إغلاق
 

Bookmark and Share

رائحة للذات، والحياة، والجسد، والأشياء ::

الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 09/02/2008


أولاً: تمهيد: تاريخ تطور الشم وما آل إليه
حقائق كثيرة يمكن أن تقال عن حاسة الشم وتطورها:
قيل أنها الأقدم، وأنها كانت تستخدم-حتى بالإنسان- في التقصي والصيد والتجاذب العاطفي والجنس والمعرفة، وأنها تراجعت عند الإنسان الحديث (تراجعا لم تُدْرس دلالته السلبية بدرجة كافية)، وأن عائلة الشم الجينية التي تتألف من حوالي 1000جين تفقد وظيفتها تدريجيا عند الإنسان بمرور الزمن، وأن حاسة الشم مازالت أفضل عند الأفارقة والآسويين منها لدى الأوربيين والأمريكيين وأنها تنهار أكثر فأكثر مع انهيار القدرة المعرفية بالسن، خاصة لمرضى الزهايمر، وأنها تكون في أعلى مستوى لها في الطفولة ثم تفقد حوالي 18% من قدرتها عند سن العشرين، الأمر الذي يزيد إلى 62% عند سن الستين، كل هذه المعلومات وأكثر منها يمكن أن يجدها الزائر بنفسه إذا ما زار "سيدنا جوجل" وسأله عن "تطور حاسة الشم" وسوف يحصل على المعلومات المتاحة (السابق ذكرها بالتفصيل وأكثر مئات المرات).

ثانياً: أسئلة مبدئية
هل للحياة رائحة ؟
هل للموت رائحة؟
هل للجماد رائحة؟
هل ثَمَّ روائح تنبعث من داخلنا ؟
وما هي رائحة عرقك؟
.. ورائحة حزنك؟
وهل لرأيك رائحة ...؟
وهل لرأيك -غير رأيك السابق حالا- رائحة أخرى؟
وهل يمكن أن ترى بأنفك؟
وهل أنت تعرف أن لك جسداً له حواس خمسة، وأكثر، وأنها تعرف وتبدع؟
وهل ما تعرفه، أعنى ما تدركه، بحواسك، هو "الحقيقة
أم هو حقيقتك أنت؟
وهل هذا الذي تعرفه هو نهاية المطاف، أم بداية "جدل الإدراك

ثالثاً: منهج قراءة هذه الأطروحة
برجاء التفضل بتشغيل:
أكبر قدر من السماح
ما تيسر من خيال
ما أمكن من الاستعداد للمراجعة
مع قدر متوسط من الذاكرة
وقدر أقل من ذلك من أحكامك السابقة
وقدر أقل فأقل مما قرأت "تقليديا":

رابعاً: التجريب
دعوة إلى تجريب محدود
تصورت أن هذه المسألة -تقييم ما وصلت إليه حالة أنوفنا- لا تحتاج إلى تنظير وحكي، بقدر ما تحتاج إلى تجريب ومراجعة، فإليكم هذه المحاولة معاً:
(لا تحاول أن تسمي أي رائحة يمكن أن تصلك بأي اسم تعرفه ولا حتى بصفة استحسان جائز أو رفض جاهز)
1- جّرب أن تشم رائحة الخشب المكون منه المكتب الذى تجلس عليه.
2- جّرب أن تتذكر رائحة الحليب إن كنت مازلت تمارس تسخينه أو غليه (أو كنت تذكر أيام الرضاعة!!)
3- جّرب أن تربط بين ما شعرت به (ربما كان رائحة) وأنت تشاهد في التليفزيون منظر الدماء والأشلاء بعد إغارة جبانة، أو تفجير قذر.
4- جّرب أن تستجلب الرائحة، أو اللارائحة، بعد سماعك بيان رسمي، أو خطاب مؤسساتي.
5- جّرب أن تتذكر رائحة البحر وكيف غيرت رائحة علاقتك بصاحبك أو صاحبتك وأنتما صامتان أمامه، وصوته يتسحب إلى وعيك فتحتد حاسة شمّك، دون أن تدرك أنها رائحة
6- جّرب أن تفرّق بين رائحة النيل ورائحة الترعة ورائحة البحر ورائحة ماء الحنفية
7- تذكر -بعد جهد إن استطعت- هل ميزت يوما بين رائحة شخص على دينك من رائحة من هو على دينك؟
8- إن كنت مسلما: ماذا يتبقى عندك من رائحة المسجد إذا جاء موقعك في صلاة الجمعة بجوارها "......."؟ طيب! وماذا عن رائحة الناس الطيبين المصلين بجوارك؟
إن كنت مسيحيا فسوف تجد -ربما- ما يقابل ذلك مما لا أعرف

خامساً: تساؤلات متعلقة
كنت أود أن أتوقف اليوم عند هذه المرحلة، حتى يستوعب كل منا التجربة، أو يحاول الإجابة عن الأسئلة بما يسمح لنا بالتقدم خطوة أخرى نحو فروض الإحساس والإدراك واضطرابهما -أو طبيعتهما- فيما يتعلق بحاسة الشم لكن يبدو أن علىّ أن أضيف مزيدا من تساؤلات كالتالي:
1- لماذا اضمحلت حاسة الشم عند الإنسان الحديث؟ وبماذا استُبْدِلت؟
2- ما علاقة ذلك بما يسمى الإدراك خارج الإحساس Extrasensory Perception؟
3- لماذا تعود حاسة الشم للنشاط بشكل مضطرب عند بعض الذهانيين (مرضى العقل
4- هل يمكن أن تكون هناك أنف داخلية تفسر الهلاوس الشمية؟ مثل (فرض الكاتب وفرض "سيمز" لما هو "عين داخلية")
5- كيف نتعامل مع الهلوسات الشمية باعتبارها استقبال موضوعي لحقائق (لكيانات ماثلة) داخلية؟
6- هل ما يسمى الهلوسات الشمية (ربما كمثال للهلوسات الأخرى) تصلح مثالا لسائر الهلوسات عبر الحواس الأخرى؟
7- كيف تساعدنا رواية العطر الشهيرة (انظر بعد) على فهم المزيد عن دور الرائحة والروائح في تشكيل العالم والذات والعلاقات والتواصل والموت (القتل) والحياة؟

سادساً: تطبيق توضيحي
فيما يلي سنورد فقرتين من بداية رواية العطر وصف فيهما الكاتب الأماكن وبعض الأشياء، كما وصف البشر وبعض الأعضاء، بما تراءى له من روائح تفوح من كلٍّ.
علينا أن نتذكر أن هذا هو وصف الكاتب مبدعاً، وليس وصف غرينوى (بطل الرواية القاتل)، وكأن في ذلك إثبات أن تنشيط حاسة الشم، بما في ذلك القدرة على تسمية الروائح التي تصل إليها وربطها بما يقابلها، هو من صفات الإبداع، موازيا لتنشيطها السابق ذكره في حالة التنشيط الذهاني (المرض)، وهذا سوف ينفعنا حين نقارن بين التنشيط البدائي الأولى والتنشيط الولافي النمائي ونحن نتكلم عن الإدراك المتجاوز للحواس، القبلي والبعدي لتطور الحواس [1]
وحتى نرى مدى المهارة الإبداعية في تناول الموضوع سوف نورد -في عامودين متقابلين- الأماكن وبعض الأشياء التي وصف الكاتب المبدع رائحتها ونسأل الزائر محاولة التوفيق بين كل مكان والرائحة المناسبة له .
ثم نورد -في عامودين أيضا- البشر، وبعض الأعضاء مقابل الروائح التي وصفها الكاتب.
وعليك أن تجرب اختيار الوصف المناسب من كل عمود مقابل الآخر.
ثم نورد بعد ذلك المقتطف الذي أخذنا من هذا وذاك كما كتبه زوسكند (وليس غرينوى طبعا)، وسوف تدرك روعة الإبداع والدقة.

المجموعة الأولى: الأماكن والأشياء

أ- الشوارع
ب- ساحات المنازل الخلفية
ج- أدراج البنايات
د- المطابخ
ذ- الغرف غير المهواة
ر- غرف النوم
ز- اللحف الرطبة المحشوة بالريش
هـ- المدفئ
و- المدابغ
ى- المسالخ

1- رائحة قلويات الغسيل الواخزة
2- رائحة الغائط
3- رائحة الدماء المتفسخة
4- الرائحة النفاذة المنبعثة من المباول
5- رائحة البول
6- رائحة الكبريت
7- رائحة الشراشف المدهنة
8- رائحة الخشب المتفسخ وروث الجرذان
9-
رائحة الملفوف المتعفن، وشحم الخراف
10- رائحة الغبار الرطب


المجموعة الثانية: رائحة البشر

1- رائحة القس
2- رائحة حيوان مفترس
3- رائحة زوجة المعلم
4-
رائحة الأسنان المتعفنة
5- رائحة عنزة شمطاء
6- رائحة الجبنة العتيقة والحليب الحامض والأمراض الورمية
7- رائحة العرق والملابس غير المغسولة
8- رائحة كريهة
9- رائحة البصل

أ- البشر
ب- أفواههم
ج- بطونهم
د- أجسامهم
ذ- الفلاح
ر- الحرفي المتدرب
ز- طبقة النبلاء
هـ- الملك
و- الملكة


تعالو الآن نرى كيف رتبهم المؤلف "سوزكند" (وليس القاتل غرنوى):
أولاً: (ص 5)
في العصر الذي نتحدث عنه، هيمنت على المدن رائحة نتنة، لا يمكن لإنسان من عصرنا الحديث أن يتصور مدى كراهتها، فالشوارع كانت تنضح برائحة الغائط، وساحات المنازل الخلفية برائحة البول، وأدراج البنايات برائحة الخشب المتفسخ وروث الجرذان، والمطابخ برائحة الملفوف المتعفن، وشحم الخراف، أما الغرف غير المهواة، فقد كانت تنضح برائحة الغبار الرطب، وغرف النوم برائحة الشراشف المدهنة واللحف الرطبة المحشوة بالريش، وبالرائحة النفاذة المنبعثة من المباول، من المدفئ، كانت تفوح رائحة الكبريت، ومن المدابغ رائحة قلويات الغسيل الواخزة، ومن المسالخ رائحة الدماء المتفسخة.

ثانياً: (ص 6)
أما البشر فقد كانوا ينضحون برائحة العرق والملابس غير المغسولة: من أفواههم كانت تنبعث رائحة الأسنان المتعفنة، ومن بطونهم رائحة البصل، وإن كان العمر قد تقدم بهم قليلاً، فقد كان لأجسامهم رائحة الجبنة العتيقة والحليب الحامض والأمراض الورمية. كانت الروائح الكريهة تفوح من الأنهار والساحات، من الكنائس ومن تحت الجسور، ومن القصور، كانت رائحة الفلاح كريهة كرائحة القس، ورائحة الحرفي المتدرب كرائحة زوجة المعلم. كانت طبقة النبلاء كلها تنضح بالرائحة الكريهة، بما فيها الملك نفسه الذي كانت تفوح منه رائحة حيوان مفترس، ومن الملكة رائحة عنزة شمطاء.
سابعاً: مقتطفات من أقوال مرضى وذويهم
فيما يلي بعض ما جاء في أقوال بعض المرضى بلا أية إضافة أو شرح في هذه المرحلة

مطلقة

ربة منزل

50 عام

الاسم: ع ع ق

بدأتْ في شم روائح كريهة لمدة سنة
Schizophrenia chronic undifferentiated
فصام مزمن غير متميز

متزوج

سائق

48 عام

الاسم: ج ر

- باشم‏ ‏ساعات‏ ‏ريحة‏ ‏وحشة‏ ‏وساعات‏ ريحة ‏تراب‏ ‏
- وريحه‏ ‏شياط‏ ‏في‏ ‏نفسي.
ساعات‏ ‏قبلها‏ ‏ (نوبة مرض ليست صرعا) أشم‏ ‏ريحة‏ ‏تراب‏
Psychosis with brain trauma
ذهان عقب إصابة دماغ

لم تتزوج

طالبة

20 عام

الاسم: ف ع

وأنا في تالتة ثانوي كنت باشم ريحة ميتين
(كان ذلك قبل إعلان بداية المرض بأكثر من سنة)
Schizophrenia Chronic undifferentiated
فصام مزمن غير متميز

أعزب

طالب

13 عام

الاسم: أ ف

وكذا مرة أشم ريحة بلاستيك أو كاوتش أو شعر بيتحرق، وابقى دايخ.
Manic and depressive illness depressive type
أمراض الهوس والاكتئاب: النوع الاكتئابي

أعزب

طالب

23 عام

الاسم: ع ت

الأخت:
-كان يقول إن فيه ريحه وحشه بيشمها لما يتكلم مع حد تتغير حسب الشيء اللي بيتكلموا فيه.
Manic and depressive illness depressive type
أمراض الهوس والاكتئاب: النوع الاكتئابي

أعزب

محامى

41 عام

الاسم: م ع م

- بعد كده الحاجات دي كلها فضلت
- وزاد عليها إن رائحة عرقي حسيت إنها رصاص.
- لما أقعد فترة من غير حمى مع مجهود بتبقى ريحة زى البارود
لمّا باشرب أي عصير فالريحة بتخف شوية
بس الحمى بتخلص الريحة خالص.
- وفى واحد من المحامين إللى كنت باتدرب عندهم شم ريحة البارود دي
- وفى البيت برضه شموا الريحة وقالوا لى إكشف على الأملاح.
Schizophrenia, schizoaffective depressive.
فصام: فصام وجداني، اكتئابي

متزوج

ملاحظ معمارى

59 عام

الاسم: أ ط م

- باشم ريحة شياط طالعة من مناخيري
Manic depressive illness- depressive type
أمراض الهوس والاكتئاب النوع الاكتئابي

أعزب

طالب

18 عام

الاسم: م د

كنت‏ ‏أشم‏ ‏ريحة‏ ‏عرق‏ ‏خالتي‏ ‏في‏ ‏الهدوم‏ ‏وعلى‏ ‏السرير‏ ‏نفسه‏ ‏أمسك‏ ‏الكلوت‏ ‏بتاعها‏ ‏وأشمه‏ ‏كأني‏ ‏باجامعها‏ ‏وأمسك‏ ‏قمصان‏ ‏النوم‏ ‏بتاعتها‏ ‏أشمها.
obsessive compulsive neurosis
الاضطراب الوسواسي القهري‏ بداية ذهان غير متميز

أعزب

طالب

28 عام

الاسم: م د

أحيانا أشم ريحة وحشة لما أبعد عن ربنا في الصلاة.
......
ويقول (على لسان المبلغ) أنا شامم ريحة وحشة في البيت لكن ماحدش فينا يشم حاجة.
لما أكون بعيد عن ربنا أشم ريحة وحشة
Mood disorder with psychotic symptoms
اضطراب وجداني مع أعراض ذهانية

متزوج

جناينى

43 عام

الاسم: ف أ د

(أحد من سنعرض حوارهم في جلسة العلاج الجمعي)
ساعات باشم ريحة وحشة قوى وأولادي يقولوا مافيش حاجة
Manic depressive illness, depressive type explosive personality
أمراض الهوس والاكتئاب، النوع الاكتئابي
في شخصية انفجارية

متزوج

نساج يدوى

38 عام

الاسم: ز ص

- لو شميت ريحة معينة مش حلوة يبقى مسيحي أو يهودي
- والمسلم له ريحة خاصة حلوة،
- وممكن أشم ريحة حلوة جداً من غير ما يكون فيه حد معايا أو حد معدّي.
- ولو شميت ريحة براز حمار بابقى أنا لوحدي إللي شاممها
- أحس إني أنا الحمار بتاع سيدنا عزير وربنا أعاد بعثه في صورتي.
Schizophrenia paranoid
فصام بارنويي

ختام واعد
سوف نناقش -غدا أو بعد ذلك- هذه اليومية.
نقلا عن يومية الإنسان والتطور على موقع أ.د.يحي الرخاوي.

اقرأ أيضا:
تعتعة سياسية: حاول ألا تفهم...! / تعتعة:الحلم والشعر والواقع والسياسة
 / تعتعة: فحتى المحاكاة ليسوا لها / تعتعة لطبيب النفسي، ومفهوم "الإنسان"1 /  تعتعة سياسية يا رب سترك / تعتعة سياسية تجاوز للعلم..ووشم للمرضى! / تعتعة نفسية هل توجد عواطف سلبية؟ / تعتعة نفسية: عندك فصام يعني إيه(2) / تعتعة نفسية عندك فصام يعني إيه؟ / تعتعة نفسية: أنا عندي إيه يا دكتور؟ / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(3) / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(2) / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(1) / تعتعة سياسية: الشعب المصري ملطشة / حركية الناس بين النت والشارع / تعتعة: التغابي حيث لا داعي للتحايل!  /  يا هنود العالم الحُمْر، اغضبوا أو انقرضوا..! / تعتعة سياسية حتى لو أجهضوها ألف عام!  / استحالة الممكن وحتمية المستحيل / أدنى من النمل الأبيض!!! / يا هنود العالم الحُمْر، اغضبوا أو انقرضوا..! / تعتعة: التغابي حيث لا داعي للتحايل! / تعتعة سياسية: حاول ألا تفهم...! / تعتعة:الحلم والشعر والواقع والسياسة / تعتعة : فحتى المحاكاة ليسوا لها / صرح بأي شيء تقرره ستجد من يبرره!! / وبرغم الأسئلة التآمرية / كفر الزيات ـ"جوجل" ـ أمستردام (وبالعكس)/ تعتعة سياسية: والله العظيم البنت معها حق! / تعتعة سياسية: أبدا كنت أمزح!! / أولادنا! والحزب الوطني. الإخواني (وبالعكس) / ست الناس.. والدستور.. والمواطنة!! / النادي الأهلي.. وهل هم يكذبون؟؟! / أسئلة ممنوعة، وإجابات مرفوعة!!!! / تعتعة سياسية: استقالة وزير / تعتعة سياسية: ثقافة السلام وثقافة الحياة!!! / .... تشربها مادامت إنت ماليها !!!!(11) / قـراءات أخرى للنجاح والفشل.



الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 09/02/2008