إغلاق
 

Bookmark and Share

المستشفيات النفسية في مصر.. عقاب المريض وليس علاجه ::

الكاتب: عماد نصيف
نشرت على الموقع بتاريخ: 26/01/2009


يناقش مجلس الشعب هذه الأيام قانون الصحة النفسية، هذا القانون الذي أثار معه الكثير من الجدل حول بعض نقاطه الفنية، وبعض الخلفيات المتعلقة بطبيعة المرض النفسي، وبيئة العلاج النفسي في مصر من ناحية أخري.. فضلا عن وجود الكثير من الأسئلة في هذه المساحة بالأساس: ماذا تعني الصحة النفسية؟ وما هي سبل العلاج التي ينبغي توفيرها للمرضي؟ وكيف نتعامل معهم؟

أجرينا هذا الحوار مع الدكتور عبد الستار إبراهيم، عضو الجمعية النفسية الأمريكية وأستاذ علم النفس بالجامعات العربية والأمريكية، وزميل بمركز نيويورك للعلماء، ورجل العقد في مركز السيرة العلمي في ولاية نورث كارولينا بالولايات المتحدة الأمريكية، الذي عاد مؤخرا إلى مصر في محاولة لصياغة مستقبل أفضل فيما يخص قضايا العلاج النفسي.
- المريض النفسي عندنا يخاف الإفصاح عن مشاكله خوفاً من نظرة المجتمع
- المدرسة الأمريكية لا تحتجز المريض النفسي في المستشفى إلا إذا كان خطراً على نفسه أو الآخرين
- قانون الصحة النفسية القديم ضار بالمرضي.. وعلي مجلس الشعب مراعاة أطراف العلاج النفسي وإحصائيات الانتحار والفقر والبطالة عند مناقشة القانون الجديد

* الجميع يتحدث عن الصحة النفسية فما معناها؟
ــ سؤال جيد لأنه إلى الآن لا يستطيع أحد أن يعرف الصحة النفسية، ولكن في تصوري لها معنيان، أولا الخلو من الأمراض النفسية أي المعنى السلبي خلو الإنسان من الأمراض، وخلوه من المخاوف التي ليس لها معنى، مثلا لا يعاني من القلق بشكل مرضي ولا يعاني من الاكتئاب، يأكل جيدا وينام جيدا، وهناك أيضًا نواح إيجابية من خلالها نستطيع أن نقول إنه شخص سليم من الناحية النفسية أنه شخص متفائل يستطيع أن يعمل ويحب ويكون علاقات بالآخرين يوجه الآخرين ويخدمهم ويساعدهم ويكسب نفسه من خلال علاقاته بالآخرين قادر على تكوين فلسفة خاصة به تساعده على أن ينجح ويتفوق ويفعل ما يشعره بالأمان والسعادة والرضا بشكل عام وهذا موضوعنا الأساسي في علم النفس بشكل عام، وكيف نوصل الإنسان بقدر مرتفع من الصحة النفسية.

* متى يمكن القول إن هذا الشخص يتمتع بصحة نفسية جيدة؟
- لا يوجد إنسان يمكن القول إنه في أحسن حالة أو أسوأ، وإنما الأمر بالنسبة للصحة النفسية مختلف تماما، فإذا نظرنا مثلا إلى المسطرة نجد أن هناك درجات معينة، وأن لكل إنسان موقع على هذه المسطرة تماما مثل الطول والقصر، نقول هذا قصير أو طويل، وهكذا نقول إن هناك إنساناً وصل لدرجة عليا من الصحة النفسية، وظهرت في أشياء كثيرة إذ استطاع أن يكون أسرة وناساً يحبهم وسعيد، وهناك شخص على قدر متوسط من الصحة النفسية مثل الشباب الذي يتخرج من الجامعة ولا يجد عملا، وهناك من يعاني التوتر والاكتئاب والقلق وفاشل في علاقاته الإنسانية، وهو ما يؤكد أنه لا يوجد إنسان يتمتع بصحة نفسية كاملة.

* أثير الجدل حول قانون الصحة النفسية فما رأيك في هذا القانون؟
- أولا لابد أن تتضح الأمور فهناك 4 مجموعات تعمل في الصحة النفسية، الطبيب النفسي، والأخصائي النفسي، والأخصائي الاجتماعي، وأخيرا جهاز التمريض وللأسف الشديد في مصر تناقش الأمور، ولا تعرض قبل مناقشتها وهذا من الأخطاء الشائعة، فيجب أن تناقش الأمور ويدلي الخبراء والمختصون برأيهم ثم تتم المناقشة.

فالقانون القديم ضار للصحة النفسية، فلا يحمي المرضي النفسيين ولا يحمي المختصين والعاملين بالصحة النفسية، كما أنه ليس للمريض أي حقوق في المجتمع المصري، فلابد أن يعرف الناس أن الطبيب هو الوحيد المسئول عن علاج المريض، ومنظمة الصحة العالمية، تقول إن الطريقة الأمثل في علاج مريض الصحة النفسية أنه توجد ثلاثة عناصر أساسية، العضوية والنفسية والاجتماعية، ولكن للأسف عند علاج المريض النفسي لا تجد فريقاً متكاملاً يساعدهم، فإما أن يأخذ المريض دواء ويذهب للبيت ولا يساعده أحد على حل مشاكله وهو ما يعوق شفاءه، وهذا من ثغرات القانون القديم.

وما يميز الطب النفسي عن غيره أنه يحتاج إلى هذه الجوانب متكاملة في العلاج النفسي، أيضا من المشكلات التي لا تساعد المريض على الشفاء عدم احترام، خصوصيته، فالمجتمع المصري يعامل المريض النفسي على أنه مختلف عن الآخرين أو أنه مجنون، فالمريض النفسي لا يختلف عن غيره في شيء، وهذا ما يجعل الكثيرين لا يفصحون عن معاناتهم من أمراض نفسية كثيرة بسبب هذه النظرة من قبل المجتمع، ولك أن تتخيل أن كلينتون عندما كان رئيس أمريكا كان يعالج نفسيا عقب فضيحة مونيكا حيث طلب منه ذلك حتى الأطباء النفسيون أنفسهم يعالجون من بعض الأمراض النفسية؛

فالصحة النفسية هي صحة المجتمع كله وليس فرد واحد لأن الصحة تعود على المجتمع بأثره وليس على أفراد معينة، حيث يقل الإحباط في المجتمع ويتولد التفاؤل والقدرة على العمل فكيف تجد شباباً ملقى على الأرض في الشوارع ويعاني من أمراض نفسية وتنتظر أن يتقدم المجتمع، وكيف أقول إنه يتمتع بصحة نفسية، مستحيل في ظل هذا المجتمع الذي يمزقه طول الوقت ويقفل عليه أبواب العمل والرزق والنشاط فهذه كلها ثغرات يجب أن يلتفت إليها مجلس الشعب، وهو يناقش القانون خاصة من حيث الوقاية والمشكلات الاجتماعية الموجودة داخل المجتمع كفقر وبطالة، التي تسبب الأمراض النفسية ولابد أن يكون هناك عمل إحصاءات دائمة لحالات الانتحار والعنف، الذي ظهر مؤخرا، وأن يكون العلاج داخل المجتمع وليس بعزل المريض بعيدا عن الناس.

* أيهما أفضل للمريض النفسي أن يحجز في المستشفي أم يترك للبيئة المحيطة ولمجتمعه؟
ــ في أمريكا كان يتم حجز المرضي النفسيين في المستشفى ولكن صدر قانون يمنع ذلك إلا إذا أراد المريض نفسه أن يحجز في حالات معينة أن يكون خطرا على نفسه مثلا يحاول الانتحار أو خطرا علي المجتمع كأن يهدد الآخرين بالقتل أو يدمر شيئاً أو عاجزاً عن رعاية نفسه مثلا المسن الذي يحتاج إلى رعاية صحية، ولكنه غير قادر على ذلك وهو ما يتم في أمريكا ويراجع المريض بين الحين والآخر ومن حقه أن يشتكي والقاضي يتابع حالته ويقرر استمراره من عدمه ولا يحجز في المستشفي إلا بشكوى من الأسرة بأنه يعاني مما سبق وذلك حماية له وللآخرين لأنه ابن الدولة؛

لكن في مصر تمارس وكأنها عملية عقاب، إذ يلقى المريض النفسي في المستشفى بحيث يتعامل فقط مع المرضى النفسيين في أمريكا أما هناك فالعلاج داخل المجتمع، حيث إنه لو عولج في المستشفي عند خروجه لا يستطيع التعامل مع الناس بشكل طبيعي كذلك تقل قدرته على الانتباه والذكاء إثر الإقامة الدائمة في المستشفي وهو ما طور فكرة منازل للعلاج في المجتمع تحت إشراف منظمات الصحة في هذا المجتمع بل يتم دمجهم ومساعدتهم على العمل بدلا من إدخالهم مستشفى هنا للعلاج يخرج منه أكثر مرضا، هذا ما تفعله الدول المتقدمة أما عندنا يتم التنفيذ بشكل ساذج.

* قامت بعض المستشفيات مؤخرا بتسريح بعض المرضي النفسيين... فما تعليقك على ذلك؟
- هذه جريمة في حق هؤلاء من قبل الدولة أولا ما لم تجد لهم البديل ترعاهم أفضل من الأول، فبدلا من زيادة عدد البطالة ازداد عدد المتشردين في الشوارع ومن ثم سيزداد العنف وتزداد المشكلات ونسبة الأمراض العقلية والمعاناة من هؤلاء الأشخاص ويقل المستوى الصحي بشكل عام ويصبحون مصدر وباء في المجتمع.

* تكررت بعض الأحداث الجديدة على المجتمع المصري مؤخرا مثل التحرش الجنسي والقتل بعنف وغيرها فما رأيك وتفسيرك لذلك؟
- أنا لا أحب المبالغة فمجموعة من الشباب في مقتبل العمر في الشوارع وأمامهم فتيات قاموا بذلك نتيجة تراكم المشكلات، (مع الأخذ في الاعتبار أنني لا أبرر لهم فعلتهم)، ولكن أود أن أؤكد أن علاج المشكلات يبدأ بدراستها، فهؤلاء الشباب مرضى نفسيون وكان علينا دراستهم دراسة نفسية أولا، وهذه وظيفة المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية لأن هذا جزء من تخصصه وعمله، كان لابد من معرفة أسباب ذلك ووقايتهم من هذه الأفعال وليس عقابهم، وهذا من جوهر الصحة النفسية ولابد أن يشملها قانون الصحة النفسية المزمع مناقشته، فالظواهر سوف تكثر في الفترة القادمة نتيجة البطالة وفقد لقمة العيش وافتقاد وسائل الترفيه، وستظل المرأة بالنسبة لهؤلاء التفاحة المسمومة، فعندما يرونها لا يفكرون إلا في الجنس والاعتداء وما شابه ذلك ولابد من علاجهم نفسيا، ودمجهم في المجتمع وليس نبذهم والانتقام منهم، وكان لابد أن ندق ناقوس الخطر وأن هناك مشكلة في المجتمع مثل التعصب الذي أصبح مرضاً كريهاً ومنفراً دمر المجتمع، والانتماء الاجتماعي داخل المجتمع ولكن للأسف هذه الأشياء لا تدرس وإنما تترك للأهواء؛

وأن هناك حرماناً وتزاحماً على العمل وهناك فئة ناجحة وأخرى غير ناجحة، وهو ما يخلق غيرة عند الناس، كذلك التشويه المعرفي من خلال الأفكار الدينية المتطرفة من الجانبين سواء مسلمين أو مسيحيين فيغذونهم بالكراهية، وفي أمريكا تمت دراسة هذا الموضوع فتبين أن أكبر أسباب التعصب هو التزاحم على الاقتصاد، مثلا لما بدأ الزنوج يقوون وينافسون البيض في الرزق حدث تعصب ضدهم، المسلمون في أمريكا متجمعون في كذا ولاية في "درابزون" و"نيويورك" و"مينسوتا" ودرابزون أكثر تجمع إسلامي ونسبة كبيرة منهم في ميتشجان لأن هؤلاء أحضرهم فورد للعمل في مصانع السيارات وهم يمنيون ولبنانيون فتجد التعصب ضدهم كبيراً جدا لأنهم متجمعون في مكان واحد وينافسون البيض هناك في لقمة العيش، ولذا تحدث اعتداءات كثيرة ضدهم إنما المسلمون الذين يعيشون في أماكن أخرى بعدد أقل فجزء من مشكلة التعصب هو تقوقع الأقلية في مكان يعطيها الإحساس بالدفء والحرارة، وهذا يشكل خطراً اقتصادياً على الفئات الأخرى في المجتمع، ومن هنا ينشأ التعصب يغذيه أكثر الهوجائية في الشعارات الدينية والإشاعات بأن هؤلاء يفعلون شيئا معيناً وهذا يكون بمثابة الفتيل القابل للاشتعال في أي وقت يحترق من أي شيء وهو ما يحدث الآن في مصر.

* وأين تقع المشكلات الاقتصادية من الأمراض النفسية؟
- المشكلات الاقتصادية ليست السبب الرئيسي في الأمراض النفسية ولكنها من العوامل المهمة فالفقر من الأسباب الأساسية للعديد من الأمراض النفسية وقد أثبتت الدراسات أن فئة كبيرة من المصابين بالتخلف العقلي وتخلف الذكاء من الناس الفقيرة، أما الأغنياء فأمراضهم متمثلة في الاكتئاب والعزلة الاجتماعية في حين يعاني أصحاب الطبقة الوسطى من القلق، إذ إن حياتهم دائما في شد وجذب لأنهم يتطلعون إلى أن يصبحوا من الأغنياء، ولذا فإن حياتهم دائما في قلق ويسيطر عليهم هذا الفكر، والأسرة تدفع أبناءها لذلك ومع هذا الدفع فإن الشخص يصاب بأمراض نفسية كثيرة لأنه يقارن نفسه بالآخرين فيتحول إلى إنسان بليد وقلق، كذلك هناك التخلف العقلي والاكتئاب الناتج عن سوء التغذية وهو بين الطبقات الفقيرة، وهناك الفصام يأتي للطبقة الوسط بين الفقيرة والوسطى، والناحية المادية لها جانب كبير في الصحة النفسية لأن الأغنياء قادرون على الترويح والترفيه والإنفاق على العملية التعليمية بما يحقق أهدافهم من التعليم مثلا عكس الفقير الذي يتطلع إلى مستقبل أفضل ولكن المادة تعوقه فيصاب ببعض الأمراض النفسية والإحباط وهو ما يحدث التمييز داخل المجتمع حتى في الأمراض النفسية.

* ما هو واجبنا تجاه المريض النفسي؟
- المريض النفسي له علينا العلاج وأن يعثر له على عمل بما يناسب ظروفه الصحية، وكذلك يتم توفير السكن المناسب له وأن يتم دمجه في المجتمع ومساعدته على تكوين أسرة تحميه وأن يعالج بأفضل الوسائل وفي أفضل المستشفيات وبفريق علاجي، وأفضل الأدوية وفي أجهزة أخرى بعد المستشفى بما يسمى مرحلة انتقالية قبل المجتمع وهذا جزء من واجبنا تجاهه، الذي فقد نتيجة الفقر والتفاوت الطبقي الذي سبب كل هذه الأمراض النفسية للفقراء أكثر من غيرهم الذين فقدوا حقوقهم نتيجة فقرهم.

* من خلال متابعتك للانتخابات الأمريكية التي انتهت بفوز أوباما كيف تقيم تعاطي الشعوب العربية مع هذه الانتخابات؟
- الأمر يختلف بالنسبة لأوباما بسبب نشأته حسب سيرته الذاتية، لكن عمره ما قال أنا مسلم، بل يقول أنا مسيحي كاثوليكي، ولكن الناس في المنطقة العربية عانت في الفترة الأخيرة نتيجة الحروب الأمريكية التي شنتها في المنطقة، والتي عاشوا على إثرها فترة سوداء بسبب الظروف الاقتصادية السيئة. فرأى الناس أن أوباما هو الذي يخلصهم من هذه الظروف سواء أمريكان أو عرب لأن أوباما أصبح أسطورة وله ازدواجية دينية إسلامية مسيحية، كما أنه أسود يعيش وسط البيض، ولذلك أجمع عليه الجميع بعد كراهية الشعوب لبوش بمن فيهم الشعب الأمريكي.

أما نظرية المؤامرة، فتروجها الحكومات العربية والأنظمة الحاكمة لشعوبها بدلا من مواجهة واقعهم في الداخل ومواجهة المشكلات، فبرغم الثروات الضخمة التي وجدت في الوطن العربي في السنوات الأخيرة، مازالت هناك 30% من الشعوب العربية تعاني من الجهل والأمية، وبدلا من حل هذه المشكلات ومواجهتها تروج الحكومات العربية بأن وراء ذلك أمريكا أو الغرب، وهو ما ينطبق مع نظريات علم النفس، التي تقول إنه عندما يتم خلق عدو خارجي تتماسك الشعوب حول حكامها، وهذا تكنيك تحدث عنه "ميكيافيلي سابقا"، والذي كان ينصح القادة بخلق عدو خارجي لشعوبهم عندما يتمردون عليهم وإدخاله في حالة الدفاع عن وطنه، وهذا تفعله أمريكا أيضًا، بأن نخلق عدوا خارجيا ويمكن أن يقوم هؤلاء الحكام بأفعال تؤكد هذه النظرية وأن هناك قوي خارجية تتربص بنا، ونظرية المؤامرة ناتجة عن عجز الدولة عن تنمية شعوبها ومراعاة مصالحها اقتصاديا وعلميا.

* قامت الشعوب العربية بالتهليل والمدح لمنتظر الزيدي لما فعله مع بوش، فلماذا كان رد الفعل هكذا؟
- لا يستطيع أحد أن يلوم الشعوب العربية على ما فعلته إثر هذه الواقعة بسبب الغضب المتراكم، فأمريكا فبركت قصة الأسلحة العراقية ودمرت بلدا كاملا وبنيته، وبعدين أذهب في فترة ساخنة إلى هناك وأن هناك تقسيما للدولة، وهو ما أثار الغضب لدى هذه الشعوب، والصحفيون في أمريكا يفعلون أكثر من ذلك، حتى أن بوش نفسه قال "إن ما حدث هو حرية تعبير" فلا ندين أحدا على غضبه لما في النفوس ولكن انتقال أمريكا من بوش إلى أوباما فصعبان عليه أن يترك الحكم دون ذكرى، بسبب كراهية الشعوب له بمن فيهم الشعب الأمريكي.

* هل القمع والقهر الذي يعانيه العرب من حكامهم انعكس على رد فعلهم تجاه ما حدث مع بوش؟
- أولا لا يمكن الحكم على العرب في بوتقة واحدة، لأن هناك العربي الغني والعربي الفقير، كذلك العربي المصري والعربي اللبناني، والعربي التونسي، وهو ما يدل على أن هناك فئات متفاوتة، وهو ما يصعب معه التفسير على أساس علمي، خاصة أن الذي يتحدث عن ذلك هم العرب أنفسهم، وهو ما يمكن تفسيره بأن العرب يكرهون ذاتهم وواقعهم، وهي دائما ما توجد في فترات انتقالية ومعناها أنه يكره واقعهم، والدليل أن العرب يستعينون بخبراء أجانب بنفس كفاءة نظرائهم العرب ولكن برواتب ومكآفات أكبر بكثير، نتيجة كراهيتهم لأنفسهم ولثقافتهم "كراهية الذات"، فعندما يقابلني أحد يلومني على عودتي من أمريكا، ولن يحدث تقدم لنا وحل مشاكلنا إلا من خلال التقارب بين الشعوب وقادتها، لأننا مجتمعات جاهلة تتحرك من خلال قادتها، فأي مجتمع يحتاج إلى قائد ولكن لابد أن يكون نابعا من احتياجات المجتمع وإلا يفصلوا أنفسهم عن شعوبهم، وعليهم خلق العدل والمساواة، ونظرية كراهية الذات، موجودة في المجتمع الأمريكي أيضًا ولكنهم يخفونها ولا يعترفون بها، ولا يحتاجون إلى أحد ليخطط لهم حياتهم، لكن نحن ننتظر أن يخطط لنا حياتنا الغرب، وعندما نبدأ تنفيذ ما خططه يتحرك هو إلى الأمام ونظل نحن في موقعنا.

* ما خطتك في الفترة القادمة للعمل داخل مصر في مجال الصحة النفسية؟
- أنا بصدد إنشاء مركز تدريب وتوجيه واستشارات نفسية، وتقديم خدمات للأطفال والأسر وتقديم بحوث للمدارس والشركات والمصالح الحكومية وغيرها، للمساعدة على تخفيف ضغوط العمل، كذلك تقديم الاستشارات النفسية لأجهزة الدولة إذا طلب مني ذلك، وتفسير الظواهر والأزمات التي تطرأ على المجتمع المصري، مثل التحرش الجنسي أو حوادث السيارات، ولا أنتظر دعما من أحد، لأننا للأسف مجتمعات بخيلة في عمل الخير والبحث العلمي، «فموتنا وفلوسنا تحت البلاطة أفضل من الإنفاق على الخير». وحب المال والبخل هو من الأمراض الاقتصادية والنفسية، فأغنياء العرب بخلاء، وأنا لا أحترم نموذج كثير من رجال الأعمال المصريين لأن ملابسات تكوين ثرواتهم جاء في أغلب الأحيان بواسطة طرق مشكوك فيها، وهو ما يجعل هاجس الخوف يسيطر عليهم طوال الوقت، لأنهم معرضون للفقد في أي لحظة، وهي مرحلة من الخوف المرضي الذي يتحول إلى كراهية مجتمعه ولا يريد مساعدته في ظروفه الاقتصادية ومعاناة غيره تحت الفقر.

اقرأ أيضاً:

قراءة نقدية لمشروع قانون الصحة النفسية الجديد 
 



الكاتب: عماد نصيف
نشرت على الموقع بتاريخ: 26/01/2009