إغلاق
 

Bookmark and Share

 حكاية الماس والماسا أعراض الانسحاب(1) ::

الكاتب: أ.د. وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 03/07/2005

من الشائع على ألسنة الأطباء النفسيين-وحتى على لساني حتى عهد قريب- أن يقول الطبيب للمريض أو لأهله ردا على سؤال الخائف من أن يعتمد المريض على العقار: لا لا أدوية الاكتئاب يستطيع المريض وقفها بعد التحسن وقتما يشاء وحبذا لو وقتما يقرر الطبيب، وإن كان من الأفضل لمريض الاكتئاب الرديد أن يستمر على العقار أطول فترة ممكنة، والمهم هنا أن ذلك الكلام غير دقيق علميا وإن صح في المجمل، بل وإن كان في الغالب هو ما تصدقه أحوال المريض، فنحن معتادون أن المريض بعد التحسن غالبا ما يترك الدواء دون أي مشاكليقولها لنا- ودورنا أصلا إقناعه أن يستمر قدر ما يستطيع، ذلك الكلام وإن صح في المجمل إلا أنه يغفل كثيرا من المنشور من الأبحاث، وإن كان قليل التواتر على ألسنة الأطباء، وهو أعراض الانسحاب من عقاقير الاكتئاب، فمنذ ما يزيد على ثلاثة عقود هناك تقارير عن أعراض انسحابٍ تحدثُ بعد إيقاف عقاقير الاكتئاب، ولكننا في هذا المقال لن نتكلم إلا عن أعراض الانسحاب من الماسا.

فبعد سبع سنوات من ظهور أول عقار من عقاقير الماسا وهو الفلوكستين Fluoxetine ظهر سنة 1992 أول تقرير طبي(Szabadi, 1992) عن أعراض الانسحاب من عقار الفلوفوكسامين Fluvoxamine، وتلاه في كل سنة واحد من مجموعة الماسا فلحقه الباروكسيتين(Paroxetine Gelenberg, 1993) ثم السيرترالين Sertraline Louie et al.,1994) حتى وصلنا إلى آخرهم وأقلهم إحداثا لأعراض الانسحاب وهو الفلوكستين (Einbinder, 1995) سنة 1995، وتأخر ظهور التقارير عن عقار السيتالوبرام Citalopram، وكان أول ما وجدته بالبحث قد نشر سنة 1998 بغير الإنجليزية، وتلاه تقرير حالة بعد سنتين (Fernando et al.,2000)، ولكنني لا أستطيع القطع لأن العقار دانمركي وكثيرا ما تهمله الكتابات الأمريكية، إلا أن النقطة الجديرة بالاهتمام هنا هي أن أحدا من الأطباء النفسيين أو مصنعي العقار لم يكن يتوقع حدوث أعراض انسحابية بعد وقف عقاقير الماسا استنادا إلى فهم أعراض انسحاب مضادات الاكتئاب القديمة ثلاثية الحلقة على أنه ناتج من أثرها المضاد للأستيل كولين Acetylcholine.

*معدلات الحدوث:
معدلات الحدوث الحقيقية لأعراض انسحاب الماسا غير معروفة، إلا أن هناك في الأبحاث المنشورة ما قد يمثل بعض ما نهتدي به في بحثنا من إشارات فاحتمالات الحدوث تزيد كلما كانت مدة بقاء العقار أو الفعال من نواتج استقلابه أطول في الدم، ولذا فإن أكثر تقارير الحالات كانت من نصيب عقار الباروكستين (5.1%) وأقلها كانت من نصيب الفلوكستين (Price et al 1996).

إلا أن من المهم التنبيه إلى كون هذه النسب غالبا أقل من الحقيقية لأن النوعية المتاحة من الأبحاث هنا تعتمد على تقارير الأطباء، وكثيرون منهم لا يتوقعون أصلا حدوث أعراض انسحاب للماسا وبالتالي لا يسألون المرضى عنها، وتجب ملاحظة أن سحب العقار المقصود هنا هو سحبه بناء على الوصول إلى التحسن المنشود في حالة المريض أي أنه برأ من داعي الاستعمال، وبالتالي فليس متوقعا من كل المرضى أن يراجعوا طبيبهم النفسي بعد انتهاء العلاج، ولا نستطيع تخمين نسبة الذين يرجعون إلى الطبيب للشكوى من أثر سحب العقار، وباختصار قد تكونُ المعدلات أعلى وقد تكونُ أعراض انسحاب أخفَّ شدة يتم تجاهلها من قبل المرضى.

وإذا انتبهنا إلى نقطة مهمة تخص الواقع الإكلينيكي في دول العالم الثالث سنكتشف أن الأمر أكثر صعوبة وتعقيدا إذا أردنا معرفة معدلات حدوث أعراض انسحاب الماسا، فحقيقة الأمر في بلداننا أن معظم المرضى عند انتهاء أي برنامج علاجي مع أيٍّ من المشتغلين بالصحة النفسية لا يصدقون أنفسهم من الفرح ليس فقط لأنهم برؤوا ولكن لأنهم لم يعودوا مضطرين لزيارته، وشخصيا أذكر بالكاد عددًا لا يتجاوز أصابع يدي من المكالمات الهاتفية مع من أنهوا علاجهم لدي يشتكون فيها من أعراضٍ لإيقاف العقار، وهي طبعا أعراض غير أعراض غير النكسات المرضية -لا قدرها الله- ومعظم هؤلاء كانوا من مرضى اضطراب نوبات الهلع وبعضهم من مرضى الوسواس القهري أو خلطة القلق والاكتئاب، والحمد لله لم تكن أعراض الانسحاب تلك في أيٍّ من الحالات تحتاج أكثر من دعم معرفي وسلوكي وصبر لعدة أيام، لأنها كانت خفيفة الشدة.

ومعنى هذا أننا فعلا لا ندري هل تحدثُ أعراض سحب للماسا في كثيرين من مرضانا العرب أم لا؟ ولا هل هي تحدث في غير المرضى من الجنس القوقازي؟ وليس هذا بمستغرب لأن طريقة تعامل الجسد البشري مع عقاقير الماسا تختلف بحسب الأصل العرقي، فهناك أجساد يحدثُ فيها استقلاب سريع للماسا (90% من القوقازيين) وهناك أيضًا أجساد تستقلب الماسا ببطء Slow Metabolisers of SSRIs، وهؤلاء أقل عرضة للمعاناة من أعراض الانسحاب بعد الماسا (Lejoyeux et al., 1996)، وغالب الظن أن العرب من هؤلاء لأن كثيرا من الآثار والتفاعلات الدوائية التي تحدث في القوقازيين مع الماسا لا تحدث عندنا، لكننا نعدُ بأن نبدأ البحث في هذه النقطة من هنا على مجانين طالبين من كل واحد ممن استخدموا عقاقير الماسا لفترة تساوي أو تزيد على الشهر أن يرسلوا لنا خبرتهم على عنوان: doctor@maganin.com، كذلك بدأنا بالتأكيد على مرضانا عند انتهاء العلاج، بأن يهتموا بموافاتنا بما قد يحدث لهم من أعراض بعد وقف عقار الماسا.

ومن المهم قبل أن أختتم الجزء الأول من هذا المقال أن أنبه إلى فرق مهم بين طعم أعراض انسحاب الماسا أو مضادات الاكتئاب بوجه عام وبين طعم أعراض انسحاب العقاقير التي تسبب الإدمان، فأعراض الانسحاب هنا مختلفة عن أعراض الاضطراب الأصلي الذي استخدمت الماسا لعلاجه، بل إنها حتى أكثر شبها بآثاره الجانبية في بداية استعماله، وهو في هذا يختلف عن أعراض الانسحاب التي تدفع المريض إلى تناول العقار مرةً أخرى، بل إن المتوقع هو أن يخاف من أخذ الماسا معتقدا أنها قد تزيد حالته سوءا.

وإذا أخذنا مجموعة البنزوديازيبين كمثال للمقارنة فإننا سنفهم الفرق، فهذه العقاقير التي تستخدم لعلاج حالات القلق الشديد وبحساب ولمدة محددة كما بينا في إجابة قلق الماسا ومضادات القلق، تحدث عندما يوقفها المريض بعد طول استخدام أعراضا انسحابية تشبه إلى حد كبير أعراض القلق نفسه بل هي غالبا أشد قسوة على المريض ولكن بنفس الطعم، وبالتالي يلجأ المريض لها مرة أخرى ولو من غير استشارة طبيبه، ولعل هذا أحد أهم الفروق بين أعراض انسحاب الماسا وأعراض انسحاب العقاقير التي قد تسبب الاعتماد النفسي أو الجسدي، وفي المقال التالي سنبين ماهية تلك الأعراض وعِليتها (تفسيرات حدوثها) المحتملة، وكذلك طرق التعامل الطبي معها.

اقرأ أيضاً:
حكاية الماس والماسا؟ ضد الاكتئاب والوسوسة
حكاية الماس والماسا؟ الآثار الجانبية
حكاية الماس والماسا: الآثار الجنسية(1)
حكاية الماس والماسا: الآثار الجنسية(2)
حكاية الماس والماسا: علاج الآثار الجنسية


المراجع العلمية:
1- Szabadi E. (1992):Fluvoxamine withdrawal syndrome. Br J Psychiatry;160:283-4.
2- Gelenberg AJ,(1993): Postmarketing watch: paroxetine in the UK. Biol Ther Psychiatry 1993;16:25-8.
3- Louie AK, Lannon RA, Ajari LJ.(1994): Withdrawal reaction after sertraline discontinuation. Am J Psychiatry 1994;151:450-1.
4- Einbinder E.(1995): Fluoxetine withdrawal? Am J Psychiatry 1995;152:1235
5- Fernando, Antonio T., Schwader, Patrick (2000):A case of citalopram withdrawal Journal of Clinical Psychopharmacology. 20(5):581-582, October 2000.
6- Price JS, Waller PC, Wood SM et al.(1996) A comparison of the post-marketing safety of four selective serotonin re-uptake inhibitors including the investigation of symptoms occurring on withdrawal. Br J Clin Pharmacol 1996
7- Lejoyeux M, Adas J, Mourad I et al.(1996) Antidepressant withdrawal syndrome. Recognition, prevention and management. CNS Drugs 1996; 5:278-292



الكاتب: أ.د. وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 03/07/2005