إغلاق
 

Bookmark and Share

اضطراب قضم الأظافر بالأسنان Onychophagia ::

الكاتب: أ.د وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 25/09/2006

رأيت في ممارستِي الإكلينيكية الخاصةِ، عددا كبيرا نسبياً من مرضى الوسواس القهري Obsessive Compulsive Disorder ومرضى اضطراب نتف الشعر الذين أيضاً يَقْضمُون بأسنانهم أظافرهم Onychophagia و/ أَو يَنقرون أو يأكلون أجزاءً من مناطق معينة من جلودِهم وهو ما يسمى باضطراب قشط الجلد النفسي Psychogenic excoriation، والحقيقة أن مثل هذا التواكب المرضي لم يدرس دراسةً منهجية منظمة بعد، وقد يكونُ كثيرون لا يعالجون من أعراضهم أو اضطراباتهم المتعددة التي تنتمي في فهمي إلى اضطرابات نطاق الوسواس القهري Obsessive Compulsive Disorder Spectrum، ولذلك اعتدت أن أسأل مرضاي الشاكين من أيٍّ من أعراض تلك الاضطرابات عن الأعراض الأخرى في محاولة لتقصي الأمر، وسأحاول في هذا المقال أن أكتب ما تراكم لدي من معلوماتٍ وخبرات حول قضم الأظافر بالأسنان Onychophagia وعلاقته بالوسواس القهري وفي خلفيتي المعرفية حديث سيد الخلق في وصيته لعلي ابن أبي طالب: "يا علي، ثلاثة من الوسواس: أكل الطين، وتقليم الأظفار بالأسنان، وأكل اللحية" (محمد العاملي (2003)   

اعتبر قضم الأظافر بالأسنان أحد العادات العصبية
 
nervous habits لفترةٍ طويلة مثله مثل مص الأصابع thumb-sucking، وغيرهما من منظومة السلوكيات التكرارية (Azrin & Nunn ,1973) و(Joubert,1995) والتي اتسعت بالتدريج لتضم مجموعة من السلوكيات الموجهة تجاه الجسد يمكننا تخيلها على متصل سلوكي يبدأ مما قد يكونُ مقبولا اجتماعيا كسلوكيات تهيئة الجسد وملحقاته المتعلقة بالمظهر Grooming Behaviors، ثم ما هو مقبول -في حدودٍ- كالحالات البسيطة العابرة من قرض الأظافر بالأسنان ونتف بعض الشعر في أوقات التوتر والوحدة، ومرورا بما هو مرفوض في الحضور الاجتماعي شائعٌ في الحضور الفردي، حتى نصل في أقصى طرف المتصل إلى الأشكال المسرفة في إحداث الأذى الجسدي والتي يقترح البعض تسميتها باضطرابات السلوكيات التكرارية محدثة الأذى الجسدي Body focused Repetitive Behaviors، ونستطيع أن نعتبر معظم الحالات التي تظهر في الأطفال منتمية إلى مجموعةِ العاداتِ والسلوكيات التكرارية المألوفةِ، التي ربما تعطي الشُعُور بالارتياح في مواجهة القلقِ أو الوحدة  في الأطفالِ المَحْرُومِين مِنْ الرعاية والأمانِ، وغالبا ما تستجيب هذه الحالات لتصحيح ظروف الطفل النفسية، إلا أن هناك حالات تستدعي ما هو أكثر من ذلك، وهو ما سنحاول التأمل فيه في هذا المقال.

وتشير الدراسات الغربية إلى معدلاتٍ انتشارٍ تبلغ ذروتها في فترة المراهقة ففي الأطفال بين السنة السابعة والعاشرة تتراوح المعدلات بين
28 % و 33% وتصل في المراهقة إلى 44 % حيث تكونُ أعلى معدلات الحدوث بين سن العاشرة والثامنة عشر (Leonard et al., 1991) لتتناقص المعدلات كلما تقدم العمر بعد ذلك فتكون في مرحلة الرشد المبكر بين 19 % و 29%  ولا تزيد في الراشدين الأكبر عن 5%  (McClanahan, 1995)، كما تظهر الدراسات أن اضطراب قضم الأظافر أكثر انتشارا في الذكور منه في الإناث خاصة بعد العاشرة من العمر، إلا أن من المهم الإشارة إلى أن هذه المعدلات تشمل كل الحالات من البسيطة العابرة إلى الشديدة المزمنة.

ويمكننا تقسيم سلوكيات إيذاء الذات التكرارية حسب شدتها وحسب الإمراضية النفسية التحتية underlying psychopathology وكمَّ الضيق أو الكسب الذي يحصله الشخص من تلك السلوكيات، فتصبح عندنا حالاتٌ خفيفة الشدة وحالاتٌ خطيرة الأثر على الجسد، كذلك نجدُ حالات تتماشى فيها تلك السلوكيات -جزئيا- مع الأنا Egosyntonic وحالاتٍ تكونُ فيها غير متماشية مع الأنا Egodystonic، إلا أن الشخص يعجزُ في الحالتين عن إبقاء السلوك تحت سيطرته، وغالبا ما ينتج عنه تشوه في أطراف الأصابع والأظافر على الأقل ووصولاً إلى الالتهاب والعدوى البكتيرية في الأنسجة الرخوة وإلى حد التهاب نخاع عظام osteomyelitis الأصابع واليد، وعادة ما يشمل القضم كل الأظافر بما في ذلك أظافر اليدين والقدمين إلا أن أصابع القدم أكثر تعرضا للقضم، ربما لسهولة إخفائها. 

وإذا أردنا الحديث عن العلية (الأسباب) فمثلما هو الحال مع
اضطراب نتف الشعر في بعض الأحيان يكونُ قضم الأظافر بالأسنان اندفاعيا Impulsive أو أحد علامات السمات الاندفاعية في الشخصية وفي بعض الأحيان يكونُ قهريا أو وسواسيا Compulsive أو مواكبا لاضطراب الوسواس القهري أو السمات القسرية في الشخصية، وقد يكونُ أيضًا قضما تلقائيا Automatic يحدث دون تركيز من الشخص غالبا أثناء انشغاله قلقا أو تسليةً، أي أنه قد يكونُ إراديا (قهريا أو اندفاعيا)أو تلقائيا، دون وعي أو تركيز مباشر على السلوك وقت حدوثه، وقد نجد في بعض المرضى خليطا من النوعين، أي أن المريض ينتف أحيانا بعد أن يأخذَ قرارا بالنتف (مقهورا أو مندفعا) وينتف أيضًا في أوقات الشرود والانشغال، مثل مشاهدة التلفاز أو القراءة أو التحدث في الهاتف أو الاستلقاء في السرير، أو حتى أثناء ركوب أو قيادة المركبات، أو نستطيع أن نقول أن لدينا نوعين من المرضى نوع إرادي يكونُ التركيز فيه مباشرا على سلوك النتف (سواء كان الدافع قهريا أو اندفاعيا) ونوع لا إرادي أو تلقائي، وهو الذي يكونُ فيه تركيز المريض موجها ناحية نشاط آخر أثناء النتف، وهناك خليط من النوعين نراه في بعض المرضى، لكن هناك من يفعله وهو منبسط المزاج وهناك من يفعله وهو مكتئب المزاج، وعادة ما نجد حالات قضم الأظافر بالأسنان في الكبار مواكبة باضطراباتٍ نفسية أخرى كاضطرابات المزاج أو القلق أو إساءة استخدام العقاقير نفسانية التأثير.

وأما طرق علاج اضطراب قضم الأظافر بالأسنان فتشمل نفس طرق العلاج التي شرحناها في حديثنا عن طرق علاج اضطراب نتف الشعر، فنجد طرق العلاج السلوكي هي أنجح طرق العلاج لمن يكملها من المرضى بينما نجد دور العقَّاقير دورا مساعدا والعقاقير المستخدمة هي عقاقير الماس clomipramine خاصة والماسا SSRIs عامة، وأما الطرق السلوكية فتشمل:

1- التدريب على قلب العادة Habit Reversal Training وهي الطريقة الوحيدة التي توجد دلائل على نجاحها في المدى الطويل، ويشمل التدريب الاستجابة بقبض اليد لمدة ثلاثة دقائق عند الإحساس بالرغبة في القضم، إضافة إلى التعرف على المشعرات والمسببات التي تؤدي إلى زيادة معدلات القضم، وإلى تعلم العناية بالأظافر من أجل إنقاص التعرجات أو غيرها مما يستثير الرغبة في القضم عادة عند كثيرين من المرضى.
2- مراقبة الذات Self Monitoring
3- استخدام مادة مرة توضع على الأظافر Deterrents
4-  الاستجابات المنافسة competing responses
5- التدريب على الممارسة السلبية Negative Practice Training: حيث يستثير المرضى رغبتهم في قضم الأظافر وهم أمام بعضهم بعضا في نفس الوقت الذي يسخرون فيه من مظهرهم وهم يفعلون ذلك، ويمارس ذلك لمدة ثلاثين ثانية كل ساعة على سبيل المثال.

وقد أجريت دراسة لمقارنة التدريب على قلب العادة بالتدريب على الممارسة السلبية  (
Azrin, et al., 1980) وأظهرت نتائجها تحسنا بلغت نسبته 98% استمر لمدة شهور خمسة هي مدة الدراسة في حالة التدريب على قلب العادة، بينما حدث تحسن نسبته 60% نتيجة للتدريب على الممارسة السلبية واستمر ثلاثة شهور فقط، وأما نتائج العلاج بالعقَّاقير فلا ينتظرُ أصلا أن يعتمد المعالج عليها وحدها لأن التحسن في أحسن الأحوال لا يزيد عن 60% أو 70% ويرتبط بالاستمرار على العقَّار، وبالتالي فإن الأسلوب الأمثل هو استخدام العقَّار كعامل مساعد للعلاج السلوكي. 

وقد رأيت من خلال ممارستي الخاصة أن تحسن أعراض قضم الأظافر بالأسنان في مرضى الوسواس القهري كثيرا ما يحدثُ مواكبا للتحسن في أعراض الوسواس نفسه، إلا أن الملاحظة التي أرى أنها تحتاج إلى دراسة مستفيضة ما تزال هي وجود أعراض سلوكيات إيذاء الجسد التكرارية كقضم الأظافر ونتف الشعر في بعض أفراد أسرة مريض الوسواس القهري وليس فقط في المريض نفسه، ولكن المشكلة أن تلك الأعراض يخبرني بها المريض أنها موجودة في أحد أو بعض أفراد الأسرة لكن الأخير لا يطلب العلاج عادة منها وكثيرون يرونها طبيعية. 

المراجع:
25. محمد بن الحسن الحر العاملي: كتاب تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ج 2 ص121ـ 140عن موقع الإنترنت التالي
http://www.rafed.net/books/hadith/wasael-2/was2007.html

Azrin KW, Nunn RG.:(1973) Habit-reversal: a method of eliminating nervous habits and tics. Behav Res Ther 1973;11:619–28.
Joubert CE (1995) Associations of social personality factors with personal habits. Psychol Rep 1995;76:1315–21.
Leonard HL, Lenane MC, Swedo SE, Rettew DC, Rapoport JL.
(1991): A double-blind comparison of clomipramine and desipramine treatment of severe onychophagia (nail biting). Arch Gen Psychiatry 1991;48:821-827.
McClanahan TM.(1995) Operant learning (R-S) principles applied to nail-biting. Psychol Rep 1995;77:507–14.
Azrin, N.H, Nunn, R.G., Frantz SE.(1980): Habit reversal vs. negative practice treatment of nailbitting. Behaviour Research therapy,18:281-285,1980.



الكاتب: أ.د وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 25/09/2006