آداب الطلاق في الإسلام ::
الكاتب: أ.د محمد المهدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 06/09/2010
على الرغم من حرص الأديان كلها على رباط الزوجية وعلى الحفاظ على الأسرة وتماسكها, إلا أنه مع ذلك شرعت الطلاق ووضعت له نظاما حتى يتم بأقل قدر من الخسائر ولكي تعطي فرصة للطرفين لحياة جديدة أكثر توافقا, لكي يؤدي كل منهما وظيفته في ظروف أفضل. ومما يروى عن سيدنا إبراهيم أنه حين زار ولده إسماعيل ورأى زوجته على حال لم يسره ترك له رسالة بأن يغير عتبة البيت, وهو يعني الطلاق, ثم جاء الإسلام امتدادا لشريعة إبراهيم عليه السلام (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا), وقد كانت الأديان والتشريعات السماوية وغير السماوية تقر الطلاق مع اختلاف التسميات والطرق المؤدية إليه, وما زال هذا الأمر قائما باستثناء بعض الطوائف الدينية التي وضعت قيودا شديدة على الطلاق بناءا على تفسيرات بعض علماء الدين أو المؤسسات الدينية, وكان لهذا التقييد أو المنع آثارا سلبية هائلة نتيجة استبقاء علاقة مضطربة بين زوجين يكره كل منهما الآخر وينفر منه, ومن هنا ازدادت الصراعات والمشاحنات داخل البيت وعاش الأطفال في جو مسموم وربما اتجه كل من الزوجين إلى التعويض العاطفي والجنسي خارج إطار الزواج, وأدى أيضا إلى عزوف الناس عن الزواج حتى لا يقعوا في هذا المأزق.
ومن هنا نفهم أن الطلاق مخرج صحي لعلاقة شديدة الاضطراب بين زوجين, ولو لم يوجد هذا المخرج لكانت البدائل كلها مخارج سلبية ومرضية. ولهذا نجد الطوائف التي منعت الطلاق أو قيدته تقييدا شديدا تواجه مأزقا صعبا بين واقع الحياة وبين قيود وتعليمات لا تراعي الفطرة الإنسانية ولا تستقيم مع الحياة السوية. وهذا المنع والتقييد في أغلبه يعود إلى تفسيرات بشرية للنصوص الدينية التي تحتمل أكثر من تأويل, والدليل على ذلك إباحة الطلاق لدى طوائف أخرى تنتمي لنفس الدين بناءا على تفسيرات أكثر منطقية وأكثر رحابة للنص الديني.
وهذا ما أشار إليه الفيلسوف الإنجليزي "بنتام" في كتابه "أصول الشرائع"، فقال: "لو ألزم القانون الزوجين بالبقاء –على ما بينهما من جفاء- لأكلت الضغينة قلوبهما، وكاد كلٌ منهما للآخر، وسعى إلى الخلاص منه بأية وسيلة ممكنة، وقد يهمل أحدهما صاحبه، ويلتمس متعة الحياة عند غيره، ولو أن أحد الزوجين اشترط على الآخر عند عقد الزواج ألا يفارقه، ولو حل بينهما الكراهية والخصام محل الحب والوئام لكان ذلك أمراً منكراً مخالفاً للفطرة ومجافياً للحكمة، وإذا جاز وقوع هذا بين شابين متحابين، غمرهما شعور الشباب فظنا ألا افتراق بعد اجتماع، ولا كراهة بعد محبة، فإنه لا ينبغي اعتباره من مشرع خير الطباع، ولو وضع المشرع قانوناً يُحرم فض الشركات ويمنع رفع ولاية الأوصياء، وعزل الشركاء ومفارقة الرفقاء، لصاح الناس: هذا ظلم مبين. وإذا كان وقوع النفرة، واستحكام الشقاق والعداء ليس بعيد الوقوع فأي الأمرين خير؟ أربط الزوجين بحبلٍ متين، لتأكل الضغينة قلوبهما، ويكيد كلٌ منهما للآخر؟ أم حل ما بينهما من رباط وتمكين كلٌ منهما من بناء بيت جديد، على دعائم قويمة، أو ليس استبدال زوج بآخر خير من ضم خليلة إلى امرأة مهملة، أو عشيق إلى زوج بغيض؟".
ويقول ابن سينا في كتاب الشفاء: "ينبغي أن يكون إلى الفرقة سبيل ما, وألا يسد ذلك من كل وجه, لأن حسم أسباب التوصّل إلى الفرقة بالكلية يقتضي وجوها من الضرر والخلل, منها: أن من الطبائع مالا يألف بعض الطبائع, فكلما اجتهد في الجمع بينهما زاد الشر والنبوّ (أي الخلاف), وتنغصت المعايش. ومنها: أن من الناس من يمنى (أي يصاب) بزوج غير كفء, ولا حسن المذاهب في العشرة, أو بغيض تعافه الطبيعة, فيصير ذلك داعية إلى الرغبة في غيره, إذ الشهوة طبيعة, ربما أدى ذلك إلى وجوه من الفساد, وربما كان المتزوجان لا يتعاونان على النسل, فإذا بدلا بزوجين آخرين تعاونا فيه, فيجب أن يكون إلى المفارقة سبيل, ولكنه يجب أن يكون مشدّدا فيه".
ويقول ابن قدامة في هذا المقام "فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين، فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة، وضررا مجردا بإلزام الزوج النفقة والسكنى، وحبس المرأة مع سوء العشرة والخصومة الدائمة من غير فائدة، فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح لتزول المفسدة الحاصلة منه"
والحكمة من تشريع الزواج هي بناء الأسر على أساس سليم من السكن والمودة والرحمة, ذلك البناء الذي يسمح بإشباع احتياجات الزوجين ويجعلهما في حالة من الراحة والطمأنينة وينعكس ذلك على الأطفال الذين ينعمون معهما بثمار تلك العلاقة السوية, فإذا تعذر قيام هذا الأمر كان الطلاق هو الحل لكي يفسح الطريق للطرفين أن يتحررا من علاقة مرضية ويعطيهما الفرصة لبناء حياة جديدة لكل منهما بعيدا عن الآخر, حياة تتوافر فيها علامات التوافق والارتياح.
وقبل الوصول إلى نقطة الطلاق نجد هناك خطوات ومحاولات للتوفيق بين الزوجين على مستوى الزوجين, ثم على مستوى العائلتين الأكبر ثم على مستوى المجتمع وأولي الأمر على أمل أن تكون عوامل الخلاف بسيطة ومؤقتة ويمكن إزالتها ببعض التوجيهات أو الإرشادات أو تغيير بعض المفاهيم.
وقد يحدث أن تتغير المشاعر من الزوج تجاه زوجته أو العكس, وهنا يأمر الله تعالى الطرفين بالصبر والاحتمال, على أمل أن تتغير المشاعر وتتحسن, وعلى أمل أن يرى كل طرف في الآخر بعض جوانب الخير الظاهرة أو أن ينتظر بعض الجوانب الخيرية المستترة, وفي هذا يقول الله تعالى: "..... وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً" (النساء: 19).
وحين يثبت أن الخلاف عميق بدرجة لا يمكن تجاوزها, وأن ثمة تنافر بين الطرفين لا يمكن علاجه, وأن كل وسائل الإصلاح استنفذت, وأن وقتا طويلا قد مر على هذا الحال المضطرب, وأن الأمور تزداد سوءا مع الوقت, هنا يصبح الطلاق مشروعا, ولكن بضمانات وخطوات وآداب تحفظ للجميع حقوقهم المادية والمعنوية.
كراهة الطلاق إن الطلاق مكروه رغم مشروعيته لأن عقد الزواج في الإسلام يهدف إلى الدوام والأبدية بين الزوجين لكي تتكون الأسرة وتعيش في بيت هادئ مطمئن يحتضن الأطفال حتى يكبروا, ولهذا كانت الصلة بين الزوجين من أقدس الصلات, وقد وصفها الله سبحانه وتعالى بالميثاق الغليظ (وأخذن منكم ميثاقا غليظا), وأحاطها بكل ما يحفظ استمرارها ودوامها, وجعل كل ما يفصم هذه العلاقة مكروها ومحرما.
فعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أبغض الحلال إلى الله –عز وجل – الطلاق" (رواه أبو داوود والحاكم وصححه). ويقول صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من خبب (أي أفسد) امرأة على زوجها" (رواه أبو داوود والنسائي). وعن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة سألت زوجها طلاقا من غير بأس, فحرام عليها رائحة الجنة".
حكم الطلاق عند اليهود الذي دوّن في الشريعة عند اليهود أن الطلاق يباح بغير عذر, كرغبة الرجل بالتزوج بأجمل من امرأته, ولكنه لا يحسن بدون عذر, والأعذار عندهم قسمان: الأول: عيوب الخلقة, ومنها العمش والحول, والبخر والحدب, والعرج, والعقم. الثاني: عيوب الأخلاق, وذكروا منها: الوقاحة, والثرثرة, والوساخة, والشكاسة, والعناد, والإسراف, والنهمة, والبطنة, والتأنق في المطاعم, والفخفخة. والزنا أقوى الأعذار عندهم, فيكفي فيه الإشاعة, وإن لم تثبت.
وأما المرأة فليس لها أن تطلب الطلاق مهما تكن عيوب زوجها, ولو ثبت عليه الزنا ثبوتا. (عن كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق, الجزء الثاني, دار الكتاب العربي, بيروت).
حكم الطلاق في المذاهب المسيحية المذهب الكاثوليكي يحرم الطلاق تحريما باتا, ولا يبيح فصم الزواج لأي سبب مهما عظم شأنه, وحتى الخيانة الزوجية نفسها لا تعد في نظره مبررا للطلاق, وكل ما يبيحه في حالة الخيانة الزوجية, هو التفرقة الجسمية, بين شخصي الزوجين, مع اعتبار الزوجية قائمة بينهما من الناحية الشرعية, فلا يجوز لواحد منهما قي أثناء هذه الفرقة أن يعقد زواجه على شخص آخر, لأن ذلك يعتبر تعددا للزوجات, والديانة المسيحية لا تبيح التعدد بحال.
وتعتمد الكاثوليكية في مذهبها هذا على ما جاء في إنجيل مرقص على لسان المسيح, إذ يقول: "ويكون الإثنان جسدا واحدا, إذن ليسا بعد اثنين, بل جسد واحد, فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان" (مرقص, إصحاح 10 , آيتي 8, 9). والمذهبان المسيحيان الآخران, الأورثوذكسي والبروتستانتي, يبيحان الطلاق في بعض حالات محدودة, من أهمها الخيانة الزوجية, ولكنهما يحرمان على الرجل والمرأة كليهما أن يتزوجا بعد ذلك.
وتعتمد المذاهب المسيحية التي تبيح الطلاق في حالة الخيانة الزوجية على ما ورد في إنجيل متى, على لسان السيد المسيح إذ يقول: "من طلق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزني" (إنجيل متى ,الإصحاح الخامس).
وتعتمد المذاهب المسيحية في تحريمها الزواج على المطلق والمطلقة على ما ورد في إنجيل مرقص إذ يقول: "من طلق امرأته, وتزوج بأخرى يزني عليها, وإن طلقت امرأة زوجها, وتزوجت بآخر تزني" (إنجيل مرقص, الإصحاح العاشر:11) (عن كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق, دار الكتاب العربي, الجزء الثاني)
حكم الطلاق في الإسلام اختلفت آراء الفقهاء في حكم الطلاق, والأصح من هذه الآراء, رأي الذين ذهبوا إلى حظره إلا لحاجة, وهم الأحناف والحنابلة, واستدلوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لعن الله كل ذوّاق مطلاق". ولأن في الطلاق كفرا لنعمة الله, فإن الزواج نعمة من نعمه, وكفران النعمة حرام, فلا يحل إلا لضرورة. ومن هذه الضرورة التي تبيحه أن يرتاب الرجل في سلوك زوجته, أو أن يستقر في قلبه عدم اشتهائها, فإن الله مقلب القلوب, فإن لم تكن هناك حاجة تدعو إلى الطلاق يكون حينئذ محض كفران نعمة الله, وسوء أدب من الزوج , فيكون مكروها محظورا.
وللحنابلة تفصيل حسن نجمله فيما يلي: قد يكون الطلاق واجبا, وقد يكون محرما, وقد يكون مباحا, وقد يكون مندوبا إليه.
فأما الطلاق الواجب, فهو طلاق الحكمين في الشقاق بين الزوجين, إذا رأيا أن الطلاق هو الوسيلة لقطع الشقاق.
وأما الطلاق المحرم, فهو الطلاق من غير حاجة إليه, وإنما كان حراما لأنه ضرر بنفس الزوج, وضرر بزوجته, وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه. وفي رواية أخرى أن هذا النوع من الطلاق مكروه.
وأما الطلاق المباح, فإنما يكون عند الحاجة إليه, لسوء خلق المرأة, وسوء عشرتها والتضرر بها, من غير حصول الغرض منها.
وأما المندوب, فهو الطلاق الذي يكون عند تفريط المرأة في حقوق الله الواجبة عليها, مثل الصلاة ونحوها, ولا يمكنه إجبارها عليها, أو تكون غير عفيفة (سيد سابق, فقه السنة, دار الكتاب العربي).
ولا يوجد حظر في الإسلام على زواج المطلق أو المطلقة.
والطلاق هو من حق الرجل فقط, أما المرأة فإذا كرهت زوجها فقد أباح لها الإسلام أن تتخلص من الزوجية بطريق الخلع, وذلك بأن ترد على الزوج ما كانت أخذت منه باسم الزوجية لينهي علاقته بها, وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: ".... وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" (البقرة: 229).
آداب الطلاق والشريعة الإسلامية لم تترك الأمر غامضا أو مفتوحا للاجتهادات وإنما وضعت التفاصيل الدقيقة لذلك حتى تغلق الباب أمام الأهواء وأمام محاولات استغلال طرف للطرف الآخر أو محاولات الظلم التي تظهر في مثل هذه الأحوال. فالناس في ظروف الطلاق يخرج منهم أسوأ ما فيهم, حيث تتملكهم مشاعر الكراهية والغضب, وتستحوذ عليهم رغبة في الانتقام من الطرف الآخر أو إذلاله أو استغلاله أو الضغط عليه أو لي ذراعه, ولهذا نجد اتهامات متبادلة وسب وقذف وانتقاص لكل طرف من الآخر, ونجد في المحاكم قضايا تحفل بالمغالطات وشهادات الزور والاتهامات الباطلة ومحاولات الابتزاز, وهذا كله ليس من آداب الإسلام وليس من الخلق القويم وإنما يعكس دناءة في النفس وتلوث في الضمير.
ولهذا وجب أن نورد آداب الإسلام في الطلاق, تلك الآداب التي تحمي الطرفين من الظلم والاستغلال والتشويه, وتحمي الأطفال من الوقوع تحت أقدام الطرفين المتصارعين اللذين كان من المفترض أن يكونا لهم أبوين رحيمين عطوفين راعيين.
من هذه الآداب ما ذكره الأستاذ/ سلمان نصيف الدحدوح في كتابه: "الإسلام أدبه وآدابه": * أن يكون الطلاق رجعياً، أي طلقة واحدة فلا يجمع بين الثلاث لأن الطلقة الواحدة بعد العدة تفيد المقصود ويستفيد بها الرجعة إن ندم في العدة وتجديد النكاح إن أراد بعد العدة أن يقع الطلاق في حالة هدوء لا غضباً فيه ولا شقاق
* أن يقع في طهر لم يسبقه جماع فإن لم تكن الزوجة كذلك فاصبر حتى تطهر ثم إن شئت طلقتها وإن شئت أمسكتها
* لا تغلظ لها القول بل تلطف في النطق بالطلاق والتمس الأعذار المسببة له واطلب به سعادة الطرفين
* لا تخرجها من بيتك إلا إذا أتمت العدة وتبين لك من نفسك بانقضائها صدق رغبتك في طلاقها والإصرار على فراقها، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً﴾(الطلاق:1)
* أن يتلطف في التعليل بتطليقها من غير تعنيف أو استخفاف والإبقاء على ودها وتطييب قلبها بهدية على سبيل الإمتاع والجبر لخاطرها لما فجعها به من أذى الطلاق، يقول الله تعالى: ﴿لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾(البقرة:236)
* أن لا يبخسها أي حق من حقوقها، يقول الله تعالى: ﴿وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً﴾ (النساء:20)
* أن يكون رجلاً في موقفه منها وأن يكون شهماً في معاملته لها بعد الطلاق فلا يلوكها بلسانه بما يسيء إليها بحق أو بباطل ولا يلجئها إلى المحاكم في سبيل الحصول على حقوقها من نفقة أو حضانة امتثالاً لقول الله تعالى: ﴿..... وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (البقرة:237)
* ألا يفشي سرها لا في الطلاق ولا عند النكاح، فقد روي عن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: {إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر أحدهما سر صاحبه} رواه مسلم وأبو داود وغيرهما، وروي عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق امرأته فقيل له: ما الذي يريبك فيها؟ فقال: العاقل لا يهتك ستر امرأته، فلما طلقها قيل: لم طلقتها؟ فقال: مالي لامرأة غيري، وروي أيضاً أن رجلاً طلق زوجته فسأله أحد الناس عن السبب في طلاقها فقال: كنت أصون لساني عند ذكر عيوبها وهي زوجتي فكيف أستبيح ذلك وقد صارت أجنبية عني؟"
ولنأخذ بعض النقاط بشيء من التفصيل: أن يكون الطلاق رجعيا وذلك لإعطاء الفرصة للعودة مرة أخرى بعد أن تهدأ المشاعر وتستقر النفوس, وذلك بأن يكون الطلاق طلقة واحدة تسمح بالرجوع في فترة العدة, وهذا يتفق مع ما هو معروف من الاندفاع في قرارات –ومنها الطلاق– في لحظات الغضب أو الثورة, ثم الندم على ذلك في حالة الهدوء والاستقرار النفسي.
أن لا يطلق الزوج وهو في حالة غضب, وللأئمة آراء مختلفة في حكم وقوع طلاق الغضبان من عدمه, نورد منه قول الإمام ابن القيم رحمه الله: الغضب ثلاثة أقسام:
أحدهما: أن يحصل للإنسان مبادئه وأوائله, بحيث لا يتغير عليه عقله ولا ذهنه, ويعلم ما يقول ويقصده. فهذا لا إشكال في وقوع طلاقه. القسم الثاني: أن يبلغ به الغضب نهايته, بحيث ينغلق عليه باب العلم والإرادة فلا يعلم ما يقول ولا يريده. فهذا لا يتوجه خلاف في عدم وقوع طلاقه. والغضب غول العقل, فإذا اغتال الغضب عقله, حتى لم يعلم ما يقول, فلا ريب أنه لا ينفذ شيء من أقواله في هذه الحالة. القسم الثالث: من توسط في الغضب بين المرتبتين, فتعدى مبادئه ولم ينته إلى آخره بحيث صار كالمجنون – فهذا موضع الخلاف ومحل النظر. والأدلة الشرعية تدل على عدم نفوذ طلاقه (إغاثة اللهفان ص 14).
أن يقع الطلاق في طهر, وذلك لتكون هناك فرصة في اللقاء الزوجي في تلك الفترة, مع احتمالات أن يبدد هذا اللقاء ما في النفوس من وحشة وغضب, وأيضا لنتجنب فترة الحيض وما يكون فيها من نفور لدى بعض الرجال ومن عصبية لدى بعض النساء. ووقوع الطلاق في طهر لم تحدث فيه علاقة زوجية يستبعد وجود الحمل.
وعلى الزوج أن يراعي حقوق العشرة بينه وبين زوجته فيتلطف معها في القول, ولا يجرح مشاعرها بكلمات قاسية, ولا يخرجها من بيته قبل أن تنتهي عدتها, ولا يفشي ما يعرفه عنها من أسرار, ولا يشوه صورتها أمام الناس ولا يهينها أو يظلمها, ولا يبخس حقوقها, ولا يضغط عليها بهدف إذلالها أو استغلالها, وأن يتعامل معها بالفضل لا بالعدل.
ويحرس هذه الآداب كلها قوله تعالى: "وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (البقرة:227), أي أن الله يسمع ما يقال في مثل هذه الظروف ويعلم بالنوايا إن كانت حسنة أو سيئة, وهذا السماع وذلك العلم من الله تحذير للطرفين حتى لا يجور أحدهما على الآخر, وأن يتقوا الله في بعضهما, وأن يتذكرا بأن الله رقيب عليهم.
واقرأ أيضًا: شخصيةالطاغية / كيف نمحو أميتنا التربوية؟ / سيكولوجية التعذيب / الحوار وقاية من العنف / سيكولوجية الاستبداد (الأخير) / السادو- ماسوشية (sado-masochism) / ستار أكاديمي.. وإزاحة الستر / الشخبطة السياسية / قادة العالم واضطرابات الشخصية(2) / قراءة في شخصية زويل(2) / ظاهرة العنف في المجتمع المصري(3) / الذوق والجمال في شخصية المسلم المعاصر / الجانب الأخلاقى فى شخصية المسلم المعاصر / الدوافع ودورها في النجاح والتفوق / حين يصل الفساد لمواطن العفة(1) / المعارضة.. من النفس إلى الكون(2) / الباشا والخرسيس / الانتصار البديل في الساحة الخضراء / السنة والشيعة.. فتنة السياسة أم فتنة العقيدة؟ / قراءة نقدية لمشروع قانون الصحة النفسية الجديد / الفلوس والنفوس / جمال حمدان: المحنة... العزلة... العبقرية / إعادة القراءة على كعب الحذاء / الاحتباس النفسي / صندوق الانتخابات يضبط إيقاع الحياة في تركيا 2 / إعادة تأهيل وبناء الإنسان المصري 2 / دمعة المحرومين من الحج / "شوية" مصريين ماتوا في حادثة و"شويه" أصيبوا / أسبانيا من... إلى... (2) / الانتماء الهستيري: الجرح النرجسي / الإنشطار الديني وخطر المواجهة الطائفية / انتصار أخلاقي / نبوءة نجيب محفوظ للبرادعي وزويل / هل ما زال للعمال عيدا؟ / المصريون من الحراك إلى العراك / النقطة الحرجة في العنف.
الكاتب: أ.د محمد المهدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 06/09/2010
|
|