إغلاق
 

Bookmark and Share

حكاية الماس والماسا؟ الآثار الجانبية ::

الكاتب: أ.د. وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 10/05/2005

عندما طُرِحت عقاقير الماسا في أسواق الدواء العالمية كانت مقارنة آثارها الجانبية -المتوقعة حسب دراسات شركات إنتاج الدواء- بالآثار الجانبية لمضادات الاكتئاب القديمة (ثلاثية الحلقة Tricyclic Antidepressants) التي اعتادها الأطباء النفسيون وروضوا عليها مرضاهم، وهي مقارنة تجعل اختيار عقاقير الماسا كخيار أول يصفه الطبيب لمريض الاكتئاب مبررا ومحفزا لا شك، وكذلك اعتبر استخدام أحد عقاقير الماسا كخيار أول لمرضى اضطراب الوسواس القهري مبررا ومحفزا أيضًا، بعد أن ظل الأطباء فترة لا يملكون غير عقار الكلوميبرامين (عقار الماس، مثبط استرجاع السيروتونين) لكل مريض بالوسواس القهري، كانت تلك المقارنة هي عصب الدعاية لعقاقير الماسا، إذ تبين المقارنة أن عقاقير الماسا آمنة أكثر (فهي على الأقل لا تسبب الوفاة عند من يستخدم جرعة عالية لينتحر) وهي سهلة الاستخدام أكثر، وبالتالي فقد كان المتوقع أن تساعد المريض على الاستمرار عليها وعدم إيقافها بمجرد التحسن، إلا أننا نستطيع بعد عقدين من استخدام عقاقير الماسا في علاج الوسواس القهري والاكتئاب وكثيرٍ من الاضطرابات النفسية الأخرى، نستطيع أن نقول أن التجربة العملية على الماسا أظهرت غير ما كان متوقعا منها كما سنبين في هذا المقال، أو على الأقل ليست الصورة وردية كما روجت لها شركات الدواء العالمية، لكنها -رغم ذلك- ما تزال أكثرُ أمنا وأسهل تحملا من مضادات الاكتئاب الثلاثية الحلقة القديمة.      

الآثار الجانبيةِ مبكرة الظهور -في بداية العلاج-:
وهذه الآثار الجانبية المبكرة الظهور والعابرة غالبا هي ما كان بعضها معروفا منذ عقدين من الزمان، وأبينها لكم من خلال عرض موجز للصورة التي قدمت للأطباء النفسيين بها عقاقير الماسا لتحل محل الماس في علاج الوسواس:(بينما نجد الآثار الجانبيةِ المنتظرة في بداية استعمال عقار الماس أي الكلوميبرامين هي نفس تلك المنتظرةُ في بداية استعمال مضادات الاكتئاب الثلاثية الحلقة كجفاف الفم والحلق وبعض الميل إلى النوم وربما القليل من الإمساك وربما احتباس البول، إضافة إلى ما يميزُ الكلوميبرامين عن بقية مضادات الاكتئاب الثلاثية الحلقة وهوَ تأثيرهُ على الجهاز الهضمي لأن اضطرابًا في وظيفة المعدة والأمعاء وبعض الليونة في البراز تحدثُ في بعض الأشخاص عند بداية العلاج بالكلوميبرامين، وهذه الآثارُ الجانبيةُ الأخيرةُ المتعلقةُ بالجهاز الهضمي تشتركُ فيها كل العقاقير من مجموعة الماسا مع الكلوميبرامين، إضافةً إلى ما يحدثُ من زيادةٍ للقلق وربما الأرق وكذلك بعض الصداع وقلة الشهية للأكل في بداية العلاج بالماسا، إلا أن معظم هذه الآثار الجانبية تكون محتملةً في معظم المرضى وعابرةً أيضًا في كل الحالات).
 
وبالتالي فقد كان على الطبيب النفسي أن ينبه مريضه إلى أن من المتوقع في الأسبوع أو الأسبوعين الأولين من العلاج أن يحسَّ بأن العلاجَ يزيدُ من قلقهِ وربما تخيلَ بعضهم أن العلاجَ يجعلُ حالتهُ أسوأ وهذا ناتجٌ عن أعراض الماس أو الماسا الجانبية المبدئية في بداية العلاج والتي تصلُ أحيانًا إلى حد الإحساس بالنرفزة الشديدة أو التهيج Jitteriness Syndrome ، وعادةً ما تتحسنُ الأمورُ بعد اليوم العاشر من بدءِ العلاج إذا استمرَّ المريضُ عليه، كما يصحُّ أن يُغَـيِّـرَ الطبيبُ ما بينَ أنواع الماسا المختلفة وربما يكونُ تقليلُ جرعةِ العقارِ أو تدريجها أحدَ الحلول للتعامل مع هذه المشكلة، (وائل أبو هندي، 2003)، كما كان على الطبيب تنبيه المريض إلى احتمال حدوث اضطرابٍ عابرٍ في وظيفة المعدة والأمعاء وبعض الليونة في البراز وربما الأرق وكذلك بعض الصداع وقلة الشهية للأكل، فبعضها تحدثُ في بعض الأشخاص عند بداية العلاج بالماسا، ويكون الطبيب النفسي بذلك قد أحسن في تبصير مريضه بما قد يتسبب في عزوفه عن تناول العقار من بداية الاستخدام، ويكونُ أيضًا تصرف طبقا للمعلومات المتوفرة في النشرة المرفقة مع العقار والمبنية بالتأكيد على نتائج دراسات قصيرة المدى
short-term studies إلا أن متابعة مرضى الاكتئاب المزمنين ومرضى الوسواس القهري المنتظمين لفترات طويلة على أيٍّ من عقاقير الماسا تبين للطبيب النفسي آثارا جانبية أخرى غير الموجودة في النشرة المرفقة مع العقار.

الآثار الجانبيةِ المستمرة وبعيدة الظهور -في بداية العلاج-:
بعض هذه الآثار الجانبية يظهر مبكرا لكنه لا يكونُ عابرا مثل خلل الأداء الجنسي
sexual dysfunction وهو من أكثر الآثار الجانبية إزعاجا لكثيرين، ولم تفهم آلية حدوثه بالكامل بعد، بل إن ما تجمع من الملاحظات السريرية (الإكلينيكية) عنه لم ينشر في الدوريات العلمية الشائعة ولا بدأت دراسة الأمر بشكل علمي إلا بعد ظهور أجيال جديدة من مضادات الاكتئاب، فهناك تأثير العقاقير على الرغبة الجنسية وهناك التأثير على الإرجاز orgasm، وسأكتفي هنا بالإشارة إلى ما ظهر على استشارات مجانين تحت عنوان الماس والماسا وتأخير القذف ، والماسا والشهية للجنس عن الآثار الجنسية لعقاقير الماسا لأننا إن شاء الله  سنفردُ مقالا خاصا لهذا الموضوع.   

وثاني تلك الآثار هو اضطرابات النوم
sleep disturbances مثل الأرق  insomnia وهو ما يعني أن 15%-20% من المرضى المستمرين على الماسا (Sherman,1998) سيحتاجون لأحد العقاقير التي تساعد على الدخول في النوم بكل مشاكل تلك العقاقير عند الاستمرار عليها لفترة طويلة كما بينا في ردنا على صاحب مشكلة: قلق الماسا ومضادات القلق، فهناك من يجدون صعوبة في الدخول في النوم فقط في بداية العلاج وهناك من تستمر معاناتهم ماداموا على العقًَّار، وكذلك يشتكي كثيرون من عدم القدرة على النوم بعمق، ومن تكرار الاستيقاظ خلال الليل، وعلى العكس نجد من يزيد عقار الماسا من عمق أو ثقل نومهم، وإضافة إلى الأرق بأشكاله المختلفة نجد من يعانون من صرير الأسنان الليلي أو الصرِيف bruxism وأيضًا من التعرق الليلي، وهناك أيضًا كثرة التثاؤب وإن لم يتبعه نوم، أو لنقل تثاؤبا دون نعاس، وأخيرا يشتكي بعض المرضى بعد فترة من العلاج من زيادة الأحلام والكوابيس تلك هي خبرتي الشخصية مع مرضى الوسواس القهري على مدى نصف عقد من الزمان، وتلك نتائج معامل النوم وأجهزة قياسات النوم المتعددة Polysomnography أيضًا (Sherman,1998).

وأما أكثر الآثار الجانبية المتأخرة الظهور إيلاما للمرضى وأكثرها مفاجأة أيضًا لنا كأطباء نفسيين فهو ما لم يكن متوقعا أبدًا من أن تنتج زيادة في وزن الجسد، بسبب التزام مرضى الوسواس أو الاكتئاب بعقاقيرهم من مجموعة الماسا، وهذا الأثر لا يبدأ في الظهور قبل شهور طويلة من العلاج وربما بعد أكثر من سنة، ورغم أن زيادة الوزن على المدى البعيد من الاستمرار على أيٍّ من مضادات الاكتئاب الثلاثية الحلقة بما فيها الماس أو الكلوميبرامين، إلا أن ذلك لم يكن واردا في الأذهان مع أي من مجموعة الماسا التي اشتهرت وجربت حتى كمساعد على تطبق برامج الحمية المنحفة ذلك أنه لما كان من المعروف أن زيادةَ السيروتونين المتاح في المشابك العصبية تعطي الإحساس بالشبع فقد جربت بعضُ عقَّاقير الاكتئاب من مجموعة الماسا SSRIs (مثبطات استرجاع السيروتونين الانتقائية) ولكنها لم تعط نتائجَ يُعْتَدُّ بها في أغلب الحالات رغم ما تسببهُ من تثبيطٍ للشهية في بداية استخدامها، لم يكن متوقعا إذن أن تكون عقاقير الماسا نفسها مثلها مثل عقاقير علاج الاكتئاب كلها تسبب زيادة في الوزن تختلف من شخص لشخص بطبيعة الحال.

وأما آخر ما لم يكن متوقعا أيضًا أنه سيحدث لكنه حدث، فهو أن إيقاف عقاقير الماسا بعد فترة من العلاج ينتج عنه ما يسمى بالأعراض الانسحابية
withdrawal symptoms، والتي كان يشتكي منها بعض المرضى النفسيين قديما بعد فترات طويلة من البقاء على مضادات الاكتئاب التقليدية، ومن أشهرها كان عقار الكلوميبرامين (الماس)، وبعض العقاقير التي تعمل على الناقل العصبي الدوبامين، وسحبت من الأسواق العالمية بسبب ظهور حالات إساءة استعمال، وأصبحت تظهر في الدوريات الطبية الحديثة جداول لطريقة السحب الآمن لعقاقير الماسا، وهذا على أي حال موضوع قال آخر، لكنني أكررُ فقط تذكير قرائي من المجانين بأن عقاقير الماسا نعمة ما تزال حتى الآن، ولا خيار آخر أمام الطبيب النفسي -خاصة في بلادنا- غير أن يضيفها إلى برنامج العلاج السلوكي المعرفي إن كان من من يحسنون استخدام الطرق النفسية المعرفية في العلاج أو كانت حالة المريض شديدة بحيث تمنعه من التعاون الكامل في برنامج العلاج وبالتالي فإنها تسهل العلاج النفسي ولو مبدئيا، أو أن يقتصر علاجه للمريض عليها إن كان المريض عاجزا عن تحمل نفقات العلاج السلوكي المعرفي أو كان الطبيب من غير الممارسين للطرق المعرفية السلوكية في العلاج.

باختصار أؤكد أننا  -خاصة في بلادنا الفقيرة- لا نستطيع اعتبار ضرر الماسا يساوي أكثر من واحدٍ بالمائة من ضرر الاستغناء عنها بالنسبة لمريض الوسواس بأي شكل، ولكنني رغم ذلك سأكمل حكاية الماس والماسا مع أحبائي من مجانين مجانين.
             

المراجع العلمية:

1. وائل أبو هندي(2003): الوسواس القهري من منظور عربي إسلامي، عالم المعرفة عدد 293، يونيو 2003.
2.Sherman, C.(1998): Long-Term Side Effects Surface With SSRIs. [Clinical Psychiatry News 26(5):1, 1998

اقرأ أيضاً على مجانين :
حكاية الماس والماسا؟ ضد الاكتئاب والوسوسة /
ما هيَ الماسا ؟  / نطاق الوسواس القهري هل لنا أن نفكر؟  / الوسواس القهري بينَ عالم الغيب وعالم الشهادة  / هل الوسواس القهري لا يعالج؟  /  هل اضطراب الوسواس القهري اضطرابٌ نادر؟  / اكتئاب أم قلق؟ لا... وسواس قهري !!  / علاج الأفكار الوسواسية



الكاتب: أ.د. وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 10/05/2005