إغلاق
 

Bookmark and Share

هل هناكَ أنواعٌ من اضطراب الوسواس القهري؟ ::

الكاتب: أ.د وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 13/05/2006

كثيرا ما توحي مناظرة ومتابعة حالات الوسواس القهري المختلفة أو تعطي انطباعًا باحتمالِ أن تكونَ هناكَ أنواعٌ من اضطراب الوسواس القهري ربما مختلفة، ويأملُ الأطباءُ النفسيون من خلال محاولاتهم لتقسيم مرضى الوسواس القهري أن يصلوا إلى فهمٍ أدقَّ وأعمقَ لهذا الاضطراب لعلهم يستطيعون مساعدةَ مرضاهم بشكلٍ أفضل، إلا أن محاولاتِ تقسيم مرضى اضطراب الوسواس القهري إلى عدة أقسام ما تزالُ دائرةً بلا حلٍّ نهائي يرضي الجميع فهناك على سبيل المثال لا الحصر:

(1) تقسيمٍ على أساسِ سن بدايةِ الأعراض، فهناكَ حالاتٌ تبدأُ فيها الأعراضُ في سن الطفولة(أي قبل سن العاشرة) وهناكَ حالاتٌ يتأخرُ فيها سنُّ ظهور الأعراض (فتظهرُ لأول مرة بعد سن السابعة عشر)، ويتوقعُ البعضُ أن تكونَ الحالاتُ التي تظهرُ فيها الأعراضُ مبكرًا ذات علاقةٍ بانحرافٍ ما في نموِّ المخ مثلاً خاصةً وأن لها علاقةٌ باضطراب توريت Tourette Disorder واضطراب العرات المزمن Chronic Tic disorder وغيرها من الاضطرابات النفسية في الأطفال، وقد أظهرت دراساتٌ عديدةٌ أن النوع الذي يبدأُ مبكرًا أي قبل سن العاشرة إنما يعتبرُ أسوأُ مآلاً من النوع الذي يبدأ متأخرًا بعض الشيء.

(2) تقسيمٍ على أساسِ علاقته بالتهاب اللوزتين في الأطفال كشكلٍ من أشكال الحمى الروماتزيمية Rheumatic Fever، وهذا التقسيم ينتجُ نوعين من اضطراب الوسواس القهري أحدهما يعتبرُ إحدى مضاعفات عدوى الحلق بالبكتريا العقدية ويحدثُ بالضبط كما تحدثُ الحمى الروماتزمية أي هو وسواس قهري يلي التهاب اللوزتين، والمسمى المقترحُ لهذا النوع من الاضطراب النفسي العصبي الناتج عن خللٍ ما يصيبُ النوى القاعدية هو البانداسPANDAS وهي اختصارٌ لعبارة:Pediatric Autoimmune Neuropsychiatric Disorder Associated with Streptococcal Infection، وأما النوع الآخر فلا علاقةَ لهُ بالتهاب اللوزتين.

(3) تقسيمٍ على أساسِ علاقته باضطراب العرات Tic Disorder أو اضطراب توريت، والعلاقةُ مع اضطراب العرات قد تكونُ علاقةَ تصاحبٍ مرضي وقد تكونُ علاقةً من خلال المادة الوراثية بمعنى أن الاضطرابين يوجدان في نفس العائلة ولكن الطريقة التي يحدثُ بها انتقالُ هذه المادة الوراثية عبر الأجيال ما تزالُ الدراساتُ تحاولُ فكَّ أسرارها.

(4) تقسيمٍ على أساس نوعية الأعراض الموجودةِ مثلاً هل هيَ أفكارٌ تسلطيةٌ فقط أو هيَ أفعالٌ قهريةٌ فقط، بل وفي حالة الأفعال القهرية هل هوَ طقوسُ غسيلٍ فقط، أم طقوسُ تكرارٍ فقط وهكذا ثم تجرى محاولاتٌ لكشف ارتباطِ اضطراب الوسواس القهري المتميز بنوعية معينةٍ من الأعراض بالاضطرابات الأخرى المعروفة بتداخلها مع اضطراب الوسواس القهري وراثيا أو تشخيصيا أو علاجيا.

فمثلاً وجدت دراستان (Leckman et al, 1994)و (Leckman et al,1997) استخدمتا التحليل العاملي أن أربعةَ عوامل هيَ المسؤولة عن 60% من تباين الأعراض في عينتين من مرضى اضطراب الوسواس القهري وكانت هذه العومل الأربعة هيَ:

1- أفكار التحقق التسلطية وأفعال التحقق القهرية. Obsessions and Checking
2- أفكار النظافة التسلطية وأفعال الغسيل القهرية Cleanliness and Washing
3- أفكار التناسق التسلطية وأفعال التنظيم والترتيب القهرية Symmetry and Ordering
4- أفعال التخزين القهرية Hoarding.

بينما وجدت دراسةٌ أخرى (Baer ,1994) ثلاثةَ عوامل ربما تمثل ثلاثةَ أنواعٍ من المرضى وهذه العواملُ هيَ:

1- التناسق أو التخزين Symmetry or Hoarding وكان المرضى في هذا القسم بالذات أكثر ارتباطًا باضطراب الشخصية القسرية وباضطراب العرات المزمن أو اضطراب توريت(Attiullah etal 2000).
2- التلوث أو التحقق Contamination or Checking.
3- أفكار تسلطية خالصة Pure Obsessions خاصةً المتعلقة بمواضيع الأفكار العدوانية أو الجنسية أو الدينية.

ورأى آخرون( Rasmussen & Eisen,1994) أن هناكَ ثلاثة خواص جوهرية لاضطراب الوسواس القهري هيَ:

1- التقييم المفرط للخطر Abnormal Risk Assessment ويوجدُ عند هؤلاء المرضى كمٌّ أكبرُ من القلق مقارنةً بغيرهم، كما أن لديهم احتمالٌ أكبرَ لوجود تصاحب مرضي (أي أن المريضَ باضطراب الوسواس القهري من هذه الفئة يعاني من مرضٍ نفسي آخرَ مصاحبٍ ) مع أحد اضطرابات القلقAnxiety Disorders كاضطراب نوبات الهلعPanic Disorder أو اضطراب الرهاب أو الخواف الاجتماعي Social Phobia أو اضطراب القلق المتعممGeneralized Anxiety Disorder أو مع اضطراب الشخصية التجنبيةAvoidant Personality Disorder أو اضطراب الشخصية الزورانية Paranoid Personality Disorder.

2- الشك المرضي Pathologic Doubt وقد يكونُ لذلك أيضًا علاقةٌ بالغيرة المرضية، وباضطراب الشخصية الزورانية أو الشخصية الفصامية النوع Schizotypal Personality Disorder.

3- عدم الاكتمال Incompletenessويوجد عند هؤلاء المرضى كم أقل من القلق لكن التصاحب المرضي هنا يكون مع اضطراب الشخصية القسرية أو مع اضرابات العرات أو اضطرابات العادات والنزوات مثل هوس نتف الشعر أو قضم الأظافر أو نقر الجلد المتكرر.

(5) تقسيمٌ على أساس وجودِ البصيرة من عدمه: فيكونُ عندنا اضطراب وسواس قهري مع وجود بصيرةٍ سليمةٍ، واضطرابُ وسواس قهري مع بصيرةٍ مشوهةٍ، ويقالُ ذلك في حالة تحول الفكرة التسلطية إلى فكرةٍ مبالغٍ في تقديرهاOver-Valued Idea أو إلى فكرة وهامية (ضلاليةٍ) Delusional Idea ويتوقعُ أن يتطلب هذا النوعُ الذي تختلُّ فيه البصيرةُ تدخلاً علاجيا مختلفًا عن التدخل العادي، حيثُ يحتاجُ المريضُ إلى أدويةٍ تعملُ على ناقلٍ عصبي آخرَ غير السيروتونين وهوَ الدوبامين.

(6) تقسيمٌ على أساسِ وجودِ علاقةٍ باضطراب الفصام أو اضطراب الشخصية الفصامية النوع، ويعتبرُ وجودُ مثل هذا النوع من التصاحب المرضي مُـنْبِئًا بسوء المآلِ المرضي لهذا النوع من الوسواس كما قد يتطلبُ إضافةً عقارٍ مضادٍ للدوبامين كما في الحالات التي تختلُّ فيها البصيرة.

وليست هذه هيَ كل التقسيمات المقترحة لاضطراب الوسواس القهري ولكنها أشهرها فمثلاً هناكَ من يقسمونَ على أساس تخطيط المخ الكهربي (Prichep etal 1993) وعلى أساس المسار المرضي أو الاستجابة للعلاج أو غير ذلك، وما تزالُ نتائجُ الأبحاث في هذا الموضوعِ بعيدةً عن الوصول إلى حقائق ثابتة، ولعلَّ السببَ في ذلك أن طريقةَ التقسيم المتبعة اليوم، في معظم إن لم يكن كل الدراسات العلمية الغربية، هي تلك التي تحاولُ إقامةَ ما يشبهُ السياجَ حولَ كل فئةٍ من فئات الأعراض النفسية ويريدونَ وضعها في قالبٍ منفصلٍ وكأنها مستقلةٌ عن غيرها دونَ أن تكونَ أيُّ تحيزاتٍ لنظريةٍ ما عن الأسباب موجودةً في ذهن الباحثين (كما يدعونَ هم لأن الحقيقةَ هيَ أنهم متحيزونَ للمادة)، هذه الطريقة هيَ طريقةٌ لا تؤدي إلا إلى تراكمِ وتكدس المعلومات ولكنها لا تستطيعُ البَتَّ في الكثيرِ من الحالات التي يقابلها الأطباءُ النفسيون خلال عملهم لأنهم يقابلونَ ما لا يتوافقُ مع أيٍّ من الفئات أكثرَ مما يقابلونَ من تناسبهم القوالبُ الجامدة.

المراجع:
1. Leckman J, Grice D, Boardman J, et al (1997) : Symptoms of OCD. Am J Psychiatry 154:911-917.
2. Leckman JF, Walker DE, Goodman WK, et al (1994) : "Just right" perceptions associated with compulsive behavior in Tourette's syndrome. Am J Psychiatry 151:675-680,
3. Baer L (1994) : Factor analysis of symptom subtypes of obsessive compulsive disorder and their relation to personality and tic disorders. J Clin Psychiatry Suppl 55:18-23.
4. Attiullah N., Eisen J. L., Rasmussen S.A. (2000) : Clinical Features of Obsessive-Compulsive Disorder. Psychiatric Clinics of North America. Volume 23 , Number 3 , September 2000
5. Rasmussen S, Eisen J (1994) : The epidemiology and clinical features of OCD. Psychiatric Clinics North Am. 15:743-758,
6. Prichep, L. S., Mas, F., Hollander, E., Liebowitz, M., John, E. R., Almas, M., DeCaria, C. M. and Levine, R. H., (1993) : Quantitative EEG (QEEG) subtyping of OCD. Psychiatric Res., 50(1):25-32.
7- وائل أبو هندي (2003): الوسواس القهري من منظور عربي إسلامي، عالم المعرفة إصدار يونيو 2003 عدد 293.

 



الكاتب: أ.د وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 13/05/2006