|
|
|
الفصام: الأسباب المرسبة (1) ::
الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 07/06/2008
الفصام: الشيزوفرينيا
قد يظهر مرض الفصام دون سبب مرسب أصلاً وقد يترسب نتيجة لأسباب عضوية متنوعة مثل إصابات الرأس والحمى والإرهاق، أو لأسباب نفسية مثل الحرمان والإحباط، ولكننا نحب أن نشير هنا إلى أن السبب المرسب يكون في العادة شيئاً يتعلق بإهانة الذات، أو التهديد بالترك، أو التعرض لاختبار في الحياة (يتعلق بالدراسة أو العمل مثلاً) يكون المريض قد وضعه مكافئاً لوجوده.. فالطالب مثلاً الذي يعتبر نجاحه في الثانوية العامة مسألة حياة أو موت قد يشعر أنه إذا تهدد هذا النجاح.. فإن 'وجوده' شخصياً يتهدد.. وقد ينسحب منه - إذا كان مهيئاً وراثياً وتربوياً لذلك ومن الواقع جميعه ومن ذاته فيصاب بالفصام.
الأعراض: يصعب دراسة الأعراض في الفصام وتقسيمها من حيث: 1 - الأعراض الخاصة الدالة والأعراض المصاحبة. 2 - أو من حيث الأعراض الأساسية والأعراض الثانوية. 3 - أو من حيث الأعراض في المرتبة الأولي.. ثم ما يليها. وهكذا..، وقد اختلف الباحثون حول هذا الترتيب.
وقد أجرى بحث مصري عام 1976 ليقارن بين ترتيب أهمية أعراض الفصام بين الأطباء النفسيين في الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا ومصر[1] ويبين أن هناك اختلافا بدرجات متفاوتة في تقدير أهمية الأعراض في مختلف البيئات وبين مختلف الأطباء. وكل ذلك يشير إلى صعوبة تصنيف الأعراض وترتيبها. وسوف نبدأ بسردها حسب الوظائف النفسية التي تصاب بصورة أكثر وضوحا وأكثر شيوعا.
أولا: اضطرابات التفكير: قد يضطرب التفكير من حيث ترابطه بصفة عامة، ومظاهر اضطراب الترابط. قد يطلق عليها اضطراب شكل الفكر Formal though disorder وأن كنا نفضل تعبير اضطراب 'عمليات الفكر' Thought process disorder لأن ن المسألة ليست شكلا، وإنما اضطراب الشكل هو أساسا اضطراب في التسلسل وفقد الفكرة المركزية.. والعجز عن تكوين فكرة الوصول إلى الهدف المراد بها نتيجة إما للتفكك أو التكثيف أو انفصال المعنى عن الرمز. ويظهر هذا كله في الأعراض التالية: 1- الغموض: يبدو تفكير المريض غامضاً مشوشاً ولا حدود له ولا تماسك بين مكوناته وتغلب على إجابات المريض الألفاظ التقريبية يجوز... يعني... يمكن... الخ وقد يظهر المريض لأول وهلة أنه عميق التفكير يغري الغامض من تفكيره السامع بالاهتمام.. حتى لينتظر أن يكون وراء ذلك الغموض نظرة الضحالة والسطحية وراء هذا الغموض... أو كما يقول بلويلر أنه يبدو كالباب المغلق الذي ليس وراءه شيء.
2- قد تختفي الألفاظ الرابطة بين الجمل وبعضها مثل اختفاء حروف العطف والجر... 3- تتفكك الأفكار حتى تصل إلى اللاترابط Incoherence فتصبح الجمل متقطعة لا رابط بينها. 4- يزيد اللاترابط أحياناً حتى يصل الكلام إلى ما يشبه السلاطة وتسمى سلطة كلام word Salad. 5- قد يلجأ المريض إلى نوع من الترابط لا يعتمد على المعاني وإنما على رنين الألفاظ ويسمى ترابط الرنين clang Association مما يزيد المعاني تباعداً وتنافراً. 6- قد يكتشف في كلام المريض (ترجمة لفكره) ظاهرة التكثيف condensation حيث تعني الجملة معنيين أو أكثر في نفس الوقت، وهذا العرض لا يظهر على السطح وإنما يستدل عليه بعد تعمق ومساءلة ومراجعة.
7- من خلال فقد الترابط والتكثيف وتناثر الكلام قد يبدو كل هذا مضحكاًً وكأن المريض يميل إلى المزاح والقفشات السطحية بلا عمق ولا خفة ظل (قارن الهوس). 8- يظهر التفكير العياني بشكل ملحوظ بديلاًً عن التفكير التجريدي وهنا يأخذ المريض معاني الألفاظ بحرفيتها لا بما تشير إليها ضمن السياق ويظهر هذا جلياً في أخبار الأمثلة العامية مثل أن يرد المريض على معنى مثل ضربوا الأعور على عينه قال خسرانه خسرانه... يقول إن واحد أعور ضربوه على عينه فعلاً.. فقال إن عينه لا ترى فهي خسرانه دون الإشارة إلى ما وراء المثل من معنى تجريدي.. ولا قدرة له على أن يستعمله في موضعه.
9- إن اضطراب مجرى التفكير هو جزء لا يتجزأ من اضطراب عملية التفكير في الفصام حيث يظهر ذلك في أعراض: العرقلة Blocking: وهي تعنى توقف الفكر فجأة لفترة قصيرة ثم استمراره بعد ذلك في موضوع آخر، إلا أنه في بداية المرض قد يشكو المريض من توقف فكره بالرغم عنه.. ويعود لنفس الموضوع الأصلي بصعوبة وترجع هذه الظاهرة لتصادم أكثر من فكره تتكون في نفس الوقت حتى تعوق إحداها خروج الأخرى.. ثم تنتصر إحداهما بعد فترة.
10- يعتبر عرض ضغط الأفكار Present of thoughts نتيجة لنفس الظاهرة في العرض السابق، وهو تنافس أفكار كثيرة للظهور في نفس الوقت ولكن بدرجة أكبر، إلا أن المريض هنا يشكو منها مباشرة مثل قوله... مخي حاينفجر من كثرة الأفكار اللي مش قادر ألاحقها... ولا حتى أعبر عنها.
11- قد يعتبر عرض فقر الأفكار Poverty of thoughts هو إعلان عن أنهاك عملية التفكير وعجزها تماماً، أو قد يكون التعبير الممكن لدى المريض الدال على ارتطام الأفكار في نفس الوقت لدرجة أنها تكاد تختفي من وعى المريض وبالتالي من التعبير عنها... ولا يبقى في وعى المريض إلا الفقر في الأفكار والشعور بفراغ المخ.
12- يلجأ المريض إلى الترميز Symbolization بشكل بالغ الخصوصية، وحين تضطرب عملية التفكير ويدخل فيها هذه اللغة الخاصة يبتعد المريض أكثر عن التواصل مع الناس.
كل ما سبق إنما بطرق مباشر أو غير مباشر إلى اضطراب عملية التفكير ذاتها، على أن هناك اضطرابات أخرى في نوعية التفكير تظهر عند المريض الفصامي مثل: 13- قد يتصف التفكير بخضوعه للعواطف خضوعاً تاماً حتى يصبح ولا أثر للمنطق فيه، وبالتالي لا يمكن ضبطه أو التحكم في اتجاهاته لارتباطه بحالة المريض العاطفية، كما أن هذا النوع يتصف أيضا بأنه ذاتي تماماً Autistic لا يخضع إلا لرغبات المريض اللاشعورية ولا يدور إلا حول ذاته.
14- وقد يكون التفكير أثرياً Archaic فيغرق المريض في أفكار قديمة ويعتقد في أوهام سحرية ويستعمل منطقا بدائيا ويتبع قواعد أولية طفلية أو قديمة تطورياً.
أما اضطرابات محتوى التفكير في الفصام فإنه يتصف بالتالي: 15- يتصف محتوى تفكير الفصامي بأنه مليء بالرغبات الخاصة، والخيالات الذاتية حسب اضطراب النوعية التي سبق ذكرها. 16- قد يحوى التفكير ضلالات (هذاءات) متنوعة تكون في العادة غير منظمة ولا مسلسلة. 17- في أوائل المرض، وفي الفصام البارنوي بوجه خاص قد يصاب المريض فجأة بما يسمى الضلالات الأولية Primary delusions التي تنشأ بلا سابق إنذار ودون اضطراب في الإدراك، وهي ضلالات تحمل معها الانفعال الخاص وقوة الإقناع اللازمين لثباتها وهي تفترق عن الضلالات الثانوية التي تأتى تفسيراً لعرض آخر أو لضلالات أولية.
أما بالنسبة لامتلاك الأفكار Possession of Thought والتحكم فيها فإن المريض الفصامي قد يعانى من الظواهر الآتية: 18- قد يصاحب ذلك كله في بعض الحالات وساوس شاذة قد يدرك المريض خطأها ولكنه لا يقاومها ولا يتأثر بوجودها ولا يتوتر إزاء محاولة برفضها..(قارن الفروق مع الوسواس القهري). 19- ظاهرة انتزاع الأفكار وهي أن يشعر المريض بالأفكار تنتزع من رأسه دون إرادة منه. 20- إن أفكاراً ليست أفكاره تقحم في رأسه إقحاماً. 21- أو أن أفكاره تذاع على الملأ أو من خلال وسائل الإعلام كالإذاعة والتليفزيون والقمر الصناعي... الخ. وهذه الاضطرابات الثلاث لا ترجع إلى اضطراب عملية التفكير ذاتها (شكل الفكر) وإنما إلى بداية فقد أبعاد الذات التي سيرد ذكرها فيما بعد. وهكذا نجد اضطراب التفكير في الفصامي هو أكثر وأظهر الاضطرابات وإن لم يكن هو أول أو أسبق الاضطرابات حدوثاً. وللحديث بقية........
الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 07/06/2008
|
|
|
|
|
|
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com
|
حقوق الطبع محفوظة لموقع مجانين.كوم ©
|
|