن مع هذا عنده أملٌ بأنّ طبيبه سيساعده، وفي الحقيقة فطبيبه هو الشخص الأول الذي فهمه، ويكون ارتكاسه الأول بالطبع هو شعور بالغبطة لوجود مثل هذا المريض الذكي والمدرك، ولكن سرعان ما نرى أن هذا كان فقط للمقابلة الأولى، فالمريض قد ذكر كل ما عنده، ويوجد في الواقع قاعدة صغيرة جداً لهذا الدعم السريع لمواهبنا.. (يدخل الأطباء بعلاقات حميمة مع مثل هؤلاء المرضى، والذين يبحثون غالباً عن أناس أكبر منهم ومن الجنس الآخر كتعويض عن ملامح هامة من الماضي مثل والد أو والدة مثلاً.).

ويقوم أصحاب هذه الشخصية بسلوك مغناج ومغوي يؤدي إلى تعبير صريح عن مشاعر جنسية مباشرة نحو الطبيب مثلاً. ولكن كما قال الدكتور Franks: "نادراً ما ينظر هؤلاء المرضى لعلاقات جنسية طويلة، وذات مغزى، بل بالعكس يحاولـون أن يتعاملـوا مع المشـاعر الحزينة، كالوحدة، والقلق والشعور بالذنب، وأيضاً الشعور المضطرب بالذات عبر واسـطة الجنس".

وقد يطلب هؤلاء المرضى طلبات كثيرة ممن حولهم، وعندما لا تنبع حاجاتهم من الحب والدعم قد يهددون بالانتحار، وهذه المحاولات الانتحارية تأتي من أجل جلب الانتباه والتعاطف، أو لتهديد الآخرين بالإذعان، ونادراً ما تكون المحاولة جدية، ولكن مع هذا فقد تحصل حوادث وفاة، فقد يتدلى المريض أكثر من حد الأمان من النافذة، أو يأخذ جرعات كبيرة من دواء يظن أنها غير مؤذية، أو أخطأ بالحكم على موعد عودة شريك الزواج إلى البيت لكي يغلق صنبور الغاز، وهنا يصبح الموت حادثاً مؤلماً جداً في موقف درامي.

على كلٍ الكبت هنا هو الآلية الدفاعية الكبرى، وقد تعطي الشخصية الهستريائية قصة سابقة لأعراض تحويلية Conversion Symptoms من الاضطرابات الافتراقية Dissociative Disorders كنوبات نسيان أو حالات هروب.. ومن الأمثلة الأدبية على الشخصيات الهيستريائية أيما بوفاري في رواية مدام بوفاري للكاتب Gustave Flaubert وشخصية سوبرايد هيد في كتاب يهوذا المظلم للكاتب Thomas Hardy وشخصية جوليان سوريل في رواية الأحمر والأسود للكاتب Stendahl.

لمحة عامة عن المعالجات الطبية النفسية An overview of The psychiatric Therapies
قبل العلاج لا بدّ من وضع تشخيص، ومن ثم خطة تحدد مسببات المرض، وفي الطب النفسي يبدو هذا أكثر تعقيداً للأسباب التالية:
هناك حاجة حقيقية بتقديري لوضع تشخيص دقيق وهذا غير متوفر رغم ادعاء الأمريكان عبر محاور الـ DSM-IV-TR.
العوامل المسببة العديدة والتي قد تدخل في الكثير إن لم أقل في كل الاضطرابات النفسية والعقلية.
النقص الشائع في العلاقة بين الأعراض النفسية والعقلية الخاصة، والعوامل المسببة الخاصة.
الصعوبة في أن كثيراً من المرضى النفسيين، قد يكون لهم في وصف اعتقاداتهم، مشاعرهم، وسلوكهم، طريقة يعوّل عليها.

وعند غياب الأعراض والعلاقات الوصفية يعمل الطبيب غير النفسي على الحصول على معلومات اكبر لزيادة احتمال التشخيص الدقيق، وهذه تأتي من قصة وفحص مطوّلين بشكل أكبر، ولكن غالباً تحوي فحوصاً مخبرية مختارة ووسائل تشخيصية أخرى، وتكامل هذه المعطيات يجب أن تشير إلى تشخيص ومسببات أرجح، وهذا يؤمن توجهاً نحو المعالجة.. ولكن اكتشاف ورم دماغي أو انسمام دوائي مثلاً.. لا يعطينا إجابة مريحة عن سبب أوهام وإهلاسات المرض الزوري.. لذلك كان لا بدّ للجوء إلى النموذج الكيميائي الحيوي للدكتور George Engel وهذا ليـس فقط من أجل الطب النفسي فقط بل من أجل كل الطب.. وداخل الطب النفسي هناك العديد من التداخلات العلاجية المختلفة التي قد تكون فعّالة جداً للعديد من الاضطرابات العقلية فيما إذا أعطيت بناءً على تشخيص دقيق، وإذا وصفت بمهارة.

ويمكن أن تقسم الأنواع العلاجية وفق نموذج الدكتور Engel (النموذج الاجتماعي النفسي الحيوي) إلى علاجات حيوية، ونفسية ،واجتماعية ،وهي عناصر متداخلة بشكل كبير ولكن آثرت الفصل بينها بغية التوضيح:

العلاجات الحيوية (الجسميّة) Biological (Somatic) Therapies
تعتمد على وجود حدثية مرضية تصيب الجهاز العصبي المركزي، وتسبب سلوكاً مضطرباً، بتغيير توازن بعض النوال العصبية وأماكن الاستقبال التلاحمية، وأهمها: العلاجات الدوائية النفسية (مضادات الذهان أو النفاسAntipsyehotic Drugs ، مضادات الاكتئاب Antidepressant، كربونات الليثيوم، مضادات القلق Antianxiety Drugs، والأدوية المحرضة)، والعلاج بالصدمة الكهربائية (ECT Electroconvulsive Therapy), ومن العلاجات الجسمية المستعملة العلاجات الغذائية والجراحة النفسية،وأشير إلى أن معالجة الأمراض الطبية التي تسبب اضطرابات عقلية عضوية وأعراضاً نفسية أخرى تدخل هنا أيضاً.. والتصرفات الخطيرة مثل الهياج النفاسي، والتهجم على الآخرين، الاكتئاب الانتحاري أو الرعب المسيطر تحتاج غالباً العلاجات جسمية، والاستجابة للعلاج تكون مدهشة.

العلاجات النفسية Psychological Therapies
تقوم على مبدأ تأثر الأداء النفسي والتعامل مع المحيط بالصراعات غير الواعية، والتعلم المكتسب بشكل سيء، وأكثر نوعين من العلاجات شيوعاً هي العلاج النفسي Psycho Therapy والتي تعتمد على النموذج النفسي الحركي للعقل، العلاج السلوكي Behavioral Therapy (يعتمد على نموذج نظرية التعلم العقلي)، وهناك طـرق أقل شيوعاً هي التنـويم Hypnosis (تعتمد على نموذج حركي نفسي)، والتلقيم الراجع الحيويBiofeedback (يعتمد على نموذج نظرة التعلم)، ولنناقش هذه العلاجات باختصار شديد جداً.

قد تختلف العلاجات النفسية بمحتواها: فردي، جماعي، عائلي، دراما النفس Psychodrama، وقد تختلف بأهدافها :داعمة أو موجهة للبصيرة، إذ يمكن أن يعتبر التحليل النفسي Psychoanalysis كواحد من علاجات النفس الفردية، والتي تكون فيها الزيارات المتكررة، على مدى حقبة طويلة من الزمن، مخططة لتحقيق بصيرة ذات مغزى للصراعات داخل النفسية وبين الأشخاص المزمنة، والتي لا يمكن أن تمنع بشكل فعّال بمعالجات قصيرة الأمد.

يؤمن التداخل النوبي راحة سريعة لشخص يعاني من اكتئـاب حاد، والذي لا يحتاج أو لا يتمنّى مسـاعدة أكبر حالما تنتهي النوبة (علاجات قصيرة الأمد)، وإن العلاقة التي يكوّنها المريض مع الطبيب خلال هذه المقابلات القصيرة ضرورية ليشاهد نفسه، وطرق ارتكاسه نحو الأشخاص، وطرقه في التعامل مع الأوضاع الشديدة وهذه المعرفة تجعل المريض أكثر قدرة على معرفة نفسه ومحيطه بشكل أكثر دقة وأن يتصرف بسلوك أفضل.

وفي العلاج النفسي طويل الأمد أو التحليل النفسي، قد يكون المريض غير قادر على تجاوز المعاني اللاواعية لتصرفاته غير المكتسبة بشكل جيد، وغير قادر على معرفة أصولها ومحّدداتها من تجارب الماضي، وعلى استعمال هذه البصائر لتغيير عدّة مظاهر من حياته.. وعلى العكس من مختلف العلاجات النفسية، فإن المعالجة السلوكية موجهة بشكل خاص نحو الأعراض، والجهد الأول فيها موجّه لمعرفة المحرضات السابقة، والعرض المكتسب بشكل سيء من هذا المحرض، ونتائج هذا الارتكاس والمقويات التي تحافظ على هذا الارتكاس.. ومن ثم يعلّم المريض أن لا يتعلم أو يحذف الارتكاس السيئ، وأن يتعلم سلوكاً أفضل غير آبه بمصدر أو معنى الأعراض.

العلاجات الاجتماعية (المحيطية) Social (Environmental) Therapies
تعتمد على عدة مبادئ أولها أن الشدة المحيطية قد تنتج سلوكاً عرضياً، والشدة قد تكون فقداً شخصياً أو كارثة طبيعية رضية، أو بعض الحوادث الأخرى والتي لا يكون للمريض تحكماً عليها، وقد تكون الشدة واحدة من عدة سـلاسل من النوب المسببة عن تصرّف المريض السيئ، وثانيها أن القوى المحيطية قد تقوي السلوك السيئ، وتحدّد أو تمنع السلوك الجيد، على سبيل المثال الزوجة التي تغطي باستمرار سلوك زوجها السيئ من قمار أو كحولية، أو الزوج الذي يستجيب لزوجته فقط عندما تبكي من الألم، فكلاهما قد يؤمن ربحاً ثانوياً قد يحافظ على الأعراض مهما كان نوع العلاجات الجسمية أو النفسية المطبقة، وثالثها أن الضغوط المحيطة قد تزداد في أوقات التغيرّات التطورية الكبرى، مثلما يحدث عند مغادرة البيت للذهاب إلى الكلية أو عند الزواج أو التقاعد.

والمعالجات الاجتماعية التي تحاول تغيير محيط المريض بطريقة إيجابية، تتضمن الدخول إلى المستشفى مع معالجة جماعية Milieu Therapy برامج العلاج اليومية التي تشمل العلاج المهني occupational therapy، أو الوضع السـكني Residental placement أو العـلاج العائلي Family Therapy، والمحيط الذي يصبح أكثر دعماً وواقعية بتوقعاته ومتطلباته من الفرد، سيكون أقل شدة وضغطاً وأكثر تنمية، وعى الرغم من أن العلاج العائلي اعتبر تقليدياً كنوع من العلاج النفسي، لتحسين التعليم الجديد والبصيرة، فهو يقدّم أيضاً فرصة ذهبية لتغيير في الجزء المعارض من محيط المريض.

محاولة علاجية متعددة الأبعاد Multidimensional Treatment Approach
غني عن التنبيه إن كل من المعالجات النفسية لها فوائدها ولها أخطارها وبالتالي لها استطباباتها ومضادات استطبابها، وفي الوقت الحاضر يزداد الإقبال عالمياً على العلاج متعدد الأبعاد، وعلى الرغم من أن بعض الأطباء يركزون أهمية أكبر على وجهة نظر جزئية من السلوك الإنساني، فإن الأكثر فعالية والأكثر قدرة بين هذه العلاجات هي متعددة المناحي، والتي تعتمد على فهم مدرك ومتكامل للمريض وحالته الحياتية، والنتيجة قد تكون وصف نمط واحد فقط من التداخل، أو عدد من التداخلات المختلفة سوية، أو تداخلات مختلفة في أوقات مختلفة.

وبالاختصار يجب أن يخطط العلاج حسب حاجات المريض، وليس حسب الآراء النظرية للمعالج، والقصة التالية ستبين لنا الطريقة العلاجية متعددة الأبعاد، والتي استعملت لمريضة كانت تعاني من قمه عصبي Anorexia nervosa.

حـالـة المريضة روان
توضـح هذه الحالة المرضية تداخـل العلوم البيولوجية النفسية والاجتماعية، فالآنسة روان تعاني من قمه عصبي Anorexia nervosa.. والمعالجة يجب أن تتوجه نحو الحفاظ على وزن جسم طبيعي، وفعاليات بيولوجية طبيعية، ولكن يجب أن نتوجه أيضاً لتقوية الحس الضعيف بالذاتيّة والتحكّم النفسي عند هـؤلاء المرضى، وعلى مساعدة العائلة في التعامل مع المـرض المهدّد للحياة.

كما هو شائع في عدد من مرضى القمه العصبي فقد مرّت روان بعدد من حوادث الشدة والكرّب خلال حياتها، فتوفي والدها عندما كانت في الثالثة، وشقيقتها عندما كانت في الخامسة من العمر، ولم تكن والدتها بالإنسانة اللينة المطاوعة بل كئيبة محافظة أنيقة، وعلى الرغم من أنها كانت شابة عند وفاة زوجها، فهي لم تتزوج.. بل تفرّغت لأولادها كلياً ولمهنتـها التعليمية، وكانت تعتبر روان كالبنت الكاملة، لذلك عندما بدأت روان تفقد وزنها في المدرسة الثانوية، لم تصدق أنها قد تكون مشكلة عاطفية، وشاهدها طبيب العائلة وعرف المشكلة وأدخلها إلى المشفى، وكانت قد فقدت من الوزن 30 كغ.. كانت معالجتها في المشفى عبارة عن مزيج من العلاج النفسي، والسلوكي، والعائلي والدوائي.

في البدء رفضت أخذ أي من العلاج النفسي أو السلوكي، وتنازعت مع طبيبها النفسي وممّرضاتها، كما تنازعت سابقاً مع أمها بموضوع الطعام.. وقبل أن يعود وزنها كانت تضع حجارة في جيوب فستانها، وتتجرع كميات كبيرة من الماء، وتجري حركات جمباز لعدة ساعات.. وتابعت خطة العلاج إلا أنها لاحظت أن راحتها أصبحت ممكنة بعد كسب الوزن، فكان هذا تداخلاً سلوكياً من التعزيز الاجتماعي لكسب الوزن، وساعدت الأدوية المضادة للاكتئاب على إزالة بعض مظاهر الاكتئاب المزمن، والميول المدمرة للذات، والتي عبرّت عن نفسها بواسطة القمه، ثم أصبح العلاج العائلي جزءً مهماً متمماً للعلاج عن طريق إنشاء شخصية مستقلة عن مجرد كونها بنت أمها الكاملة، وتعلمت كلّ من الأم والبنت أن تتحملا غضب واكتئاب الأخرى بشكل أفضل، وأن يحترما بعضهما كشخصية مستقلة، وتعلمت روان أن تقول (لا) لوالدتها، وبدأت الأم تشعر أن قول ابنتها لكلمة (لا) لا يعني مهاجمة شخصية لها أو نقص في محبتها لها..

وبعد ما خرجت روان من المشفى حافظت على وزنٍ جيد، إلى أن جاء موعد مغادرة المنزل من أجل الكلية، وكان افتراقها عن أمها سبباً لنكسة جديدة، وكان المشهد الاجتماعي مهدداً.
فالعلاقة الجنسية الأولى قد أبعدتها عن قوامها السليم، وقررت أنها سـتكون أفضل إن تخلت، ثم بعد عدة أشهر من اكتساب 400 700 حريرة فقط في اليوم، لم تعد تستطيع التركيز على دروسها، وانعدم طمثها، وبدأت أشعارها الشقراء الطويلة بالسقوط، وصار فقد وزنها ملاحظاً من أي إنسان.. راجعت طبيباً نفسياً طالبة معالجة خارجية، وقبل الطبيب معها شرط إطالة العلاج حتى الوصول إلى حالة طبية ونفسية جيدة.. وكان في البدء موجهاً نحو صحتها الفيزيائية، إلى المرحلة التي يمكن أن تشارك فيها بالعلاج (من المعروف أن الأشخاص في الصيام يحصل عندهم اضطرابات إدراكية). وساعدها الطبيب في التعامل مع صراعاتها الداخلية، وعند هذه المرحلة فقط كانت قـادرة على النظر إلى مخاوفها الجنسية، وأنها أصبحت امرأة.

ومع تقدم العلاج أصبحت قادرة على تغيير نظرتها الكمالية الفلسفية نحو نفسها، ثم أصبحت قادرة على الاستفادة من العلاج النفسي الجماعي مع أفراد قمهين مثلها... وأخيراً تخرجت روان من الكلية، واستطاعت القيام بعلاقات شخصية ذات معنى.

لمحة عامة لمعالجة اضطرابات الشخصية
إن معالجة اضطرابات الشخصية صعبة جداً، والسبب في ذلك كون المرضى عادة يفتقرون إلى الدافع الأساسي للتغيير.
إن المكافأة الإيجابية للمريض على سلوكه تطغى على الشعور بالمرض الذي يولده المجتمع لدى المصاب باضطرابات الشخصية
يلتمس هؤلاء المرضى المعالجة للأسباب التالية:
إما بسبب القلق الذي يظهر بشكل ثانوي استجابة للمضاعفات الاجتماعية لسلوكهم .
أو بسبب إصرار شخص آخر على ذهابهم إلى الطبيب (الوالدين أو الزوج أو رب العمل أو…).
أو بسبب إدراكهم لبطء تطور نمط حياتهم غير المرضي لهم.
تفيد المعالجة النفسية المكثفة الموجهة بالتحليل النفسي في علاج اضطرابات الشخصية النرجسية والشخصية الحدية.
قد يعتمد في المعالجة على السلوك السيء التكيف أكثر من مناقشة حياة المريض الخاصة.
يجب أن ننتبه لمشاعر الأنقال المعاكس السلبية عند المعالج ونتعامل معها في العديد من اضطرابات الشخصية، كما أن تمييز مشاعر الغيظ والامتعاض يعد أمراً هاماً في تطوير استراتيجية علاجية مناسبة تخلق تحالفاً علاجياً مرغوباً به لتسهيل التغيير.
يحتاج مثل هؤلاء الأشخاص إلى نموذج مختلف من الناس ليتفقوا معهم ويستحصلوا منهم عن معلومات موثوقة حول تأثيرهم العاطفي على الآخرين. وبشكلٍ عام يتوجب على المعالج أن يبقى مرناً وأن يكون مستعداً للعب أي دورٍ فعالٍ في إطار المعالجة إذا استدعت الضرورة.
بشكل عام يجب أن يركز المعالج فضلاً عن محاولة التعامل على (لأساليب) المؤدية إلى هذا السلوك.
إن رسم الحدود والبنى مهم كذلك في علاج العديد من الاضطرابات.

أرجو أن أكون قد شرحت بشكل موجز ومفيد لك ولجميع أصدقاء مجانين هذين الاضطرابين وأسس معالجتهما..

المصدر: المجلة الإلكترونية للشبكة العربية للعلوم النفسية

واقرأ أيضاً:
ميليس في قفص التحليل النفسي(3)/ لغة الجسد عند ديتلف ميليس/ الاضطرابات النفسية عند ديتلف ميليس(4)/ فكرة عن التحليل النفسي للفيتشية2 / اضطـراب الشـخصية المتجنبـة/ تصنيف اضطرابات الشخصية(1)/ المريض الغاضب/
المريض المغوي/ تحليل لمقابلة مع مريضيعني إيه سيكوباتي (2) / هل اضطراب الشخصية له علاج (2)/ قادة العالم واضطرابات الشخصية(2) / رويدة والشخصية البينية / عاشقة للشراء وعصبية وحدية جدا / الشخصية النرجسية والهستيريائية:العلاج/ الشخصية التجنبية والحياة على الهامشأم عبد الله والشخصية السيكوباتية/ الشخصية السيكوباتية (المستهينة بالمجتمع)/ الموشكة على الانتحار، شخصية حدية: مشاركات/ شخصية رهابية......هل من علاج/ الشخصية الاتكالية (الاعتمادية/السلبية)  
_________________________________________________________
(1) - الكاليدوسكوب: أنبوب ذو نهاية تحوي مرايا وقطعاً زجاجية ملونة فإذا نظر إليه من الجانب الآخر شوهدت مناظر ذات أشكال وألوان زاهية.



الكاتب: ا.د.عبد الرحمن إبراهيم
نشرت على الموقع بتاريخ: 02/01/2008