إغلاق
 

Bookmark and Share

منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري مشاركة5 ::

الكاتب: أ‌. رفيف الصباغ
نشرت على الموقع بتاريخ: 11/04/2009


أرسل ماجد (29 سنة، أكاديمي، مصر) يقول:

منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري (11)

الأستاذة الكريمة رفيف الصباغ، بارك الله فيك وجزاك الله خير الجزاء على ما قدمته وما تقدمينه.
لقد تابعت معك موضوع منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري من بدايته إلى نهايته، ولما كنت ممن ابتلي بهذا المرض والحمد لله على كل حال، فقد استفدت فائدة كبيرة بفضل الله تعالى مما ذكرت، وبخاصة اهتمامك وحرصك على النقل من كتب أهل العلم سلفاً، فإن هذا مما يدفع بالطمأنينة في نفس الموسوس المسلم، وأنا في هذه الرسالة أود أن أعرض عليك فهماً وسؤالاً.

الفهم؛ وهو ما أريد أن تؤكديه لي لكي أقطع إن شاء الله بهذا طريق الوسواس من قلبي، وحبذا لو كان التأكيد مدعوماً بأقوال أهل العلم وهو: "أنني فهمت من مجمل كلامك أن المنهج الأمثل الذي يجب أن يسير عليه الموسوس في عبادته من طهارة وصلاة وصيام وغير ذلك هو عدم الالتفات إلى هذه الوساوس وألا يعمل بمقتضاها، وأن هذا هو الطريق الوحيد والعلاج الناجح الفعال في القضاء على هذه الوساوس، بل يمكن القول بأن هذا هو الضامن الوحيد لعدم عودة الوساوس وذهابها عن نفس الإنسان، فإذا كان الإنسان يغتسل مثلاً وجاءه الوسواس في أنه لم يغسل أحد أعضائه، أو أنه لم يغسل العضو كما يجب ولم يستوعبه بالماء، فلا يلتفت إلى هذا وينتقل إلى العضو الذي يليه ويجزم بأنه قد غسل العضو الذي أتت إليه الوسوسة فيه غسلاً تاماً ومجزئاً وتبرأ به الذمة، ومهما كان في نفسه من شك أو تردد أو خوف من أنه قد يكون مخطئ فإنه لا يعير ذلك أي اهتمام، بل يجب عليه أن يتعمد تجاهل ما في نفسه من شك وريبة". هذا ما فهمته من مجمل الكلام -وإن كنت قد استفدت بفضل الله فوائد أخرى كثيرة- ولكن هذا هو الفهم الذي أود أن أسأل عن صحته، فأرجو أن تبيني لي مدى صحة هذا الفهم من عدمه، وإن كان فيه خطأ أن تذكريه لي.

أما السؤال فهو:
عندما أحاول أن أقوم بتطبيق ما فهمته سابقاً بالطبع أجد في نفسي تردداً وشكاً كبيرين حول صحة العبادة إن أنا أديتها مع ما في نفسي من الشك، وخاصة أنني يأتيني الشك في جزء معين كأن يقول لي أنك لم تركع مثلاً في الصلاة أو لم تسجد السجدة الثانية، وعندما أحاول أن أتذكر إن كنت ركعت أو سجدت لا أستطيع بالمرة ويزيد توتري جداً، وأقول وقتها لنفسي: على أي شيء أبني التجاهل فأنا لا أذكر من الأساس إن كنت فعلت هذا الفعل أما لا، ويخيل لي وقتها أن هناك فرقاً بين التجاهل عند الشك، والتجاهل عند النسيان، وبالتالي أن لا يجوز لي أن أتعمد التجاهل كما أسلفت في هذه الحالة لأني لست شاكّاً بل أنا ناسياً، كذلك أقول لنفسي إن أنا تجاهلت فإن ذلك يكون تقصيراً في العبادة وتكون العبادة غير صحيحة ولا مجزئة.

وعليه فسؤالي: هل هناك فرق بين النسيان والشك في حالة مرض الوسواس القهري؟، إمّا أنهما شيء واحد وأن الوسواس هو ما يخيّل لي أن ما أنا فيه نسيان وليس شك، أو أنهما في الأساس شيء واحد. كذلك هل إذا قمت بالتجاهل وعدم الالتفات لما يعرض لي وزاد على حدة التوتر بعد أن انتهيت من العبادة، وربما بدا لي الأمر أنه قد صار أشبه باليقين أنني لم أفعل فعلاً معيناً في العبادة وبالتالي أقوم للإعادة، فإذا لم أعد العبادة تكون صحيحة ومجزئة وتبرأ بها الذمة، ولا يحاسبني الله عليها يوم القيامة بأن يقول لي مثلاً: لمَ لمْ تتأكد مما فعلت طالما أنك شاكّ؟ أرجو أن تجيبي على هذا السؤال مدعوماً بالدليل إن أمكن، وليس ذلك تشكيكاً في علمكم الكريم ولكنه حال الموسوسين، عافكِ الله.
جزاكِ الله خيراً وبارك فيك، وأعتذر بشدة عن الإطالة.
جعلكِ الله ممن يفرجون كربات المسلمين.

19/3/2009

السلام عليكم،
الأخ الكريم ماجد، إن الموسوسين جميعاً يشعرون بالتقصير والخطأ ولكن يختلف الموضوع الذي يتعلق شعور الخطأ به ما بين موسوس وآخر.

فها أنت تشعر بأنك ربما كنت مخطئاً في فهمك لما في المقالات مع أن فهمك صحيح تماماً! وها أنت تطالبني مرة أخرى بدليل يؤكد لك ذلك مع أني أكثرت من نقل النصوص لعلمي أن الموسوس مهما ذكرت له من الأدلة لا يقتنع ويظل يسأل ويحتاج إلى أن تكرر عليه الأمر مرات وكرات حتى يقتنع، وكثيراً ما يعود له الشك مرة أخرى حتى بعد أن يقتنع، لهذا: كلما شككت ارجع إلى النصوص فأعد قراءتها، وعد إلى المراجع التي أخذت النصوص منها إن شئت واقرأ ما قبلها وما بعدها حتى يتكون لديك قناعة بصحة ذلك تستطيع بها مقاومة الوساوس وإهمالها.

وها أنت تشك هل هناك فرق بين النسيان والشك؟!!! وهل تشك إلا لأنك تنسى؟!!! ولكنها وساوس المختصين يا أخي! لا تزال تخرج لك من الأفكار ما لا يخطر على بال حتى تقول: عبادتي ليست صحيحة ولا مجزئة! أما البسطاء من الموسوسين فهم يصلون إلى هذه النتيجة (أنهم مخطئون) بأيسر من هذا! أرأيت كم نحن معذبون –معشر المختصين- عقلنا لا يكف عن التفكير والتحليل والتدقيق حتى عندما نصاب بالجنون وليس فقط بالوسواس، أسأل الله تعالى أن يعافينا جميعاً..

وإن لم تقتنع خذ هذا الدليل: من الوسائل التي كان بعض الفقهاء ينصحون بها في العلاج: أن يبني الموسوس عمله على أول خاطريه يعني: إذا نزل إلى السجود على أنه ركع فلما سجد شك هل ركع أم لا يقول أنه ركع، وإذا سجد ولا يعلم أنه ركع قام فركع، ولكن هذا كما ترى علاج غير ناجح لهذا قام الفقهاء أنفسهم برده لعدم صلاحيته ولهذا لم أذكره في المقالات وتركته ليأتي السؤال المناسب فأذكره فجزاك الله خيراً.

وسأذكر لك نص رد الفقهاء ومرادي أن أستشهد بعبارة منه لا أن أناقش ضعف العلاج: بعد أن ذكر النفراوي في الفواكه الدواني أن المستنكح يبني على الأكثر قال: (ولا يبني على أول خاطريه، خلافاً لابن الحاجب وبعض القرويين [المقصود بهم جماعة من المالكية] في قولهم: أن الموسوس يبني على أول خاطريه، فإن سبق له خاطر بأن صلاته تمت، ثم قيل له [يعني إن قال له الوسواس]: إنها لم تتم فإنه يبني على أنها تمت، وعكسه..... ووجهه: [دليل ضعف هذا الحكم وهذا العلاج] أن المستنكح لم ينضبط له خاطر أول من غيره كما يشهد بذلك الوجدان، إذا الشاك متردد بين أمرين في زمن واحد). وأريد أن أستشهد من هذا النص بقولهم: (فإن الموسوس لم ينضبط له خاطر أول من غيره)، وذلك لأنه ينسى فيشك هل فعلت أم لم أفعل؟ ولا يستطيع ضبط ذلك هل هو فعلاً لما نزل إلى السجود كان قد ركع أم لا، وإذا حاول أن يتذكر نفسه هل ركع أم لا فلا يستطيع بحال من الأحوال، ويظل يقول: هل أنا ركعت ثم نسيت ذلك أم أني لم أركع؟ وهذا هو الشك الذي يعتري الموسوس يا أستاذي الكريم. ولكنك تأبى إلا أن تشك وتقول: هل ينطبق علي حكم الموسوسين أم أنا حالة أخرى فريدة لها حكم آخر لا أعلمه؟!

وأما عن سؤالك الأخير فأنا قد ذكرت جوابه أكثر من مرة في المقالات: إن خفت أن يسألك الله تعالى لمَ لمْ تعد صلاتك رغم شكك؟ فقل له: (لأن الحكم الذي جاء في شرعك في حق أمثالي من الموسوسين يقول أن علي أن أصلي وإن كنت غير مقتنع بكمال صلاتي، فالحكم في حقي أن أصلي ثلاث ركع بلا ركوع وأن أسجد سجوداً واحداً في كل ركعة!! وأنا يا رب عبد والعبد عليه أن يطيع مولاه فيما يأمر أعجبه الحكم أم لا، وأنت يا رب تجزي المطيعين وتدخلهم الجنة! فأدخلني في رحمتك، كما تدخل المرضى الذين يصلون قعوداً بلا قيام في رحمتك وتقبل منهم!).

أهلاً وسهلاً بك وبما أتحفتنا به من وساوس طريفة، ولا داعي لاعتذارك من الإطالة لأن رسالتك ليست طويلة فلا يدخل عليك الوسواس بأنك أزعجتني، وفقك الله وشفاك، وتابعنا بأخبارك...



الكاتب: أ‌. رفيف الصباغ
نشرت على الموقع بتاريخ: 11/04/2009