إغلاق
 

Bookmark and Share

لماذا الوسواس القهري: أسباب الوسوسة القهرية2 ::

الكاتب: أ.د وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 06/03/2010


لماذا الوسواس القهري: أسباب الوسوسة القهرية1

نستكمل في هذا المقال ما كنا بدأناه من استعراض لأسباب الوسواس القهري المفترضة في الطب النفسي الحديث، ومن المهم التأكيد على أن سببا واحدا من هذه الأسباب لا يستطيع أن يكون كافيا لإحداث اضطراب الوسواس القهري وغالبا ما تتوافر عدة أسباب في الحالة الواحدة وأحيانا لا نجد أسبابا ظاهرة نعرفها، نشرح أولا إسهام نظريات التعلم في شرح كيفية حدوث ارتباط بين الوسواس وبين الفعل القهري، ثم نتساءلُ عن علاقة سمات الشخصية قبل حدوث المرض بحدوثه، وعن علاقة كروب الحياة وحوادثها المختلفة بحدوث اضطراب الوسواس القهري، وكذلك عن رأي نظرية التحليل النفسي في الوسواس، وكذلك عن أمراض المخ العصبية التي تصاحبها أعراض الوسواس القهري وعن الحلقة العصبية المفترضة لاضطراب الوسواس القهري.... ولنبدأ واحدة.. واحدة:

(6) نظريات التعلم Learning Theories  
مفهوم التعلم المقصود هنا أكبر من مفهوم التعليم الدراسي الضيق الذي نعرفه فالتعلم بمعناه السيكولوجي هو "كل تغير دائم في السلوك ناتج عن تغير في العمليات المعرفية" وبهذا المعنى يرى أصحاب المدرسة السلوكية في علم النفس أن فكرةً ما تصبحُ فكرةً تسلطية تسبب القلق والتوتر بسبب ارتباطها بفكرة أخرى تسبب القلق والتوتر بطبيعتها، والحقيقة أن هذا التصور لا يستطيع في معظم الأحيان أن يفسر لنا نشأة الحدث العقلي التسلطي خاصة عندما يتعلق الأمر بالفكرة الأولى بالنسبة للمريض أما من ناحية تفسير المدرسة السلوكية لحدوث الفعل القهري فهو إلى حد ما أكثرُ منطقية حيث يرون أن الشخص يكتشفُ قدرةَ فعلٍ معين على تقليل القلق والتوتر المرتبطين بفكرة تسلطية ما ويجد الشخص نفسه يكرر ذلك الفعل إلى أن يصبحَ فعلاً قهريا بالتدريج؛ وهو رأي جديرٌ بالاعتبار في الحقيقة لأنه يفسر الكثير من الظواهر التي تحدثُ في مريض الوسواس القهري لكنه يعجز عن تفسير لا منطقية أو لا معقولية الرابطة بين الحدث العقلي التسلطي والفعل القهري المصاحب لها في كثيرٍ من المرضى؛

والحقيقةُ أن تطورًا كبيرًا قدَّمَـهُ التطورُ المعرفيُّ للنظرية السلوكية في علم النفس مما كانَ لهُ تأثيرٌ كبيرٌ على الممارسةِ الإكلينيكيةِ في الطب النفسي بحيثُ أصبحت الطريقةُ التي يفكر بها المريضُ والتي يستجيبُ بها لأعراضه من أهم النقاط التي يجبُ على الطبيب النفساني تحليلها والوصول إلى الأفكار التلقائية المختبئةِ وراءها، وقد أثبتت طرقُ العلاج المعرفي السلوكي من خلال نجاحها في علاج مرضى اضطراب الوسواس القهري أن العوامل المعرفية هيَ من أهم العوامل المؤثرةِ في مآل الحالة المرضية للمريض باضطراب الوسواس القهري.

(7) سمات الشخصية قبل المرضية Premorbid Personality
كانت ملاحظات الأطباء النفسيين قبل نحو ثلاثةِ عقودٍ من الزمان تشير إلى علاقةٍ ما بين الشخصية القسرية أو اضطراب الشخصية القسرية وبين اضطراب الوسواس القهري بمعنى أن شخصية المريض باضطراب الوسواس القهري غالبًا ما تكونُ شخصية قسرية قبل بداية المرض، إلا أن الدراسات الحديثة لم تثبت ذلك وأشارت إلى أن ما بين 65%-85% من مرضى اضطراب الوسواس القهري ليسوا من أصحاب الشخصية القسرية ولا من أصحاب اضطراب الشخصية القسرية، أما ما وجده الباحثون المصريون (Okasha etal 1996) في دراستهم فقد بيَّـنَ أن سمات الشخصية القسرية توجد في نسبة تصل إلى 22% من المرضى بينما توجد في 51% من أقارب المريض باضطراب الوسواس القهري، إلا أن أحدثَ الدراسات العربية التي بحثت هذه النقطة (Okasha , 2001) وهيَ دراسة عكاشه قد خلصت إلى نتائجَ تفيدُ أن وجودَ سماتٍ قسريةٍ في الشخصية قبل المرضية ليسَ أمرًا كثيرَ الحدوثِ.

(8) نظرية التحليل النفسي
ظلت حتى عقدين ونصف من الزمان هيَ الكلام الوحيد النفسي الذي يقالُ لتفسير الوسواس القهري. تكلم فرويد عن ثلاثة من الحيل النفسية الدفاعية وهم:
-1- العزل Isolation 
-2- الإبطال Undoing
-3- التكوين العكسي Reaction Formation

فأما العزل فيعني عزل الفكرة عن ما يرتبطُ بها من مشاعر واندفا عات بحيثُ يتمُّ كبتُ المشاعر والاندفاعات في لا وعيِ الشخص بينما تبقى الفكرةُ بلا مشاعر في وعيه. ومعنى ذلك هو أن الحدث العقلي التسلطي في الوعي تكونُ في حقيقتها منفصلةً عن ما يرتبطُ بها في الأصل من مشاعر في لاوعيِ المريض، وأما الإبطال فهوَ ما ينتجُ من عدم نجاح العزل أو نجاحه جزئيا بحيثُ يكون هناك خوف لا واعٍ عند الشخص من خروج المشاعر والاندفاعات إلى الوعي فهوَ يفعلُ فعلاً قهريا بحيثُ يمنعُ به أو ينقضُ أو يلغي ما يحسُّ به على مستوى اللاوعي من خروج للمشاعر إلى الوعي وما قد ينجمُ عن ذلك وأما الحيلة الدفاعية الأخيرة وهي التكوين العكسي فيرى فرويد أنها لا تكونُ مسئولة عن الأعراض المباشرة أي الوساوس أو الأفعال القهرية وإنما تكون مسئولة عن السمة العامة التي يلاحظها المحلل النفسي في اضطراب الوسواس من تناقض صارخ بينَ اندفاعات اللاوعي والتصرفات التي يفعلها المريض واعيًا.

وليسَ هذا كل شيء لأن البناء الفكري الذي وضعته مدرسة التحليل النفسي لشرح أسباب الوسواس القهري يرجعُ الأمر في ذلك إلى التثبيت عند الشق السادي من المرحلة الشرجية للنمو النفسي الجنسي ألا وهي الفترة التي نتعلم فيها النظافة والتقيد بالنظام الاجتماعي لأول مرة في حياتنا، وعندما يكبرُ الشخص الذي يحمل تاريخ نمُوِّهِ النفسي فترة تثبيت عند هذه المرحلة ويتعرض لضغوط نفسية في أي مرحلة من حياته تظهرُ عليه أعراض المرض التي ترتبط بشكل أو بآخر باستعادة معاناته النفسية القديمة وَتكونُ هيَ أعراض اضطراب الوسواس القهري، وأنا أدركُ أنني أختصرُ اختصارًا مخلاًّ في رأي الكثيرين إذا اكتفيتُ بهذا الكلام عن نظرية فرويد لكنني أقولُ فقط أن تأثير فرويد موجودٌ في كتابات من يكتبون في الطب النفسي على مستوى العالم لأنهُ ولا شكَّ في ذلك أثرَ في كيفية التفكير في الطب النفسي لفترةٍ طويلة وما زال يؤثر لكنني معنيٌّ في هذا الكتاب بالوسواس القهري ولم ينجح فرويد ولا أتباعه في علاج هذه الحالات بالذات.

وكتابات الأمس في أسباب الوسواس القهري كما قلت كانَ يتصدرها كلامُ فرويد ومنْ سبقوهُ أو تلوهُ أو عاصروه والفرقُ بينَ ما كانَ وما هو الآن كبيرٌ وجليٌّ لكل ذي عينين لأن كلام اليوم مكتوبٌ بالأرقام وَبالتحديد وموزونٌ بالميزان المحايد الذي لا يشكُّ أحدٌ في حيدته لأنهُ بالمنطق العلمي كذا وكذا، بينما كانَ كلامُ الأمس مدهونا بدُهنِ أصحابه وَمشكوكا فيه ومتهما بالقصورِ لعيبٍ في أصحابه لأنهم غيرُ محايدين متحيزون لنظريتهمْ؛ لكنهُ على أي حالٍ قيلَ في وقتٍ لم يكنْ هناكَ من يقولُ فيه! وإحقاقًا للحقِّ أقولُ أنهُ لم يوقفِ التفكيرَ في كلامٍ غيرهُ ولمْ يحظَ مُطْلَقًا بتسليم الناس بصحته مثلما يحظى الكلامُ عن السيروتونين فعددُ الذينَ يتحيزونَ إلى مدرسة التحليل النفسي أو غيرها من مدارس علم النفس التي لها تطبيقاتٌ طب نفسية علاجية متداولة في العالم لمْ يكنْ أبدًا كعددِ الذينَ يؤمنونَ بالأبحاثِ العلمية الحديثـة.

(9) الأمراض العصبية التي تصاحبها أعراضُ الوسواس القهري
كانت كلمة أمراض عصبية تعني إلى عهدٍ قريب وجودَ تغير مرضِيٍّ في الأنسجة العصبية سواءً كان المخ أو النخاع الشوكي أو الأعصاب الطرفية أو نقاطُ اتصالها بالعضلات، بمعنى أن هناك تغيرًا في النسيجِ تمكنُ مشاهدته بالعين المجردة أو بالمجهر بينما كانت الأمراضُ النفسية حتى عهد قريب ينظرُ إليها على أنها اضطرابات وظيفية أي في الوظيفة لا التركيب، ولكن تـغيرًا كبيرًا طرأ على هذا المفهوم في السنوات الأخيرة نظراً لاكتشاف تغيرات تركيبية وتغيرات كيميائية في كل الأمراض النفسية تقريبًا، بحيثُ أصبحَ التفريقُ بينَ ما يسمى مرضًا عصبيًّا وما يسمى مرْضًا نفسيا يعتمدُ إلى حد كبيرٍ على طبيعة الأعراض، والذي يعنينا هنا هو أن نذكرَ أن الكثيرَ من الأمراض العصبية بالمفهوم القديم يصاحبها أعراضُ وسواس قهري وبصورةٍ خاصةٍ أمراض النوى القاعدية Basal Ganglia Diseases كمرض الشلل الرعاش "مرض باركينسون" ومرض رَقَص سيدنهام Sydenham’s Chorea ، وكذلك التهابات المخ Encephalitis وبعض حالات الصرع وإصابات الرأس، حيثُ تظهرُ أعراض الوسواس القهري مع الكثير من هذه الاضطرابات ورغم كون ذلك مشهور ومعروف منذ وقت طويل إلا أن حدوث أعراض اضطراب الوسواس القهري دون وجود المرض العصبي المذكور كان أكثر من حيثُ عدد الحالات وكانت التفسيرات النفسية تطغى على كل التفسيرات وإن كان فرويد نفسه قد عبَّرَ عن توقعه لوجود سبب عضوي في النسيج العصبي لمرضى الوسواس القهري.

إلا أن أحدًا لم يهتم بذلك حتى أطباء الأمراض العصبية كانوا عادة ما يذكرون الوسواس والأفعال القهرية على أنها أعراض العصاب المصاحب للحالة العصبية، وكلمة عصاب كانت تعني في أذهان الكثيرين منهم أنها أمورٌ نفسيةٌ لا علاقة لها بالأعصاب، وأنا أذكرُ ردودَ أفعال بعضهم التهكمية على ما درسناهُ ونحنُ في مرحلة الماجستير من تشبيهٍ أبدعهُ أستاذا الطب النفسي المصريان " عمر شاهين –رحمه الله- ويحي الرخاوي " في كتابهما الذي شكل عقول الأطباء النفسيين العرب في مرحلة من الزمان وَذلك التشبيه كانَ تشبيهاً لعرض الظواهر القهرية "أي الوساوس والأفعال القهريةِ" بمرض باركينسون أو الشلل الرعاش، بعضهم كانَ يرى ذلك تمسُحًا منا "كأطباءَ نفسانيين" في شيء مرتبٍ ومنظمٍ كالمرض العصبي بينما نحنُ تائهونَ في خضم موضوع تخصصنا الذي لا رأسَ لهُ ولا أرجل! من وجهة نظرهم طبعا!، وأنا أحمدُ الله الذي أراني وأرى زملائي من أطباء الأمراض العصبية أنَّ ما كنا نظنه منذُ سنواتٍ تعدُ على أصابع اليدين مُنَظَّمًا عرفَ العلمُ اليوم أنه غيرُ منظمٍ مثلما كان المثال العلمي المجرد في أذهاننا، والعكسُ أيضًا صحيحٌ فما كنا نظنه غيرَ منظمٍ قد اتضحَ فيهِ النظامُ إلى حد لم نكن يوما قادرين على تخيـله "مجردَ التخيل"، المهم لكي لا أطيل على القارئ فإنَّ التوجه العلمي الآنَ يتجه إلى رسم حلقة مفرغة في الدماغ المتوسط تتخذُ من منطقة النوى القاعدية مكانًا لها وترتبطُ بالفص الأمامي للمخ أيضًـا ويسمون هذه الحلقة العصبية "حلقة اضطراب الوسواس القهري" وهذا هوَ ما توقـعَـهُ أستاذايَ الكبيران على استحياءٍ منذُ الزمنِ الأقدم.

وفي شكلها المبسط تتكونُ حلقة الوسواس القهري من بعض أجزاء قشرة الفص الأمامي للمخ كالقشرة الحجاجية والحزامية Orbito-Frontal and Cingulate Cortex والتي تستثيرُ أجزاءً من الدماغ المتوسط Diencephalon " النواة المذيلة Caudate Nucleus والكرة الشاحبة Globus Pallidus " عن طريق الاتصال العصبي وهذه الأجزاءُ الأخيرةُ تقوم بتثبيط منطـقـةٍ أخرى في الدماغ المتوسط هيَ المهاد Thalamus والتي تثبطُ بعضَ أجزاء قشرة المخ الأمامية فيقلُّ تثبيطُ المهاد للقشرة الأمامية ونتيجةً لذلك يحدثُ انفلاتٌ للقشرة الأمامية مما يزيدُ منَ استثارتها للدماغ المتوسط والنوى القاعدية والتي تعيدُ الحلقةَ مرةً أخرى ومعنى ذلك أن هذه الحلقةُ يمكنُ أن تكونَ حلقةً ترجيعيةَ الاستثارة Reverberating Circuit أي أنها حلقةٌ عصبيةٌ تستعيدُ استثارةَ نفسها بنفسها وهذا هو أحدُ النماذجِ العصبية المتخيلة لتفسير الأفعال التكرارية، ولكي يكونُ الأمرُ أوضحَ فإن الجزءَ المعنيَ من المهادِ يرسل في الوضع العادي إشاراتٍ عصبيةٍ مثبطةٍ للقشرة الأمامية للمخ؛ وعليه فإن تثبيطَ المهاد يزيد من نشاط هذه القشرة لأنه يقللُ من تثبيطها أي يسبب انفلاتها من التثبيط، وبما أن إثارةَ النواة المذيلة والكرة الشاحبة يؤدي إلى تثبيط المهاد فإنهُ يؤدي بالتالي إلى انفلات القشرة الأمامية للمخ ولكي تتم الحلقة المفرغة فإن القشرة الأمامية للمخ تقومُ باستثارة النواة المذنبة والكرة الشاحبة لكي تعيدَ اكتمال الدائرة أو الحلقة العصبية مرةً أخرى.


الحلقة العصبية المفترضة لاضطراب الوسواس القهري

وهذه الدائرةُ العصبيةُ موجودةٌ في كل إنسان لكنها تكونُ نشطةً بشكلٍ غير عادي في مرضى اضطراب الوسواس القهري، ومن المعروف أن النواة المذنبة Caudate Nucleus والتي هيَ الجزءُ المسئول عن الوظائف المعرفية في النوى القاعدية تتغيرُ في مرضى اضطراب الوسواس القهري عن الأشخاص العاديين كما يتضحُ ذلك من الأبحاث العلمية العديـدةِ التي تستخدم التقنيات الحديثة في تصوير المخ وظيفيًّـا مثل التصوير الطبقي للمخ بقذفِ البوزيترون Psotiron Emession Tomography ومن خلال استخدام النظائر المشعة Isotope Scanning وكذلك استخدام التنظير الطيفي باستخدام الرنين المغناطيسي Magnetic Resonance Spectroscopy التي تعطي فكرة عن معدل النشاط "معدل عمليات الأيض (الاستقلاب Metabolism ) أو معدل تدفق الدم" في مناطق المخ المختلفة كما ذكرنا من قبل (König etal 1998).

فأمَّـا تأويلُ هذا الرسم التوضيحي لحلقة الوسواس القهري المبينة في الشكل إضافةً إلى تأويل ما بينتهُ دراسات تصوير المخ طبقيًّا بقذف البوزيترون في المرضى ومقارنتهُ بصورة المخ في الأصحاء وصورة المخ بعد العلاج واللتين ظهرتا في المقال السابق، وإضافةً إلى معلوماتنا المتوفرة حتى الآن عن وظائف مناطق المخ المختلفة وإضافةً أيضًا إلى الفهم الذي أعطته لنا المدرسةُ السلوكيةُ في علم النفس فإنهُ كما يلي:
ينتجُ اضطراب الوسواس القهري عن زيادة معدلات النشاط في مناطق من المخ هيَ قشرةُ المخ الحجاجية الأمامية Orbitofrontal Cortex والنواةُ المذيلةُ وبصفةٍ خاصةٍ الجزء البطني الوسطي من النواة المذيلةِ Ventromedial Caudate Nucleus .
-1- فأما قشرةُ المخ الحجاجية الأمامية الموجودةُ مباشرةً خلفَ الحاجبين فمسئولةٌ عن إدراك الخوف والخطر،
-2- وأما النواةُ المذيلةُ وهيَ واحدةٌ من محاور الاتصال في المخ فمسئولة عن قدرةِ الإنسان على بدءِ أو وقفِ الأفكار والأفعال المختلفة، وقد أظهرت الدراسات السابقة الذكر ما يشيرُ إلى وجود خلل في أداء هذه النواة لوظيفتها وربما يكونُ هذا الخلل ناتجًا عن خلل في السيروتونين أو مستقبلاته في مرضى اضطراب الوسواس القهري، والذي يبدو أن فكرةً أو صورة ما أو شعورا ما أو نزعة ما -أو حدثا عقليا ما- وهيَ غالبًا منفرةٌ أو شاذةٌ تطرأُ على ذهن المريض فتعجزُ النواةُ المذيلةُ عن وقفها فتكونُ النتيجةُ هيَ تسلطُ هذا الحدث العقلي التسلطي بحيثُ يصبحُ حدثا عقليا تسلطيًّا يسببُ لهذا الإنسان الكثيرَ من القلق والألم النفسي ويكتشفُ الإنسانُ بعد ذلك أن فعلاً معينًا يستطيعُ التقليل من هذا القلق والانزعاج النفسيين فيقدمُ على فعله ليقلل من إحساسه بالقلق وكثيرًا ما يكونُ هذا الفعل لا علاقة لهُ بالحدث العقلي التسلطي أو إن كانت له علاقة فإن الفعل عادةً ما يكونُ مبالغًا فيه ولذلك يقاوم المريض رغبتهُ في الفعل، وما يكادُ المريضُ يفعلُ ذلك الفعل حتى يحسَّ بأنهُ لم يعطه إلا القليل من الراحة، لأن القلق يعودُ مرةً أخرى كما كانَ ولا يستطيعُ المريضُ إلا أن يعيد الفعل السابق مرةً أخرى بحيثُ يصبحُ الفعل فعلاً قهريا.

(10)
الأحداثُ الحياتية
ربما كانَ في التاريخ المرضي لأكثر من نصف المرضى بهذا الاضطراب ما يشيرُ إلى علاقة بداية الأعراض بحدَثٍ حياتي معين مثلاً قبلَ الامتحان أو بعد الولادة أو الإجهاض (Geller et al., 2001) أو بعد بداية الخدمة العسكرية أو موت أحد الأقرباء أو بعد الزواج أو أثناء الحمل (British Columbia Reproductive Mental Health Program 2002) أو أي حدثٍ حياتيٍّ آخرَ، ومن الدراسات العربية القليلة التي بحثت دورَ الكرب في اضطراب الوسواس القهري والتي تثبتُ وجود هذا النوع من علاقة التزامن، تلكَ الدراسةُ التي قامت الباحثة سلوى طوبار من جامعة المنصورة وتمت فيها مقارنة ثلاثين مريضاً باضطراب الوسواس القهري بثلاثين مريضا بالهيستريا من حيثُ قوة الأنا والضغوط النفسية الحياتية التي تعرضت لها المجموعتان من المرضى قبل بداية ظهور الأعراض (Tobar , 1993)، ودورُ الكرب Stress أو الضغوط النفسية في ترسيب الاضطرابات النفسية كلها معروفٌ ومشهورٌ سواءً في أول نوبات الاضطراب أو في فترات تفاقمُ الأعراض التي تحدثُ على مدار حياة المريض، لكنَّ المهم أن العلاقةَ هنا ليستْ علاقةً سببيةً بالمعنى الذي يفهمها به الناس، فحقيقةُ الأمر أن الكربَ يضعفُ مقاومةَ الإنسان بوجه عام سواءً للأمراض العضوية أو العدوى أو الاضطرابات النفسية أيا كانَ نوعها، وذلك من خلال ما يحدثُهُ من تغيراتٍ في مستويات الهرمونات في الجسم وما يحدثهُ كذلك من تغيرات في جهازه المناعي، أما أهمية ذلك كله من حيثُ محاولة فهم أسباب اضطراب الوسواس القهري فقليلة في الحقيقة لأنهُ لا يعني أكثر من: أنَّ للكرْبِ أو للضغوط الحياتية دورٌ في ظهور الأعراض وهذا صحيحٌ في كافة الاضطرابات النفسية، ولكنهُ قليلُ التأثير على نوعية الاضطراب؛ أو بصورةٍ أخرى أنَّ ما يحددُ نوعية الأعراض في اضطراب الوسواس القهري في شخصٍ معين ليسَ الحدثَ الحياتيَّ الذي يطرأُ من الخارج في حد ذاته بقَـدْرِ ما هو شيءٌ في داخل الشخص نفسه.

المراجع:
1. وائل أبو هندي (2003): الوسواس القهري من منظور عربي إسلامي، عالم المعرفة إصدار يونيو 2003 عدد 293.

2. Okasha, A., Omar, A. M., Lotaief, F. Ghanem, M., Seif el Dawla, A. & Okasha ,T.(1996): Comorbidity of axis I & axis II diagnoses in a sample of Egyptian patients with neurotic disorders. Comprehensive Psychi. V.37,P97-106.

3. Okasha A. (2001) : OCD : A Transcultural Approach from an Egyptian Islamic Perspective, In :Okasha A. and Maj , M. (Editors) Images in Psychiatry An Arab Perspective. WPA , Scientific Book House ,Cairo.

4. König,A., Thiel, B., Ebert, D., Overmeier, S., Henke, M., Berger, M., Hennig, J., Hohagen,F.(1998) : 1H Magnetic Resonance Spectroscopy of the Right Striatum in OCD: the Role of the Basal Ganglia Germ. J Psychi.1(2)P :53-61.

5. Geller PA, Klier CM, Neugebauer R, J (2001): Miscarriage & Obsessive Compulsive Disorder. Journal of Clinical Psychiatry 2001;62:432-438.

6. British Columbia Reproductive Mental Health Program (2002) : OCDs. http://www.bcrmh.com/disorders/ocd.htm.

7. Tobar , S. (1993) : comparative study between Obsessive compulsive disorder and hysterical patients. Master Thesis , Mansoura University Egypt . 2-122.

 



الكاتب: أ.د وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 06/03/2010