إغلاق
 

Bookmark and Share

التشويه الذاتي للجسد مشاركة ::

الكاتب: أ.د.وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 15/10/2007


أرسل الأستاذ عوني الحوفي (مدير بجامعة الإسكندرية سابقاً، 68 سنة، مصر) يقول:

الأستاذ الفاضل الجليل الدكتور وائل أبو هندي:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: في 15 / 9 /2007 تفضلت بنشر مقالكم الرائع رقم 2 عن التشويه الذاتي للجسد، ووفيته حقه من البحث العلمي الرصين وعرضت الموضوع من جميع جوانبه من وجهة نظر الطب النفسي وختمت الموضوع بأن المحاولات العلمية للإجابة على السؤال: لماذا يؤذى الإنسان نفسه؟ ما زالت افتراضات تنتظر الإثبات. ولست أدرى هل تسمح لشخصي المتواضع وصاحب الباع القليل في الموضوع أن أقترح على أستاذنا الجليل افتراضا آمل أن يكون له اعتبار يستحق أن يتخذ أساسا لبحث علمي على أساس أن الفرض هو البداية المنهجية لأي تجربة علمية تثبت قبوله أو رفضه بعد إخضاعه للمنهج التجريبي العلمي المعروف.

أزعم أستاذنا الفاضل أن التشويه الجسدي القهري إنما ينتشر في حالته الشديدة بين الإناث أكثر منه بين الرجال وهذه واحدة على بحثكم -إذا تم- أن يثبتها.
النقطة الثانية في هذا الفرض أن هذا التصرف اللا شعوري والقهري إنما هو انتقام من الأهل أو المجتمع الذي أخضع هذا الجسد في مرحلة الطفولة وبداية المراهقة لعملية تشويه باقتطاع جزء منه وربما أكثر في عملية الختان التي حرمتها من لذة كانت تجدها في العبث بهذه الأجزاء الحساسة فلم تعد إليها تلك اللذة باقتطاع هذه الأجزاء من جسد الطفلة في بداية مرحلة الإحساس بالأنوثة فأحبطتها، وطبقاَ لنظرية رد الفعل أو الانتقام الذي لا تقدر عليه من الغير -الأهل- فإنها تنهال على هذا الجسد تقطيعا بالموس أو المشرط الذي اقتطع به جزئها الغالي وفى أي مكان.

وخطة البحث كما أتصور تكون عبر عينة من المتعرضين لهذا الإيذاء الجسدي القهري لإثبات أن النسبة الغالبة من النساء، وعبر دراسة تاريخ الحالة بالتداعي الحر مع المحلل النفسي المتمرس أن يرجع مع الحالة إلى سنيّّ الطفولة المتأخرة التي عادة ما يحدث فيها عملية الختان ويستبين من الحالة إحساسها وشعورها وذكرياتها عن تلك الحادثة ليس عن طريق أسئلة معدة سلفاً بل بترك الحالة تستدعي خبراتها اللاشعورية بالتداعي الحر والفضفضة وطبعاً لكم من علمكم وخبرتكم ومهارتكم الكثير الذي تستطيعون به إثبات صدق هذا الفرض أو رفضه لتبقى القضية شاهدة على عجز العلم عن تقديم إجابة على سؤال ملح لماذا يشوه المريض -ذكراً أو أنثى جسده.

عونى الحوفى
2/10/2007

أستاذنا الفاضل عوني الحوفي أهلا وسهلا بك مشاركا في باب نطاق الوسواس القهري ومقترحا لفرضية تحتاج إلى بحث وتمحيص، وهي أن الألم النفسي الجسدي الناتج عن حوادث ختان الإناث الصدمية (وليست كل حوادث الختان فمنها ما هو غير رضحي-صدمي- Non-traumatic) ذلك الألم هو أحد أسباب حدوث عرض الإيذاء أو التشويه الذاتي للجسد فيما بعد وأنه لذلك ربما يظهر أكثر في الإناث.

وفضلا عن موقفنا الوسطي أصلا من مسألة ختان الإناث بعد الاستبيان كما بينا في ردنا القديم الاستبيان قبل الختان: مكرمةٌ أم هوان؟! فإننا نتذكر نقطتين في منتهى الأهمية كمعطيات حالة ميدانية عامة قبل الدراسة وهما:

- أن نسبة الذكور بين القائمين بالتشويه في تزايد مستمر في الآونة الأخيرة، ما تزال أقل من مثيلتها في الإناث لكنها تزيد بشكل ربما وجه تفكيرنا نحو البحث عن أسباب للتفسير تشمل الجنسين.

- أن عملية الختان الرضحية أيَّا كانت ملابساتها وتداعياتها النفسية تجرى لذكورٍ أكثر بكثير مما تُجرى لإناث، وعليه فإنها قد تكون عاملا عاما يؤثر في الضحايا من الجنسين وهذا ما قد يراه أخونا الدكتور علي إسماعيل عبد الرحمن صاحب مقال ختان الإناث: الأسباب والمعتقدات مبحثا جديرا بالدراسة وأنا معه.

وسأشاركه البحث إذا رضي د.علي..... وإن لم أكن أستاذي مثلما توسمت فيَّ عارفا أو مدربا في آليات التحليل النفسي ولا مؤمنا بجلِّ مبادئه، لم أتلق فيه تدريبا ولم أفلح في تعليم نفسي بنفسي.... وإنما علمني أساتذتي التوجه البيولوجي الصرف في الطب النفسي وأحسبني خبرته وما أزال أحاول لأواصل... لكنني ثرت عليه عندما يقتصر العلاج عليه وأيضًا عندما تقتصر التفسيرات عليه وترد التغيرات المرضية إليه كلية، ثرت على ذلك وأحسبه كان خيرا في الحالين... فقد أكرمني الله بطريق البحث في العلاج السلوكي المعرفي لإيماني بأنه الأصلح لأمتنا أمة العقل، وقليلا ما أجد في خبرتي العلاجية خبراتٍ قديمة معجزة في التعامل معها ومداواتها معرفيا وشعوريا وسلوكيا دون حاجة كثيرة أو أكيدة إلى اللاوعي استحضارا...

وإن فعلت فلا أطيل... وما أزال مؤمنا أن التعرض لخبرة رضحية (صدمية) Traumatic Experiences في الطفولة يتوفر فيها عاملا المشاعر القوية المؤلمة المصاحبة لفعل الضرار الجسدي النفسي أو الجنسي إضافة إلى غياب الطريقة الصحيحة للدعم المعنوي للضحية (وهو ما غالبا يغيب في حالة التحرش أو الضرار الجنسي، بينما غالبا لا يغيب في حالة الختان أو الخفاض في الإناث حيث يدعم الطفل باعتباره ما يزال غير مدرك)... ما أزال مؤمنا أن التعرض لمثل هذا لا يقود بالضرورة إلى مشكلات مستعصية أو ملغزة في مستقبل الضحية... وإنما غالبا يوفقنا الله في الحل دون كثير من اللجوء إلى الإجراءات التحليلية مكتفين ومستثمرين أننا أمة أصلح ما يصح لها هو العلاج السلوكي المعرفي.

أستكمل بعد ذلك الحديث حول العلاقة بين الألم وظاهرة تشويه الذات الجسدي المتعمد، والألم المقصود هنا هو الألم الجسدي الذي يفترض أن يقع أثناء إيقاع الأذى المتعمد بالجسد دون نية للانتحار، بحيث نعتبر تشويه الذات الجسدي استخداما لوقع الألم الجسدي لتخفيف أو إلغاء ألم نفسي لا محتمل في كيان صاحبه.

وتقول نتائج الدراسات في علاقة إحداث الألم الجسدي بهذه الظاهرة أن:
خبرة الألم تختلف جدا من شخص إلى شخص بل ومن مرة إلى مرة episodes
بعض الأشخاص يستشعرون ألما خفيفا أو لا ألم على الإطلاق لحظة إيقاع الأذى الجسدي، ثم يشعرون الألم فيما بعد.
وهناك آخرون يخبرون الألم الجسدي لحظة الأذى ويعتبرون هذا الألم الجسدي هو العامل المهم والفاصل في إراحتهم من ألمهم النفسي.

وأما الأسس البيولوجية لعلاقة إيذاء الذات الجسدي والشعور بالألم فما تزال غير واضحة علميا، فرأي بعض المنظرين علميا أن الخبرات الرضحية الحياتية -في السن الصغيرة- تدمر بعض المسارات العصبية في المخ هي المختصة بتحرير (إفراز) الإندورفينات Endorphins (الأفيونات الطبيعية التي يفرزها المخ البشري)، وهذه المسارات Pathways معنية -جزئيا على الأقل- بتنظيم الحالات الانفعالية للإنسان، وفي الأشخاص الذين تدمر تلك المسارات العصبية لديهم بهذه الطريقة أي من خلال الخبرات الرضحية الحياتية المبكرة فيعجزون بطبيعتهم عن إفراز الأفيونات الطبيعية المطلوبة لتنظيم المشاعر بسبب ما لحق تلك المسارات من أذى، فهنا ربما يقدم تشويه الذات الجسدي وسيلة لإفراز الإندورفينات.

ورأى آخرون أن أجهزة المخ التي تستخدم الناقل العصبي السيروتونين تظهر تغيرات في حالات كل من المنتحرين والمتعمدين إحداث الأذى الجسدي، وما يزال دور أيٍّ من هذه الأنظمة أو غيرها في نماء واستمرار سلوك التشويه الذاتي الجسدي المتعمد في انتظار الوضوح الكامل للباحثين.

وأستغل مشاركتك هذه أستاذي لأتساءل عن المشاركات من ذوي الشأن، داعيا رواد مجانين أو أصحاب مشكلات التشويه الذاتي للجسد أن يدلوا بدولهم معنا في محاولة الفهم هذه، وأتساءل عن العلاقة بين الإدمان خاصة من وجهة نظرنا الوسواسية فيه وبين إيذاء الذات المتعمد deliberate self-harm، ففضلا عن اعتبار الإدمان إيذاءً متعمدًا للذات على المدى الطويل إلا أننا نتكلم هنا عن أثر إيذاء الذات المتعمد على المدى القصير فكثيرون من مرضى تشويه الذات المتعمد يصفون حالهم مع سلوكهم المرضي بأنه إدمان (إدمان لإيذاء الذات الجسدي) وكثيرون من المدمنين يشوهون أجسادهم عامدين تشويها ماديا سطحيا كالذي وصفناه في مقالنا الثاني عن وصف الظاهرة، سعدت بمشاركاتك أستاذنا، وأدعو الجميع مستشارين ومتصفحين إلى ذكر أفكارهم وخبراتهم ومعلوماتهم في هذا الموضوع، وأهلا بالجميع على مجانين.

أ.د.وائل أبو هندي

تعليق من أ.د. مصطفى السعدني

مأزق التحليل النفسي
قد يكون استخدام التاريخ المرضي لمن عانت أو عانى من الختان الصدمي كافيا بلا حاجة إلى استخدام التحليل النفسي لإتمام تلك الدراسة، ومأزق التحليل النفسي الصعب الذي نعاني منه كأطباء نفسيين في وقتنا الحالي قد يكون السبب الرئيسي في الاعتماد على التاريخ المرضي الذي يذكره المريض لنا مع ذويه أو بدونهم، فالكثير يتساءلون لماذا لم يعد الأطباء النفسيون يستخدمون "الشيزلونج" في جلسات للتحليل النفسي مع مرضاهم، والإجابة وببساطة أن التحليل النفسي يستهلك الكثير من وقت الطبيب المعالج وجهده وماله، فالمطلوب من الطبيب النفسي أن يتم تحليله نفسيا أولا، وهذا وحده يستغرق ثلاثة أعوام على الأقل وبمعدل ثلاث جلسات أسبوعياً، وكل جلسة لا تقل عن 45 دقيقة، فمن سيدفع تلك التكاليف لمن يريد تعلم التحليل النفسي؟!،

ثم ننتقل إلى من سيعلم الطبيب النفسي التحليل النفسي في وقتنا الحاضر؟!، ولصعوبة هذا الأمر أذكر أنني كنت في إدنبرا باسكوتلاندا في يونيو 2007 حاضرا لمؤتمر الجمعية الملكية البريطانية للأطباء النفسيين السنوي، وكانت هناك منصة للإعلان عن الجمعية المسئولة عن التحليل النفسي بإنجلترا، وقد قمت بسؤال الموظفة الجالسة عن عدد أفراد من يمارسون التحليل النفسي بإنجلترا؛ فقالت أنهم حوالي ستون شخصا!!!، 60 محللا نفسيا فقط في بلد متقدم جدا في الطب النفسي وعاش فيه فرويد مبتكر العلاج بالتحليل النفسي- آخر أيام حياته ومارس فيه التحليل النفسي حتى توفي عام 1939، فما بالكم بعدد من تم عمل تحليل نفسي له من مصر؟ ولديه استعداد أن يقوم بممارسة التحليل النفسي للآخرين؟!، آخر من كان يقوم بالتحليل النفسي بالإسكندرية مثلا هو د. "إيميل سعد"، وقد توفي بعد أن بلغ من الكبر عتيا منذ حوالي 15 عاما، ورغم أن مؤهله كان طب الإسنان -وليس الطب البشري ولا علم النفس- إلا أنه هو آخر من مارس التحليل النفسي الفرويدي بالإسكندرية مع مرضاه، ولا أعرف أحدا في الإسكندرية اليوم قد تعلم التحليل النفسي، وتم عمل تحليل نفسي له قبل أن يحاول ممارسة التحليل النفسي مع المرضى إلا هو!، هذا بصراحة هو "مأزق التحليل النفسي في العالم كله وفي بلدنا على وجه الخصوص، هذا المأزق المتمثل في صعوبة ممارسة التحليل النفسي واستهلاكه لوقت وجهد ومال الطبيب المعالج والمريض أيضاً، وبعد ذلك فإن النتائج منه ضئيلة وقد تكون عكسية لدى بعض المرضى وبالذات المرضى الذهانيين.

أما من يدعي بعد كلامي هذا قدرته على ممارسة التحليل النفسي في مصر مثلا فليعرض علينا شهاداته التي تثبت أن تحليلا نفسيا قد تم عمله له أولا من شخصية معالج معروف في مجال التحليل النفسي بالعالم، ثم بعد ذلك فليعرض علينا نتائج عمله في مجال التحليل النفسي!.
هذا هو مأزق التحليل النفسي يا جدو العزيز وصعوبة ممارسته في وقتنا الراهن والسلام.

أ.د. مصطفى السعدني



الكاتب: أ.د.وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 15/10/2007