إغلاق
 

Bookmark and Share

منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري (11) ::

الكاتب: أ. رفيف الصباغ
نشرت على الموقع بتاريخ: 07/03/2009


منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري (10)

تم ذكر سبع طرق علاجية للوسواس عند فقهاء المسلمين، وسيُذكر اليوم الطريقة الثامنة وما بعدها، حيث أختم بذلك مقالات منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس، سائلة المولى أن تكون خاتمة خير...

ثامناً: دفع الضدّ الضار بالضدّ النافع:
ومعناها أن يأتي الموسوس بمعاكس الفكرة الوسواسية، فيكرره على نفسه وخاصة عند ورود الوسواس عليه. فمن جاءته أفكار في العقيدة، وأنه كافر، كرر عبارة: آمنت بالله، أو قرأ سورة "الإخلاص" وتفكّر بما فيها من معاني التوحيد. ومن جاءه وسواس: ما نويت، ما كبّرت، ما ركعت، ما سجدت....، كرر في نفسه أثناء صلاته: بلى، نويت، وكبرت، وركعت، وسجدت!.... وتصرف على هذا الأساس، أو جاءه وسواس: وضوئي غير صحيح، قال: بلى، هو صحيح! وتصرف على هذا الأساس. أو ما أغلقت الباب: كرر: أنا أغلقت الباب. أو ستسقط السماء فوق رأسي: كرر: لن يسقط شيء فوق رأسي. وهكذا في جميع أنواع الوساوس......

وهذه الطريقة استنبطها الإمام ابن تيمية –رحمه الله- من قوله صلى الله عليه وسلم للموسوس في العقيدة فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: «لاَ يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ هَذَا: خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ» [مسلم: الإيمان/ بيان الوسوسة في الإيمان]، وفي حديث عائشة: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِيهِ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَكَ؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ. فَيَقُولُ: فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقْرأ: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ. فَإِنَّ ذَلِكَ يُذْهِبُ عَنْهُ» [أحمد في المسند: 43/271 (رقم:26203)، ورجاله ثقات]. قال في درء التعارض [3/316-318]: (فهذا من باب دفع الضد الضار بالضد النافع فإن قوله: "آمنت بالله" يدفع عن قلبه الوسواس الفاسد........

فأمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم العبدَ أن يقول: "آمنت بالله" أو "آمنت بالله ورسوله" فإن هذا القول إيمان، وذكر الله يدفع به ما يضاده من الوسوسة القادحة في العلوم الضرورية الفطرية، ويشبه هذا الوسواس الذي يعرض لكثير من الناس في العبادات حتى يشككه: هل كبر أو لم يكبر؟ وهل قرأ الفاتحة أم لا؟ وهل نوى العبادة أم لم ينوها؟ وهل غسل عضوه في الطهارة أو لم يغسله، فيشككه في علومه الحسية الضرورية..............وهذا الوسواس يزول بالاستعاذة، وانتهاء العبد، وأن يقول إذا قال: لم تغسل وجهك؟ بلى، قد غسلت وجهي.

وإذا خطر له أنه لم ينوِ، ولم يكبر يقول بقلبه: بلى، قد نويت وكبرت. فيثبت على الحق ويدفع ما يعارضه من الوسواس، فيرى الشيطان قوته وثباته على الحق، فيندفع عنه، وإلا فمتى رآه قابلا للشكوك والشبهات، مستجيباً إلى الوسواس والخطرات، أورد عليه من ذلك ما يعجز عن دفعه، وصار قلبه مورداً لما توحيه شياطين الإنس والجن من زخرف القول، وانتقل من ذلك إلى غيره إلى أن يسوقه الشيطان إلى الهلكة).

تاسعاً: التنفير من أفعال الموسوسين:
ولعل هذه الطريقة هي أبرز ما يظهر للقارئ في كتب المتقدمين عند كلامهم عن الوسواس، وقد أُلّفت المؤلفات في ذلك، مثل كتاب "ذم الوسواس" لابن قدامة المقدسي، ونقلها عنه ابن القيّم في كتابه "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" وأضاف بعض الشيء عليها، وهناك كتاب "التبصرة" لإمام أبي محمد الجويني، إلا أن لهجته كانت أخف قسوة من لهجة ابن قدامة-رحم الله الجميع- والغالب على مؤلفه بيان الأحكام التي تكثر فيها وسوسة الموسوسين وفقاً لمذهب الشافعية. يضاف إلى هذا: ما ورد في ثنايا نصوص العلماء في الكتب الشرعية المختلفة. وقد أراد العلماء من خلال كل ذلك: تنفير الموسوسين من أفعالهم وبيان خطئهم فيها من جهة، وبيان الأحكام الشرعية الصحيحة من جهة أخرى.

ولعل هذه الطريقة تنفع عند من اشتبهت لديه الأحكام فلم يدرك أن ما يفعله وسواس مذموم، بل كان يظن أنه محسن فيه متورّع. ولعلها -أيضاً- تنفع إذا استخدمت بشكل غير مباشر، ودون إكثار، خشية أن تزيد من قلق الموسوس وتشعره بالذنب فيزداد وسواسه بدل أن يذهب عنه. والحاصل: أن هذه الطريقة نوع من أنواع العلاج المعرفي الذي تصحح فيه المفاهيم عند الموسوس، مع استخدام شيء من القسوة في الأسلوب، وهي طريقة نافعة، إذا أُحْسِن استخدامها في الأحوال المناسبة.

عاشراً: العلاج الدوائي:
رغم توجيه العلماء جُلّ اهتمامهم في علاج الموسوس إلى العلاج المعرفي السلوكي، إلا أنه ورد في أقوالهم ما يدل على أنهم كانوا يستخدمون العلاج الدوائي مع الموسوسين أيضاً.
فمثلاً: ذُكر -في هذه المقالات- عند تعريف الوسواس أن الذي يشك في العلوم الضرورية الفطرية التي تعلمها الفطر السليمة بداهة، والذي يشك في العلوم الحسية التي تدرك بالحواس، -الذي يشك في هذين- يحكم عليه بأنه موسوس، فمن يشك في نيته التي تحصل في القلب دون تكلف، وتُعلم بداهة، موسوس، ومن يشك في غسل يده وهو يرى بأم عينيه أنها مبتلة، موسوس...

وقد أشار الإمام ابن تيمية -رحمه الله- إلى العلاج الدوائي لهؤلاء بقوله: (....والشبهات القادحة في تلك العلوم لا يمكن الجواب عنها بالبرهان، لأن غاية البرهان أن ينتهي إليها، فإذا وقع الشك فيها انقطع طريق النظر والبحث، ولهذا كان من أنكر العلوم الحسية والضرورية لم يناظر، بل:
- إذا كان جاحداً معانداً، عوقب حتى يعترف بالحق.
- وإن كان غالطاً -إما لفساد عرض لحسه أو عقله، لعجزه عن فهم تلك العلوم، وإما لنحو ذلك- فإنه يعالج بما يوجب حصول شروط العلم له، وانتفاء موانعه، [يعني يُعلّم، وتزال الموانع التي منعت حواسه من إدراك الحقائق على وجهها].
- فإن عجز عن ذلك لفساد في طبيعته عولج بالأدوية الطبيعية، أو بالدعاء والرقى والتوجه ونحو ذلك، وإلا ترك). [درء التعارض: 3/310]
فهذا ابن تيمية يذكر أن الذي يوسوس في العلوم الضرورية والحسية بسبب فساد طبيعته (مرض في مزاجه، وتركيبته النفسية)، يعالج بالأدوية الطبيعية! ولا أدري بعد هذا لِمَ يستنكر الناسُ - بحجة الدين- الأمراض النفسية، وتناول الأدوية لمعالجتها؟!

حادي عشر: التوجه إلى الله بالدعاء والاستعاذة:
قد كان ينبغي أن تُذكر هذه النقطة في البداية لأهميتها، فالله إن لم يأذن للعبد بالشفاء، فلا ينفعه دواء طبيعي، ولا كيميائي، ولا سلوكي... ولكني أخرته لتكون الخاتمة مسكاً إن شاء الله تعالى....
نقل النووي -رحمه الله- عن بعض العلماء: (أنفع علاج في دفع الوسوسة الإقبال على ذكر اللّه تعالى والإكثار منه) [الأذكار: ص119]. ولذكر الله والإقبال عليه فوائد: أولها: الوقوف على باب من لا يعجزه شيء، ومن بيده الشفاء، وامتثال أمره. وثانيها: شغل القلب والفكر عن الوساوس عن طريق التفكر بمعاني الأذكار. وثالثها: إدخال الطمأنينة على القلب وإبعاد القلق الذي يهيج الوسواس، قال تعالى: أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد: 28].
ويكون التوجه إلى الله والإقبال عليه للشفاء من الوساوس، بأمور:
1- ملازمة الدعاء عموماً -مع التذلل لله والتبرؤ من الحول والقوة- طلباً للشفاء، والمعونة، ورفع البلاء. قال تعالى:  أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ [النمل: 62]. وقال: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر: 60].

2-
التزام الأذكار العامة الواردة في علاج مختلف أنواع الوساوس، (وبعض هذه الأذكار وارد في السنة، وبعضها وارد عن الصالحين، ولا بأس بالعمل بما ورد عنهم بقصد الاستشفاء بالقرآن والذكر عموماً، لا على أنها سنة ثابتة تَعَبَّدَنا اللهُ بفعلها):

أ‌) الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، امتثالاً لقوله تعالى: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت: 36]. وللأحاديث الكثيرة الواردة في ذلك والتي سيأتي ذكرها في الأذكار الخاصة.
ب‌) قراءة المعوذتين للأمر بالاستعاذة بهما عموماً، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ الْجُحْفَةِ وَالأَبْوَاءِ [اسم لمكانين]، إِذْ غَشِيَتْنَا رِيحٌ وَظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَعَوَّذُ بِـ ((أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)) وَ((أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)) وَيَقُولُ: «يَا عُقْبَةُ تَعَوَّذْ بِهِمَا، فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِهِمَا». قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَؤُمُّنَا بِهِمَا فِي الصَّلاَةِ. [أبو داود: الصلاة، أبواب الوتر/باب في المعوذتين، وسكت عنه فهو صالح للاحتجاج]

ت‌)
الإكثار من قول: "لا إله إلا الله"، قال النووي في كتابه "الأذكار" [ص118]: (وقال بعض العلماء: يستحبّ قول: "لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ" لمن ابتلي بالوسوسة في الوضوء، أو في الصلاة، أو شبههما، فإن الشيطان إذا سمع الذكر خَنَس: أي تأخر وبعد. ولا إِله إِلاَّ اللَّه رأسُ الذكر..).

ث‌) قول: "سبحان الملك القدوس الخلاق الفعال"، وقراءة قوله تعالى: إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ [فاطر:16]، مع وضع اليد اليمنى على موضع الداء -وهو الصدر– (لأن ذلك رقية، واليد توضع على موضع الداء عند الرقية). فقد ورد أن أبا الحسن الشاذلي –رحمه الله تعالى- كان يعالج بها أصحابه من الموسوسين. جاء في "حاشية إعانة الطالبين" [1/214-215]: (وكان الأستاذ أبو الحسن الشاذلي يعلم أصحابه ما يدفع الوسواس والخواطر الرديئة، فكان يقول لهم: من أحسّ بذلك فليضع يده اليمنى على صدره ويقول: سبحان الملك القدوس الخلاق الفعال، سبع مرات، ثم يقول: إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ويقول ذلك المصلي قبل الإحرام..).

3- وهناك أذكار وردت لعلاج وساوس خاصة، يستعملها من كان وسواسه فيها، وهي:
أ‌) وساوس العقيدة وما يتعلق بالذات الإلهية: أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الموسوس:
1- بالاستعاذة من الشيطان،
2- وقول: آمنت بالله ورسله،
3- وقراءة سورة "الإخلاص"،
4- ويتفل عن يساره ثلاثاً أي: يبصق بصقاً خفيفاً، (وهو عبارة عن كراهة الشيء والنفور عنه كمن يجد جيفة، والتكرار مراغمة للشيطان وتبعيد له، لينفر منه، ويعلم أنه لا يطيعه فيه، ويَكْرَه الكلام المذكور منه) [مرقاة المفاتيح: 1/253]،
5- وينتهي عن التفكير.
6- وورد عن ابن عباس –رضي الله عنه- أن يقرأ الموسوس قوله تعالى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد:3]. وأدلة ذلك كله: ما روي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «يأتي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا، مَنْ خَلَقَ كَذَا، حَتَّى يَقُولَ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ، وَلْيَنْتَهِ»، وفي رواية عند مسلم: «لاَ يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ هَذَا: خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ» وفي رواية عند أبي داود: قَالَ: «فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فَقُولُوا: اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ثُمَّ لْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاَثاً، وَلْيَسْتَعِذْ مِن الشَّيْطَانِ». [البخاري: بدء الخلق/باب صفة إبليس وجنوده، مسلم: الإيمان/باب بيان الوسوسة في الإيمان، أبو داود: السنة/ باب في الجهمية].

وعن عَنْ عَائِشَةَ –رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِيهِ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَكَ؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ. فَيَقُولُ: فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقْرأ: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ. فَإِنَّ ذَلِكَ يُذْهِبُ عَنْهُ» [سبق تخريجه] وروى أبو داود عن أَبُي زُمَيْلٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ: مَا شَيءٌ أَجِدُهُ فِي صَدْرِي؟ قَالَ: مَا هُوَ؟ قُلْتُ: وَاللَّهِ لا أَتَكَلَّمُ بِهِ. قَالَ: فَقَالَ لِي: أَشَيءٌ مِنْ شَكٍّ؟ قَالَ: وَضَحِكَ. قَالَ: مَا نَجَا مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ ،قَالَ: حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ((فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ)) الآيَةَ. قَالَ: فَقَالَ لِي: إِذَا وَجَدْتَ فِي نَفْسِكَ شَيْئًا فَقُلْ: ((هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ)). [أبو داود: الأدب/ باب رد الوسوسة، وإسناده جيد، والنبي صلى الله عليه وسلم منزه عن أن يشك، وإنما الآية خطاب له صلى الله عليه وسلم والمراد بها غيره ممن يشك، وهذا وارد في لغة العرب، وهذا ما قصده ابن عباس رضي الله عنه من استشهاده بالآية].

ب‌)
وساوس الصلاة: يتعوّذ الموسوس من شيطان الصلاة خِنْزَب، ويتفُل عن يساره ثلاثاً: روى مسلم: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلاتي وَقِرَاءَتِي، يَلْبِسُهَا عَلَيَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خِنْزَِبٌ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ، وَاتْفُِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاَثًا». قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي.[السلام/ باب التعوذ من شيطان الوسوسة في الصلاة]. ويمكن أن يقول قبل الإحرام ما كان ينصح به أبو الحسن الشاذلي: سبحان الملك القدوس الخلاق الفعال، سبع مرات، ثم يقول: إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ [فاطر: 16]. [انظر: حاشية إعانة الطالبين: 1/214-215].

ومن المهم في هذه الأذكار جميعها، استحضار معانيها في القلب والتفكر فيها أثناء قراءتها، أملاً في تحصيل بركتها والاستفادة منها....

أخيراً: أحمد الله تعالى أن سخّرني لكتابة هذه المقالات، وأعانني على إنهائها، وأرجو منه سبحانه أن يزيد من فضله وإكرامه عليّ فيقبلها مني، ويكتب لي، ولمن شجع على كتابتها الأجر والثواب...

وأسأله -وهو الكريم- كما قدّر لهذه الكلمات أن تظهر، أن يُقدّر لكلّ من يعمل بها أن يشفى من وساوسه شفاء لا سقم بعده، ببركة اتباع سنة المصطفى –صلى الله عليه وسلم-، وببركة ما بذله علماؤنا من جهود لفهم تلك السنة، ونشرها، وإنقاذ الناس بها من آلامهم وأسقامهم الظاهرة والباطنة.

بانتظار أسئلتكم أخوتي الموسوسين، لتكون أجوبتها تطبيقات على طرق العلاج الواردة، أسأل الله لكم جميعاً الشفاء وتمام العافية، ولا تنسَوني من دعوة صالحة في ظهر الغيب.....

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ*
وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ*
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

المراجع:
- الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار: محيي الدين يحيى بن شرف النووي: دار النصر-بيروت.
- حاشية إعانة الطالبين: (مع فتح المعين لشرح قرة العَين بمهمات الدين): عثمان بن محمد شطا الدمياطي البكري: دار الفكر-بيروت: 1998م.
- سنن أبي داود: دار القبلة للثقافة الإسلامية-جدة:1998م، تحقيق: محمد عوامة.
- صحيح البخاري: دار العلوم الإنسانية-دمشق: 1993م، تحقيق د.مصطفى البغا.
- صحيح مسلم: دار ابن حزم-بيروت:1995م.
- مرقاة المفاتيح المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: ملا علي القاري: دار الفكر-بيروت، 1992م، خرج أحاديثه: صدقي محمد جميل العطار.
- مسند الإمام أحمد ابن حنبل: مؤسسة الرسالة-بيروت: 1999م، أشرف على تحقيقه: الشيخ شعيب الأرنؤوط.



الكاتب: أ. رفيف الصباغ
نشرت على الموقع بتاريخ: 07/03/2009