إغلاق
 

Bookmark and Share

الفهم الحالي للإدمان رؤية متحفظة ::

الكاتب: أ.د. وائل أبو هندى
نشرت على الموقع بتاريخ: 23/12/2004

يمكنني أن أقولَ أن معظمنا إن لم نكن كلنا مدمنون!
ذلك أنهُ حسبَ تصنيف منظمة الصحة العالمية العاشر للأمراض النفسية والسلوكية ICD-10،فإن الكافيين والنيكوتين مدرجان ضمن المواد النفسانية التأثير والتي ينطبقُ عليها ما ينطبقُ على المواد الأخرى النفسانية التأثير كالحشيش والبانجو.

ومعنى هذا أن كل من يشعرًُ بالصداع والتعب لأنهُ لم يشرب الشاي مدمنٌ لمادة الكافيين، وكل من يعجزُ عن الحياة بشكل طبيعي أثناء الصيام(خاصةً في الأيام الأولى) لأنهُ لم يشرب قهوته الصباحية أيضًا مدمن للكافيين، وكل من لا يستطيعُ الاستغناء عن السجائر مدمنٌ للنيكوتين، وهكذا دواليك، فليسَ الكلام الذي نتكلمه ببعيدٍ عنا، أي ليس المدمنون بأصحاب حالات نفسية غريبة، فكل الفرق ما بيننا وبينهم هو أن المواد التي أدمناها نحنُ هيَ موادٌ مقبولةٌ اجتماعيا ولكنهم اختاروا موادًا مرفوضة اجتماعيا (لأنها ضارةٌ بالطبع).

وليسَ معنى ذلك أنني أقللُ من خطورة الإدمان بقدر ما يعني أنني أبينُ كيفَ أن الجميع غير بعيدين عن الخطر، وسأحاول في هذا المقال أن أنقل لكم صورة مبدئية عن فهمنا الحالي للخصائص النفسية التي تصاحب السلوك الإدماني، وعن علاقة ذلك السلوك الإدماني بالوسوسة، والوسوسة هنا بمعناها الواسع في نطاق الوسواس القهري.

وإذا ما أردنا بدايةً أن نستوضح مكان السلوك الإدماني Addictive Behavior من نطاق الوسواس القهري OCD Spectrum، فإننا سنستعرضُ خصائص سلوكيات المدمن بداية من تعرضه الأول ربما لموضوع إدمانه -مادةً أو نشاطا ما-، وسنجدُ كيف أن الوسوسة كما نعرفها -أي بمفهومها النطاقي المتأرجح بين الاندفاع/الانفلات Impulsive وبين التحكم/التشدد Compulsive القهري- تنطبق بشكل يكادُ يكونُ تاما على خصائص السلوك الإدماني.

فأول الإشارات الحمراء في علاقة الإنسان بمادة أو نشاط ما مرشحٍ ليكونَ مُدْمَنا هو الانشغال الوسواسي أو الاستحواذ بما بدأ ربما بمجرد انفلات للتجريب، وكان يظنها صاحبها مرةً وتفوت في حياته فإذا به بالتدريج -يكررُ- الانفلات السلوكي، ويصبحُ مولعا -موسوسا- بذلك السلوك الذي غالبا ما يفعله في الخفاء، إلى أن يصل في مراحل مبكرةٍ نسميها مرحلة التعاطي الضار المبكرة Early Stage of Substance Misuse إلى شخص يفكرُ ليل نهار مثلا في كيفية ضمان توفير ما يكفيه من مادةٍ معينة، مع أنه يستطيع أن يمسك نفسه لو أراد، لكنه نادرا ما يفعل مع الأسف، ويستمرُّ بالتدريج منشغلا بتوفير ما يلزمه من المادة المدمنة، مأخوذا بذلك إلى درجة تعجزه عن رؤية انعكاسات ذلك السلبية على حياته وحياة المحيطين به، ويشعر الشخص في نفس الوقت الذي يعجزُ فيه عن إدراك حجم مصيبته، يشعرُ بأنه مقهور أو مجبرٌ على التكرار منفلتا لتعظيم المتعة في المراحل المبكرةِ ومجبورا بالرغبة في تخفيف الضيق الناتج عن حالة التوق الملح -أو الخَرَمَان- Craving وذلك -غالبا- منذُ المرحلة المتأخرة من التعاطي الضار Late Stage of Substance Misuse، والتوقُ الملح قد يكونُ عرض انسحاب Withdrawal Symptom سأبينُ أنه وسواسي المحتوى أيضًا بعد قليل.

لكنني الآن أركز على أن شخصا ما يجدُّ نفسه مقهورا على تكرير انفلاتة سلوكية ما، غالبا ما يندم عليها ويستنكرها في لحظات وعيه، لكنه أثناءها غالبا ما يشعر بالمتعة أو على الأقل بزوال الضيق، ويستمرُّ ذلك النمط الوسواسي أيضًا في مرحلة التعاطي الضار المتأخرة، وكذلك في فترة الاعتماد وأثناء محاولات العلاج، كمٌّ الشبه إذن مع أعراض الوسواس القهري كبير.

ولعل أكثرَ مظاهر دوامة الإدمان السلوكية شبها بأعراض الوسواس القهري هو التوق المُلِح أو الخرمانُ على المستوى المعرفي، وما يستتبعهُ من أفعال التعاطي أو التكرار أو التخزين للمُدْمَن مادةً كان أو نشاطا على المستوى السلوكي، فهنا تكتمل الحلقة المعرفية السلوكية النموذجية للوسوسة، فالتوقُ الملحُ يأخذُ شكل الفكرة التسلطية في صورة خيالات وتخيلات تفرضُ نفسها على المدمن أو المتعاطي- أثناء ابتعاده عن المدْمَنِ أو أثناء إعداده مثلا للمادة أو تعاطيها أو لممارسة النشاط المُدْمَن.

مثلا وهو في طريقه لشراء العقَّار أو برميل الآيس كريم أو صندوق الشيكولاته .....إلخ، ومن الممكن أن تأخذَ أيضًا في حالات تعاطي عقاقير الهلوسة Hallucinogens شكل ذكرياتٍ اقتحاميةٍ أو رجائعَ زمنيةٍ  Flashbacks لبعض خبرات الشخص وهو تحت تأثير المادة أو السلوك المدمَن، -كإحساسه بأنه يعيش تجربة الطيران وسماع الأصوات ألوانا وكيف دخل السماء مثلا ورأى فيها وهكذا...،

وكم كان يحسُّ بأن ذلك يزيده ولعا وانشغالا بأمر المادة دون ما عداها، وأما ما يستتبع ذلك التوق من أفعال التعاطي أو التكرار أو التخزين فعادة ما يأخذُ شكلَ الفعل القهري، ولكن من المهم أن نوضحَ أن الفكرةَ التسلطيةَ هنا غيرُ مزعجةٍ للشخص بل هيَ محببةٌ له -لأنها ممتعة- لنفس تفتقد المتعة في غيرها في غياب المدمَن، وكذلك فإن الفعل القهري ممتعٌ ومحببٌ للمريض، لكنه كثيرا ما يعقبه الندمُ على الانفلات، إذن فالسلوك الإدماني يجيئُ أقربَ من جهة الاندفاعية والتسيب على متصل الضبط والتحكم في مقابل التسيب والاندفاع.

والحقيقة أن ما أصبح الآن يزيدُ الصورة المعرفية للإدمان لدينا وضوحا بينما هو نفسه يزيدها في الفهم التقليدي المعاصر للإدمان بلبلة وتشويشا، ذلك الربط -الحديث علميا والقديم على ألسنة الناس- لمفهوم الإدمان بالسلوك الذي يأتيه المدْمِن فيما يتعلق بموضوع إدمانه، فليس الأمر كما قد يظنُّ كثيرون مرتبطا بمادة ما مضرةٍ بشكل أو بآخر كما كان، بل أصبح الإدمان في الفهم الأحدث مرتبطا بسلوك ما ينهمك الإنسانُ فيه بشكل وسواسي، ويرتبُ حياته بحيث يستطيع مواصلته، وبالتالي فإن هناك الآن ما يسمى بإدمان الأكل Food Addiction وإدمان الشراء Buying Addiction، وإدمان الإنترنت وإدمان الألعاب الإليكترونية وكلها مواضيع تسكن في القلب من نطاق الوسواس القهري OCD Spectrum، بل إن هناك من مرضاي بالوسواس القهري من يصف أفعاله القهرية Compulsions بأنها إدمان.

وحقيقة الأمر هنا هي أن الانشغال الوسواسي في موضوع ما يجعل الشخص عرضة لإدمانه، فعندما يصبحُ فعلٌ ما (سواء كان ذلك الفعل تعاطي مادة أو ممارسة أي سلوك بشكل قهري) مُريحا للشخص ومخلصا له من الضيق، وعندما يشعر الشخص بأنه مقهورٌ على تكرار ذلك الفعل كلما أحس بالضيق، فإن الفهم الحديث للإدمان ينطبق، ولكن اعتبار سلوك ما إدمانا أو عدم اعتباره كذلك، يختلف من ثقافة لأخرى، ومن زمن لآخر.

وسببُ أن ذلك الربط يزيد الفهم لدينا وضوحا، هو أن السلوك التالي لعمليات معرفية هو ما نهتم في محاولاتنا لتلمس طب نفسي إسلامي أو نابع من ثقافة أمتنا، لأنه السلوك الذي سيعول عليه الإنسان أمام ربه، إذن فنحن نتكلم عن مكلفٍ مسئولٍ عن ضبط سلوكه ومرجعيته هي الله، ولا نتحدث عن محاولات علاج لا مرجعية لها إلا الإنسان نفسه سواء كمادة فقط أو كمادة ومعرفيات، فالفرق بين برنامج علاجي معرفي سلوكي إسلامي المنشأ والعلاج المعرفي المستورد هو ببساطة أنك تتخذُ شرع الله حاكما أساسيا -ومرجعية بالتالي- للسلوك طالما تعالج مسلما مكلفا بينما يتخذُ المعالج بالمفاهيم المستوردة من الكائن البشري ذاته مرجعيته، وهو لذلك يظل بمرجعية سائلة ويتعرض مرضاه إلى انتكاسات، أصبحت مشهورة إلى حد وصف أبواب مستشفيات علاج الإدمان بأنها مستشفيات ذات أبواب دوارة يخرج المريض من اليمين ليعود من اليسار، وليس هذا موضوعنا الآن.

وما أراهُ في هذه المرحلة على جانبٍ كبيرٍ من الأهمية في تشريح الجوانب النفسية والاجتماعية لمشكلة الإدمان، -مع قصر الحديث قدر الإمكان في ما تبقى لنا في هذا المقال على الإمراضية النفسية المعرفية السلوكية لإدمان العقاقير نفسانية التأثر Psychoactive Substance-، ما أراه مهما كبداية هو: تعريفُ الناس بالخصائص السلوكية الواعية وغير الواعية التي يمرُّ بها المدمنُ/الضحية، ذلك أن تفهم المهتمين بقضية الإدمان كمشكلةٍ اجتماعية نفسيةٍ لهذه الخصائص أو المراحل هو أهمُّ ما يجبُ عليهم إتمامهُ قبل التصدي أو محاولة التصدي للإدمان.

ونستطيعُ أن نقولَ -طبقا لنتائج دراسات غربية عديدة- أنهُ من بينِ كل 16 شخصا يجربونَ عقارًا نفسانيَّ التأثير بما في ذلك الخمر، يوجدُ أربعةٌ سيعودونَ لتناوله أحيانًا خلال حياتهم، ومن بينِ هؤلاءِ الأربعة واحدٌ سيقع في دوامة الإدمان، وقد كان معدل الانتشار العالمي على مدى الحياة Life Time Prevelance للاضطرابات النفسية والسلوكية الناجمة عن تعاطي مادة نفسانية التأثير يتراوحُ ما بينَ 25% و30% من الجمهور العام (باحتواء النيكوتين ضمن المواد النفسانية التأثير)، ومن المتوقع أن يزيدَ المعدل خلال القرن الحالي الحادي والعشرين، خاصةً وأن المجتمعات البشرية كلها حتى يومنا هذا ما تزال عاجزةً عن مواجهة المشكلة بشكلٍ يقطعُ الداءَ من جذوره، إضافةً إلى زيادة الكروب الحياتية Life Stressors التي تواجه البشر جميعًا في كل مكان على الأرض، وهذه الكروب أيضًا ينتظرُ لها أن تزيد!

إذن فأول الخصائص السلوكية الواعية وغير الواعية التي يمرُّ بها المدمنُ/الضحية هو الانشغال الوسواسي الذي شرحناه، وثانيها هو وقوع ضرر السلوك -أو نتائجه السلبية- على الشخص حتى وإن لم يدركه إدراكا كاملا، فالمسألة في الحقيقة تتعلق بشكلٍ من أشكال التورط، إذ يتورط الفرد في موضوع إدمانه بشكل يجعله المصدر المفضل أو الوحيد للإشباع، وبقدر ما يهمل مصادر الإشباع الأخرى في حياته والتزاماته نحوها بقدر ما يزيد تورطا وإدمانا بالتالي، ويتجلى ذلك في اضطراب علاقاته الأسرية والاجتماعية، واضطراب انتظامه وأدائه في عمله، وكذلك اضطراب صحته النفسية، إضافة إلى اختلال التمييز والسلوك والصحة الجسدية، وهذا ما يحدثُ بغض النظر عن نوعية المادة المدمنة، كما تختلف تفاصيله كذلك بين منظومة اجتماعية اجتماعية وأخرى، لكن الذي يبقى هو أن الواقع في دوامة التعاطي الضار أو الإدمان إنما يعيش صراع التحكم التسيب، ويعاني من انشغال وسواسي طول الوقت، وربما من خبرات توق ملح.

وأما الخاصية الثالثة للسلوك الإدماني فهي فقدان السيطرة على السلوك Loss of Behavioral Control الإدماني، ففيما يتعلق برد فعله على ما يراه من تدهور في حالته العامة والنتائج السلبية التي أصبحت واضحة بسبب تعاطيه المستمر لتلك المادة، نجد أن رد الفعل لا يتعدى أكثر من وعود يعطيها للآخرين، وعهود يقطعها على نفسه، إلا أنه مع أول تعرض يحدث للمادة المُدْمَنَةِ أو للظروف التي تدفعه لاستعمالها، نجده لا يسارع بالتعاطي فقط وإنما غالبا ما يسرف فيه، فواقع الأمر هو أن العلامة المميزة للسلوك الإدماني هنا أصبحت تتمثل في أن المدمن عندما يحاول السيطرة على ذلك السلوك أو التحكم فيه فإنه يفاجأُ بأن قوة الإرادة لا تكفي.

وهذا يعني أن المادة أو النشاط المُدْمَن هو الذي يتحكم في المدمن وليس العكس، وبينما يكونُ هذا هو الواقع إلا أننا نجده مشوشا في فهمِ وتقييمِ كثيرين من المدمنين، وسببُ ذلك غالبا هو أن بعض المدمنين يستطيعون السيطرة على أنفسهم إلى حد ما لفتراتٍ زمنية قد تطول أو تقصر، إلا أنها تدعم مع الأسف الوهم الذي يساور المدمن بأنه ما زال بعيدا عن التورط المُقْعد، أو ما زال غير مدمن، وقد يكونُ ذلك شكلا من أشكال النكران وهي الخاصية الرابعة التي سنشرحها الآن.
 
لعل أهم الخصائص النفسية لمستخدمي المواد النفسانية التأثير (سواء من ما زال في مرحلة التعاطي الضار Harmful Use or Abuse أو الاعتماد على العقَّار  Drug Dependence) ما نسميه في الطب النفسي بالنكران Denial والمقصود به هو اللجوء غير الواعي من قبل الشخص لإنكار المشكلة المتعلقة بالمادة التي يستخدمها، فنراهُ يؤكدُ أنه لا مشاكلَ لديه وأن الأمر بسيطٌ وفي حدود التحكم! بينما الواقعُ غير ذلك، والمقصود بالنكران هنا شيءٌ غير الإنكار الواعي، لأن الأمر لا يتعلقُ بجريمة في حق الآخر بقدر ما يتعلقُ بجريمة في حق الذات والنكران في الأصل هو حيلةٌ دفاعية غير واعية يلجأ لها العقل البشري للتقليل من أثر الخطر الذي تمثله مواجهة الحقيقة حتى أمام الذات بمعنى أن المدمن ينكرُ الخطر الذي يمثله استخدامه للمادة حتى عن نفسه.

أي أنه ليس من المشترط أنه يكذب علينا حينَ يقولُ أنهُ ليست لديه مشكلةٌ تتعلقُ بالمادة التي يستخدمها فهو يقولُ ذلك لنفسه أيضًا، فالنكران هنا خدعةٌ يخدعُ المدمنُ نفسه بها قبل أن يخدعَ الآخرين!، والمدمن يلجأُ للإنكار في بداية سقوطه في براثن التعاطي الضار للمادة النفسانية التأثير، كما يلجأُ له في المراحل المبكرة من الاعتماد، وكذلك في المراحل المتقدمة منه، ونجد أحيانًا من ينكرُ ما سبقَ واعترفَ به، ولكنَّ من المهم بالنسبةِ للمتعاملين معه من أعضاء أسرته أو من الاختصاصيين النفسيين أو المعالجين على اختلاف انتماءاتهم ألاَّ ينفعلوا بسبب ذلك فيواجهونه بما يهدر ماء وجهه لأن في ذلك ما قد يدفعه بعيدًا عن محاولة العلاج والخلاص من الإدمان.

والنكران له أشكالٌ كثيرة، فقد يكونُ كاملاً مثل قول أحدهم "لا، ليست لدي مشكلة على الإطلاق"، وقد يأخذُ صورة التقليل من شأن الموضوع مثل "الأمور ليست سيئة إلى هذا الحد"، أو قد يأخذُ النكران شكل تجنب الموضوع بتجاهله أو رفض مناقشته، أو منع الآخرين من ذلك"، كما قد يأخذُ النكران شكل التعليق على شماعة الآخرين كقول أحدهم"صحيح أنني مدمن لكن من لا يدمن وله أسرة كأسرتي، أو ظروفا كظروفي" وهو نكران في صورة التنصل من المسئولية، أو قد يتخذ النكران طابعا منطقيا ولو بالكذب مثل حالي ليس سيئا كحال من تراهم في المصحة يا سيدي، أو أنا أفضل حالا من معظم أصدقائي في التعاطي، أو من قال أن الحشيش أو البانجو يسببُ الإدمان؟.

إذن فالمدمنُ ينكرُ أولاً أن أمر تورطه في التعاطي قد خرج عن نطاق سيطرته، وينكرُ ثانيا أن الانعكاسات السلبية على حياته نتجت عن التعاطي، أي أنه ينكرُ إدمانه وينكرُ نتائجه السلبية أيضًا، ويساهم ذلك النكران بشكل كبيرٍ في إبعاد المدمن عن الواقع، وهذا الابتعاد عن الواقع يصل في بعض الأحيان إلى حدود ذهانية فيما يتعلق بالمادة المدمنة أو النشاط المدمن، وحكى لي أحدهم كيف كانت الرجائع الزمنية المصاحبة للتوق الملح حيث نجدُ الشخص منطقيا وعاقلا في كل شيء إلا فيما يتعلق بموضوع إدمانه، وغني عن البيان كيف يمكنُ أن يكونَ ذلك مؤلما بالنسبة لمن يهمهم أمر المدمن (كوالديه أو إخوته)، أو من هم بحاجة إليه (كزوجته أو أولاده)، وبينما يظن كثيرون -كما أتوقع- أن المدمن يقع في غيابة النكران تلك حفاظا على ماء الوجه أو كي لا يشعر بالإحراج، أو لاعتقاده المغلوط بأن أحدا لا يستطيع مساعدته، إلا أن الحقيقة غير ذلك، فوظيفة النكران الحقيقية هي إبعاد كل ما يمكنُ أن يحول بين المدمن وبين البقاء على إدمانه، ومن اللافت للنظر في المراحل الأخيرة من التورط وخاصة عند بداية السلك في طريق العلاج أو التفكر حتى في محاولة الخلاص، من اللافت للنظر أن مظاهر الوسوسة تزيد بقدر زيادة تلك الومضات التي تفتح عين المتورط على تورطه الحقيقي.

وهنا يبدأ العلاج الذي إن أحسناه وواصل المريض السلك فيه نجا، فهل ستفيدنا في هذه الحالة طرق علاجنا لاضطرابات نطاق الوسواس القهري، عقاريا باستخدام الماس أو الماسا، وسلوكيا ومعرفيا؟ وبطريقة تعبير أخرى هل يزيد فهمنا للإدمان كجزء من نطاق الوسواس القهري من قدرتنا على علاجه؟

هذا سؤال موجه لزملائي من الأطباء النفسيين والمعالجين النفسيين من ذوي الخبرة في علاج الإدمان، وقد وعد أخي المستشار الدكتور محمد المهدي  بأن يبحث ضمن أوراقه عن ورقة تصف دراسة قام بها الأستاذ الدكتور محمد حافظ الأطروني أستاذ الطب النفسي وآخرون سنعرفهم، كما نعد بمتابعة المقالات والتساؤلات في هذا الموضوع على مجانين فشاركونا بآرائكم وخبراتكم، عن العلاقة بين الوسوسة والإدمان.


إقرأ أيضاَ على صفحتنا نطاق الوسواس القهرى :
إدمان الإنترنت .. داءٌ له دواء



الكاتب: أ.د. وائل أبو هندى
نشرت على الموقع بتاريخ: 23/12/2004