إغلاق
 

Bookmark and Share

ببغاء مصاب بالوسواس والاكتئاب‏ ::

الكاتب: أ.د مصطفى السعدني
نشرت على الموقع بتاريخ: 02/07/2007


عندما بدأ الببغاء نتف ريش صدره وجناحيه لم تتردد الطبيبة البيطرية في تقديم العلاج فورا له في شكل دواء مضاد للوسواس والاكتئاب من نوع البروزاك أو الفلوكستين، وهو أحد: "مثبطات استرجاع السيروتونين الانتقائية"، وملخص هذه الجملة الطويلة هو "ماسا"، وتقول الطبيبة البيطرية "رينا كوتون" أن الببغاء «فينيكس» توقف بعد أسبوع واحد من تناول جرعات من دواء «بروزاك» عن العادة المثيرة للقلق وبدأ ريشه ينمو من جديد!!.

وقالت لرويترز: عندما جاءني «فينيكس» كان يوشك على الصلع لكنه تحسن كثيرا الآن.
وقالت "كوتون" أنها استلهمت الفكرة من طبيب نفساني قال أن العقار جُرب على الطيور في جزء من عمليات تطويره، وأنه يستخدم بنجاح في علاج أمراض الوسواس القهري عند الحيوانات.

إلا أن للعقار بعض الأعراض الجانبية مثل بعض الاندفاعات السلوكية الذي ظهرت أعراضها على «فينيكس»، غير أن "كوتون" تقول أن مرضاها من الحيوانات الذين عولجوا بالعقار يتصرفون بشكل طبيعي خلال شهر من التوقف عن تناول الحبوب!.

المصدر:صحيفة الشرق الأوسط يناير 2002

وتعقيبا على هذا الخبر الصحفي القديم أود أن أذكر أن عددا غير قليل من الحيوانات الأليفة يصاب بظاهرة الوسواس والأفعال القهرية مثل القطط والكلاب والأفراس والببغاوات والقردة!!!، ويتم تشخيص الحالة المرضية لدى تلك الحيوانات بطريقة الاستبعاد؛ بمعنى أن الطبيب البيطري يبدأ في استبعاد الأمراض المعتادة في حدوث الهرش والحكة والنتف؛ كالطفيليات الجلدية مثل البراغيث والقمل والبق والجرب والحساسية والإكزيما وغيرهم، ووجد الأطباء أن هذه الحيوانات غالبا ما تكون قد عانت من مشاكل في فترات من حياتها مثل تغير من يتعاملون معها، أو القسوة في معاملتها أحيانا، أو عدم الانتظام في تغذيتها بصورة صحية، وعند إضافة أحد عقاقير "الماس" أو "الماسا" تتوقف حالة الحكة المستمرة أو النتف بعد عدة أيام من العلاج بأحد تلك العقاقير من أمثال الأنافرانيل والفافيرين أو البروزاك أو اللوسترال أو السيبرام أو السيروكسات أو السيبراليكس.

وهذا الكلام يؤكد المنشأ العضوي للأمراض النفسية، وأن الضغوط الحياتية نفسية أو جسدية يترتب عليها تغيرات عضوية في المخ، وبالتالي تظهر لنا الاضطرابات النفسية المختلفة وبدرجات متفاوتة في النوع والشدة.

ولقد أصبحت تلك الحيوانات مجالا خصبا لدراسة تأثير العقاقير الجديدة عليها، وكذلك دراسة وظائف خلايا المخ لديها، ومحاولة معرفة التغيرات الدماغية التي قد تصاحب اضطراب الوسواس القهري، كما اكتشف العلماء عددا من الكيماويات التي يمكنها إحداث القلق والوسواس في الحيوان والإنسان على السواء مثل مادة: m-ppp (ميثيل فينيل بروبيون بيبريدين)، ومادة اليوهيمبين بجرعات عالية، ومادة 5- HIAA وغيرهم من المواد الكيماوية، وهذا الكلام كله يثير قضية هامة جدا نواجهها في حياتنا اليومية؛ ألا وهي: هل اضطراب الوسواس القهري هو مرض كباقي الأمراض؟؟!، أم هو بسبب الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم؟!، وهل منشأ الوسواس القهري على وجه الخصوص وباقي الاضطرابات النفسية هو نقص الإيمان كما يقول البعض؟!؛ ويتسبب بذلك في زيادة العلة والمرض وتأنيب الضمير لدى مرضانا النفسيين؟؟!!،

وأقول والله المستعان- أن أسلافنا من علماء الدين الفطاحل قد اختلفوا في ذلك رغم محدودية تقدم العلوم الطبية في أزمانهم البعيدة، فمنهم من قال أن منشأ الوسواس وزيادته بسبب نقص الإيمان ومن قادة هذا الرأي ابن قدامة المقدسي، وهو كما أشرت من قبل في مقالاتي عن "تاريخ الوسواس القهري" صاحب كتاب صغير عن الوسواس القهري يُسمى "ذم الموسوسين"، وعنوان الكتاب يؤكد وجهة نظره في طبيعة ومنشأ هذا الاضطراب النفسي.

أما الفيلسوف الإسلامي الشهير أبو حامد الغزالي والإمام الجليل أحمد بن حنبل فينظران إلى الوسواس القهري على أنه مرض وابتلاء مثل سائر الأمراض التي لا يملك الإنسان ناصيتها ولكن عليه السعي للعلاج والبرء منها، وأنا أميل إلى الرأي الأخير ويُعضدني في ذلك ما أثبتته الأبحاث الطبية المتقدمة من وجود تغيرات بيولوجية في خلايا المخ لدى مرضى الوسواس القهري!، وأتساءل لماذا تؤذي الشياطين القطط والكلاب والببغاوات وغيرهم من الحيوانات باضطراب الوسواس القهري، إن كانوا هم بالفعل وراء الإصابة بذلك الاضطراب البغيض؟؟!!، وكذلك لا ننسى ما أثبتته الدراسات الطبية الحديثة عن: دور العامل الوراثي القوي في حدوث هذا الاضطراب لدى بعض الأشخاص من عائلات معينة دون غيرهم من العائلات؛ حيث يحمل البعض من أبناء تلك العائلات الجينات الوراثية لهذا الاضطراب، تلك الجينات التي بدأ علماء الوراثة في تتبعها للوصول إلى معرفة أماكنها، ومعرفة نوع التغيرات التي تحدث فيها!، وذلك على الشريط المزدوج الحامل للشفرة الوراثية في الإنسان DNA ، والذي يحمل أكثر من مائة ألف جين في كل إنسان منا، ولعلنا نسمع في العقود القادمة عن التوصل لعلاج جيني لمرضى الوسواس القهري، والذي لو حدث فلن يجرؤ ساعتها شخص على التفوه بأن منشأ الوسواس القهري هو نقص الإيمان بالله!!!.

واقرأ أيضاً:

حكاية الماس والماسا ضد الاكتئاب والوسوسة
أسباب الأمراض النفسية
المادة المسببة للوسواس: سلامتك من الصدمة
تاريخ اضطراب الوسواس القهري(12)



الكاتب: أ.د مصطفى السعدني
نشرت على الموقع بتاريخ: 02/07/2007