|
|
|
اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية ::
الكاتب: أ.د عبد الرحمن إبراهيم
نشرت على الموقع بتاريخ: 20/11/2007
اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية Obsessive – Compulsive Personality Disorder
تعريف:
السمة الرئيسة في هذا الاضطراب، هو نمط من الكمالية والتصلب يسود حياة المصابين به، ويبدأ هذا الاضطراب في بداية البلوغ، ويعتبر نموذجاً منتشراً من الانشغالات بالترتيب، وإتمام العمل والضبط النفسي والبيوشخصي على حساب المرونة، والانفتاح، والفعالية، ويتظاهر في سياق العديد من التصرفات،ويسـتدل عليه بتوفر خمسة على الأقـل مما يلي:
1- الكمالية التي تتدخل في إتمام الشخص لواجباته، إذ يظهر نزعة لإتقان العمل بحيث يعيق إنجازه، فعلى سبيل المثـال نجد (العجز عن إنهاء مشـروع لأن المعايير الدقيقة جداً والمطلوبة لا يتم تحقيقها).
2- الاستغراق والانشغال بالتفاصيل والقوانين واللوائح والترتيب والتنظيم والجداول أو البرامج إلى درجة يضيع معها الموضوع الرئيس للعمل أو النشاط الذي يقوم به.
3- الإصرار غير المنطقي على خضوع الآخرين التام لطريقة المرء في تنفيذ الأشياء أو المعارضة غير المنطقية التي لا تسمح للآخرين بتنفيذ الأشياء بسبب اقتناعه المسبق بأنهم لن يؤدّوها بإتقان وبشكل صحيح.
4- التفاني الزائد في العمل والإنتاجية إلى درجة التخلي عن الصداقات وأوقات الراحة، بمعنى آخر يكرس نفسه على نحو مفرط للعمل وللإنتاجية مع تهميش الراحة والصداقات (شريطة ألا يكون ذلك لأسباب اقتصادية).
5- عدم اتخاذ القرارات: حيث يتجنب اتخاذ قرارٍ ما أو يؤجله أو يؤخره فعلى سبيل المثال (لا يستطيع المصاب تأدية واجباته في الوقت المحدد بسبب كثرة تفكيره بالأولويات).. مع ملاحظة: أنه لا يعود السبب في عدم اتخاذ القرارات في هذا الاضطراب إلى الحاجة الماسة للنصح والطمأنة من الآخرين.
6- صاحب هذه الشخصية مفرط في محاسبة الذات في عمله، ودقيق، وذو ضمير حي يقظ وكثير الشك والوساوس ومتصلب فيما يخص المسـائل الأخلاقية والمثل والقيم (شريطة ألا يكون ذلك بوحي من التوجيه والمعتقدات الدينية).
7- ذو مجال محدود في التعبير عن عواطفه، و دائماً يظهر عدم المرونة والعناد والتصلب غير المبرر في مواقفه. 8- ينقصه الكرم في بذل الوقت أو المال أو الهدايا، حين لا يعود ذلك بفائدة شخصية عليه، فيتبنى نموذج إنفاق يدعو للحسرة والشقاء إزاء نفسه والآخرين، فالمال وفق اعتقاده لا بدّ من ادخاره كاملاً لمواجهة مصائب المستقبل.
9- العجز عن التخلي عن أشياء بالية أو لا قيمة لها أو المبددة للقوى حتى ولو كانت معدومة القيمة حسياً أو عاطفياً.
الانتشار ونسبة إصابة الجنسين:
يبدو أن اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية شائع، وأكثر حدوثاً عند الذكور منه عند الإناث.
المظاهر المرافقة: يتصف المصابون باضطراب الشخصية بالاتكالية وانعدام الثقة وبصورة نموذجية فهم متشائمون حول مستقبلهم وغير مدركين أن سلوكهم هو المسئول عن الصعوبات التي يواجهونها.
الاختلاطات: تصادف بعض الاختلاطات مثل: • اضطراب الوسواس القهري. • داء المراق. • الاكتئاب الرئيس. • سوء المزاج Dysthemia (عُسْر).
يبدو الكثير من ملامح الشخصية الوسواسية القهرية واضحاً عند من يصاب باحتشاء العضلة القلبية Myocardial Infarction وبشكل خاص المرضـى الذين يتصفون بسـمات الشـخصية الإلحاحية الزمنية والعدوانية / العدائية Hostility Aggressiveness والتنافس الزائد المبالـغ به.
السببيات: 1- يشار للشخص الذي يتسم بمثل هذه السمات على أنه ذو شخصية وسواسية قهرية Anankastic أو شخصية شرجية Anal Character (حيث يحتاج الشخص أن يشعر بسيطرته على نفسه وعلى المحيط من حوله).
2- تبعاً لنظرية التحليل النفسي، تتطور مثل هذه الصفات الشرجية عند الطفل أثناء فترات التدريب على استخدام المرحاض (المرحلة الشرجية من التطور النفسي الجنسي).
3- حسب رأي E.Erikson يتميز الاضطراب الواسواسي القهري في المرحلة الشرجية من التطور النفسي الجنسي بالاستقلال الذاتي في مقابل الشعور بالخجل والشك بالنفس(1) Autonomy Versus Shame Self Doubt مما يؤهب إلى تطور الشخصية الوسواسية القهرية.
4- يعتقد بعض الباحثين بأن الشخصية الوسواسية القهرية قد واجهت انضباطاً مفرطاً وقسوة وحزم كبيرين أثناء سنين التطور.
5- والبعض يفترض أن الحياة العائلية تتميز بعواطف مكبوحة، حين يعبر أعضاء الأسرة عن غضبهم، فغالباً ما يوجه النقد لهم بطريقة السيطرة مما يؤهب (يؤهل) للإصابة بهذه الشخصية لاحقاً.
6- وفقاً لنظرية التعلم، فإن الوساوس هي ارتكاسات شرطية وينبذهم المجتمع تجاه القلق، كما أن القهر هو نمط سلوكي يخفف القلق.
السير والإنذار: متغير ولا يمكن التنبؤ به، ومن ملاحظاتي فإن الأشخاص ذوي السمات الشخصية الوسواسية القهرية يحبذون العمل في المواقع التي تتطلب العمل الدقيق أو التفصيلي أو الذي يتطلب التفرغ، ويتصف هؤلاء بالتصلب وسرعة التأثر بالتبدلات غير المتوقعة عادة.
تبدي مثل تلك الشخصيات وساوس قهرية صريحة و تكون عرضةً لاضطرابات الاكتئاب الرئيس لا سيما في اضطرابات الشخصية الوسواسية القهرية ذات البدء المتأخر.
المعالجة: يدرك أصحاب الشخصية الوسواسية مدى معاناتهم وانزعاجهم فهم ميالون إلى طلب المعالجة عن طيب خاطر منهم، خلافاً للمصابين باضطرابات الشخصية الأخرى، وعلى أية حال فإن علاج اضطرابات الشخصية الوسواسية القهرية ليس سهلاً إضافة إلى أنه قد يطول، ويجب أن يتم التركيز أثناء العلاج على المشاعر أكثر منه على الأفكار ويجب التركيز على إيضاح دفاعات العقلنة أي Intellectualization وإقصاء الشعور العدائي.
إن المعالجة النفسية الموجهة دينمياً هي المعالجة المختارة الأولى لاضطراب الوسواس القهري يليها العلاج السلوكي المعرفي مترافقاً مع العلاج الدوائي.
التدبير بالأدوية النفسية: في القارة البيضاء أوربة صنعوا الكلوميبرامين (Anafranil) لمعالجة الاكتئاب عام 1957 و تبين بأنه فعّال في معالجة العديد من الأشـخاص الذين عندهم تكرارية في التفكير الوسواسي، أما الأمريكان فكان استعمال الكلوميبرامين ذو المنشأ الأوربي غير مرخص باستعماله في بلادهم فصنعوا بعد سنوات (Fluoxetion Prozac) الذي يعالجون الاكتئاب به وتبين بأنه مساو لتأثير الكلو ميبرامين وأثاره الجانبية أقل وتلا ذلك مجموعة من الأدوية المثبطة لاسترجاع السيروتونين SSRIs ( لأنها تختار السيروتونين انتقائياً من دون غيره من الناقلات العصبية) فعّالة أيضاً في معالجة بعض المرضى.. ومن خلال خبرتي السريرية وجدت بأن العلاج الدوائي أكثر ما يفيد في علاج الأفكار التسلطية، وكذلك علاج البطء الوسواسي، لكنه لا يفيد وحده في علاج الأفعال القهرية في معظم الحالات، لكنها (الأفعال القهرية) تبدي تحسناً جيداً بالعلاج السلوكي والمعرفي..
خـلاصة:
أصحاب الشخصية الوسواسية القهرية هؤلاء هم من الأشخاص المحبون للنظام والمنهج ذوو ضمير حي ومعتمدون، ودقيقون وصارمون ولكنهم لا يتعاملون بسهولة مع التغيرات الفجائية، ويبدون للآخرين كمحبين للشغب، وينشدون الكمال في عملهم، صارمين فوق الحد، مستقيمين، وغير مرنين (متصلبين)، وهم كثيرو الاهتمام بالترتيب، النظافة، الأناقة، والحاجة إلى مراقبة القوانين والتعليمات بصرامة، فهم يعيشون في روتين، ويحبون أن يجدوا كل الأشياء في أماكنها، وأن يجدوا أماكناً لكل شيء.. فصورة معلقة أو منحرفة قليلاً يجب أن تعاد إلى وضعها السليم، ويجب أن يبقى مكتبهم في مكانه الدقيق، وهم مقتصدين إلى درجة البخل فالكرم لا يجد إلى نفسهم سبيلا، وعنيدين إلى درجة الحرون.
وهؤلاء الأشخاص أكثر اهتماماً بالحقائق والأرقام من المشاعر، لذلك قد يبدون باردين عاطفياً، وبعيدين في علاقاتهم مع الآخرين، فعلى سبيل المثال كتب والد فتاة قُبِلَتْ في القسم النفسي لإحدى المشافي رسـالة إلى طبيبها ذاكراً: "أكون شاكراً إذا أرسلت لي معلومات أخرى، وأشكرك على رسالتك المؤرخة في 19 آب، والتي ختمت في مكتب البريد بتاريخ 23 آب، واستلمتها في 26 آب، وإنها (يقصد ابنته) لم تكن جادة في الإصغاء إلى نصائح أهلها، وأن تتـبع هذه النصائح عندما تعطى"، وفي نهاية رسالته كتب: "هذا التقرير قد أعد من قبل والد نانسـي تحت إشراف وعلم أمها وأختها"، ومن الواضح جلياً أنه من الصعب لولد صغير أن يرتبط بكاتب مثل هذه الرسالة.
يطلب المريض الوسواسي القهري معاييراً ليس من نفسه فقط، بل من الآخرين، كما يطلب أموراً غير منطقية من العائلة، ومن المستخدمين الآخرين في العمل، وإحساسه بواجبه نحو مستخدمه يجعل الأمر صعباً عليه بأن يسترضي، أو يقلل من عمله حتى وهو يتعافى من أزمة قلبية، وهو على الرغم من نشاطه فإن تردده وشكّه وحاجته للكمال، وعدم رؤيته أبداً الصورة الكاملة، وبحثه الذي لا يكتمل أبداً، كل ذلك يشكل له إعاقة دائمة ومستمرة.
وتدخل كل هذه الميول الكمالية في العلاقة بين المريض والطبيب، فالمريض الوسواسي القهري يأتي إلى عيادة الطبيب قبل الموعد، وتبدو صفته العنيدة في مظهره وطريقة إخبار قصة مرضه بشكلٍ مطول، رغم كل محاولات الطبيب للإسراع، ويبدو شكّه وعدم تأكده في عودته إلى عيادة الطبيب بعد دقائق من مغادرته للتأكيد على أمر صغير، وفي تلك الليلة سيتصل بالطبيب هاتفياً لتصحيح بعض الأمور التي ذكرها في العيادة.
وبشكلٍ ثابت فإنّ هذا المريض يطلب من الطبيب إعطاءه معالم التشخيص والإنذار بدقة، وبكلمة أخرى يحاول أن يكون كاملاً، والآليات الكبرى للدفاع في هذه الشخصية هي تكوين رد الفعل وإبعاد المشاعر الذهنية وعدم العمل، فالاضطراب الوسواسي القهري أكثر ما يتطور في الشخصية الوسواسية القهرية التي تتعرض للهمود في أكثر الأحيان، وبسبب فشلها في إيجاد معايير كمالية من التصرفات، وفشلها في تحقيق الأهداف الواردة بذهنها.. ومن الأمثلة الأدبية على الشخصيات الوسواسية القهرية شخصية سوامز فورسايت في رواية سوغا فورسايت لـJohn Galsworthy وشخصية آرثر دمسديل في كتاب الرسالة القرمزية للكاتب Nathaniel Hawthorne . __________________________________________________________
(1) الطفل بالمرحلة الشرجية من العمر 2 – 3 سنوات، حيث تبدأ عضلاته بالنمو فيستطيع المشي وحيداً والابتعاد عن أمه، كما يستطيع التحكم بمصراته وإطعام نفسه (استقلال ذاتي) فإذا شجعته والدته يجتازها التحدي بنجاح ويستقل ذاتياً أما إذا استاءت منه أو أنبته فإن الطفل حساس إذ يتولد لديه شعور بالشك بالنفس والخجل..
* نشرت على الشبكة العربية للعلوم النفسية
الكاتب: أ.د عبد الرحمن إبراهيم
نشرت على الموقع بتاريخ: 20/11/2007
|
|
|
|
|
|
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com
|
حقوق الطبع محفوظة لموقع مجانين.كوم ©
|
|